الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما شُرِعت النية لأجله]
واعلم أن الغرضَ الأهم من النية تمييزُ العبادات عن العادات، وتمييزُ العبادات بعضها عن بعض.
الأول (1): كالوضوء والغسل كل منهما متردد بين التبرد والتنظف والتداوي والعبادة فشرعت النية لتمييز ذلك، وكذا الإِمساك عن المفطرات قد يكون للحمية وغيرها (2)، وكذا دفع الأموال قد يكون هبة أو هدية أو وديعة وقد يكون للتقرب لله تعالى كالصدقات والكفارات والزكوات فشرعت النية لِتُمَيِّزَ ذلك، وكذا ذبح الذبائح قد يكون لتَغَذِّي الأبدان [أو](3) للضحايا إِلى غير ذلك.
نعم: إِن كانت العبادة لا تلتبس بالعادة لم تحتج إِلى نية، كالإِيمان والعرفان (4) والخوف والرجاء وأمثال ذلك؛ لأنها متميزة لله تعالى بصورتها. وكذا الأذكار والأذان وتلاوة القرآن لا يحتاج شيء منها إِلى نية التقرب، بل إِلى مجرد القصد لها، ولهذا لما كان الركوعُ والسجودُ الصلاة غير ملتبسين بغيرهما لم يجب فيهما ذكر (5)، بخلاف القيام والقعود للتشهد فإِن كلا منهما ملتبس بالعادة [فـ]ـوجب (6) فيهما
(1) وهو تمييز العبادات عن العادات.
(2)
كالإِمساك عن المفطرات لعدم الحاجة إِليها، أو لأجل الصيام.
(3)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ولكنه موجود في النسخة الأخرى: ورقة (6/ أ). وبه يستقيم الكلام.
(4)
العرفان هو معرفة الله تعالى.
(5)
أي لم يشرع الذكر فيهما على سبيل الوجوب، ولكن شرع على سبيل الاستحباب.
انظر: الأم (1/ 111، 115)، والمهذب (1/ 75، 76) والوجيز (1/ 43).
(6)
الحرف الموجود بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وهو موجود في النسخة الأخرى: ورقة (6/ أ)، وبه يستقيم الكلام.
القراءة والتشهد (1).
مثال تمييز رتب العبادات بعضها عن بعض: الصلاة، فإِنها تنقسم إِلى فرض ونفل، والنفل ينقسم إِلى راتب وغير راتب، والفرض ينقسم إِلى منذور وغيره، وغير المنذور ينقسم إِلى ظهر وعصر ومغرب وعشاء وصبح، وإِلى أداء وقضاء، فوجبت النية لتمييز هذه الرتب، فلا يكفي مجرد نية القربة مطلقًا، ولا يكفي مطق الراتبة، بل لا بد من تعيين الراتبة بالإِضافة إِلى الصلاة التي شرعت تابعة لها. وكذا في الكسوف والاستسقاء والعيدين لا بد من إِضافتها إِلى أسبابها لتمييز رتبها (2)، ولا خلاف في شيء من ذلك (3).
إِلا في نية القضاء والأداء، ففيها (4) أربعة أوجه (5): أحدها: لا يشترط ذلك بل
(1) انظر الأم (1/ 107، 117)، والمهذب (1/ 73، 79)، والوجيز (1/ 39، 40).
ومما تقدم يظهر أن المؤلف يرى أن العبادة إِذا لم تكن متميزة عن العادة فلا بد لها من مميز، سواء أكان هذا المميز هو النية أم أمرًا آخر: كالذكر والقراءة.
وهنا نهاية الورقة رقم (7).
(2)
قال الشيخ عز الدين: "لتمييز رتبها عن رتب الرواتب". قواعد الأحكام (1/ 177).
(3)
انظر: الأم (1/ 99)، والمهذب (1/ 70)، والوجيز (1/ 40)، وقواعد الأحكام (1/ 177)، ومعظم الكلام المتقدم والتالي منقول منه، وحلية العلماء (2/ 71) والمجموع (3/ 225، 227)، وقد ذكر صاحبا الكتابين الأخيرين قولًا مخالفًا في السنن الراتبة سوى سنة الصبح، وهو: أنه يكفي فيها نية الفعل. إِلا أن صاحب حلية العلماء قال: - "والأول أصح". أقول: وهو أنه لا بد من نية مُقَيَّدةٍ وذلك بما تنسب إِليه، والنووي عده وجهًا ضعيفًا فقال:"وحكى الرافعي وجهًا ضعيفًا".
