الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[من شرط النية: الجزم]
واعلم: أن النية معناها القصد كما مر (1)، وهو لا يؤثر (2) إِلا إِذا كان جازمًا بالمقصود بصفته الخاصة (3)، وإِلا لم يكن قصدًا؛ فلو كان شاكًا في وجود شرط ذلك الفعل، أو علق النية على شرط لم يصح المنوى.
نعم: لو كان جازمًا بالوجوب ناسيًا صفته، كمن تحقق أن عليه صومًا، ولم يَدْرِ أنه من قضاء رمضان أو نذر أو كفارة، فقد حكى العمراني (4) عن
= ويوجد هذا الكلام في روضة الطالبين (1/ 318)، وتمامه:"ويسجد للسهو، وقد تمت صلاته، فيسلم، ولا يلزمه الإِتمام لأنه لم ينوه". أقول: ولعل كاتب هذه المسألة أراد الاستشهاد بها على قول المؤلف: "أما المسألة الثالثة فهي جارية على مذهبنا". مع أن المؤلف استشهد على جريان المسألة الثالثة على مذهبه بقوله: "لأنا نكمل سجدة الركعة التي نسي منها السجدة من الركعة التي بعدها". أقول: وما نقل عن النووي أقرب إِلى المسألة الثالثة مما ذكره المؤلف: لأن الركعة التي نكمل منها السجدة المنسية -في المسألة الثالثة ومسألة النووي- ليست من أصل الصلاة وإنما فعلها المصلي سهوًا، ولا كذلك الحال في مسألة المؤلف.
(1)
لم يذكر المؤلف أن النية معناها القصد، ولكنه أشار إِلى أن معنى القصِد هو النيةُ بقوله: - "القاعدة الأولى: وهي الأمور بمقاصدها يعني أن الاعتبار بحسب النية" ومن هذه الإِشارة نعرف أن النية هي القصد، بناء على أن المعنى هو عينُ ما هو معنى له.
(2)
أي في صحة المقصود.
(3)
قال الشافعي: "وكان على المصلي في كل صلاة واجبة أن يصليها متطهرًا وبعد الوقت ومستقبلًا القبلة وينويها بعينها ويكبر، فإِن ترك واحدة من هذه الخصال لم تجزه صلاته". الأم (1/ 99).
(4)
هو أبو الخير بن أبي الخير بن سالم العمراني اليماني. وحصل في نسبه اختلاف بين من ترجموا له. واتفق أكثرهم على ما ذكرت. ولد سنة 489 هـ.
تفقه وسمع الحديث على جماعة من أهل اليمن.
ويظهر أنه في العقيدة على مذهب أهل السنة. وكان شيخ الشافعية ببلاد اليمن، ورحلت إِليه الطلبة من البلاد.
له عدة مصنفات منها: البيان، والزوائد، والسؤال عما في المهذب من الإِشكال، وغرائب =
الصيمرى (1): "أنه يصح إِذا نَوَى الواجبَ عليه، قياسًا على من نسي صلاة من الخمس ولم يعرف عينها وصلى الخمس فإِنه يحذر في عدم جزم النية للضرورة"(2). ثم عدم الجزم بالنية فيه صور:
منها: أن يقول: أصوم غدًا إِن شاء الله تعالى، وفيه ثلاثة أوجه (3)؛ أحدها: الصحة مطلقًا، وبه قال القاضي أبو الطيب. والثاني: البطلان مطلقًا وهو قول الصيمرى. والثالث: إِن قَصَدَ الشكَ أو تعليقَ الصومِ لم يصح، وإن قَصَدَ التبركَ أو تعليقَ الحياة (4) على مشيئة الله تعالى وتمكينه صح. وهذا هو الأصح.
= الوسيط، والانتصار في الرد على القدرية. توفي سنة 558 هـ.
انظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 278)، وطبقات الشافعية الكبرى (7/ 336)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 212)، وشذرات الذهب (4/ 185).
(1)
هو أبو القاسم عبد الواحد بن الحسين بن محمد الصَّيْمَرِيّ. نسبة إِلى الصَّيْمَر نهر من أنهار البصرة.
حضر مجلس القاضي أبي حامد، وتفقه بصاحبه أبي الفياض البصري، وقد تفقه عليه الماوردي صاحب الحاوي.
كان حافظًا للمذهب، وحسن التصانيف، فمن مصنفاته: الإِيضاح، والكفاية، وكتاب في القياس والعلل، وكتاب في الشروط. توفي بعد سنة 386 هـ.
