الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو كان الإِكراه على شهادة الزور بالقتل، أو على حكم بباطل (1)؛ فإِن كان المشهودُ به أو المحكومُ به قتلًا أو إِحْلالَ بضع محرم، لم يجز تعاطي ذلك؛ لأن الاستسلام للقتل أخف من مفسدة التسبب إِلى قتل بغير حق أو إِحلال بضع محرم.
وإن كانت الشهادة أو الحكم يتضمنان إِتلاف مال أو تسليمه لغير مستحقه، لزمه الإتيان بما أكره عليه؛ لأن حفظ مهجته أولى من حفظ المال، ومفسدة إِتلاف المال أخف من مفسدة فوات المسلم. وكذا لو كان الإِكراه على شرب الخمر.
[الاستدلال على احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما]
وأصل هذه القاعدة (2): قصة الحديبية (3)، ومصالحة النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين على الرجوع عنهم، وأن ما جاء من أهل مكة مسلمًا رده إِليهم، ومن راح من المسلمين إِليهم
(1) كان الأولى أن تكون العبارة هكذا: "ولو كان الإكراه بالقتل على شهادة الزور أو حكم بباطل
…
إِلخ!. وقريب من هذه العبارة عبارة ابن عبد السلام، في قواعد الأحكام (1/ 80).
(2)
يعني المتقدمة الذكر وهي: احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما.
(3)
أما ضبطها فقال فيه ياقوت الحموى: - "بضم الحاء وفتح الدال وياء ساكنة وباء موحدة وياء اختلفوا فيها فمنهم من شددها ومنهم من خففها". معجم البلدان (2/ 229).
وأما بيانها وبيان موقعها فقال فيه ياقوت: - "وهي قرية متوسطة ليست بالكبيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها.
وقال الخطابي في أماليه: سميت الحديبية بشجرة حدباء كانت في ذلك الموضع.
وبين الحديبية ومكة مرحلة، وبينها وبين المدينة تسع مراحل
…
وبعض الحديبية في الحل وبعضها في الحرم". معجم البلدان (2/ 229).
وقال عاتق بن غيث البلادى عن الحديبية: - "تعرف اليوم باسم الشميسي - تصغير - وهي غرب مكة خارجة عن حدود الحرم، بينها وبين المسجد قرابة اثنين وعشرين كيلًا". معجم معالم الحجاز (2/ 247).
لا يردونه (1). وكان في ذلك إِذلال للمسلمين، وإِعطاء الدنِية في الدين. ولذلك استشكله عمر رضي الله عنه (2). إِلا أنه احتمل لدفع مفاسد أعظم، وهي: قتل المؤمنين والمؤمنات الذين كانوا خاملين (3) بمكة، فاحتملت أخف المفسدتين لدفع أقواهما. وإليه الإشارة في قوله تعالى: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ
(1) مصالحة النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين في الحديبية أخرجها البخارى في كتاب الصلح، كاب: الصلح مع المشركين.
انظر: صحيح البخارى (5/ 304)، رقم الحديث (2700).
ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب: صلح الحديبية في الحديبية.
انظر: صحيح مسلم (3/ 1411)، رقم الحديث (93).
وأبو داود في كتاب الجهاد، باب: في صلح العدو
انظر سنن أبي داود (3/ 85، 86) رقم الحديث (2765)
(2)
فقال في حديث أخرجه البخاري: - "يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ فقال: بلى، فقال أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ أنرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم". كتاب الجزية والموادعة، باب: حدثنا عبدان أخبرنا أبو حمزة ....
انظر: صحيح البخارى (6/ 281)، رقم الحديث (3182).
وأخرج الحديث المتقدم بنحوه: الإمام مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب: صلح الحديبية في الحديبية.
انظر: صحيح مسلم (3/ 1411)، رقم الحديث (94).
(3)
خاملين: جمع خامل، قال ابن فارس:"والخامل: الخفي" معجم مقاييس اللغة (2/ 220). وعبارة العلائي في هذا المقام تؤيد هذا المعنى ونصها: -
"الذين كانوا خاملين بمكة، ولا يعرفهم أكثر أصحابه، وفي قتلهم معرة عظيمة على المؤمنين" المجموع المذهب: ورقة (47 / أ)، كما أن ابن عبد السلام قد عبر بهذه الكلمة فقال:"وذلك أهون من قتل المؤمنين الخاملين" قواعد الأحكام (1/ 81).
تَعْلَمُوهُمْ} الآية. (1)
ومن ذلك حديث الأعرابي (2): الذي بال في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزجره [الصحابة] (3) فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله:(لا تزرموه)(4)، فلما قضى بوله أمر صلى الله عليه وسلم بذنوب (5) من ماء وطهر به ذلك الموضع؛ (6) لأن منعه حال البول يودي إِلى مفاسد أشد من بوله في ذلك الموضع، من تنجس بدنه وثيابه واحتباس بقية البول عليه.
(1) من الآية رقم (25) من سورة الفتح، وتمام الآية {أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} .
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب: الرفق في الأمر كله.
انظر: صحيح البخاري (10/ 449)، رقم الحديث (6025).
ومسلم في كتاب الطهارة، باب: وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إِذا حصلت في المسجد.
انظر: صحيح مسلم (1/ 236).
وابن ماجه في كتاب الطهارة، باب: الأرض يصيبها البول كيف تغسل.
انظر: سنن ابن ماجه (1/ 176).
والنسائي في كتاب المياه، باب: التوقيت في الماء.
انظر: سنن النسائي (1/ 175).
والأمام أحمد في المسند (3/ 191).
(3)
ما بين المعقوفتين لا يجود في المخطوطة، ولكن لا بد منه لاستقامة الكلام.
(4)
لا تزرموه: أي لا تقطعوا عليه بوله، قال الجوهري: - "زَرِمَ البول بالكسر، إِذا انقطع، وكذلك كل شيء وَلَّى. وأزرمه غيره، وفي الحديث (لا تزرموا ابني) أي لا تقطعوا عليه بوله" الصحاح (5/ 1941).
(5)
قال الجوهري: - "والذنوب: الدلو الملأى ماء، وقال ابن السكيت: فيها ماء قريب من الملء، تؤنث وتذكر، ولا يقال لها وهي فارغة ذنوب" الصحاح (1/ 129).
(6)
الكلام التالي: ترجيه لنهي النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن زجر الأعرابي، وقطع بوله عليه.