الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أبواب أُخَر تدخل فيها النية]
وبهذا تعرف أن النية لا تختص بالعبادات، بل تدخل في أبواب كثيرة غير ما ذكرنا:
فمنها: العقود القابلة للكنايات إنما تنفذ كناياتها بالنية (1)، ثم التصرفات على ضربين (2):
ضرب: يستقل به الشخص، ولا يحتاج إِلى لفظ من الجانبين، كالطلاق والعتاق والإبراء وما جرى مجراها، فينعقد بالكناية مع النية كالصريح، ويلحق به الوقف والوصية والفسوخ والرجعة إِذا لم يشترط فيها الإشهاد وهو الأصح، وكذا الظهار.
الضرب الثاني: ما لا يستقل به الشخص، بل لايد فيه من إِيجاب وقبول، وهو على أقسام:
أحدها: ما يفتقر إِلى الإشهاد، كالنكاح وبيع الوكيل المشروط عليه فيه الإشهاد، فلا ينعقد بالكناية مع النية قطعًا (3)، وللرافعي فيه احتمال (4).
(1) العقود لها ألفاظ صريحة ولها كنايات، قال السيوطي:"قال العلماء: الصريح اللفظ الموضوع لمعنى لا يفهم منه غيره عند الإطلاق، ويقابله الكناية" الأشباه والنظائر (293).
وما ذكره المؤلف هنا ذكره السيوطي على أنه بعض قاعدة فقال: "قاعدة: الصريح: لا يحتاج إلى نية، والكناية: لا تلزم إلَّا بنية" الأشباه والنظائر (293).
(2)
تقسيم التصرفات إِلى ضربين وما يتبعه من أقسام ذكره العلائي دون التصريح بكونه قاعدة، انظر المجموع المذهب: ورقة (24 / ب)، وذكره السيوطي على أنه قاعدة، انظر: الأشباه والنظائر (296).
(3)
قال النووى: - "بلا خلاف: لأن الشاهد لا يعلم النية" المجموع (9/ 153).
أقول: ويظهر أن في هذا القطع نظرًا، ما دام أن للرافعي في هذا القسم احتمالًا.
(4)
انظر ذلك الاحتمال في: فتح العزيز: (8/ 102).
والثاني: ما يقبل مقصوده (1) التعليق، كالكتابة والخلع، فينفذان بالكناية مع النية، وقد نص الشافعي على أنه:"لو قال لامرأته: أنت بائن بألف. فقبلت، ونويا، صح الخلع"(2).
الثالث: ما لا يقبل التعليق، ولا يفتقر إِلى الإشهاد، كالبيع والإجارة والمساقاة والمزارعة، وفي انعقادها بالكناية مع النية وجهان: أصحهما: تنعقد. قال الرافعي (3): "قال الإِمام: ومحل الخلاف إِذا انعدمت القرائن، أما إِذا توفرت وأفادت التفاهم ليجب القطع بالصحة".
ولو كان اللفظ كناية في معنيين ونواهما معًا، كما إِذا نوى الطلاق والظهار بقوله: أنت على حرام. فالأصح: أنه يخير (4)، ومنهم من رجح الطلاق: لقوته لأنه يزيل الملك. ومنهم من رجح الظهار؛ لأن الأصل بقاء النكاح (5).
أما الصريح: فلا يحتاج إِلى نية الإيقاع، لكن يحتاج إِلى قصد اللفظ (6)،
(1) وردت في المخطوطة بدون الهاء التي في آخرها، وما فعلته هو الموافق لما في فتح العزيز والمجموع.
(2)
هذا النص ذكره الرافعي في: فتح العزيز (8/ 102)، وقد بحثت عنه في الأم ومختصر المزني فلم أجده، وأقرب شيء إِليه من نصوص الشافعي هو قول الشافعي: - "وإذا قال لها إِن أعطيتني كذا فأنت بائن أو خلية أو برية سئل فإِن أراد الطلاق فهي طالق وإن لم يرد الطلاق فليس بطلاق ويرد شيئا إن أخذه منها" الأم (5/ 197).
(3)
في: فتح العزيز: (8/ 104).
(4)
قال العلائي: "فما اختاره منها ثبت". المجموع المذهب: ورقة (25/ أ).
(5)
والظهار لا يزيل النكاح.
