المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[حكم من تعاطى فعل شيء حلال له، وهو يعتقد عدم حله، والعكس] - القواعد للحصني - جـ ١

[تقي الدين الحصني]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌ملابسات العثور على النسخة الثانية:

- ‌مدى الحاجة للنسخة الأخرى في تقويم نص الكتاب:

- ‌الاستفادة من توجيهات لجنة المناقشة:

- ‌المقدار الذي حقق كل واحد من المحققين:

- ‌منهج إخراج الكتاب:

- ‌المقَدِّمَة

- ‌الباب الأول دراسة عن علم قواعد الفقه

- ‌الفصل الأول تعريف القاعدة لغة، واصطلاحًا، والفرق بين القاعدة الفقهية والضابط، والفرق بين القواعد الأصولية والفقهية

- ‌القاعدة في اللغة:

- ‌القاعدة في الاصطلاح:

- ‌سأذكر بعض التعريفات:

- ‌ما تشترك فيه القاعدة والضابط، وما يفترقان فيه:

- ‌الفرق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية:

- ‌الفصل الثاني تعريف‌‌ الأشباه والنظائر لغة، واصطلاحًا، وبيان العلاقة بين قواعد الفقه والأشباه والنظائر

- ‌ الأشباه والنظائر لغة

- ‌الأشباه والنظائر اصطلاحًا:

- ‌العلاقة بين قواعد الفقه والأشباه والنظائر:

- ‌الفصل الثالث أقسام القواعد الفقهية

- ‌الفصل الرابع‌‌ استمداد القواعد الفقهيةوصياغتها

- ‌ استمداد القواعد الفقهية

- ‌صياغة القواعد الفقهية:

- ‌الفصل الخامس أهمية علم قواعد الفقه وفائدته

- ‌الفصل السادس نشأة القواعد الفقهية وتطورها

- ‌المرحلة الأولى:

- ‌المرحلة الثانية:

- ‌الفصل السابع مناهج المؤلفين في القواعد

- ‌ من ناحية المضمون

- ‌من ناحية الترتيب:

- ‌الفصل الثامن المؤلفات في علم قواعد الفقه؛ في المذاهب الأربعة

- ‌كتب القواعد في المذهب الحنفي:

- ‌كتب القواعد في المذهب المالكي:

- ‌كتب القواعد في الذهب الشافعي:

- ‌كتب القواعد في المذهب الحنبلي:

- ‌الباب الثاني دراسة عن المؤلف وكتابه

- ‌الفصل الأول‌‌ الحالة السياسيةوالعلمية في عصر المؤلف

- ‌ الحالة السياسية

- ‌الحالة العلمية في عصر المؤلف:

- ‌ففيما يتعلق بالمعلمين:

- ‌وفيما يتعلق بأمكنة التعليم:

- ‌وفيما يتعلق بالاستقرار العام:

- ‌الفصل الثاني حياة المؤلف الشخصية

- ‌اسمه ونسبه

- ‌مولده:

- ‌نشأته وحياته:

- ‌أخلاقه وصفاته:

- ‌ذريته:

- ‌وفاته:

- ‌الفصل الثالث حياة المؤلف العلمية

- ‌طلبه العلم:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌كلام العلماء فيه:

- ‌مذهبه وعقيدته:

- ‌آثاره:

- ‌مؤلفاته في التفسير:

- ‌مؤلفاته في الحديث:

- ‌مؤلفاته في الفقه وقواعده:

- ‌مؤلفاته في التصوف والزهد والوعظ:

- ‌الفصل الرابع‌‌ تحقيق اسم المؤلف، واسم الكتاب، ونسبة الكتاب إِلى مؤلفه

- ‌ تحقيق اسم المؤلف

- ‌تحقيق اسم الكتاب:

- ‌تحقيق نسبة الكتاب إِلى مؤلفه:

- ‌الفصل الخامس دراسة عن كتاب القواعد للحصني

- ‌استمداد الكتاب:

- ‌طريقة الحصني في استمداد الكتاب:

- ‌تقويم الكتاب بالنسبة إِلى أصله:

- ‌الاستفادة من الكتاب:

- ‌منهج الكتاب:

- ‌الباب الثالث دراسة عن صاحب الأصل (العلائي)، وكتابه (المجموع المُذْهَب)

- ‌الفصل الأول ترجمة العلائي

- ‌اسمه

- ‌مولده:

- ‌طَلَبُهُ العلم:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌مكانته وكلام العلماء فيه:

- ‌وفاته:

- ‌مؤلفاته:

- ‌الفصل الثاني دراسة عن المجموع المذهب

- ‌اسم الكتاب:

- ‌مصادر الكتاب:

- ‌طريقة العلائي في استمداد الكتاب:

- ‌تقويم الكتاب بالنسبة إِلى أصله:

- ‌الاستفادة من الكتاب:

- ‌مختصرات الكتاب:

- ‌منهج الكتاب:

- ‌الباب الرابع معلومات عن النسختين المخطوطتين لكتاب القواعد للحصني، ووصف لهما ومعلومات عن النسخة التي استفدت منها من المجموع الذهب للعلائي، ووصف لها

- ‌الفصل الأول معلومات عن النسختين المخطوطتين لكتاب القواعد للحصني، ووصف لهما

- ‌النسخة الأولى:

- ‌النسخة الثانية:

- ‌الفصل الثاني معلومات عن النسخة التي استفدت منها من المجموع المذهب، ووصف لها

- ‌الباب الخامس منهجي وعملي في التحقيق

- ‌الفصل الأول منهجي في تحقيق الكتاب

- ‌الفصل الثاني عملي في التحقيق

- ‌[تقسيم الحكم الشرعي إِلى حكم تكليفي، وحكم وضعي]

- ‌[أنواع الحكم التكليفي]

- ‌[الواجب]

- ‌[المندوب]

- ‌[الحرام]

- ‌[المكروه]

- ‌[المباح]

- ‌[أنواع الحكم الوضعي]

- ‌[السبب]

- ‌[الشرط]

- ‌[المانع]

- ‌[أنواع أُخَر]:

- ‌(القواعد الأربع)

- ‌[حكم النية]

- ‌[ما شُرِعت النية لأجله]

- ‌[ما نُوِيَ به النفل لا يتأدى به الفرض إِلا في مسائل منها ما يأتي

- ‌[من شرط النية: الجزم]

- ‌[النية الحكمية، والمنافي لها]

- ‌[أبواب أُخَر تدخل فيها النية]

- ‌(تخصيص العام) [بالنية]

- ‌[النيةُ المُخَصِّصَةُ، والنيةُ المؤكدَة]

- ‌[حكم من تعاطى فعل شيء حلال له، وهو يعتقد عدم حله، والعكس]

- ‌(تعارض الأصلين)

- ‌[مسائل اجتمع فيها أصل وظاهر، ويرجح أحدهما]

- ‌[مسائل ترجح فيها الظاهر]

- ‌[مسائل ترجح فيها الأصل]

- ‌[مسائل اجتمع فيها أصلان واعتضد أحدهما بالظاهر]

- ‌[المراد بالشك عند الفقهاء والأصوليين]

- ‌[أضرب الشك باعتبار الأصل الذي يطرأ عليه الشك]

- ‌النوع الأول: المتعلق بالعبادات

- ‌رخص السفر

- ‌[رخص المرض]

- ‌[رخص الإِكراه]

- ‌[أنواع أخر من الرخص]

- ‌[أقسام التخفيفات الشرعية]

- ‌[أقسام الرخص من حيث حكمها]