أما النوافل غير الراتبة فيكفي فيها مجرد نية الصلاة، انظر: المجموع شرح المهذب (3/ 227).
(4)
ورد الضمير في المخطوطة مذكرًا، وصوابه بالتأنيث لعوده على مؤنث وهو: نية القضاء.
(5)
ذكر هذه الأوجه الأربعة النووي، فانظر المجموع (3/ 226).
يصح كل منهما بنية الآخر، وصححه الشيخان (1). ونقله الرافعي عن الأكثرين (2). والثاني: يشترطان. والثالث: تشترط نية القضاء دون الأداء. والرابع: إِن كان عليه فائتة اشترطت نية الأداء وإِلا فلا، وبه قطع الماوردي (3).
واختار إِمام الحرمين (4) الوجه الثاني طردًا لقاعدة الحكمة التي شرعت لها النية؛
(1) مراد المؤلف بالشيخين: الرافعي والنووي. وقد صرح العلائي بأسميهما، فقال: - "وصححه الرافعي
…
...
…
وتابعه النووي" المجموع المذهب، ورقة (18/ أ).
وانظر ما ذهبا إِليه من تصحيح في: فتح العزيز (3/ 262)، والمجموع (3/ 226).
(2)
انظر: فتح العزيز (3/ 262).
(3)
ذكر ذلك النووي، في المجموع (3/ 226).
وهو أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري. ولد بالبصرة سنة 364 هـ.
تفقه على أبي القاسم الصيمري وعلى الشيخ أبي حامد الإِسفراييني، وروى عنه أبو بكر الخطيب وجماعة من الأجلة.
وهو شيخ الشافعية. درَّس بالبصرة وبغداد سنين عديدة، وقد ولي الحكم في بلاد كثيرة، وقيل إِنه كان يميل إِلى مذهب الاعتزال، وله مصنفات كثيرة في أنواع العلوم، فمن مصنفاته: الحاوي، والإِقناع، وأدب الدنيا والدين، والأحكام السلطانية، وأعلام النبوة.
توفي ببغداد سنة 450 هـ.
انظر: طبقات الفقهاء (131)، وطبقات الشافعية للأسنوي (2/ 387)، والبداية والنهاية (12/ 80)، وطبقات الشافعية لابن هداية الله (151)، والفتح المبين (1/ 240).
(4)
هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجُوَيْني، نسبة إِلى (جُوَيْن) ناحية بنيسابور، ويعرف بإِمام الحرمين لمجاورته بالحرمين في مكة والمدينة عدة سنين، وإِذا ورد في كتب الفقه الشافعي لفظ (الإِمام) فإِنه هو المقصود به.
ولد سنة 419 هـ.
قرأ الفقه على والده، والأصول على أبي القاسم الإِسْكاف تلميذ الإِسفراييني، ومن تلاميذه الغزالي وهو من كبار علماء الشافعية، وكان من أبرز علماء زمانه في الكلام والأصول والفقه، ومن مصنفاته في الأصول: البرهان، ومختصر التقريب والإِرشاد للباقلاني، والورقات. وفي الفقه: نهاية المطلب، ومختصر النهاية، والأساليب. =
لأن رتبةَ إِقامة الفرضِ في وقته تخالف رتبةَ تدارك الفائتة فلا بد من التعرض لذلك، وهو متجه.
والقائلون بالأول: اجتهدوا بنص الشافعي في أنه لو اجتهد في يوم غيمٍ، وصلى، [ثم](1) بان أنه صلى بعد الوقت، أجزأه (2). وبأن الأسيرَ إِذا اشتبهت عليه الشهور، فصام شهرًا بالاجتهاد بنية الأداء، ثم تبين أنه كان بعد رمضان، يجزيه (3). فصَحَّح القضاءَ فيهما بنية الأداء.
وهذا يبين أن مرادهم بصحة كل منهما عن الآخر: فيما إِذا اجتهد فغلط؛ وبه صرح النووي (4)، لا أنَّه يصح ذلك مع العلم لأنه
= توفي بقرية من قرى نيسابور سنة 478 هـ.
انظر: تبيين كذب المفتري (278)، وطبقات الشافعية الكبرى (5/ 165)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 409)، والبداية والنهاية (12/ 128)، وطبقات الشافعية لابن هداية الله (174).
(1)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ولكنه موجود في النسخة الأخرى ورقة (6/ أ)، وبه يستقيم الكلام.
