الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكانت عملية تزويد المكتبة بالكتب تتم باستمرار، فبالأضافة إِلى الكتب التي يوقفها صاحب المكتبة؛ نجد المكتبات ظلت تحصل على الجديد من الكتب؛ إِما عن طريق الإِهداء، أو الوقف، أو النسخ، أو الشراء.
وكان الاهتمام بالمكتبات صادرًا من بعض الأفراد؛ ومن سلاطين المماليك؛ ولم يقل سلاطين المماليك الجراكسة عن سلاطين المماليك البحرية في العناية بالكتب والمكتبات؛ فقد ذكر المؤرخون أن عددًا من سلاطين الجراكسة قد ألحق مكتبة ضخمة بمدرسته التي بناها؛ مثل السلطان برقوق والمؤيد شيخ والأشرف قايتباي (1).
وفيما يتعلق بالاستقرار العام:
فقد ذكرت في الحالة السياسية لذلك العصر: أنه عصر اضطراب وفتن، ولم يكد يبايع للسلطان حتى يخلع؛ ومن لم يخلع فإِنه يحصل بينه وبين أمرائه ونوابه بمصر والشام نزاعات وخصومات، ولا يكاد السلطان يقضي على ثورة حتى تخرج ثورة أخرى، كما تعرضت بلاد الشام لفتنة تيمورلنك الذي أفسد البلاد؛ وأهلك العباد، وأخذ معه إِلى سمرقند عددًا من العلماء في شتى الفنون.
ولقد تحدث الدكتور عبده قلقيله عن الحالة العلمية في العصر المملوكي بعامة فقال (2): "هذا العصر المملوكي الذى سندرس النقد الأدبي فيه لم يكن عصر تخلف عقلي أو وجداني؛ وبعبارة أخرى لم يكن عصر انحطاط علمي أو أدبي كما قد يظن؛ وإنما هو على العكس من ذلك تمامًا؛ فقد شهد نشاطًا ثقافيًا رائعًا؛ وبحسبه أنه كان الوعاء الذي وسع تأليف أكثر الموسوعات والمراجع في مختلف العلوم والفنون. ونحن في عصرنا الحاضر ندين له بالكثير؛ فلولا نتاجه العلمي والأدبي لما كان من الممكن وصل تيار العلم والأدب عند العرب قبله بتيار العلم والأدب عن العرب بعده، لكن عمل
(1) انظر: العصر المملوكي (334).
(2)
في كتابه: النقد الأدبي في العصر المملوكي (21).
العلماء والأدباء بتشجيع السلاطين والأمراء هو الذي ربط بين التيارين السابق واللاحق، وعوض الخسارة التي لحقتنا على أيدي التتار الذين أقاموا من كتبنا جسرًا على نهر دجلة؛ وما لم يعدموه غرقًا أعدموه حرقًا".
أقول: وقد يكون ما ذكره الدكتور عبده قلقيله صحيحًا في أول عصر المماليك، أي إِلى حدود سنة 770 هـ، أما بعد ذلك التاريخ فالظاهر أن الحالة العلمية بدأت في الركود، واتجه كثير من العلماء إِلى اختصار جهود السابقين، أو وضع الحواشي؛ أو اختصار بعض المطولات؛ ولم ينبغ بعد التاريخ المذكور إِلا أفراد قلائل من العلماء (1).
وقد ذكرت أن المعلمين وأمكنة التعليم والمكتبات كانت متوافرة في ذلك الوقت. ولعل الركود الذي حصل في هذا العصر يرجع إِلى أمرين:
الأمر الأول: عدم الاستقرار في البلاد؛ بسبب كثرة تغير السلاطين، وكثرة الفتن. ومعلوم أن النبوغ نتاج للاستقرار والأمن غالبًا.
الأمر الثاني: وصول الكثير من العلوم الشرعية واللغوية في هذا العصر إِلى مرحلة النضوج؛ ومن هنا فقد ضاقت مجالات الإبداع.
* * *
(1) عن الحالة العلمية في ذلك الوقت؛ ومن نبغ فيه من العلماء؛ انظر: خطط الشام (4/ 49) فما بعدها.