الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالنسبة إِلى تقبيح العقل كالخداع فلا فرق.
ويمكن أن يفرق: بأن البيع على بيع الغير قد يظن كثير من الناس أنه مندرج في صور البيع ممن يزيد (1)، فلا يفرق بين الركون (2) وعدمه (3)، وربما يتوهم أن ذلك من جملة النصحية، فلذلك قيده الشافعي بالعلم بالخبر، بخلاف النجش.
ومع احتمال هذا الفرق: لا ينبغي أن يقال: بالتقبيح العقلي، وبنقض القاعدة الكلية المشهورة (4)، مع ما يترتب على ذلك من الأصول المهمة، في أصول الدين، وأصول الفقه، والفقه أيضًا.
[حكم الأشياء قبل البعثة]
ومن فروع هذه المسألة: حكم الأشياء قبل البعثة (5)، وفيها ثلاثة أوجه لأصحابنا:
(1) لعل البيع على بيع الغير يندرج في الشراء ممن ينقص، ووجه ذلك أن المشتري يقول: أنا أريد الشراء من الأنقص ثمنًا، فيعرض عليه رجل سلعة بثمن معلوم، ثم يأتي البائع الثاني فيقول: أنا أبيعك مثلها بأنقص من الثمن الذى ذكره الأول.
(2)
الركون: معناه الميل والسكون، انظر: الصحاح (5/ 2126).
(3)
أى وعدم الركون، مع أن حكمهما مختلف، فإذا ركن المشترى إِلى من عرض عليه سلعة -بمعنى أنه مال وسكن إِليه ورضي بثمنه- فلا يجوز لبائع آخر أن يعرض على المشترى نفس السلعة بثمن أقل. وإن لم يركن المشترى إِلى من عرض عليه السلعة فيجوز لبائع آخر أن يعرض على المشترى نفس السلعة بثمن أقل، وقد أشار النووى الى مثل هذا الفرق في حالة البيع ممن يزيد، وذلك في الروضة (3/ 413).
(4)
وهي أن الأحكام إنما تتلقى من الشرع لا العقل.
(5)
هذه المسألة توجد في المراجع التالية: البرهان (1/ 99)، والمستصفى (1/ 63)، والمحصول (جـ 1/ ق 1/ 209)، والإحكام (1/ 130)، وشرح تنقيح الفصول (92)، والمجموع المذهب: ورقة (76 /أ)، والإبهاج (1/ 142)، ونهاية السول (1/ 123).
أحدها أنها على الإباحة، وهو قول الأستاذ أبو (1) إِسحاق (2)، والقاضي أبو حامد (3) وغيرهما (4).
(1) الرفع على القطع لا الإبدال، ومعنى القطع أن تكون كلمة (أبو) خبرأ لمبتدأ مقدر، والتقدير: هو أبو إِسحاق، والقطع في مثل هذا جائز كما نص عليه سيبريه والأخفش، انظر: همع الهوامع (2/ 128).
(2)
هو إِبراهيم بن محمد الإسْفَرايْنِي.
سمع الحديث من أبي بكر الإسماعيلي ودعلج وغيرهما، وأخذ عنه البيهقي والقاضي أبو الطيب الطبرى، والحاكم النيسابورى.
وهو أحد فقهاء الشافعية، وصاحب العلوم الشرعية والعقلية واللغوية.
قال عبد الغافر: وكان ثقة ثبتًا في الحديث.
من مصنفاته: تعليقة في أصول الفقه، والجامع في أصول الدين والرد على الملحدين، ومسائل الدور.
توفي بنيسابور سنة 418 هـ.
انظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 169)، وطبقات الشافعية الكبرى (4/ 256)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 59)، والبداية والنهاية (12/ 24).
(3)
هو أحمد بن بشر بن عامر العامرى، المرْوَزُّوذى، ويقال: المروذي.
أخذ عن أبي إِسحق المروذي، ومن تلاميذه: أبو حيان التوحيدي.