(2)
انظر: الأم (1/ 72).
(3)
انظر: الأم (2/ 101).
(4)
هو أبو زكريا يحيى بن شرف بن مرى بن حسن النووي، نسبة إِلى (نَوَا) قرية من أعمال دمشق. ولد بنوا سنة 631 هـ.
تفقه على جماعة منهم: الإِمام الفقيه إِسحاق بن أحمد بن عثمان المغربي.
والنووي أحد الحفاظ، ومن كبار علماء الشافعية، وعليه المعتمد في تحقيق المذهب لدى المتأخرين، وقد برع في الحديث والفقه، وله فيها مصنفات مشهورة منها: في الحديث: شرح صحيح مسلم، ورياض الصالحين، والأذكار، والتقريب، والإِرشاد. وفي الفقه: المجموع، وروضة الطالبين، وتصحيح التنبيه، والإِيضاح في المناسك، والفتاوى، والمنهاج وهو مختصر وعليه عدة شروح. =
تلاعب (1)، فالأوقات ليست قربة ولا صفةً للقربة. وإِنما تذكر في النية لتمييز المرتبة، وكذلك (2) تُمَيِّزُ الأسباب (3).
فإِذا نوى الكفارة (4) ولم يذكر سببها أجزأه، لأن العتق في كفارة الظهار مثله في كفارة القتل أو الجماع في رمضان، فإِذا (5) تَمَيَّزَ عن المُتَطَوَّعِ به بنية الكفارة أجزأه. بخلاف رتب الصلوات فإِنها مختلفة، ولذلك شُرِعَ في بعضها [ما](6) لم يُشْرَع في
= توفي ببلده سنة 676 هـ.
انظر: تذكرة الحفاظ (4/ 1470)، وفوات الوفيات (4/ 264)، وطبقات الشافعية للأسنوي (2/ 476)، والبداية والنهاية (13/ 278)، وطبقات الشافعية لابن هداية الله (225).
(1)
قال النووي: "وقد صرح الأصحاب بأن من نوى الأداء إِلى وقت القضاء عالمًا بالحال لم تصح صلاته بلا خلاف، ممن نقله إِمام الحرمين في مواقيت الصلاة، ولكن ليس هو مراد الأصحاب بقولهم: القضاء بنية الأداء وعكسه، بل مرادهم من نوى ذلك وهو جاهلٌ الوقتَ لغيم ونحوه" المجموع شرح المهذب (3/ 226).
(2)
وردت هذه الكلمة في المخطوطة هكذا (ولذلك)، ولعل الصواب ما أثبته، ويشهد له ما في المجموع المذهب: ورقة (18/ ب).
(3)
المعنى: أن الأسباب مثل الأوقات، فليست قربة ولا صفة للقربة، ولكن تُذْكَر في النية لتمييز المرتبة.
واعلم: أن المميِّز سواء أكان وقتًا أم نية إِنما يجب ذكره فيما تتفاوت مراتبه، أما ما تتساوى مراتبه فلا يجب فيه ذكر المميز من سبب أو سواه، ومن القسم الأخير التكفير بالعتق.
واعلم أن كلام المؤلف هنا ليس واضحًا تمامًا، لذا أنصح القارئ بمراجعة كتاب قواعد الأحكام (1/ 177). فإِن المعنى المقصود موجود فيه بعبارة واضحة.
(4)
أي نوى المعتِق بإِعتاقه للرقبة الكفارة.
(5)
الجملة التالية: من هنا إِلى قوله أجزأه، يظهر لي أنها غير مناسبة، وأن المناسب أن تكون كما يلي: وقد تميَّز عن المتطوَّع به بنية الكفارة.
(6)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم المعنى، وقد ذكره العلائي في المجموع المذهب: ورقة (18/ ب).
الآخر كالجهر والإِسرار وغير ذلك.
قال البندنيجي (1) والماوردي: "العبادات ثلاثة أقسام (2)، أحدها: ما يشترط فيه نية الفعل دون الوجوب والتعيين وهو الطهارة (3) والحج والعمرة. والثاني: ما يشترط فيه نية الفعل والوجوب [دون التعيين] (4) وهو الكفارات والزكوات. والثالث: ما يشترط فيه نية الفعل والتعيين دون الوجوب وهو الصلاة والصوم".
قال ابن عبد السلام (5): لو تساوت مقاصدُ الصلاة من كل وجه، كما تساوت
(1) نقل النووي قول البندنيجي، وذلك في: المجموع (3/ 227).
