الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واعلم أن الموانع الشرعية ثلاثة أقسام (1):
أحدها: ما يمنع ابتداء الحكم واستمراره، كالرضاع يمنعُ صحةَ النكاح ابتداء ويقطعُ دوامًا.
الثاني: ما يمنعه ابتداء دون الدوام، كالعدة تمنع صحة النكاح لغير من هي منه، ولو طرأت على نكاح صحيح بوطء شبهة لم تقطعه.
الثالث: ما اختلف فيه (2)، كالإِحرام بالنسبة إِلى ملك الصيد.
فهذه الأنواع متفق على كونها من خطاب الوضع عند القائلين به.
[أنواع أُخَر]:
وزاد الآمدي وغيرُه أربعةَ أنواع وهي: الصحة والبطلان والعزيمة والرخصة (3). وزاد القرافي (4) نوعين آخرين؛ أحدهما: التقديرات
(1) ذكر هذه الأقسام الثلاثة القرافي، انظر تنقيح الفصول مع شرحه (84).
هذا: وسيأتي لهذه الأقسام مزيد تفصيل، في البحث الثاني عشر.
(2)
والاختلاف فيه من جهة إِلحاقه بالقسم الأول أو الثاني.
(3)
لبيان تلك الأنواع عند الآمدي، أنظر: الإِحكام (1/ 186، 187). ولم أجد -فيما بحثت- أحدًا غير الآمدي اقتصر على هذه الأربعة، بل وجدت بعض الأصوليين يضيف الأداء والقضاء والإِعادة كالغزالي، وبعضهم يذكرها في فصول مستقلة دون أن يصرح بكونها من خطاب الوضع، وبعضهم ينفي كون بعضها من خطاب الوضع.
(4)
هو أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إِدريس القرافي. ولد بالبَهْنَسَا.
أخذ كثيرًا من علومه عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام الشافعي، وعن جمال الدين بن الحاجب، وعن شرف الدين الكركي وغيرهم.
وكان القرافي إِمامًا عالمًا، مؤلفًا متفننًا، وقد انتهت إِليه رياسة الفقه على مذهب مالك.
مصنفاته كثيرة منها في العقيدة: الأجوبة الفاخرة، وشرح أربعين الرادي، وفي أصول الفقه: كتاب نفائس الأصول وهو شرح للمحصول، وتنقيح الفصول وهو مختصر للمحصول، =
الشرعية (1)، الثاني: الحجاج (2):
أما الأول: فهو إعطاءُ الموجودِ حكمَ المعدوم والمعدوم حكم الموجود: مثال الأول (3): الماء في حق المريض عند خوف استعماله فوات (4) عضو أو منفعة فإِنه يباح له التيمم ويجعل الماء كالمعدوم. ومثال الثاني (5): كالمقتول تورث عنه الدية، وإِنما تجب بموته، ولا تورث عنه إِلا إِذا دخلت في ملكه، وبعد موته لا يصلح لدخول شيء في ملكه، فيقدر دخولها في ملكه قبل موته في الزمن (6) الفرد (7)، حتى تنتقل إِلى ورثته وتقضى منها ديونه، فقدرنا المعدومَ موجودًا للضرورة، وله أمثلة تأتي إِن [شاء](8) الله تعالى (9).
= وشرح التنقيح، والاستغناء في أحكام الاستثناء، والعقد المنظوم في الخصوص والعموم. وفي قواعد الفقه: الفروق: والأمنية في إِدراك النية، والأحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام. وفي الفقه: الذخيرة. توفي رحمه الله بمصر سنة 684 هـ.
انظر: الديباج المذهب (62)، وشجرة النور الزكية (188)، والفتح المبين (2/ 86).
(1)
انظر: شرح تنقيح الفصول (80)، والفروق (1/ 161).
(2)
انظر: الفروق (1/ 129).
(3)
وهو إِعطاء الموجود حكم المعدوم.
(4)
عبارة العلائي في هذا المقام أجود، ونصها: -: إِذا خاف من استعماله فوات عضو: المجموع المذهب: ورقة (13/ ب).
(5)
وهو إِعطاء المعدوم حكم الموجود.
(6)
قال العلائي والقرافي: بالزمن.
(7)
هكذا وردت هذه الكلمة في المخطوطة، والنسخة الأخرى: ورقة (4/ أ)، والمجموع المذهب ورقة (14/ أ)، وشرح تنقيح الفصول (69).
ولعل معناها: أقل زمن يتصور فيه دخول الدية. في ماله.
(8)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة وموجود في النسخة الأخرى: ورقة (14/ أ)، وبه يستقيم الكلام.
(9)
وذلك في قاعدة: التقدير على خلاف التحقيق. وقد ذكرها المؤلف في ورقة (59/ ب).