وهو أحد رفعاء المذهب وعظمائه، قال أبو إِسحق:"نزل البصرة ودرس بها وصنف (الجامع) في المذهب، وشرح المزني، وصنف في أصول الفقه، وكان إمامًا لا يشق غباره وعنه أخذ فقهاء البصرة".
توفي رحمه الله سنة 362 هـ.
انصر: طبقات الفقهاء (114)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 211)، وطبقات الشافعية الكبرى (3/ 12)، وطبقات الشافعية للأسنوي (2/ 377).
(4)
وهذا الرأي قال به أيضًا الشيخان المعتزليان أبو علي وأبو هاشم، انظر: المعتمد (2/ 868).
والثاني: أنها على الحظر (1)، وهو قول ابن أبي هريرة (2) وغيره (3).
والثالث: الوقف، وهو اختيار الصيرفي (4) وأبي (5) علي الطبرى والإمام (6)
(1) وردت هذه الكلمة في المخطوطة بالضاد، وصوابها كما أثبتها، والحظر: معناه المنع.
(2)
هو القاضي أبو علي الحسن بن الحسين البغدادى، المعروف بابن أبي هريرة.
تفقه على ابن سريج، وأبي إسحق المروزى.
وهو أحد أئمة الشافعية، وانتهت اِليه إمامة العراقيين، ودرس ببغداد، وتخرج عليه خلق كثير، وكان معظمًا عند السلاطين.
من مصنفاته: شرح مختصر المزني.
توفي رحمه الله سنة 345 هـ.
انظر: طبقات الفقهاء (112)، ووفيات الأعيان (2/ 75)، وطبقات الشافعية الكبرى (3/ 256)، وطبقات الشافعية للأسنوى (2/ 518).
(3)
وهذا الرأى قال به أيضًا بعض شيوخ المعتزلة البغداديين، انظر: المعتمد (2/ 868).
(4)
هو أبو بكر محمد بن عبد الله البغدادى، المعروف بالصيرفي.
وهو من أئمة الشافعية المتقدمين من أصحاب الوجوه، كان إمامًا في الفقه والأصول، قال القفال الشاشي:"كان الصيرفي أعلم الناس بالأصول بعد الشافعي".
تفقه على ابن سريج، وسمع الحديث من أحمد المنصور الرمادي ومن بعده.
من مصنفاته: شرح الرسالة، وكتاب في الشروط، وكتاب في الإجماع. توفي رحمه الله سنة 330 هـ.
انظر: طبقات الفقهاء (111)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 193)، وطبقات الشافعية الكبرى (3/ 186)، وطبقات الشافعية للأسنوى (2/ 122).
هذا: وقد نَسَبَ هذا القولَ إليه الرازي في المحصول (جـ 1 ق 1/ 210).
(5)
وردت هذه الكلمة في المخطوطة بالرفع هكذا: (أبو)، ويظهر أن صوابها بالجرّ عطفًا على الصيرفي المجرور بالإضافة.
وقد نسب هذا الاختيار إِلى أبي علي الطبري العلائي في المجموع المذهب: ورقة (76 / أ).
(6)
القول بالوقف بمعنى أنه لا حكم قال به إمام الحرمين الجويني، انظر: البرهان (1/ 99) كما قال بالوقف الإمام الرازى، إلا أنه ذكر في موضع من المحصول ما يفيد أن معنى الوقف هو =
والغزالي (1) وآخرين (2). ثم الوقف: يُفَسَر تارة بأنه لا حكم، واعْتُرِض بأنه جَزْم بعدم الحكم. وتارة يفَسَّر بأنا لا ندري هناك حكم أم لا، وإن كان فلا ندري أهو إباحة أم حظر؟ وهو الراجح.
وهذه الأوجه أقوال للمعتزلة. والفرق بين أصحابنا وبينهم من وجهين:
أحدهما: أنهم خصوا الأقوال بما لا يقضي العقل فيه بحسن ولا قبح (3).
