الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة: [297]
التصرفات للغير بدون إذنه، هل تقف على إجازته أم لا
؟
التوضيح
يعبر عنها بتصرف الفضولي، وهو أن يبيع شخص مثلاً مال آخر بدون إذنه، وهو ستة أقسام، وفي كل قسم أحكام واختلاف، وهي:
القسم الأول: أن تدعو الحاجة إلى التصرف في مال الغير أو حقه، ويتعذر
استئذانه، إما للجهل بعينه، أو لغيبته ومشقة انتظاره، فهذا التصرف مباح جائز موقوف على الإجازة، وهو في الأموال غير مختلف فيه في المذهب، وغير محتاج إلى إذن حاكم على الصحيح، وفي الأبضاع مختلف فيه، غير أن الصحيح من المذهب جوازه أيضاً، وفي افتقاره إلى الحاكم خلاف، فأما الأموال، فكالتصدق باللقطة التي لا تملك، وكالتصدق بالودائع والغصوب التي لا يُعرف ربها، أو انقطع خبره.
ويكون ذلك موقوفاً، فإن أجازه المالك وقع له أجره، وإلا ضمنه التصرف، وكأنه أجره له، صرح بذلك الصحابة رضي الله عنهم.
وأما الأبضاع، فتزويج امرأة المفقود إذا كانت غيبته ظاهرها الهلاك، فإن امرأته تتربص أربع سنين، ثم تعتد وتباح للأزواج، وفي توقف ذلك على الحاكم روايتان.
واختلف في مأخذهما، فقيل: لأن أمارات موته ظاهرة، فهو كالميت حكماً، وقيل: بل لأن انتظاره يعظم به الضرر على زوجته، فيباح لها فسخ نكاحه، كما لو ضارها بالغيبة وامتنع من القدوم مع المراسلة.
وعلى هذين المأخذين ينبني أن الفرقة هل تنفذ ظاهراً وباطناً، أو ظاهراً فقط؛ وينبني الاختلاف في طلاق الولي لها، وله مأخذ ثالث، وهو الأظهر، وهو أن الحاجة دعت هنا إلى التصرف في حقه من بضع الزوجة بالفسخ عليه، فيصح الفسخ وتزوجها بغيره ابتداءَ للحاجة، فإن لم يظهر، فالأمر على ما هو عليه، وإن ظهر كان ذلك موقوفاً على إجازته، فإذا قدم، فإن شاء أمضاه وإن شاء رده.
القسم الثاني: ألا تدعو الحاجة إلى هذا التصرف ابتداء، بل إلى صحته وتنفيذه، بأن تطول مدة التصرف، وتكثر، ويتعذر استرداد أعيان أمواله، فللأصحاب فيه طريقان، أشهرهما: إنه على الخلاف الآتي ذكره.
والثاني: إنه ينفذ ها هنا بدون إجازة، دفعاً للضرر بتفويت الربح، وضرر المشترين بتحريم ما قبضوه بهذه العقود.
القسم الثالث: ألا تدعو الحاجة إلى ذلك ابتداء ولا دواماً، فهذا القسم في بطلان التصرف فيه من أصله، ووقوفه على إجازة المالك وتنفيذه، روايتان معروفتان.
واعلم أن لتصرف الشخص في مال غيره حالتين:
إحداهما: أن يتصرف فيه لمالكه، فهذا محل الخلاف الذي ذكرناه، وهو ثابت في التصرف في ماله بالبيع والإجارة ونحوهما.
وأما في النكاح فللأصحاب فيه طريقان، أحدهما: إجراؤه على
الخلاف، وهو ما قاله الأكثرون.
والثاني: الجزم ببطلانه قولاً واحداً.
ونص أحمد على التفريق بينهما، فعلى هذا لو زوِّج المرأة أجنبي، ثم أجازه الولي، لم ينفذ بغير خلاف، كما لو زوجت نفسها، نعم لو زوِّج غير الأب من الأولياء الصغيرة بدون إذنها، أو زوج الولي الكبيرة بغير إذنها، فهل يبطل من أصله، أو يقف على إجازتها؛ على روايتين.
الحالة الثانية: أن يتصرف فيه لنفسه، وهو الغاصب، ومن يتملك مال غيره
لنفسه، فيجيزه له المالك، فأما الغاصب ففي قول أن جميع تصرفاته الحكمية فيها روايتان، إحداهما: البطلان، والثانية: الصحة، وسواء في ذلك العبادات كالطهارة والصلاة والزكاة والحج والعقود كالبيع والإجارة والنكاح.
وفي قول: إطلاق الخلاف غير مقيد بالوقف على الإجازة.