انظر: طبقات الفقهاء (125)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 265)، وطبقات الشافعية الكبرى (3/ 339)، وطبقات الشافعية للأسنوي (2/ 127).
(2)
انظر نص الحكاية المذكورة في: البيان، الجزء الثاني: ورقة (129/ ب).
(3)
ذكرها العمراني، منسوبة إِلى قائليها، حيث نسب الأول إِلى القاضي أبي الطيب، ونسب الثاني إِلى الصيمري، ونسب الثالث إِلى ابن الصباغ، فانظر ذلك في: البيان، الجزء الثاني: ورقة (129/ ب).
(4)
هكذا في المخطوطة، والمجموع المذهب: ورقة (21/ أ).
ولعل المناسب أنها: (الصيام). ويرجح ذلك عبارة العمراني، ونصها: - "وإِن قصد أن فعله ذلك موقوف على مشيئة الله تعالى: وتمكينه وتوفيقه صح؛ لأن ذلك لا يرفع النية". البيان، الجزء الثاني: ورقة (129/ ب).
ومنها: إِذا نوت الحائض الصوم بالليل قبل انقطاع دمها، ثم انقطع قبل الفجر، فإِن كانت مبتدأة (1) وقد تم لها أكثر الحيض، أو معتادة (2) وعادتُها أكثرُ الحيض، وهو ينتهي قبل الفجر صحت نيتها (3) قطعًا (4). وإِن كانت عادتُها مستمرةً (5) بمقدار دون أكثر الحيض (6)، وكانت مدتها تتم قبل طلوع الفجر، فوجهان، أصحهما: تصح نيتها؛ لأن الظاهرَ استمرارُ عادتها (7).
(1) المبتدأة: نوعان.
النوع الأول: مبتدأة غير مميزة، قال فيها الشيرازي:"وهي التي بدأ بها الدم وعَبَرَ الخمسة عشر، والدم على صفة واحدة" المهذب (1/ 39).
النوع الثاني: مبتدأة مميزة، قال فيها الشيرازي:"وهي التي بدأ بها الدم وعبر الخمسة عشر ودمها في بعض الأيام بصفة دم الحيض وهو المحتدم القاني الذي يضرب إِلى السواد، وفي بعضها أحمر مشرق أو أصفر". المهذب (1/ 40). والمحتدم: هو المُحمَر، والقاني: هو شديد الحمرة.
(2)
المعتادة نوعان:
النوع الأول: معتادة غير مميزة، قال فيها الشيرازي:"وهي التي كانت تحيض من كل شهر أيامًا ثم عبر الدم عاداتها وعبر الخمسة عشر فلا تمييز لها" المهذب (1/ 40).
النوع الثاني: معتادة مميزة، قال فيها الشيرازي:"وهي أن تكون لها عادة في كل شهر أن تحيض خمسة أيام ثم رأت في شهر عشرة أيام دمًا أسود ثم رأت دمًا أحمر أو أصفر واتصل" المهذب (1/ 41).
(3)
لعله أفرد الضمير لأنه نوى إِعادته إِلى كلمة: (الحائض) الواردة في أول المسألة.
(4)
قال النووي في تعليل ذلك "لأنا نقطع بأن نهارَها كلَه طهرٌ" انظر: المجموع (6/ 255).
(5)
أي دائمة ثابتة يقال: استمر الشيء إِذا دام وثبت، انظر: المصباح المنير (2/ 568).
(6)
أكثر الحيض قال فيه النووي: "أكثر الحيض خمسة عشر باتفاق أصحابنا" انظر: المجموع (2/ 355).
(7)
هذا التفصيل المذكور في نية الحائض للصوم ذكره النووي في المجموع (6/ 255)، وانظر أيضًا: مغني المحتاج ومعه منهاج الطالبين للنووي (1/ 427). وفي مغني المحتاج تنبيه هام حول ما يوهمه قول بعض العلماء -في أول هذه المسألة: "ثم انقطع الدم في الليل أو قبل =
ومنها: إِذا نذر صوم اليوم الذي يقدم فيه فلان، ثم تبين له من الليل أنه يقدم غدًا.
فنوى الصوم، وقدم من الغد، فوجهان، أصحهما: الإِجزاء؛ لأنه بنى على أصل مظنون (1).