- ‌النوع الثاني: التخفيف في العاملات لأجل المشقة

- ‌النوع الثالث من التخفيفات: في المناكحات

- ‌النوع الرابع: التخفيف في الظهار والأيمان

- ‌النوع الخامس: التخفيف عن الأرقاء وساداتهم

- ‌النوع السادس: التخفيف في القصاص

- ‌النوع السابع: التيسير على المجتهدين

- ‌[قيام الحاجة مقام المشقة في حل النظر المحرم]

- ‌[أبواب مبنية على هذه القاعدة]

- ‌[فروع مخرجة على هذه القاعدة]

- ‌[مسائل دخول العبد المسلم في ملك الكافر]

- ‌[أمثلة على احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما]

- ‌[الاستدلال على احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما]

- ‌[اجتماع المفاسد مع تساويها]

- ‌[اجتماع المصالح والمفاسد]

- ‌الأول: غلبة المفسدة على المصلحة:

- ‌النوع الثاني: أن تكون المصلحة أعظم من المفسدة

- ‌النوع الثالث: أن تتساوى المصالح والفاسد:

- ‌[بعض السائل المبينة على قاعدة العادة]

- ‌[تخصيص العام و] (تقييد المطلق بالعادة)

- ‌[ما تثبت به العادة]

- ‌فائدة:

- ‌(العرف الخاص هل يلحق بالعرف العام

- ‌[العرف الذي تحمل عليه الألفاظ]

- ‌فائدة مهمة:

- ‌[المأخذ في الصراحة]

- ‌[حكم الصريح في بابه إِذا وجد نفاذًا في موضوعه. وإِذا لم يجد]

- ‌فائدة:

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌(صرف اللفظ عن حقيقته إِلى المجاز)

- ‌فائدة

- ‌قاعدة [فيما تثبت به الأحكام]

- ‌[حكم الأشياء قبل البعثة]

- ‌[حكم الأشياء بعد البعثة]

الفصل: ‌[حكم من تعاطى فعل شيء حلال له، وهو يعتقد عدم حله، والعكس]

[حكم من تعاطى فعل شيء حلال له، وهو يعتقد عدم حله، والعكس]

ومما تدخل فيه النية: ما إِذا تعاطى فعل شيء حلال له، وهو يعتقد عدم حله، كمن وطئ امرأة يعتقد أنها أجنبية وأنه زان بها، وهي زوجته أو أمته. أو قتل من يعتقد عصمته فبان أنه مستحق لدمه. أو أتلف مالًا يظنه لغيره فكان ملكه. قال ابن عبد السلام (1):"يجرى عليه حكم الفسق؛ لجرأته (2) على الله تعالى (3) لأن العدالة إِنما شرطت في الشهادات والولايات لتحصل الثقة بصدقه وأداء الأمانة، وقد انخرمت الثقة بذلك. وأما الآخرة فلا يعذب تعذيب زان ولا قاتل ولا حمل مالا حرامًا؛ لأن عذاب الآخرة مرتب على رتب المفاسد في الغالب، كما أن ثوابها مرتب على رتب المصالح في الغالب؛ والظاهر أنه لا يعذب تعذيب من ارتكب صغيرة، لأجل جرأته وانتهاكه الحرمة، بل عذابًا متوسطًا بين الصغيرة والكبيرة".

قلت: وعكس هذا: من وطئ أجنبية بشبهة يظنها زوجته لا يترتب عليه شيء من العقوبات المترتبة على الزاني: اعتبارا بنيته (4): وقد رُوِيَ أنه عليه الصلاة والسلام قال: -

(1) انظر نص قول ابن عبد السلام التالي في: قواعد الأحكام (2211).

(2)

وردت هذه الكلمة في النسختين هكذا (لجرته)، والصواب ما أثبته، وهو المرافق لما في: قواعد الأحكام.

