الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بعض السائل المبينة على قاعدة العادة]
وينبني على هذه القاعدة من المسائل الفقهية ما لا يكاد يَتَعَدَّد (1)، وعليها اعتمد الشافعي رضي الله عنه في أقل سن الحيض، ووقت إِمكان البلوغ، وفي قدر أقل الحيض، وأكثره، وغالبه، وفي قدر أقل الطهر الفاصل بين الحيضتين، وأقل النفاس، وأكثره وغالبه.
ومنها: الرجوع إلى العادة في كثرة الأفعال المنافية للصلاة المقتضية للبطلان، وقلتها.
وفي التأخير [الذي يمنع](2) الرد بالعيب، والذي لا يمنع.
وفي قبض الأعيان المرهونة والموهوبة، وغير ذلك مما يترتب فيه على القبض أحكام شرعية؛ فإن العادة تختلف في القبض بحسب اختلاف المال، فيرجع فيه إلى العادة؛ فما كان يتناول باليد اشترط فيه حقيقة القبض، ولو جاء به البائع وقال له المشتري ضعه فوضعه بين يديه حصل القبض؛ لدلالة العادة في مثله. وما كان لا يتناول بالعادة من المنقولات، فلا يكفي فيه التخلية: على الصحيح المشهور، بل لابد فيه من النقل والتحول على العادة. وإن كان لا ينقل كالعقار والأشجار فالتخلية فيه كافية.
ومنها: الرجوع إليها في أحراز (3) الأموال المسروقة، حيث يترتب على ذلك الحد،
(1) كذا في المخطوطة، والأفصح فيما يظهر أن يقال (ينعد)، وهذا هو الوارد في المجموع المذهب: ورقة (52/ أ).
(2)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ولكن الموجود مكانه في المخطوطة هو حرف (في)، ولا معنى له في هذا المقام وإنما يستقيم المعنى بما وضعته بين المعقوفتين.
(3)
الأحراز: جمع حرز، وقد سبق بيان معنى الحرز.
أو درؤه (1) لكون الحرز ليس حرزًا لذلك المال في العادة، فالاصطبل حرز للدواب وإن كانت نفيسه، دون الثياب والنقود. وعرصة الدار (2) والصفة (3) حرز للأواني، دون الحلي والنقود؛ لأن حرزها الصناديق ونحوها. والمتبن حرز للتبن (4)، دون الفرس ونحوها.
ومنها: أن من زفت له زوجته وهو لا يعرفها، يجوز له وطؤها، اعتمادًا على العادة المطردة في مثله، وبُعْد التدليس فيه.
وكذا: الأكل من الهدى المشعور (5). وكذا تقديم الطعام إِلى الضيفان (6)، تنزيلًا للدلالة الفعلية منزلة الدلالة القولية في ذلك.
ومنها: دخول الحمام، على الوجه المأذون، عند فتح صاحبه جائز؛ للعادة. ثم يجب عليه ما جرت به العادة، وللأصحاب خلاف في المبذول في مقابلة ماذا؟ (7).
(1) وردت هذه الكلمة في المخطوطة بلا واو ولا همزة، وصوابها أن تكون بواو وهمزة.
(2)
قال صاحب المصباح: - "عرصة الدار: ساحتها وهي البقعة الواسعة التي ليس فيها بناء" المصباح (2/ 402).
(3)
الصفة: موضع مقتطع من البيت مظلل عليه، انظر: القاموس المحيط (3/ 168). وتهذيب الأسماء واللغات (3/ 177).
(4)
قال صاحب المصباح: - "والتبن: ساق الزرع بعد دباسه و (المتبن) و (المتبنة) بيت التبن" المصباح المنير (1/ 72).
(5)
قال ابن عبد السلام في مثل هذا المقام: "جائز على المختار؛ لدلالة النحر والأشعار القائمين مقام صريح النطق على البذل والإطلاق" قواعد الأحكام (2/ 116).
(6)
يحسن أن نضع هنا العبارة التالية: (يبيح لهم الأكل منه).
(7)
فيه عدة أوجه، ذكرها النووى في الروضة (5/ 230).
وكذا دخول دور القضاة والولاة بلا إِذن، جريًا على العادة.
ومنها: الشربُ وسقُي الدواب من الجداول والأنهار المملوكة المجرى، إذا كان الشرب لا يضر بمالكها: جائزٌ، إِقامةً للعرف (1) مقام الإِذن اللفظي. وكذا ما جرت
(1) العرف في اللغة. قال عنه ابن فارس: "العين والراء والفاء: أصلان صحيحان، يدل أحدهما على تتابع الشيء متصلًا بعضه ببعض، والآخر على السكون والطمأنينة". ثم جعل العرف الذي نحن بصدده من الأصل الآخر فقال: - "والعرف: المعروف، وسمي بذلك لأن النفوس تسكن إِليه" معجم مقاييس اللغة (4/ 281).
أقول: ولعل للعرف الذي نحن بصدده صلة بالأصلين اللذين ذكرهما ابن فارس جميعًا، من جهة أن العرف لا يكون عرفًا إلا بعد أن يتتابع، فإذا تتابع وعرفه الناس فإن النفوس تسكن وتطمئن اِليه.
أما في الاصطلاح فقد عرفه الشريف الجرجاني بقوله: - "العرف: ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول، وتلقته الطبائع بالقبول" التعريفات (149).
ونقل ابن عابدين قولًا في تعريف العادة والعرف معًا فقال: - "وفي شرح الأشباه للبيرى عن المستصفى: العادة والعرف ما استقر في النفوس من جهة الحقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول" رسائل ابن عابدين (2/ 112). أقول: والمستصفى المذكور غير كتاب الغزالي، ولكنه كتاب في فقه الحنفية لأبي البركات النسفي المتوفي سنة 710 هـ.
وينقسم العرف إلى عام وخاص، وقولي وعملي، وسيأتي بيان كل منها في موضعه.
وعند التأمل في تعريفات العرف والحادة: نجد أن تعريفي الجرجاني متفقان من جهة اعتبار العموم فيهما، ومختلفان في أن تعريف العادة اعتبر فيه الاستمرار بينما اعتبر في تعريف العرف الاستقرار، وذلك يفيد أن العادة تحدث أولًا فإذا استقرت النفوس على ذلك الأمر المعتاد أصبح عرفًا.
ونجد أن النسبة بين تعريف صاحب تيسير التحرير للعادة وتعريف الجرجاني للعرف هي العموم والخصوص من جهة أن الأمر المتكرر يسمى عادة سواء أصدر من واحد أم من عامة الناس، بينما لا يسمى عرفًا إلا إن صدر من عامة الناس، فالعادة أعم والعرف أخص.
أما صاحب المستصفى فقد سوى بي العادة والعرف، وعرفهما بتعريف واحد، وقد عقب =