الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة: [181]
الرخص لا تناط بالمعاصي
الألفاظ الأخرى
- الرخص لا تستباح بالمعاصي
التوضيح
إن فعل الرخصة متى توقف على وجود شيء نظر في ذلك الشيء، فإن كان تعاطيه في نفسه حراماً امتنع فعل الرخصة، وإلا فلا، وبهذا يظهر الفرق بين المعصية بالسفر، والمعصية في السفر، فالعبد الآبق، والناشزة والمسافر للمكس ونحوه، عاص بالسفر، فالسفر نفسه معصية، والرخصة منوطة به، أي معلقة به، ومترتبة عليه
ترتب المسبب على السبب، فلا تباح فيه الرخص، ومن سافر مباحاً فشرب الخمر في سفره فهو عاص فيه أي مرتكب المعصية في السفر المباح، فنفس السفر ليس معصية، ولا هو آثم به، فتباح فيه الرخص، لأنها منوطة بالسفر، وهو في نفسه مباح، ولهذا جاز المسح على الخف المغصوب بخلاف المحرم، لأن الرخصة منوطة باللبس، وهو للمحرم معصية، وفي المغصوب ليس معصية لذاته، أي لكونه لبساً، بل للاستيلاء
على حق الغير، ولذا لو ترك اللبس لم تزل المعصية بخلاف المحرم قاله السيوطي، فعلم أن العاصي بسفره لا يستبيح شيئاً من رخص السفر كالقصر، والجمع، والفطر، والمسح ثلاثاً، والتنفل على الراحلة، وترك الجمعة وأكل الميتة.
وطرد الاصطخري القاعدة في سائر الرخص، فقال: إن العاصي بالإقامة لا
يستبيح شيئاً منها، لكن ذهب عامة أصحاب الشافعي إلى أن يستبيحها، وفرقوا بأنَّ
الإقامة نفسها ليست معصية، لأنها كف، وإنما الفعل الذي يوقعه في الإقامة معصية، بخلاف السفر فإنه في نفسه معصية.
التطبيقات
1 -
لو استنجى بمطعوم أو محقرم أي له حرمة، كالذي كتب عليه اسم معظم، أو علم شرعي، لا يجزئه الاستنجاء في الأصح، لأن الاقتصار على الحجر رخصة فلا يناط بمعصية.
(اللحجي ص 71) .
2 -
لو جُن المرتد وجب قضاء صلوات أيام الجنون، بخلاف ما إذا حاضت المرتدة لا تقضي صلوات أيام الحيض، لأن سقوط القضاء عن الحائض عزيمة، وعن المجنون رخصة، والمرتد ليس من أهل الرخصة.
(اللحجي ص 72) .
3 -
لو لبس المحرِم الخف، فليس له المسح، لأن المعصية هنا في نفس اللبس، ذكرها الإسنوي.
(اللحجي ص 72) .
فائدة: الاختلاف في قاعدة حكم الترخص في المعصية
اختلف الفقهاء فيها فأقرها الشافعية والحنابلة، محتجين في ذلك بقوله تعالى:.
(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ) .
فالرخصة لا يصحبها بغي ولا عدوان، فإن صحبها سقطت إلى أن يتوب، قال الشافعي رحمه الله تعالى:
"ومن خرج عاصياً لم يحل له شيء مما حرم الله عز وجل بحال؛ لأن الله تبارك وتعالى إنما أحل ما حرّم بالضرورة، على شرط أن يكون المضطر غير باغ ولا عاد ولا متجانف لإثم ".
وأبطل الحنفية هذه القاعدة بالمرة، ولم يروا مسوغاً للعمل بها، واحتجوا بقوله تعالى:(وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) .
قال الجصاص رحمه الله تعالى:
"ومن امتنع عن المباح حتى مات كان قاتلاً نفسه، متلفاً لها عند جميع أهل العلم، ولا يختلف في ذلك عندهم حكم العاصي والمطيع، بل يكون امتناعه عند ذلك من الأكل زيادة على عصيانهاً، وأيد ذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى في رأي له في بعض الحالات.
وفصل المالكية، فقالوا في الصحيح: إن كانت الرخصة يبيحها السفر، بأن كانت خاصة به، كالفطر والقصر فلا يجوز للعاصي الأخذ بها، وإن كانت الرخصة ليست خاصة بالسفر كالتيمم ومسح الخف وأكل الميتة للمضطر، جاز فعلها للعاصي.
واختلف علماء المالكية، فمنهم من قال بمنع الترخص في المعصية، ومنهم من
قال بالجواز، ومنهم من فصل.