ومنها: إِذا نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غد إِن كان من رمضان، فله ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يعتقد (2) كونه من رمضان معتمدًا على قول من يثق به ممن لا يثبت بقوله (3)، كالنساء والعبيد، فيجزم بالنية لذلك، ثم تبين كونه من رمضان فيجزئه ذلك، كما لو أخبره أحد هؤلاء بدخول وقت الصلاة (4). فلو قال والحالة هذه: أصوم غدًا (5) إِن كان من رمضان، فإِن لم يكن فتطوع؛ لم يصح صومه على ظاهر النص وإِن بان أنه من رمضان (6)، وفي وجه يصح (7). ورَأى إِمامُ الحرمين طردَ هذا الخلاف في
= الفجر" - من اشتراط الانقطاع في صورة ما إِذا تم للمرأة أكثر الحيض سواء أكانت مبتدأة أم معتادة وعادتُها أكثر الحيض، وبيانُ أنه غير مشترط، وتخصيصُ شرط الانقطاع بما إِذا كانت المرأة معتادة وعادتُها دون أكثر الحيض.
(1)
قال النووي: - "فأشبه من نوى صوم رمضان بشهادة عدل". المجموع (8/ 389).
(2)
الاعتقاد هنا بمعنى الظن.
(3)
أي لا يعتبر قوله في إِثبات رؤية هلال رمضان.
(4)
قال النووي: - "قال أصحابنا: إن استند إِلى ما يحصل ظنًا، بأن اعتمد قول من يثق به من حر أو عبد أو امرأة أو صبيان ذوي رشد، ونوى صوم رمضان فبان منه أجزأه". المجموع (6/ 252)، وانظر: روضة الطالبين (2/ 353)، والغاية القصوى في دراية الفتوى (1/ 107)، ومغني المحتاج (1/ 425).
(5)
أي عن رمضان.
(6)
قال النووي: - "قال إِمام الحرمين وغيره: فظاهر النص أنه لا يصح، وإِن بان أنه من رمضان؛ لأنه متردد". المجموع (6/ 253).
(7)
قال النووي: "قال الإِمام: وذكر طوائف من الأصحاب وجهًا آخر أنه يصح لاستناده إِلى أصل". المجموع (6/ 253).
حالة الجزم (1).
وإِن كان مستندُه في الجزم الحسابَ أو الاعتمادَ على قول من يعرف ذلك، فقد أجرى الغزاليُ فيه الخلافَ: فيما إِذا أخبره من يثق به، وحكى الشيخ أبو حامد فيه وجهين في إِجزائه (2) عن رمضان إِذا تبين أنه منه، وظاهر كلامه: ترجيح عدم الإِجزاء، وألحقه النووي بما إِذا جزم في الصورة الأولى (3). واعْتُرِض (4) عليه في كل ذلك: بأن هذا يوم شك (5)، وأنه لا يصح عن رمضان، ويصح عن قضاء ونذر وكفارة، ويحرم صومه تطوعًا لا سبب له، فإِن صام لم يصح على الأصح.
الحالة الثانية: أن يعتقد كونه من رمضان غير مستند إِلى أصل، ويجزم بنية الصوم، فلا أثر لهذا الاعتقاد ولا يجزئه وإِن بان أنه من رمضان بلا خلاف (6). فلو كان قد رَدَّدَ النيةَ فقال: أصومه (7) إِن كان من رمضان، وإِلا فتطوع. ولم يتبين كونه
(1) وقال الإِمام: - "لأنه لا يتصور الجزم والحالة هذه؛ لأنه لا موجب له، وإِنما الحاصل له حديث نفس وإِن سماه جزمًا". المجموع (6/ 253).
(2)
وردت في المخطوطة هكذا (إِجزاه). ولعل ما أثبته هو الصواب.
(3)
وهي إِذا جزم معتمدًا على قول من يثق به ممن لا يثبت الشهر به كالنساء والعبيد.
هذا وقد ألحقه النووي بصيغة: (قالوا) انظر: المجموع (6/ 253).
(4)
بالبناء للمجهول. ولم أستطع معرفة المعترض، ولكن يترجح لي أن الأسنوي من المعترضين. وقد ترجح لي ذلك من مطالعة مغني المحتاج (1/ 434).
هذا: وقد ذكر الشربيني كلامًا حسنًا في الرد على ذلك الاعتراض، فانظره في الموضع المتقدم من مغني المحتاج.