(3)

هناك قسم من قول ابن عبد السلام له علاقة بالكلام التالي ولم يذكره المؤلف، ونصه: - "وتسقط عدالته لجرأته على رب العالمين، وترد شهادته وروايته، وتبطل بذلك كل ولاية تشترط فيها العدالة؛ لأن العدالة إِنما شرطت. . إلخ". قواعد الأحكام (2211).

(4)

ذكر ابن عبد السلام مماثلات لما ذكره المؤلف هنا تحت فصل عنون له بقوله: "فصل في إِتيان المفاسد ظنًا أنها من المصالح". انظر: قواعد الأحكام (1/ 23).

ص: 266

(نية المؤمن خير من عمله)(1). وفُسِّر ذلك: بأن المؤمن يخلد في [الجنة](2) وإن كانت مدة عمله الصالح متناهية؛ لأن نيته كانت أنه لو بقي أبد الآباد مستمر على الإيمان فَجُوزِىَ على ذلك بالخلود في الجنة، كما أن الكافر يخلد في النار؛ مقابلة لنيته أنه لو عاش ما عاش مستمر على الكفر (3) وبالله التوفيق.

* * *

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نية المؤمن خير من عمله، وعمل المنافق خير من نيته، وكل يعمل على نيته، فإِذا عمل المؤمن عملًا نار في قلبه نور). المعجم الكبير (6/ 228).

وقال الهيثمي عن إسناد الحديث المتقدم: - "رجاله موثقون إلَّا حاتم بن عباد بن دينار لم أر من ذكر له ترجمة". مجمع الزوائد (6/ 292).

وذكر السيوطي أن البيهقي أخرجه في شعب الإيمان عن أنس ورمز له برمز الضعيف. انظر: الجامع الصغير (2/ 188).

ومما قاله المناوي في تعقيبه على كلام السيوطي: "الثاني أنه ورد من عدة طرق من هذا الوجه، وغيره، وأمثل، وأنزل: فرواه باللفظ المذكور عن أنس المزبور، والقضاعي في مسند الشهاب، وابن عساكر في أماليه وقال: غريب، ورواه الطبراني أيضًا كذلك.

والحاصل أن له عدة طرق تجبر ضعفه، وأن من حكم بحسنه فقد فرط.

وممن جزم بضعفه المصنف في الدرر تبعًا للزركشي" فيض القدير (6/ 292).

(2)

ورد بدل هذه الكلمة في المخطوطة كلمة أخرى هي: (المده)، وما أثبته هو الصواب، وهو الموافق لما في المجموع المذهب: ورقة (27 / ب).

(3)

هذا التفسير ذكره العلائي في المجموع المذهب: رقة (27 / ب)، كما ذكره السيوطي في الأشباه والنظائر (11).

ص: 267

القاعدة الثانية اليقين (1) لا يزال بالشك (2)

(1) اليقين في اللغة؛ قال عنه الجوهري: - "اليقين: العلم وزوال الشك" الصحاح (6/ 2219). وانظر: معجم مقاييس اللغة (6/ 157)، والقاموس المحيط (4/ 280)، ولسان العرب (13/ 457).

أما في الاصطلاح؛ فقد عرفه ابن قدامة بقوله: - "اليقين: ما أذعنت النفس إِلى التصديق به وقطعت به، وقطعت بأن قطعها به صحيح". روضة الناظر (13).

وقد استقى الن قدامة هذا التعريف من المستصفى، فانظر: المستصفى (1/ 43).

وعرفه الشريف الجرجاني بأنه: - "اعتقاد الشيء بأنه كذا، مع اعتقاد أنه لا يمكن إِلا كذا، مطابقًا للواقع، غير ممكن الزوال". ثم قال: "والقيد الأول: جنس يشتمل على الظن، والثاني: يخرج الظن، والثالث: يخرج الجهل، والرابع: يخرج اعتقاد المقلد المصيب". التعريفات (259).

وذكر الشيخ أحمد الزرقاء تعريفًا قريبًا من هذا، ولعله مأخوذ منه؛ انظر: شرح القراعد الفقهية (35).