هذا: وقد ذكر بعض أصحاب التراجم شخصين، كل منهما اسمه البندنيجي، أحدهما أبو نصر، والآخر أبو علي. وقد ذكر الأسنوي: أن النووي نقل عن أبي نصر في موضع واحد من (الروضة) خاصة وهو في باب الجنائز، انظر: طبقات الشافعية (1/ 205).
وبناء على ما تقدم يكون المقصودُ هنا أبا علي، وهو الحسن بن عبد الله البندنيجي.
وهو أحد أئمة الشافعية، وكان حافظًا للمذهب، تفقه ودَرَّس وأفتى وحكم ببغداد، كان من تلاميذ أبي حامد، وله عنه (تعليقة) مشهورة، وله مصنفات كثيرة في المذهب والخلاف. توفي ببند نيجين. سنة 425 هـ.
انظر: طبقات الفقهاء (129)، وطبقات الشافعية الكبرى (4/ 305)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 193)، والبداية والنهاية (12/ 37).
(2)
ذكر النووي هذه الأقسام الثلاثة نقلًا عن البندنيجي وصاحب الحاوي (وهو الماوردي). إِلا أنه ذكر: أن في نية الوجوب في القسم الثالث وجهين. انظر: المجموع (3/ 227).
(3)
وردت في المخطوطة هكذا: (الطهار): والصواب ما أثبته، وهو الموافق لما في المجموع.
(4)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وهو من قول العالِمَين المذكورَين، وقد أخذته من المجموع. كما ذكره العلائي في المجموع المذهب، ورقة (18/ ب).
(5)
هو عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي، الملقب بسلطان العلماء. ولد في دمشق سنة 577 هـ، وقيل سنة 578 هـ.
من أكابر فقهاء الشافعية، وقد وُلِّي خطابة دمشق فتعرض للسلطان في خطبة لأمر كان، =
مقاصد العتق، لما افتقرت إِلى تمييز بالنية". ثم تردد في صلاتي العيدين؛ لتساويهما من كل وجه. واختار أنه:"لا تحتاج إِلى أن تخص بفطر ولا أضحى"(1). حتى قال في صلاة الجمعة (2): "إِنه لا تحتاج إلى قصد الاقتداء كما في غيرها؛ لأن الاقتداء شرط في الجمعة، فلا يفرد بالنية كسائر الشروط والأركان". فلم يكن ذكرُ الاقتداء فيها مُمَيِّزًا عن غيرها. قال: "وإِنما شرعت النية في التيمم وإِن لم يكن مُتَلَبِّسًا (3) بالعادة لتمييز رتبه، فإِن التيمم عن الحدث الأصغر عين التيمم عن الأكبر، وهما مختلفان"(4).
= فحصل له تشويش انتقل بسببه إِلى مصر، فأكرمه ملك مصر وولاه خطابة الجامع العتيق، ثم استقر بتدريس الصالحية بالقاهرة.
وقد حظي بمكانة عالية في نفوس الناس حتى قال سلطان مصر عندما بلغه وفاة الشيخ عز الدين: "لم يستقر ملكي إِلا الساعة، فإِنه لو أمر الناس في شأني بما أراد لبادروا إِلى امتثال أمره".
قرأ الفقه على ابن عساكر، والأصول على الشيخ سيف الدين الآمدي، وقد تتلمذ عليه جماعة منهم ابن دقيق العيد.
من مصنفاته: التفسير. والغاية في اختصار النهاية، وقواعد الأحكام والفتاوى.
توفي بالقاهرة سنة 660 هـ.
انظر: فوات الوفيات (2/ 350)، وطبقات الشافعية للأسنوي (2/ 197)، والبداية والنهاية (13/ 235)، وطبقات الشافعية لابن هداية الله (222).
(1)
انظر قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/ 178)، ونص كلامه:"ولو تساوت مقاصد الصلاة [كما] تساوت مقاصد العتق لما اختلفت أحكام الصلاة وأوصافها، وعندي وقفة في صلاتي العيدين لأنهما مستويان في جميع الصفات فينبغي أن تلحق بالكفارات، فيكفيه أن ينوي صلاة العيدين من غير تعرض لصلاة فطر أو أضحى".
(2)
انظر نص قوله: في: قواعد الأحكام (1/ 181).
(3)
التَلَبُّسُ: معناه الاختلاط. انظر: لسان العرب (6/ 204).