(6)
ذكر ذلك العلائي في المجموع المذهب: ورقة (25 / أ)، كما ذكره الزركشي في المنثور (2/ 310).
احترازًا (1) عن النائم، وعمن سبق لسانه إِلى لفظ الطلاق (2) في محاورته، وذكر القرينة على أنه لم يقصد اللفظ القاطع للنكاح، (3) كما إذا كان اسمها طالقًا (4)، فناداها به وقصد النداء، أو أطلق (5) على الأصح وكذا لو كان يحلها من وثاق (6)، ثم قال: أنت طالق. وادعى أنه من الوثاق، فإِنه يقبل على الأصح في الظاهر. وان لم يكن قرينة لم يقبل ويُدَيَّن.
وفي فتاوى الغزالى (7): "أنه لو مر على
(1) الاحتراز عن النائم ونحوه حاصل بقول المؤلف: "لكن يحتاج إِلى قصد اللفظ" فإِن النائم وإن نطق باللفظ الصريح لا يكون قاصدًا له.
(2)
سَبْق اللسان هنا لا يراد به أن يريد لفظًا فيسبقه لسانه للفظ آخر، بل يراد بسبق اللسان هنا التلفظ فكان العبارة هكذا (وعمن تلفظ بلفظ الطلاق في محاورته).
(3)
يوجد في هذا الموضع من المخطوطة حرف (واو). وقد حذفته لأن المعنى لا يستقيم إلَّا بحذفه، كما أن العلائي لم يذكره في المجموع المذهب.
(4)
وردت هذه الكلمة في المجموع المذهب هكذا: (طالق) بدون تنوين، ويظهر أن العلائي منعها من الصرف بسبب العلمية والتأنيث.
(5)
أى ناداها بقوله: يا طالق أو طالق، دون أن يقصد النداء أو الطلاق.
(6)
قال صاحب المصباح: " (والوثاق) القيد والحبل ونحوه بفتح الواو وكسرها" المصباح المنير (2/ 647).
(7)
فتاوى الغزالي: قال عنها الإسنوى: - وكتاب الفتاوى له وهي مشتملة على مائة وتسعين مسألة، أي مائتين إلَّا عشر وهي غير مرتبة، وله فتاوى أخرى غير مشهورة سئل عن مسائل هي أقل من تلك المهمات، الجزء الأول: ورقة (12 / أ).
والكتابان - حسب علمي - غير مطبوعين، ويوجد للفتاوى ذات المائة والتسعين مسألة نسخة مصورة على فيلم بقسم المخطوطات بجامعة الإمام، وهي ضمن مجموع رقمه (1273).
وتشغل من ورقة رقم (81 / ب) إلى ورقة رقم (97 / ب).
جاء في أولها: "بسم الله الرحمن الرحيم، حسبنا الله ونعم الوكيل، يجعل الله بعد عسر يسرا هذه فتاوى أفتى بها حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزاليّ قدس الله =
المكاس (1)، ومعه عبد، وخاف المكس، فقال: إِنه حر وليس بعبد. بقصد الأخبار، ولم يعتق فيما بينه وبين الله تعالى" (2). قال الرافعي:"مقتضاه: أنه لا يقبل ظاهرًا"(3): وكذا لو زاحمته امرأة فقال: تأخرى يا حرة. وكانت أمته وهو لا يشعر، فأفتى الغزالي (4):"بأنها لا تعتق".
* * *
= روحه ونور ضريحه استفتاه فيها بعض الفقهاء وهي من غوامض الفقه ليعرف بها رأيه وهي مائة وتسعون". ورقة (82/ أ).
(1)
المكاس: صاحب المكس، وللمكس معان متعددة، إِلا أن المراد به هنا الضريبة، ولذلك عبر العلائي عن هذه المسألة بقوله: "وفي فتاوى الغزالي أنه لو مر على صاحب الضريبة ومعه عبد فخاف أن يطالبه بالضريبة عليه
…
الخ"، المجموع المذهب: ورقة (25/ أ).
(2)
القول المتقدم هو معنى كلام الغزالى، فانظر نصه في: فتاوى الغزالى: ورقة (97 / ب).
(3)
انظر نص قول الرافعي في: فتح العزيز، الجزء التاسع: ورقة (190 / ب).
(4)
في فتاواه المتقدمة: ورقة (97 / ب).