أقول: والظاهر أن المراد (باليقين) في القاعدة أعم من المذكور آنفًا، أي أنه يشمل المتقدم، ويشمل أمرًا آخر أقل منه وهو الظن: فإن الظن معمول به في كثير من الأمور الشرعية، وقد يسميه بعض الفقهاء يقينًا: قال النووى: - "اعلم أنهم يطلقون العلم واليقين ويريدون بهما الظن الظاهر، لا حقيقة العلم واليقين؛ فإن اليقين هو الاعتقاد الجازم، وليس ذلك بشرط في هذا المسألة ونظائرها، وقد قدمنا في هذا الباب بيان هذا؛ حتى لو أخبره ثقة بنجاسة الماء الذي توضأ به فحكمه حكم اليقين في وجوب غسل ما أصابه وإعادة الصلاة، وإنما يحصل بقول الثقة ظن لا علم ويقين، ولكنه نص يجب العمل به". المجموع (1/ 230، 231).

وانظر: قواعد الأحكام (2/ 51)، وشرح القواعد الفقهية (35، 36).

(2)

الشك في اللغة: قال عنه ابن فارس: - " (شك)، الشين والكاف أصل واحد مشتق بعضه من بعض، وهو يدل على التداخل". ثم قال: "ومن هذا الباب (الشك) الذي هو خلاف اليقين، إِنما سمي بذلك لأن الشاك كأنه شُكَّ له الأمران في مشك واحد، وهو لا يتيقن واحدًا منهما، فمن ذلك اشتقاق الشك، تقول: شككت بين ورقتين إِذا أنت غرزت العود فيهما =

ص: 268

وأن الأصل (1) بقاء ما كان على ما كان عليه (2)

= فجمعتهما".

معجم مقاييس اللغة (3/ 173).

وانظر: الصحاح (4/ 1594)، والقاموس المحيط (3/ 319).

أما الشك في اصطلاح الفقهاء؛ فقد قال عنه النووى: - "واعلم أن مراد الفقهاء بالشك في الماء والحدث والنجاسة والصلاة والصوم والطلاق والعتق وغيرها هو التردد بين وجود الشيء وعدمه، سواء كان الطرفان في التردد سواء أو أحدهما راججًا. فهذا معناه في استعمال الفقهاء في كتب الفقه". المجموع (1/ 213).

وأما معناه في اصطلاح الأصوليين فقال عنه النووى: - "وأما أصحاب الأصول ففرقوا بينهما: فقالوا: التردد بين الطرفين إِن كان على السواء فهو الشك، وإلا فالراجح ظن والمرجوح وهم". المجموع (1/ 213).

(1)

معنى الأصل هنا: (القاعدة أو الغالب). وذلك معناه -أيضًا- فيما يأتي من نحو قول المؤلف: - "الأصل في الألفاظ أنها للحقيقة، وفي الأوامر أنها للوجوب، وفي النواهي أنها للتحريم".

(2)

هذه القاعدة يرد عليها إِشكال ذكره النووي وذكر الرد عليه فقال: - "وأما قول المصنف: لا يزال حكم اليقين بالشك فهي عبارة مشهورة للفقهاء، قد أكثر الصنف وغيره منها، وأنكرها بعض أهل الأصول على الفقهاء، وقال: الشك إِذا طرأ لم يبق هناك يقين؛ لأن اليقين الاعتقاد الجازم، والشاك متردد.

وهذا الإنكار فاسد؛ لأن مرادهم أن حكم اليقين لا يزال بالشك، لا أن اليقين نفسه يبقى مع الشك، فإِن ذلك محال لا يقوله أحد". المجموع (1/ 228، 229)، وانظر: -أيضًا- المنثور في القواعد (2/ 286).

وهذه القاعدة إِحدى القواعد الكلية، ولها أهمية كبرى: قال السيوطي: - "اعلم أن هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه، والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر". الأشباه والنظائر (51).

