الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة: [205]
جنس فعل المأمور به أعظم من جنس ترك المنهي عنه
الألفاظ الأخرى
- جنس ترك الواجبات أعظم من جنس فعل المحرمات.
- أداء الواجب أعظم من ترك المحرم.
- الطاعات الوجودية أعظم من الطاعات العدمية.
- مصلحة أداء الواجب تغمر مفسدة المحرم.
التوضيح
الجنس هو ما له اسم خاص يشمل أنواعاً، فكل لفظ عم شيئين فصاعداً فهو
جنس لما تحته، سواء اختلف نوعه أو اً يختلف، فالأمر جنس وتحته أنواع من
الفرائض، والنهي جنس ويشمل أنواعاً من المحرمات، والإنسان جنس ويشمل الذكور والإناث.
وإن الشارع اعتنى بفعل الأوامر وأداء الطاعات أشد من اعتنائه بترك المنهيات واجتناب المحرمات، فجنس الظلم مثلاً بترك الحقوق الواجبة أعظم من جنس الظلم بتعدي الحدود.
وهذه القاعدة تعبر عن مرتبة من مراتب المصالح والمفاسد، إذ عند التعارض يقدم جنس فعل الواجب على جنس ترك المحرم.
وهذا التفضيل في الجنس فقط، وهذا لا يمنع من وجود أفراد من المنهي عنه يكون
تركها أفضل من فعل بعض المأمور به، كما إذا فضل الذكر على الأنثى، والإنسي على الملَك، فالمراد الجنس، لا عموم الأعيان.
وهذه القاعدة محل اختلاف، فيرى آخرون أن درء المفاسد أولى من جلب
المصالح؛ لأن عناية الشارع بالمنهي عنه أعظم من عنايته بالمأمور به، كما سبق في شرح هذه القاعدة.
ويستدل ابن تيمية على صحة القاعدة بأدلة كثيرة بلغت ثلاثين وجهاً، منها:
1 -
إن أعظم الحسنات هو الإيمان بالله ورسوله، وأعظم السيئات الكفر.
والإيمان أمر وجودي، ولا يكون الرجل مؤمناً حتى يقر بقلبه بذلك، فينتفي عنه الشك ظاهراً وباطناً، مع وجوب العمل الصالح.
والكفر عدم الإيمان، سواء اعتقد الرجل نقيضه وتكلم به، أو لم يعتقد شيئاً ولم يتكلم، والإيمان مأمور به ولو اقترن به فعل منهي عنه من التكذيب، أو لم يقترن به شيء، فكان جنس فعل المأمور به أعظم من جنس ترك المنهي عنه.
2 -
إن ذنب إبليس ترك المأمور به، وهو السجود، وذنب آدم فعل المنهي عنه، وهو الأكل من الشجرة، فكان ذنب إبليس أكبر وأسبق.
3 -
إن الحسنات التي هي فحل المأمور به، تذهب بعقوبة الذنوب والسيئات التي هي فعل المنهي عنه، وإن فاعل المنهي عنه يذهب إثمه بالتوبة، وهي حسنة مأمور بها، وبالأعمال الصالحة المقاومة، وهي حسنات مأمور بها، وبدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وبشفاعته.
وبدعاء المؤمنين وشفاعتهم، وبالأعمال الصالحة التي تُهدى إليه، وكل ذلك من الحسنات المأمور بها، وما من سيئة هي فعل منهي عنها إلا ولها حسنة تذهبها، هي فعل مأمور به، حتى الكفر، سواء كان وجودياً أو عدمياً، فإن حسنة الإيمان تذهبه،
وأما الحسنات فلا تذهب السيئاتُ ثوابَها مطلقاً، ولذلك يثبت رجحان الحسنات المأمور بها على ترك السيئات المنهي عنها.
4 -
إن مباني الإسلام الخمس المأمور بها، لكان كان ضرر تركها لا يتعدى
صاحبها، فإنه يقتل بتركها في الجملة عند جماهير العلماء، ويكفر أيضاً عند كثير منهم أو أكثر السلف، وأما فعل المنهي عنه، الذي لا يتعدى ضرره صاحبه، فإنه لا يقتل به عند أحد من الأئمة، ولا يكفر به إلا إذا ناقض الإيمان لفوات الإيمان وكونه مرتداً أو زنديقاً، فثبت أن الكفر والقتل لزك المأمور به، أعظم منه لفعل المنهي عنه.
5 -
إن فعل الحسنات يوجب ترك السيئات، وليس مجرد ترك السيئات يوجب فعل الحسنات، فصار فعل الحسنات يتضمن الأمرين فهو أشرف وأفضل.
التطبيقات
1 -
طهارة الحدث من باب الأفعال المأمور بها، فيشترط لصحتها النية، وطهارة الخبث من باب التروك، فلا يشترط لزوالها النية..
(ابن تيمية، الحصين 1/267) .
2 -
إذا صلى بالنجاسة جاهلاً أو ناسياً فلا إعادة عليه؛ لأن النجاسة ترك من باب المنهي عنه، وما كان مقصوده اجتناب المحظور إذا فعله العبد ناسياً أو مخطئاً فلا إثم عليه..
(ابن تيمية، الحصين 1/267) .
أما إذا ترك مأموراً به، ولو ناسياً أو جاهلاً كالركوع أو السجود، فتجب الإعادة.
3 -
ما فعله العبد ناسياً أو مخطئاً من محظورات الصلاة والصيام والحج لا يبطل العبادة، كالكلام ناسياً، والأكل ناسياً، والطيب ناسياً..
(ابن تيمية، الحصين 1/267)
أما لو ترك مأموراً به، ناسياً أو مخطئاً، بطلت العبادة، أو فسدت، أو نقصت واحتاجت إلى جبر.
4 -
إذا تعارض واجب ومحرم، فإن مصلحة الواجب تغمر مفسدة المحرم، فيفعل الواجب، وإن أفضى إلى فعل محرم، هذا إذا لم تكن مفسدة المحرم أكثر من مصلحة الواجب فتطبق القاعدة السابقة في تعارض المصلحة والمفسدة وتقديم الأرجح.
(ابن تيمية، الحصين 1 / 279) .
5 -
قد يعرض الوجوب في المعاملات المالية، مثل إذا ترتب على ترك البيع
والشراء والمتاجرة التقصير في نفقة واجبة، كنفقة الأولاد وتضييعهم وتركهم عالة يتكففون الناس، أو كان عليه دين لم يمكن أداؤه إلا بأن يسعى في الأرض بيعاً وشراء، أو ترتب على الترك سيطرة الكفار أو الفجار على أسواق المسلمين، وأن تكون التجارة بأيديهم، فيتسلطون بذلك على المسلمين، ويستضعفونهم، ويخضعونهم لما يريدون، فهنا يجب البيع والشراء، إما فرض عين أو فرض كفاية.
فإذا كان في المعاملات شبهة، أو اختلطت بمحرم، ولم يمكن فعل الواجب إلا عن طريقها، ولم يكن ثمة طريق آخر سالم من الشبه، فإن مصلحة الواجب تغمر مفسدة المحرم، وفعل الواجب أعظم من ترك المحرم..
(ابن تيمية، الحصين 1/ 279) .