وأما الحجاج: فهي التي يستند إِليها القضاة في الأحكام، كالبينة والإِقرار، فيجب على الحاكم الحكم بها وهي في الحقيقة راجعة إِلى السبب.
(1)
واعلم: أنه قد يجتمع خطاب الوضع وخطاب التكليف في ذات واحدة، وقد ينفرد، خطاب الوضع في شيء واحد (2)، وأما انفراد خطاب التكليف عن خطاب الوضع فقليل، إذ لا تكليف بشيء إلا وله سبب أو شرط أو مانع، أو هو سبب لغيره أو شرط فيه أو مانع من شيء آخر، إِلا في صور تأتي إِن شاء الله تعالى.
مثال اجتماعهما: الزنى والسرقة فهما محرمان، وهما سببان للعقوبة المشروعة. وكذا الوضوء والستارة هما واجبان، وهما شرطان لصحة الصلاة، وكذا الإِحرام [واجب أو مندوب، و](3) هو شرط لصحة الحج والعمرة، ومانع من تعاطي المحرمات ومن صحة النكاح إِلى [غير](4) ذلك من الأحكام التي اجتمع فيها كلا الأمرين.
ومثال انفراد الخطاب الوضعي: زوالُ الشمس وجميع أوقات الصلوات، فإِنها أسباب لوجوبها ولا يتعلق بنفس الوقت خطاب تكليفي. وكذا رؤية الهلال (5). ودَوَرَانُ الحولِ شرطٌ في وجوب الزكاة. والحيضُ مانعٌ من الصوم والصلاة وغيرهما. وضابط هذا القسم: ما لا يكون في قدرة المكلف تحصيله.
ومثال انفراد خطاب التكليف الصوم والحج والزكاة، فإِنها ليست أسبابا لشيء آخر
(1) البحث التالي ذكره القرافي، انظر شرح تنقيح الفصول (80)، والفروق (1/ 163).
(2)
قال القرافي والعلائي: - "ويكون ما يترتب عليه من خطاب التكليف في شيء آخر".
شرح تنقيح الفصول (80)، والمجموع المذهب: ورقة (14/ أ).
(3)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يصح المعنى، وقد ذكره العلائي في المجموع المذهب: ورقة (14/ أ).
(4)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم الكلام.
(5)
هي سبب لوجوب صوم رمضان.
ولا شرطًا (1) ولا موانع (2). واعلم أنه قد يكون الشيء أولًا من خطاب التكليف، وإِذا وقع صار سببًا لشيء آخر، كالعدة فإِنها واجبة أولًا، ثم يصير التلبس بها مانعًا من صحة العقد.
وبهذا تبين أن أبواب (3) الفقه كلها أربعة أقسام (4):
أحدها: ما اجتمع فيه خطاب التكليف وخطاب الوضع جميعًا، كالطهارة عن الحدث والخبث.
وثانيها: ما كان خطاب وضع فقط ولا تكليف فيه، كالحيض والاحتلام.
وثالثها: ما كان خطاب تكليف وليس سببًا لشيء آخر ولا شرطًا فيه ولا مانعًا، كالتطوعات (5).
ورابعها: ما كان من خطاب التكليف أولًا ثم صار من خطاب الوضع بعد الوقوع، كالأضحية والعقيقة (6)، لأنهما بعد الوقوع سببان في المنع من بيع اللحم والجلد.
(1) وردت هذه الكلمة في المخطوطة بالإِفراد، والجمع أنسب.
(2)
قال القرافي: - "وإِن كان صاحب الشرع قد جعلها سببًا لبراءة الذمة وترتيب الثواب ودرء العقاب، غير أن هذه ليست أفعالًا للمكلف، ونحن لا نعني بكون الشيء سببًا إِلا كونه وُضِعَ سببًا لفعلٍ من قبل المكلف". الفروق (1/ 164).
(3)
نهاية الورقة رقم (6).
(4)
بعد أن ذكر العلائي الأقسام الأربعة بدون أمثلة، سرد أبواب الفقه وبين رجوع كل باب إِلى أحد تلك الأقسام، فانظر المجموع المذهب: ورقة (14/ ب). فما بعدها.
(5)
ومثلها بعض الواجبات كالصوم والحج والزكاة كما ذكر المؤلف آنفًا.
(6)
العقيقة: هي الشاة التي تذبح عن المولود، انظر: تهذيب الأسماء واللغات (4/ 31، 32)، والمصباح المنير (2/ 422). أقول: فالأضحية والعقيقة كل منهما واجب أو سنة على الخلاف في ذلك فهما بهذا من خطاب التكليف، ثم بعد الوقوع يكونان مانَعين من بيع اللحم والجلد، فهما بهذا من خطاب الوضع.