وممن ذكر هذه القاعدة وبعض صورها: العلائي في المجموع المذهب: ورقة (27/ ب).

ص: 269

تقدم حديث: (إذا شك)(1). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (إِذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه؛ أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا)(2).

والإجماع منعقد على: أن من شك في امرأة هل تزوجها أم لا؟ لم يكن له وطؤها

(1) الواقع أنه لم يتقدم حديث بلفظ: - (إِذا شك). وذلك في معرض سرد المؤلف للقواعد الكلية. ولكن مر حديث آخر، ونصه: - (إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته فيقول له: أحدثت أحدثت. فلا ينصرفن حتى يسمع صوتًا أويجد ريحًا). وقد سبق تخريجه.

أما حديث (إِذا شك) فقد أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري، ونصه: - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - "إِذا شك أحدكم في صلاته فلم يَدْرِ كَمْ صلى؟ ثلاثًا أم أربعًا: فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته، وان كان صلى إِتمامًا لأربع كانتا ترغيمًا للشيطان".

أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له. انظر: صحيح مسلم (1/ 400)، رقم الحديث (88).

(2)

أخرجه بهذا اللفظ مسلم في كتاب الحيض، باب: الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك.

انظر: صحيح مسلم (1/ 276)، رقم الحديث (99).

وبنحو هذا اللفظ أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب: إِذا شك في الحدث.

انظر: سنن أبي داود (1/ 45)، رقم الحديث (177).

والترمذي في أبواب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء من الريح.

انظر: سنن الترمذى (1/ 109)، رقم الحديث (75).

ومعنى هذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب: لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن.

انظر: صحيح البخاري (1/ 237).

وابن ماجة في كتاب الطهارة، باب: لا وضوء إِلَّا من حدث.

انظر: سنن ابن ماجة (1/ 171)، رقم الحديث (513، 514).

ص: 270

استصحابًا لحكم التحريم إِلى أن يتحقق تزويجها، وأن من شك في زوجته هل طلقها أم لا؟ لم يلزمه شيء وكان له وطؤها إلى أن يتحقق الطلاق استصحابًا للنكاح المتقدم (1).

ثم هذا المعنى معتبر أيضًا في الاستدلال بالأدلة؛ فالأصل في الألفاظ أنها للحقيقة، وفي الأوامر أنها للوجوب، وفي النواهي أنها للتحريم، ولا يخرج منها شيء عن أصله إلَّا بدليل خاص يقتضي ذلك الموضع (2).

وقولهم: هذا خلاف الأصل (3). يحتمل معانيَ (4).

أحدها: ما ذكرنا (5)، ويكون المراد بالأصل: ما وضع اللفظ له أولًا وهو حقيقة فيه.

الثاني: أن يراد به أنه على خلاف مقتضى الدليل (6).

(1) حكى الإجماع في هاتين الصورتين العلائي في المجموع المذهب: ورقة (27/ ب، 28 / أ).

(2)

أي الموضع المخروج إِليه من مجاز أو ندب أو كراهة أو نحو ذلك.

هذا وقد قال العلائي بعد ذلك: - "ومن هذا الوجه يمكن رجوع غالب مسائل الفقه إِلى هذه القاعدة إِما بنفسها أو بدليلها". المجموع المذهب: ورقة (28 / أ).

(3)

نهاية الورقة رقم (12).

(4)

وردت في المخطوطة هكذا (معان) والصواب ما أثبته.

(5)

ما ذكره سابقًا هو قوله: "فالأصل في الألفاظ أنها للحقيقة وفي الأوامر أنها للوجوب وفي النواهي أنها للتحريم".

(6)

الدليل في اللغة: ما يُبَيّن الشيء، ويطلق أيضًا على المرشِد والكاشف، انظر: معجم مقاييس اللغة (2/ 259)، والمصباح المنير (1/ 199).