(5)
بعد هذه الكلمة، قال العلائي: - "وقد قال فيه: إِنه لا يصح صومه عن رمضان. . إِلخ". . المجموع المذهب: ورقة (21/ ب). وقول العلائي يفيد أن الكلام التالي للنووي، وقد بحثت عنه فوجدته في المجموع (6/ 369).
(6)
انظر: المجموع (6/ 252)، وروضة الطالبين (2/ 353).
(7)
أي عن رمضان.
من رمضان، قال المتولي: يصح نفلًا (1). وأجرى ابنُ الرفعِة (2) فيه خلافًا، [وذلك] (3) إِذا قلنا: يصح النفل بعد نصف شعبان.
الحالة الثالثة: (4) أن لا يجزم ولا يستند إِلى أصل، بل (5) يقول: أصوم غدًا إِن كان من رمضان، فإِن لم يكن منه (6) فتطوع. وبان من رمضان، فلا يقع عنه؛ لأنه لم
(1) وعلل ذلك بقوله: - "لأن الأصلَ بقاء شعبان فكانت النيةُ مستندةً إِلى أصل". التتمة، الجزء الثالث: ورقة (48/ ب).
(2)
هو أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن مُرْتَفِع الأنصاري، الملقب: نجم الدين، المعروف بابن الرفعة. ولد بمصر سنة 645 هـ.
كان شافعي زمانه، وفقيهَ عصره، قال الأسنوي:"لم يُخْرِج إِقليمُ مصر بعد ابن الحداد من يدانيه، ولا يعلم في الشافعية مطلقًا بعد الرافعي من يساويه، كان أعجوبة في استحضار كلام الأصحاب، لا سيما من غير مظانه، وأعجوبة في معرفة نصوص الشافعي، وأعجوبة في قوة التخريج".
تفقه على جماعة منهم الشريف العباسي، وسمع الحديث من محيي الدين الدَّمِيْرِيّ، وأخذ عنه الفقه تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي.
من مصنفاته: المطلب العالي شرح وسيط الغزالي، وكفاية النبيه شرح التنبيه.
توفي بمصر سنة 710 هـ.
انظر: طبقات الشافعية الكبرى (9/ 24)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 601)، والبداية والنهاية (14/ 60)، وشذرات الذهب (6/ 22).
(3)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يظهر المعنى المقصود، وقد ذكره العلائي في المجموع المذهب: ورقة (21/ ب).
(4)
انظر تفصيل هذه الحالة في: فتح العزيز (6/ 323) فما بعدها، والمجموع (6/ 252).
(5)
يظهر أن صواب الحالة الثالثة هو: أن لا يعتقد كونه من رمضان. وفي هذه الحالة إِما أن لا يجزم بأن يقول: أصوم غدًا عن رمضان إِن كان منه، وإِلا فتطوع.
وإِما أن يجزم الصوم عن رمضان. وانظر: المجموع (6/ 252).
(6)
نهاية الورقة رقم (9).
يصمه على أنه فرض، ولم يستند إِلى أصل (1) و (2) استصحاب. وقال المزني (3):"يقع عن رمضان إِذا بان منه، كما إِذا قال: هذه زكاة مالي الغائب إِن كان سالمًا وإِلا فهو تطوع فبان سالمًا يجزئه"(4) وفَرَّق الأصحابُ (5): بأن الأصل سلامة المال فله
(1) هكذا في المخطوطة، وورد في المجموع المذهب: ورقة (21/ ب): كلمة أخرى هي: (ظن). ولعل ما ورد في المجموع المذهب هو الصواب. لأن مستند الصيام إِما أن يكون ظنًا كما في الحالة الأولى. وإِما أن يكون استصحابًا كما إِذا نوى ليلة الثلاثين من شعبان الصيام عن تطوع ثم بان منه، أو نوى ليلة الثلاثين من رمضان الصيام عن رمضان ثم بان منه، فإِن صيامه في الحالتين صحيح؛ لأن الأصل بقاء شعبان في الصورة الأولى، وبقاء رمضان في الثانية، وقد استصحب ذلك.
(2)
لعل الصواب: (أو).
(3)
هو أبو إِبراهيم إِسماعيل بن يحيى بن إِسماعيل المُزَنِي، نسبة إِلى مُزَيْنة، وهي قبيلة مشهورة. ولد سنة 175 هـ.