قال أصحابنا: هذا تناقض (4) في قول من يرجح الأباحة أو الحظر؛ لأن ذلك (5)
= عدم الحكم، وذكر في موضع آخر ما يفيد أن معناه عدم العلم بكون الحكم حظرًا أو إباحة، انظر: المحصول (جـ 1/ ق 1/ 211، 216، 218).
هذا: وقد ذكرت رأي الجويني والرازى لأن لقب الإمام في الفقه ينصرف إلى الجويني، وفي الأصول ينصرف إلى الرازى، والمقام محتمل.
(1)
صحح الغزالي القول بالوقف، بناء على أن معناه أن الحكم موقوف على ورود السمع، ولا حكم في الحال، انظر: المستصفى (1/ 65).
(2)
القول بالوقف بمعنى أنه لا حكم عزاه الآمدى إلى الأشاعرة وأهل الحق، انظر: الأحكام (1/ 130). كما قال بالوقف طائفة من المعتزلة. انظر: المعتمد (2/ 868).
(3)
هكذا قال المؤلف والعلائي والجويني والآمدى وجماعة من الأصوليين، وحين رجعت إلى المعتمد وجدت أن مؤلفه قد ذكر الأقوال الثلاثة في حسن لا يترجح فعله على تركه، وفيما يلي نص عبارة المعتمد: - "اعلم أن أفعال المكلف في العقل ضربان: قبيح وحسن؟ فالقبيح: كالظلم والجهل والكذب وكفر النعمة وغير ذلك. والحسن ضربان، أحدهما: يترجح فعله على تركه. والآخر لا يترجح فعله على تركه، فالأول: منه ما الأولى أن نفعل كالإحسان والتفضل، ومنه ما لا بد من فعله وهو الواجب كالإنصاف وشكر المنعم. وأما الذى لا يترجح فعله على تركه فهو المباح وذلك كالانتفاع بالمآكل والمشارب وهذا مذهب الشيخين أبي علي وأبي هاشم والشيخ أبي الحسن، وذهب بعض شيوخنا البغداديين، وقوم من الفقهاء إلى أن ذلك محظور، وتوقف آخرون في حظر ذلك وإباحته" المعتمد (2/ 868).
(4)
إن كان الأمر كما قال صاحب المعتمد فلا تناقض.
(5)
أى القول بترجيح الإباحة أو الحظر.
مستند إِلى دليل العقل، وفرض المسألة عندهم فيما لم يظهر للعقل حسنه ولا قبحه.
وأما أصحابنا فأقوالهم في جميع الأفعال.
الوجه الثاني: أن معتمد أصحابنا الأدلة الشريعة، فمن قال: بالإباحة احتج بقوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (1) وغيرها (2). ومن قال: بالتحريم احتج بقوله في صفة نبينا: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} (3) وغيرها (4).
والقائلون بالوقف تعارضت عندهم الأدلة.
وأما المعتزلة فمستندهم دليل العقل (5).
(1) من الآية رقم (29) من سورة البقرة.
ومما قاله الشوكاني في تفسير هذه الآية: - "قال ابن كيسان (خلق لكم) أى من أجلكم، وفيه دليل على أن الأصل في الأشياء المخلوقة الإباحة حتى يقوم دليل على النقل عن هذا الأصل" فتح القدير (1/ 600).
(2)
تأنيث الضمير بناء على أن القول المتقدم آية. هذا وقد ذكرِ العلائي -في المجموع المذهب: ورقة (76/ ب) - دليلاً آخر هو قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} من الآية رقم (32) من سورة الأعراف.
(3)
من الآية (157) من سورة الأعراف.
(4)
وقد ذكر العلائي -في المجموع المذهب: ورقة (76/ ب) - دليلاً آخر هو قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} من الآية رقم (4) من سورة المائدة.
(5)
إِلى هنا انتهت هذه المسألة وهي حكم الأشياء قبل البعثة، وقد قال العلائي بعد فراغة منها: - "ولا يتخرج على هذه المسألة شيء من الفروع الفقهية فيما علمت" المجموع المذهب: ورقة (76/ ب).