وفي قول: مقيد بها، فإن أريد بالصحة من غير وقف على الإجازة وقوع التصرف عن المالك وإفادة ذلك للملك له، فهو الطريق
الثانية في القسم الثاني الذي سبق ذكره، وإن أريد الوقوع للغاصب من غير إجازة، ففاسد قطعاً إلا في صورة شرائه في الذمة إذا فقد الماء من المغصوب، فإن الملك يثبت له فيها، ولا ينافي ذلك قولنا: إن الربح للمالك؛ لأنه فائدة ماله وثمرته، فيختص به، وإن كان أصل الملك لغيره.
تطبيقات
1 -
من فروع ذلك في العبادات المالية: لو أخرج الزكاة عن ماله من مال حرام، فالمشهور أنه يقع باطلاً، وحكي عن أحمد أنه إن أجازه المالك، أجزأته، وإلا فلا.
(ابن رجب 3/ 447) .
2 -
لو تصدق الغاصب بالمال، فإنه لا تقع الصدقة له ولا يثاب عليه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول ".
ولا يثاب المالك على ذلك أيضاً لعدم تسببه إليه.
ومن الناس من قال: يثاب المالك عليه، ورجحه بعض المشايخ، لأن هذا البر تولد من مال اكتسبه، فيؤجر عليه وإن لم يقصده، كما
يؤجر على المصائب التي تولد له خيراً، وعلى عمل ولده الصالح، وعلى ما ينتفع به الناس والدواب من زروعه وثماره.
(ابن رجب 3/ 449) .
3 -
لو غصب شاة فذبحها لمتعته أو قرانه بالحج مثلاً، فإنه لا يجزئه، صرح به الأصحاب، ونص عليه أحمد، لأن أصل الذبح لم يقع قربة من الابتداء، فلا ينقلب قربة بعده، كما لو ذبحها للحمها ثم نوى بها المتعة.
وفي رواية بوقفه على إجازة المالك، ونص أحمد على الفرق بين أن يعلم أنها لغيره فلا تجزئه، وبين أن يظنها لنفسه
فتجزئه في رواية، وسوى كثير من الأصحاب بينهما، ولا يصح.
(ابن رجب 3/450)
القسم الرابع: التصرف للفير في الذمة دون المال بغير ولاية عليه، فإن كان بعقد نكاح ففيه الخلاف السابق، وإن كان ببيع ونحوه مثل أن يشتري له في ذمته، فطريقان، أحدهما: إنه على الخلاف أيضاً، والثاني: الجزم بالصحة ها هنا قولاً واحداً، ثم إن أجازه المشترى له ملكه، وإلا لزم من اشتراه، وهو قول الأكثرين.
وفي قول: يصح بغير خلاف، لكن هل يلزم المشتري ابتداء أو بعد رد المشترى له؛ على روايتين.
واختلف الأصحاب: هل يفترق بين أن يسمى المشترى له في العقد أم لا؟
فمنهم من قال: لا فرق بينهما، ومن قال: إن سماه في العقد فهو كما لو اشترى له بعين ماله.
(ابن رجب 3/ 451) .
القسم الخاص: التصرف في مال الفير بإذنه على وجه تحصل فيه مخالفة الإذن، وهو نوعان:
النوع الأول: أن تحصل مخالفة الإذن على وجه يرضى به عادة، بأن يكون
التصرف الواقع أولى بالرضا به من المأذون به من المأذون فيه، فالصحيح أن يصح اعتباراً فيه بالإذن العرفي.
التطبيقات
1 -
ما لو قال له: بعه بمئة، فباعه بمئتين، فإنه يصح، وكذا لو قال له؛ اشتره بمئة، فاشتراه بثمانين.
(ابن رجب 3/ 451) .
2 -
لو قال له: بعه بمئة درهم نسيئة، فباعه بها نقداً، فإنه يصح.
(ابن رجب 3/ 453) .
3 -
لو قال له: بعه بمئة درهم، فباعه بمئة دينار، فإنه يصح على الصحيح، وفيه وجه: لا يصح للمخالفة في جنس النقد.
(ابن رجب 3/ 453) .
4 -
لو قال: بع هذه الثاة بدينار، فباعها بدينار وثوب، أو ابتاع شاة وثوباً
بدينار، فإنه يصح، وهو المذهب، مع احتمال أنه يبطل في الثوب بحصته من الشاة، لأنه من غير الجنس.
(ابن رجب 3/ 453) .
5 -
لو أمره أن يشتري له شاة بدينار، فاشترى شاتين بالدينار، تساوي إحداهما أو كل واحدة منهما ديناراً، فإنه يصح لذلك، فإن باع إحداهما بدون إذنه، ففيه طريقان، أحدهما: إنه يخرج على تصرف الفضولي.