كان معظمًا بين أصحاب الشافعي، وقال الشافعي في حقه:"لو ناظر الشيطان لغلبه". وكان عالمًا مجتهدًا مناظرًا غواصًا على المعاني الدقيقة، وهو إِمام الشافعيين، وأعرفهم بطرق الشافعي وفتاويه وما ينقله عنه.
حَدَّث عن الشافعي، ونُعَيم بن حماد، وغيرهما، وروى عنه ابنُ خُزَيمة، والطحاوي وغيرهما.
من مصنفاته: المبسوط، والمختصر، والمنثور، والمسائل المعتبرة، وكتاب الدقائق والعقارب، والجامع الكبير، والجماع الصغير.
توفي بمصر سنة 264 هـ.
انظر: طبقات الفقهاء (97)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 285)، وطبقات الشافعية الكبرى (2/ 93)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 34).
(4)
ذكر ذلك الرافعي، في: فتح العزيز (6/ 325).
هذا: وقد بحثت عن ذلك الرأي المنسوب إِلى المزني في مختصره فلم أجده، بل وجدت خلافه، وهو أن ذلك الصيام لا يجزئه عن رمضان. انظر: مختصر المزني (56).
(5)
ذكر الرافعي هذا الفرق، في: فتح العزيز (6/ 326).
استصحاب ذلك (1). ونظيره: (2) أن ينوي مثل ذلك ليلة الثلاثين من رمضان (3) فإِنه يصح (4).
ولو لم يردد نيته في هذه الصورة (5)، بل جزم الصوم عن رمضان، فالمذهب: أنه لا يصح وإِن بان أنه من رمضان (6). وفيه وجيه: أنه يجزئه (7).
وهذه المسائل ترجع إِلى قاعدة: وهي أن ما أتى به المكلف حال الشك، لا على وجه الاحتياط، ولا لامتثال الأمر، فوافق الصواب في نفس الأمر، فإِنه لا يجزئ، لما ذكرنا من اشتراط (8).
وقولُنا: لا على وجه الاحتياط. احترازٌ عما إِذا أتى به على وجه الاحتياط، كما إِذا
(1) أما الثلاثون من شعبان فالأصل أنه من شعبان، فلا يمكن استصحابه لرمضان.
(2)
أي مثل قوله: هذه زكاة مالي الغائب. . إِلخ، أن ينوي مثل ذلك ليلة الثلاثين من رمضان.
(3)
فيقول أصوم غدًا عن رمضان إِن كان منه، وإِن لم يكن منه فأنا مفطر، ثم يتبين أنه منه.
(4)
ذكر ذلك الرافعي، في: فتح العزيز (6/ 326).
(5)
يقصد بها الحالة الثالثة، وهي إِذا كان ليلة الثلاثين من شعبان ثم نوى الصيام عن رمضان وهو لا يعتقد أنه منه.
(6)
قال النووي: - "لِمَا ذكره المصنف من أن الأصل عدم رمضان، ولأنه إِذا لم يعتقده من رمضان لم يتأت منه الجزمُ به، وإِنما يحصل حديث نفس لا اعتبار به". المجموع (6/ 252).
(7)
ذكر الرافعي ذلك الوجه، في: فتح العزيز (6/ 328).
(8)
وهو قول المؤلف: "واعلم أن النية معناها القصد كما مر، وهو لا يؤثر إِلا إِذا كان جازمًا بالمقصود بصفته الخاصة وإِلا لم يكن قصدا". وقد ذكر النووي ما يقارب هذه القاعدة انظر: المجموع (1/ 476).
هذا: وقد ورد في النسخة الأخرى: ورقة (9/ أ). بعد هذه الكلمة كلمةُ ملحقة بين السطرين وهي (الجزم) فكانت العبارة هكذا: لما ذكرنا من اشتراط الجزم.
شك: هل أصاب الثوبَ نجاسةٌ أم لا؟ فغسله احتياطًا، ثم بان أنه متنجس، فإِنه يجزئ (1). وكذا إِذا كان محدثًا، وشك هل توضأ أم لا؟ فتوضأ احتياطًا، ثم بان أنه محدث. وكذا إِذا نسي صلاة من الخمس، ولم يعرف عينها فصلى (2)، فإِنه تبرأ الذمة مع الشك، فإِنه أتى بذلك احتياطًا.
وقولنا: ولا لامتثال الأمر. احترازٌ عما إِذا اجتهد، وغلب ظنه على شيء (3)، فإِنه يجزئه وإِن كان الشك بعد قائمًا؛ لأنه مأمور بالعمل بالظن (4). نعم: إِن تيقن الخطأ بعد ذلك أعاد وجوبًا.