فالذين قالوا بالمنع احتجوا بنفس حجج الشافعية والحنابلة، وتحمس لهذا
القول ابن العربي رحمه الله تعالى، فقال:
"ولأجل ذلك لا يستبيح العاصي بسفره رخص السفر. ..
والصحيح أنها لا تباح بحال؛ لأن الله تعالى أباح ذلك عوناً.
والعاصي لا يحل له أن يعان، فإن أراد الأكل فليتب ويأكل، وعجباً ممن يبيح ذلك له مع التمادي على المعصية، وما أظن أحداً يقوله، فإن قاله فهو مخطئ قطعاً".
وأجاز القرطي ذلك، وعقب على ابن العربي بقوله: "والصحيح خلاف هذا،
فإن إتلاف المر نفسه في سفر المعصية أثر معصية مما هو فيه، قال الله تعالى:(وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) ، وهذا عام، ولعله يتوب في ثاني حال، فتمحو
التوبة عنه ما كان".
وفصل ابن خويز منداد المالكي في ذلك فأجاز الرخصة في الأكل للمضطر.
والتيمم، وعدم الرخصة في الفطر والقصر، وقال:
"فأما الأكل عند الاضطرار فالطائع والعاصي فيه سواء؛ لأن الميتة يجوز تناولها في السفر والحضر (للضرورة)
وليس بخروج الخارج إلى المعاصي يسقط عنه حكم المقيم، بل أسوأ حالة من أن يكون مقيماً، وليس كذلك الفطر والقصر؛ لأنهما رخصتان متعلقتان بالسفر، فمتى كان السفر سفر معصية لم يجز أن يقصر فيه؛ لأن هذه الرخصة تختص بالسفر، ولذلك قلنا: إنه يتيمم إذا عدم الماء في سفر المعصية؛ لأن التيمم في الحضر والسفر سواء.
وكيف يجوز منعه من أكل الميتة والتيمم لأجل معصية ارتكبها، وفي ترك الأكل تلف نفسه، وتلك أكبر المعاصي، وفي تركه التيمم إضاعة للصلاة، أيجوز أن يقال: ارتكبت معصية فارتكب أخرى؟!
أيجوز أن يقال لشارب الخمر: ازن؟! وللزاني:
اكفر، أو يقال لهما: ضيعا الصلاة" وهذا هو الذي قرره القاضي عبد الوهاب بكلام مثل هذا أو قريب منه، وهو المشهور من مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى.
وهذا ما أكده القرافي رحمه الله تعالى وحققه، مبيناً سبب الترخيص للعاصي في
أكل الميتة، دون القصر والفطر، بكون المعصية سبباً للرخصة، وكونها مصاحبة لها، فقال:
"فأما المعاصي فلا تكون أسباباً للرخص، ولذلك: العاصي بسفره لا يقصر.
ولا يفطر؛ لأن سبب هذين السفر، وهو في هذه الصورة معصية، فلا يناسبه
الرخصة، لأن ترتيب الرخص على المعصية سعي في تكثير تلك المعصية بالتوسعة على المكلف بسببها، وأما مقارنة المعاصي لأسباب الرخص فلا تمنع إجماعاً، كما يجوز
لأفسق الناس وأعصاهم التيمم إذا عدم الماء، وهو رخصة، وكذلك الفطر إذا أضر به الصوم، والجلوس إذا أضر به القيام، ويقارض وشحاقي، ونحو ذلك من الرخص.
ولا تمنع المعاصي من ذلك، لأن أسباب هذه الأمور غير معصية، بل هي عجزه عن الصوم ونحوه، والعجز ليس معصية، فالمعصية هنا مقارنة للسبب لا سبب، وبهذا يبطل قول من قال: إن العاصى بسفره لا يأكل الميتة إذا اضطر إليها، لأن سبب أكله خوفه على نفسه لا سفره ".
وهذا قريب من تفريق الشافعية بين سفر المعصية، والمعصية في السفر، ويترتب على الرأي الأخير أن القصر والفطر يتعلقان بالعبادة، وعدم الأخذ بالرخصة فيهما لا يسبب ضرراً للعاصي، أما أكل الميتة فيتعلق بالعادات، وعدم الأخذ فيه بالرخصة يسبب ضرراً للعاصي.
وينبني على هذا التفريق أن المسافر العاصي إذا قصر الصلاة، أو أفطر في
رمضان، فعمله باطل، وعليه القضاء في الصلاة، والكفارة في الصيام، وإلا فلا معنى لهذا التفريق.