(4)
النص المتقدم ذكره كل من العلائي والسيوطي منسوبًا إِلى الشيخ عز الدين بن عبد السلام، انظر: المجموع المذهب: ورقة (18/ ب). وانظر: الأشباه والنظائر (19). =
واعلم: أن المقصود الأعظم بالنية الإِخلاص لله تعالى (1)، وهو إِفراده بالعبادة، فلو شاركه غرض آخر فَلَهُ مأخذان، أحدهما: بالنسبة إِلى الإِجزاء. والثاني: ترتب الثواب.
أما الأول (2) ففيه صور:
منها: إِذا نوى بوضوئه أو غسله رفع الحديث والتبرد معًا، فالأصح المنصوص (3): أنه يصح ولا يضر؛ لأن التبرد يحصل وإن لم ينوه، فلا أثر لنيته (4).
ومنها: إِذا نوى بصومه العبادة والحمية وغيرهما، فيه هذا الخلاف (5) بعينه.
= هذا: وقد بحثت عن النص المذكور في مظانه من قواعد الأحكام فلم أجده، فلعله ورد في كتاب آخر سوى كتاب القواعد، أو لعل العلائي ذكره من حفظه فأخطأ، ثم تبعه من نقل عنه في هذا الخطأ، وأقرب ما وجدته حول الموضوع في قواعد الأحكام هو ما نصه: - "فإِن قيل: الصلاة والتيمم ممتازان بصورتيهما عن العادات وعن غيرهما من العبادات فلِمَ افتقرا إِلى النية مع تميزهما؟ قلنا: أما التيمم فإِنه افتقر إِلى النية لأنه خارج عما يفعل عبادة أو عادة وليس مسحُ الوجه بالتراب نوعًا من التعظيم في مطرد العادات، بل صورته كصورة اللعب والعبث الذي لا فائدة فيه، فلذلك افتقر إِلى نية تصرفه عن اللعب والعبث إِلى العبادة، إذ لا تعظيم في صورته، والعبادات كلها إِجلال وتعظيم. وأما الصلاة
…
" قواعد الأحكام (1/ 180).
(1)
ذكر السيوطي أن النية شرعت لأمرين، وأنه يترتب على ما شرعت النية لأجله أمورٌ، أحدها: الإِخلاص. انظر: الأشباه والنظائر (20).
(2)
وهو الإِجزاء.
(3)
أي الذي نص عليه الشافعي. انظر: مختصر البويطي: ورقة (2/ ب).
(4)
انظر: المهذب (1/ 15)، والوجيز (1/ 12)، وحلية العلماء (1/ 112)، وروضة الطالبين للنووي (1/ 49).
(5)
المؤلف لم يذكر الخلاف في المسألة السابقة حتى يشير إِليه بقوله: هذا الخلاف، إِلا على اعتبار أنه قال: فالأصح المنصوص أنه يصح
…
، وذلك يفهم منه قول أو وجه آخر وهو أنه لا يصح. وعلى كل فالمسألة خلافية ومن أراد الرجوع إِليها فلينظر: المهذب (1/ 15)، وحلية العلماء (1/ 112، 113).
ومنها: إِذا طاف وقصد مع ذلك ملازمة غريم يطوف، أو السعي أيضًا فيه هذا الخلاف، وهذا إِذا نوى نفس الطواف الواجب. فإِن لم يفرده بنية وقلنا: لا يشترط ذلك في الحج والعمرة، فالأصح: أنه لا يصح طوافه؛ لأنه إِنما يصح عند عدم التشريك بحكم النية في أصل النسك بحكم الانسحاب (1)، فإِذا قصد ملازمة الغريم كان ذلك صارفًا ولم يبق للاندراج (2) أثر (3). كما إِذا عزبت (4) نية رفع الحدث في أثناء التبرد، ثم نوى التبرد أو التنظف، فإِن الأصح: أنه تنقطع نيته (5).
ومنها: إِذا أحرم بالصلاة بنية الصلاة والاشتغال بها عن غريم يطالبه، قال ابن الصباغ:"تصح صلاته"(6). جزم به. وفيه نظر؛ لأن الخراسانيين (7) حكوا وجهًا: أن
(1) الانسحاب: معناه الانجرار، أي: أن نية أصل الحج تنجر إِلى أعمال الحج، ومنها الطواف، فيكون الطواف داخلا في نية أصل الحج.