وإذا تجرد فعل العبادة مع الشك عن هذين القيدين (5) لم يُجْزِ، وبيانه بصور:
منها: لو هجم (6) على أحد الإِناءين (7) بلا اجتهاد، وقلنا: لا يجوز
(1) كتب مقابل هذا الموضع من المخطوطة على جانبها ما نصه: "في هذا المثال نظر". أقول: والنظر في هذا المثال من جهة أن إِزالة النجاسة لا تحتاج إِلى نية كما قال المؤلف في أول هذه القاعدة وبناء على ذلك فلا أثر للنية فكيف بالشك فيها. نعم: لا يكون في هذا المثال نظر على الوجيه الذي ذكره المؤلف وهو اشتراط النية في إزالة النجاسة.
(2)
أي الصلوات الخمس، مع عدم الجزم في واحدة منهن أنها المنسية.
(3)
كذا في النسختين، ولعل المناسب أن يقال: وغلب على ظنه شيء. وهذا هو الوارد في المجموع المذهب: ورقة (22/ أ).
(4)
كالاجتهاد في القبلة.
(5)
وهما الاحتياط، وامتثال الأمر.
(6)
هجم: معناه أقدم على أحد الإِناءين بتسرع، قال ابن فارس: - "الهاء والجيم والميم: أصل صحيح واحد يدل على ورود شيء بغتة، ثم يقاس على ذلك" معجم مقاييس اللغة (6/ 37).
وممن استعمل لفظ الهجوم في الأواني النووي في المجموع (1/ 228).
كما استعمل الغزالي لفظ الهجوم في نحو ذلك الوضع، وذلك في إِحياء علوم الدين (2/ 118).
(7)
المشتبهين عليه، اللذين أحدهما طاهر، والآخر نجس.
الهجم (1) من غير أمارة (2)، وتبين أن الذي استعمله هو الطاهر، فلا تصح طهارته ولا صلاته (3)؛ ولو غسل به نجاسة لم يصح ما صلى به قبل التبين (4)، أما بعده فتصح قطعًا، بناء على المشهور أن الإِزالة لا تحتاج إِلى نية.
ومنها: إِذا شك في جواز المسح على الخف (5) ومسح، ثم تيقن جوازه (6)، وجب إِعادة المسح، ويقضي ما صلى به (7).
ومنها: لو تيمم وهو شاك في دخول الوقت، ثم بان دخوله، لم يصح تيممه (8).
ومنها: لو طلب الماء في هذه الحالة (9)، ثم بان دخول الوقت قبله، لم يصح طلبه (10).
(1) يظهر أن الصواب: "الهجوم". انظر: أوضح المسالك (436).
(2)
إِذا اشتبه على الإِنسان ماءان أحدهما طاهر والآخر نجس ففي ذللث ثلاثة أوجه عند الشافعية.
أحدها: أنه لا تجوز الطهارة بواحد منهما إِلا إِذا اجتهد وغلب على ظنه طهارة أحدهما بعلامة ظاهرة.
الثاني: أنه تجوز الطهارة بما ظنه طاهرًا وإِن لم يَبْنِ ظنه على علامة ظاهرة.
الثالث: يجوز استعمال أحدهما دون أن يعتمد فى تعيينه على اجتهاد أو ظن.
وانظر هذه الأوجه الثلاثة فى: المجموع (1/ 224، 225)، وروضة الطالبين. (1/ 35).
(3)
انظر: حلية العلماء (1/ 88)، والمجموع (1/ 476)، ومغني المحتاج (1/ 26).
(4)
لأنه فعل ذلك وهو شاك، وقد تجرد الفعل عن القيدين اللذين ذكرهما المؤلف.
(5)
وذلك كأن يشك في بقاء مدة المسح.
(6)
كأن يتيقن أن المدة باقية.
(7)
انظر: حلية العلماء (1/ 132، 133)، والمجموع (1/ 475)، وروضة الطالبين (1/ 132).
(8)
انظر: المجموع (1/ 476) و (2/ 243)، وروضة الطالبين (1/ 121).
(9)
وهي كونه شاكًا في دخول الوقت.
(10)
انظر: المجموع (1/ 476) و (2/ 252)، وروضة الطالبين (1/ 121).