أما تعريفاه في اصطلاح الفقهاء والأصوليين فقد ذكرهما الآمدي بعد أن مهد لهما بتعريفه لغة فقال: - "وقد يطلق على ما فيه دلالة وإرشاد، وهذا هو المسمى دليلًا في عرف الفقهاء، وسواء كان مُوَصِّلًا إِلى علمٍ أو ظنٍ.

والأصوليون يفرقون بين ما أوصل إلى العلم وما أوصل إِلى الظن، فيخصون اسم الدليل بما =

ص: 271

الثالث: أن يراد بالأصل القاعدة المستقرة.

الرابع: أن يراد بالأصل الأغلب (1).

الحامس: أن يراد بالأصل الاستصحاب (2). وهذا هو المقصود بهذه القاعدة، وهذا على أنواع:

الأول: استصحاب النفي في الأحكام الشرعية إلى أن يرد دليل، فنستصحب البراءة الأصلية؛ وهذا متفق عليه عند أهل السنة، ويقولون: لا حكم إلَّا للشرع.

الثاني: استصحاب حكم العموم حتى يرد مخصص، وحكم النص حتى يرد ناسخ: وهذا -أيضًا- متفق عليه.

الثالث: استصحاب حكم دل الشرع على ثبوته حتى يثبت معارض راجح يرفعه؛ وهذا أيضًا من مقصود هذه القاعدة (3). وهو متفق عليه عند الفقهاء: قال الرازى:

= أوصل إِلى العلم، واسم الأمارة بما أوصل إِلى الظن.

وعلى هذا؛ فحده على أصول الفقهاء: أنه الذي يمكن أن يتوصل بصحيح النظر فيه إِلى مطلوب خبري" الأحكام (1/ 11).

ثم قال بعد ذلك: "وأما حده على العرف الأصولي: فهو ما يمكن التوصل به إِلى العلم بمطلوب خبرى؛ وهو منقسم إِلى عقلي محض، وسمعي محض، ومركب من الأمرين" الأحكام (1/ 12).

(1)

ذكر العلائي أمثلة للمعنى الثاني والثالث والرابع، فمن أرادها فليراجعها في المجموع المذهب: ورقة (28/ أ).

(2)

قال الغزالي بعد ذكره لأنواع الاستصحاب: - "فإذن الاستصحاب عبارة عن التمسك بدليل عقدي أو شرعي وليس راجعًا إلدى عدم العدم بالدليل بل إِلى دليل مع العدم بانتفاء المُغَيِّر أو مع ظن انتفاء المُغَيِّر عند بذل الجهد في البحث والطلب". المستصفى (1/ 223).

(3)

ذكر الغزالي هذه الأنواع الثلاثة وذكر أنها صحيحة، وذكر نوعًا رابعًا وأنه لا يصح وهو استصحاب الإجماع في محل الخلاف، انظر: المستصفى (1/ 217 - 232).

ص: 272

"الاستصحاب متفق على اعتباره من حيث الجملة في الدين والشرع والعرف"(1).

ومسائل المذهب طافحة (2) بالترجيح بالأصل المستصحب إِلى أن يتبين خلافه:

فمنها: إِذا اختلف الزوجان في التمكين، فقالت: سلمت نفسي إليك من وقت كذا. وأنكر، فإِن قلنا بالجديد الأصح: إِن النفقه تجب بالتمكين، فالقول قوله؛ لأن الأصل عدمه وعليها البينة. وإن قلنا: تجب بالعقد، فالقول قولها؛ لأن الأصل بقاء ما وجب، والأصل عدم المسقط.

ومنها: إِذا ولدت المرأة، وطلقها الزوج، واختلفا، فقال الزوج: طلقتك بعد الولادة فلي الرجعة. وقالت: بل قبلها فلا رجعة لك. ولم يعينا وقتا للولادة ولا للطلاق، فالقول قول الزوج؛ لأن الأصل بقاء النكاح.