والثاني: إنه صحيح وجهاً واحداً، وهو المنصوص عن أحمد، لخبر عروة بن الجعد، ولأن ما فوق الشاة المأمور بها لم يتعين فصار موكولاً إلى نظره وما يراه.
(ابن رجب 3/ 454) .
النوع الثاني: أن يقع التصرف مخالفاً للإذن على وجه لا يرتضي به الآذن عادة، مثل مخالفة المضارب والوكيل في صفة العقد دون أصله، كان يبيع المضارب نسأَ على القول بمنعه منه، أو يبيع الوكيل بدون ثمن المثل، أو يشتري بأكثر منه، أو يبيع نسأ أو بغير نقد البلد، وكل ذلك سواء في الحكم، وللأصحاب ها هنا طرق:
أحدها: إنه يصح، ويكون المتصرف ضامناً؛ لأن التصرف مستند أصله إلى إذن صحيح، وإنما وقعت المخالفة في بعض أوصافه، فيصح العقد بأصل الإذن، ويضمن المخالف بمخالفته في صفته، مع تفصيل في بعض الحالات، وفي قول: إنه يبطل العقد مع مخالفة التسمية، لمخالفة صريح الأمر، بخلاف ما إذا لم يسمَّ، فإنه إنما خالف دلالة العرف، وفي قول فيه تفصيل.
الطريقة الثانية: إن في الجميع روايتين، إحداهما: الصحة والضمان.
والثانية: البطلان، ويكون تصرفه كتصرف الفضولي سواء.
الطريقة الثالثة: إن في البيع بدون ثمن المثل وغير نقد البلد إذا لم يقدر له الثمن، ولا عين النقد، روايتين، البطلان كتصرف الفضولي، والصحة، ولا يضمن الوكيل شيئاً، وهذه الطريقة بعيدة جداً لمخالفتها التطبيقات التالية، والتي تعتبر استثناءات لها.
الاستثئاءات من الطريقة الثالثة
1 -
المخالفة في المهر: لو أذنت المرأة لوليها أن يزوجها بمهر سمته، فزوجها بدونه، فإنه يصح ويضمن الزيادة، نص عليه أحمد، وفي رواية أخرى: إنه يسقط المسمى ويلزم الزوج مهر المثل، وكذا لو لم يُسم المهر، فإن الإطلاق ينصرف إلى مهر المثل.
ويستثنى من ذلك الأب خاصة، فإنه لا يلزم في عقده سوى المسمى، ولو لم تأذن فيه، أو طلبت تمام المهر، نص عليه أحمد.
(ابن رجب 3/ 460) .
2 -
المخالفة في عوض الخلع: إذا خالف وكيل الزوجة بأكثر من مهر المثل، أو وكيل الزوج بدونه، ففيه ثلاثة أوجه، البطلان، والصحة، والبطلان بمخالفة وكيله، والصحة بمخالفة وكيلها، ومع الصحة يضمن الوكيل الزيادة والنقص.
وهذا الخلاف: من الأصحاب من أطلقه مع تقرير المهر وتركه، ومنهم من خصه بما إذا وقع التقدير، فأما مع الإطلاق فيصح الخلع وجهاً واحداً.
وفيه وجهان آخران:
أحدهما: يبطل المسمى ويرجع إلى مهر المثل، والثاني: يخير الزوج بين قبول العوض ناقصاً ولا شيء له غيره ويسقط حقه من الرجعة، وبين رده على المرأة ويثبت له الرجعة، وفي مخالفة وكيل الزوجة وجه آخر: إنه يلزمها أكثر الأمرين من المسمى ومهر المثل.
(ابن رجب 3/ 461) .
القسم السادس: التصرف للغير بمال المصرف، مثل أن يشتري بعين ماله لزيد سلعة، ففي قول يقع باطلاً رواية واحدة، ومن الأصحاب من خرجه على الخلاف في تصرف الفضولي، وهو أصح؛ لأن العقد يقف على الإجازة، وتعيين الثمن من ماله يكون إقراضاً للمشترى له، أو هبة له، فهو كمن أوجب لغيره عقداً في ماله، فقبله
الآخر بعد المجلس، ونص أحمد على صحة مثل ذلك في النكاح، والصحيح في توجيهها أنها من باب وقف العقود على الإجازة، فعلى هذا لا فرق بين عقد وعقد، فكل من أوجب عقداً لغائب عن المجلس، فبلغه، فقبله، فقد أجازه وأمضاه، ويصح على هذه الرواية.
وفي رواية أخرى: أنه لا يصح إلا في مجلس واحد.