ومنها: لو تيمم بلا طلب، ثم تبين أنه لا ماء، لم يصح تيممه (1).
ومنها: إِذا صلى إِلى جهة شاكًا أنها الفبلة بلا اجتهاد، لم تصح صلاته (2).
ومنها: لو شك في دخول الوقت فصلى (3)، ثم بان أنه دخل، فلا تجزئه (4). وهل تبطل أو تنقلب نفلًا؟ وجهان.
ومنها: لو صلى خلف من يشك في صحة الاقتداء به كالخنثى، ثم بان أنه رجل، فلا تصح (5).
ومنها: لو قصر الصلاة شاكًا في جواز القصر، ثم بان وجود شرط الجواز، فلا يصح قصره (6).
ومنها: لو صلى على ميت وهو شاك في صحة الصلاة عليه، ثم بان أنه من أهل الصلاة عليه، لا تصح.
ومنها: لو شك هل غسل الميت أم لا، فتيمم للصلاة عليه، وقلنا: لا يصح التيمم إِلا بعد الغسل (7). وبان أنه غسل، لم يصح تيممه.
(1) لأنه لا يجوز التيمم لعادم الماء إِلا بعد الطلب، فمن تيمم بلا طلب فقد تيمم وهو شاك في عدم الماء.
انظر: المهذب (1/ 34)، وحلية العلماء (1/ 191)، والمجموع (2/ 252).
(2)
انظر: المهذب (1/ 68)، والمجموع (1/ 476).
(3)
أي بلا اجتهاد.
(4)
انظر: المجموع (1/ 476)، وروضة الطالبين (1/ 185)، ومغني المحتاج (1/ 127).
(5)
انظر: حلية العلماء (2/ 170)، والمجموع (4/ 136)، وروضة الطالبين (1/ 351).
(6)
لأنه لابد من العلم بجواز القصر، راجع: الأم (1/ 182)، وروضة الطالبين (1/ 395).
(7)
ومقتضى ذلك أن التيمم قبل الغسل لا يصح. انظر: حلية العلماء (1/ 189، 190)، والمجموع (2/ 244)، وروضة الطالبين (1/ 120).
ومنها: لو صام الأسير في مطمورة (1) بلا اجتهاد، ثم بان أنه صام في الوقت، لا يصح (2).
ومنها: لو وجبت عليه كفارة رقبة، فنوى الصوم قبل طلب الرقبة، ثم طلب فلم يجد، لم يصح صومه (3)، ما لم يجدد النية بعد الطلب (4). فكل ذلك جار على هذه القاعدة، لعدم جزم النية.
وشذ عنها صور:
منها: لو أحرم في يوم الثلاثين من رمضان وهو يشك، فقال: إِن كان من رمضان فإِحرامي بعمرة، وإِن كان من شوال فهو بحج، ثم بان من شوال، قال الأصحاب: ينعقد حجًا (5)؛ لأن الحج والعمرة يغتفر فيهما ما لا يغفر في غيرهما، ولذلك جاز تعليق إِحرامه على إِحرام زيد (6)، دون بقية العبادات.
ومنها: لو أحرم بالصلاة في آخر وقت الجمعة، ونوى الجمعة إِن كان وقتها باقيًا، وإِلا فالظهر (7)، فبان بقاء الوقت، ففي صحة الجمعة وجهان، وجه الجواز: اعتضاد نيته باستصحاب الوقت، كليلة الثلاثين من رمضان.
(1) قال الفيروز آبادي: "المطمورة: الحفيرة تحت الأرض" القاموس (2/ 81).
(2)
انظر: المجموع (1/ 476)، وروضة الطالبين (2/ 354)، ومغني المحتاج (1/ 426).
(3)
لأنه لا يجوز الانتقال إِلى الصوم إِلا بعد طلب الرقبة، انظر: المهذب (1/ 34)، والمجموع (2/ 252).
(4)
فيصح صومه؛ لأن انتقاله إِلى الصوم في هذه الحالة وقع بعد الطلب.
(5)
ذكر ذلك النووي في: المجموع (6/ 258).
(6)
انظر: المهذب (1/ 205)، وهناك تفصيل أكثر لهذا الموضوع في: المجموع (7/ 209 - 211).
(7)
في هذه المسألة يظهر أن المصلي شاك في بقاء وقت الجمعة قبل الدخول فيها ومع ذلك دخل فيها، وهذا يخالف ما ذكره الإمامان الرافعي والنووي. =