هذا: وعبارة المؤلف المتقدمة غير مستقيمة، لذا أُوْرِدُ فيما يلي عبارة العلائي، قال: - "
…
لأنه إِنما يصح بدون هذا التشريك لانسحاب حكم النية في أصل النسك عليه، فإِذا قصد بطوافه ملازمة الغريم. . إِلخ". المجموع المذهب، ورقة (19/ أ).
(2)
الاندارج: معناه دخول الطواف في نية أصل الحج.
(3)
وفي وجه آخر يصح الطواف، ومن أراد الرجوع إِلى هذه المسألة فلينظر: المجموع (8/ 17)، وروضة الطالبين (3/ 83)، والأشباه والنظائر للسيوطي (21).
(4)
عزبت: بمعني غابت قال صاحب المصباح: "فقولهم (عزبت) النية أي غاب عنه ذكرها". المصباح (2/ 407).
(5)
انظر: المهذب (1/ 15)، والمجموع (1/ 346)، وروضة الطالبين (1/ 49).
(6)
ذكر النووي هذا القول منسوبًا إِلى (صاحب الشامل)، أقول: و (صاحب الشامل) هو (ابن الصباغ). انظر المجموع (1/ 344).
(7)
الخراسانيون: طائفة من أصحاب الشافعي من خراسان وما حولها، ويقابلهم: العراقيون. وسيأتي للطائفتين مزيد بيان -إِن شاء الله-.
من نوى بغسله الجنابة والجمعة معًا لا يجزئه عن واحد منهما (1). فنية الصلاة إِذا نوى معها دفع الغريم أولى بالبطلان.
ومنها: ما حكاه النووي (2) عن جماعة من الأصحاب: "فيمن قال له شخص: صل الظهر ولك عليَّ دينار، فصلاها بهذه النية، أنه تجزئه ولا يستحق الدينار" جزم به، وهي أشكل من الأولى (3).
المأخذ الثاني: وهو ترتب الثواب على العبادة إِذا شَرِكَ (4) فيها أمر آخر دنيوي أو رياء (5)، فالذي اختاره الغزالي اعتبار الباعث على العمل، فإِن [كان](6) القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر، وإن [كان](7) القصد الديني هو الأغلب كان
(1) قال النووي: "وحكى الخراسانيون وجهًا أنه لا يحصل واحد منهما، قال إِمام الحرمين: هذا الوجه حكاه أبو علي وهو بعيد، قال ولم أره لغيره، وحكاه المتولي عن اختيار أبي سهل الصعلوكي" المجموع (1/ 345).
أقول: ويظهر أن هذا الوجه بعيد كما قال إِمام الحرمين، إِذ وجدت بعض الخراسانيين يصرح بحصولهما معًا، انظر: المهذب (1/ 113)، والوجيز (1/ 12).
(2)
في المجموع (3/ 231).
(3)
أقول: لا أعلم ما مصدر الإِشكال، لدى المؤلف في هاتين المسألتين مع أنه قال فيما سبق:"إِذا نوى بوضوئه أو غسله رفع الحديث والتبرد معًا فالأصح المنصوص أنه يصح ولا يضر لأن التبرد يحصل وإِن لم ينوه فلا أثر لنيته". ولا يظهر لي أن بين تلك المسائل فرقًا.
(4)
شَرِكَ: بفتح الشين وكسر الراء من باب تَعِبَ، يقال شَرِكْتُه في كذا أي صرت له شريكًا. انظر: المصباح (1/ 311).
(5)
قال الجرجاني: - "الرياء: ترك الإِخلاص في العمل بملاحظة غير الله فيه". التعريفات (113).
(6)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة ولكنه موجود في النسخة الأخرى: ورقة (7/ أ)، وفي المجموع المذهب: ورقة (19/ ب)، وبه يستقيم الكلام.
(7)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة ولكنه موجود في النسخة الأخرى: ورقة (7/ أ). =
له أجر بقدره، وإِن تساويا تساقطا (1). والذي اختاره ابن عبد السلام: أنه لا أجر فيه مطلقًا سواء تساويا أو اختلفا (2).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (وإِنما لكل امرئ ما نوى). يقتضي أن من نوى شيئًا لم يحصل له غيره، ومن لم ينو شيئًا لم يحصل [له شي](3)، وهي قاعدة مطردة في جميع مسائل النية.
* * *
= وفي المجموع المذهب، وبه يستقيم الكلام.
(1)
انظر المعنى المتقدم عند الغزالي مع زيادة تفصيل في: إِحياء علوم الدين (3/ 301، 302).
(2)
انظر: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام (1/ 124).
(3)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يظهر المعنى.