الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[اجتماع المصالح والمفاسد]
ولو اجتمعت المصالح والمفاسد؛ فإِن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد تعين ذلك. وإن لم يمكن الجمع فهنا مجال النظر، وهو ثلاثة أنواع:
الأول: غلبة المفسدة على المصلحة:
فيقدم درء المفسدة ولا مبالاة بفوات المصلحة (1)، بدليل قوله تعالى:{وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} (2) فحرمهما الله تعالى حين غلبت مفسدتهما على ما فيهما من المنافع: ومسائل هذا النوع كثيرة (3).
النوع الثاني: أن تكون المصلحة أعظم من المفسدة
(4):
وأمثلته كثيرة جدًا (5): منها: الصلاة مع اختلال أحد شروطها من طهارة وغيرها، ففيه مفسدة، لما فيه من الإخلال بجلال الله تعالى في أنه لا يناجى إِلا على أكمل
(1) وكلام المؤلف هذا يشير إِلى قاعد، وهي: - "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح". وهي قاعدة مهمة، وقد ذكرها السيوطي في الأشباه والنظائر (87).
(2)
من الآية رقم (219) من سورة البقرة، وأول الآية: - {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} .
(3)
مثل الشيخ عز الدين بن عبد السلام لهذا النوع بقوله: - "وأما ما رجحت مفسدته على مصلحته فكقطع اليد المتآكلة حفظًا للروح إِذا كان الغالب السلامة بقطعها" قواعد الأحكام (1/ 104).
أقول: يمكن أن يمثل لهذا النوع بكثير من المحرمات المشتملة على مفاسد ومصالح، ولكن مفاسدها أرجح وأكثر وأكبر من مصالحها. مثل الزنى، والربا، وشرب الخمر، والسرقة، والغصب، وشهادة الزور، ونحو ذلك.
(4)
ذكر العلائي طريقة العمل في هذا النوع بقوله: - "فنحصل المصلحة ولا نبالي بالتزام تلك المفسدة". المجموع المذهب: ورقة (48 / ب).
(5)
وقد ذكر الشيخ عز الدين بن عبد السلام لهذا النوع أمثلة تزيد على ستين مثالًا، فانظر ذلك في: قواعد الأحكام (1/ 84) فما بعدها.
أحواله (1). فمتى تعذر شيء من ذلك، أو شق تعاطيه، جازت الصلاة بدونه، تقديمًا لمصلحة الصلاة على هذه المفسدة (2).
ومنها: نكاح الحرِ الأمة، فيه مفسدة رِقِّ الولد، لكنه جاز عند خوف العنت، وفقد طول الحرة؛ لمصلحة الناكح في إِعفاف فرجه، ودفع مفسدة وقوعه في الزنى.
ومنها: الكذب مفسدة محرمة، ومتى تضمن مصلحة تزيد على المفسدة جاز، مثل كذب الرجل لزوجته لإصلاحها وحسن عشرتها، والكذب للإِصلاح بين الناس أولى بالجواز، لعموم مصلحته (3).
ومنها: نبش الأموات مفسدة محرمة، لكنه واجب إِذا دفن من غير غسل، (4)
و
(1) كان الأولى أن تكون هذه الكلمة هكذا (الأحوال)، وسبب ذلك أن الضمير الذي ذكره المؤلف ليس له مرجع ظاهر، وقد يتوهم متوهم أن الضمير يرجع إِلى الله، وهذا خطأ عظيم؛ لأن المقصود أكمل أحوال المكلف.
(2)
نهاية الورقة رقم (21).
(3)
كتب مقابل هذا الموضع من المخطوطة على جانبها ما نصه: "أصل الكذب محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وقد ينبغي التحريم في بعض الأحوال بل قد يجب. ومختصر القول في ذلك أن الكلام وسيلة، فكل مقصود يمكن تحصيله بغير الكذب يُحَرَّم الكذب، وإن لم يمكن تحصيله إِلا بالكذب فينظر في ذلك المقصود؛ إِن كان مباحًا فالكذب مباح، وإن كان واجبًا فالكذب واجب، كما إِذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله أو أخذ ماله، وكذا لو كان عنده وديعة وأراد ظالم أخذها وجب الكذب بإِخفائها، فلو أخبره بها؛ فأخذها الظالم قهرًا وجب ضمانها على المودع، ولو استحلفه عليها وجب عليه أن يحلف ويوري، فإِن لم يُوَرِّ حنث على الراجح، والأولى في ذلك كله التورية، فلو تركها وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذا الحال. والله أعلم".
واعلم أن حاصل الكلام المتقدم موجود في: قواعد الأحكام (1/ 96).
(4)
العاطف المناسب هنا هو (أو)، لا (الواو)؛ لأن أحد الأمرين كاف في إِيجاب النبش. انظر: قواعد الأحكام (1/ 87)، والمجموع المذهب: ورقة (49/ أ).