فإِن اتفقا على يوم الولادة، كيوم الجمعة مثلًا؛ فقال: طلقتك يوم السبت. وقالت: بل يوم الخميس. فالقول قوله لأن الأصل استمرار النكاح يوم الخميس، وعدم الطلاق فيه.

= وكذلك العلائي: ذكر الأنواع الثلاثة وقال: إنها متفق عليها، وذكر النوع الرابع وأنه مختلف فيه وساق الخلاف؛ انظر: المجموع المذهب: ورقة (28 / أ، ب).

(1)

لم يصرح الرازى بالاتفاق، ولكنه ذكر أن استصحاب الحال أمر لابد منه؛ ونص كلامه هو: - "واعلم: أن القول باستصحاب الحال أمر لابد منه في الدين والشرع والعرف" المحصول (ب 2 / ق 3/ 163).

(2)

طافحة اسم فاعل من طفح، قال الجوهرى:"طفح الإناء طفوحًا، إِذا امتلأ حتى يفيض" الصحاح (1/ 387)، وانظر: معجم مقاييس اللغة (3/ 415).

واستعمال المؤلف لهذه الكلمة من باب استعمال الأمر الحسي في الأمر المعنوى.

ص: 273

وإن اتفقا على يوم الطلاق، واختلف في وقت الولادة؛ فقالت هي: بعد الطلاق. وقال الزوج: (1) قبله (2). فالقول قولها؛ لأن الأصل عدم الولادة يوم الخميس (3).

ومنها: لو أَسْلَمَ (4) إليه في لحم، فجاء به، فقال: المُسْلِمُ: هذا ميته. وأنكر المُسْلِمُ إِليه، فالقول قول المُسْلِمُ القابض؛ لأن الشاة في حال الحياة محرمة فيتمسك به إلى تحقق زوال التحريم (5).

وكذا لو اشترى ماء فيه قلتان (6)، فقال المشترى: أرده بعيب القذارة (7). وأنكر البائع، فالقول قوله؛ لأن الأصل طهارة الماء.

(1) ورد في هذا الموضع من المخطوطة كلمة هي (بعد)، وقد حذفتها لأن المعنى لا يستقيم إِلا بحذفها، كما أنها لم ترد في المجموع المذهب: ورقة (29 / أ)، ولعل المؤلف كتبها سهوًا.

(2)

ورد هذا الضمير في المخطوطة مؤنثًا هكذا "قبلها"، والصواب بالتذكير لعوده على مذكر وهو الطلاق.

(3)

قوله: "لأن الأصل عدم الولادة يوم الخميس" مبني على أن وقت الطلاق هو الجمعة، والزوجة تدعي وقع الولادة يوم السبت، والزوج يدعي وقوعها يوم الخميس.

(4)

أي عقد معه عقد سَلَمٍ؛ هذا وقد ذكر النووى عدة تعريفات للسلم وهي متقاربة، ومنها ما نصه: - "أنه عقد على موصوف في الذمة ببدل يعطي عاجلًا روضة الطالبين (4/ 3).

(5)

وذلك بتحقيق كونها مذكاة.

(6)

القلتان: مفردهما قُلَّة: بضم القاف بعدها لام مشددة مفتوحة، قال صاحب المصباح في تعريفها:"و (القلة) إناء للعرب كالجرة الكبيرة شبه الحب والجمع (قلال) ". المصباح المنير (2/ 514).

وللفقهاء كلام طويل في بيان مقدار القلتين: فقال النووى: "خمس قرب" ثم ذكر أوجهًا في مقدارهما بالأرطال، ثم قال بعد ذلك:"وقدر القلتين بالمساحة: ذراع وربع طولًا وعرضًا وعمقًا". روضة الطالبين (1/ 19).

(7)

مراده بالقذارة هنا النجاسة.

ص: 274