الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم من سكت ومنهم الصديق والفاروق رضي الله عنهما فلم يستفهموا مع علمهم بأنه لا يقر على خطأ (1).
[المراد بالشك عند الفقهاء والأصوليين]
واعلم أن قولنا: "اليقين لا يزال بالشك" ما المراد بالشك؟
قال النووي (2): "مراد الفقهاء بالشك في الماء والحدث والنجاسة والصلاة والعتق والطلاق وغيرها هو: التردد بين وجود الشيء وعدمه سواء كان الطرفان في التردد سواء أو أحدهما راجحًا. فهذا معناه في استعمال الفقهاء وكتب الفقه.
أما أصحاب الأصول فإنهم فرقوا وقالوا: التردد بين الطرفين إِن كان على السواء فهو الشك، وان كان أحدهما راجحًا فالراجح ظن والمرجح وهم". والله أعلم (3).
[أضرب الشك باعتبار الأصل الذي يطرأ عليه الشك]
قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني (4): "الشك على ثلاثة أضرب؛ شك طرأ على أصل حرام. وشك طرأ على أصل حلال. وشك لا يعرف أصله:
(1) قال العلائي عن الذكن سكتوا: - "والقرم الذين سكتوا ومنهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهم تعارض عندهم الأصل والظاهر فلم يجزموا بقصر الصلاة ولم يستفهموا النبي صلى الله عليه وسلم مع علمهم بأنه لا يقر على خطأ" المجموع المذهب: ورقة (36/ ب).
(2)
ورد القول التالي في: المجموع (1/ 213).
(3)
هنا إِشارة تتبعتها في بعض مواضع المخطوطة فوجدتها تدل على الانتهاء، وشكلها هكذا (اهى) وقد وردت مصرحًا بها في النسخة الأخرى: ورقة (18/ أ)، أى أنها وردت هكذا (انتهى).
(4)
ممن ذكر تقسيم الشيخ أبي حامد للشك العلائي في المجموع المذهب: ورقة (33/ أ).
والسيوطي في: الأشباه والنظائر (74، 75).
فالأول: مثل أن نجد شاة في بلد فيها مسلمون ومجوس، فلا تحل حتي نعلم أنها ذكاة مسلم؛ لأن الأصل الحرمة، وشككنا في الذكاة المبيحة. فلو كان الغالب فيها المسلمين جاز الأكل؛ عملًا بالغالب المفيد للظهور.
والثاني: أن يجد ماء متغيرًا، واحتمل تغيره بنجاسة أو بطول المكث، يجوز التطهير به، عملًا بأصل الطهارة.
والثالث: مثل معاملة من أكثر ماله حرام، ولم يتحقق أن المأخوذ عين الحرام، فلا تحرم مبايعته؛ لإِمكان الحلال وعدم تحقق التحريم، ولكن تكره خوفًا من الوقوع في الحرام" (1).
* * *
(1) كتب مقابل هذا الموضع من المخطوطة على جانبها ما نصه: "في شرح مسلم: الصحيح أنه حرام. وفرض المسألة في جائزة الأمراء. ولا فرق في المعنى فاعرفه".
أقول: وقد بحثت عن الكلام المتقدم في مظانه من شرح مسلم للنووى فلم أجده.
القاعدة الثالثة (1) المشقة (2) تجلب التيسير (3)
(1) ممن ذكر كلامًا جيدًا حول هذه القاعدة الإمام عز الدين بن عبد السلام في قواعد الأحكام (2/ 16 - 14).
وممن صرح بها العلائي في المجموع المذهب: ورقة (37/ أ-45/ أ)، والزركشي في المنثور في القواعد (3/ 169 - 174)، والسيوطي في الأشباه والنظائر (76 - 83).
وهي إِحدى القواعد الكلية، ولها أهميتها من جهة تخريج جميع رخص الشرع وتخفيفاته عليها.
(2)
المشقة لغة: الصعوبة والشدة والحرج؛ قال الفيروزآبادى: - "وعليه الأمر شقا ومشقة صَعْبَ" القاموس المحيط (3/ 258). وقال الزبيدى: - "والمشقة: الشدة والحرج جمعه مشاق ومشقات" تاج العروس (6/ 399).
أما في الاصطلاح: - فلم أجد تعريفًا عامًا للمشقة، وذلك بسبب اختلاف مراتب العبادات والمعاملات في نظر الشرع مما يتبعه الاختلاف في ضبط المشاق الجالبة للتيسير، قال ابن عبد السلام - "وتختلف المشاق باختلاف العبادات في اهتمام الشرع، فما اشتد اهتمامه به شرط في تخفيفه المشاق الشديدة أو العامة، وما لم يهتم به خففه بالمشاق الخفيفة، وقد تخفف مشاقه مع شرفه وعلو مرتبته لتكرر مشاقه كيلا يؤدى إِلى المشاق العامة الكثيرة الوقوع" قواعد الأحكام (2/ 8)، ثم ذكر أمثلة حسنة لما قال.
ولما تقدم، فقد اكتفى كثير من العلماء بذكر ضوابط خاصة لكل مشقة.
(3)
التسير: لغة التخفيف واللين والتسهيل، قال ابن فارس:" (يسر) الياء والسين والراء: أصلان يدل أحدهما على انفتاح شيء وخفته" معجم مقاديس اللغة (6/ 155). وقال الفيروزآبادى: - " (اليَسْرُ) بالفتح ويحرك اللين والانقياد، ويَسَرَ يَيْسِر وياسره لاينه، واليَسَر محركة السَّهْلُ" القاموس المحيط (2/ 169).
أما المقصود بالتيسير هنا في هذه القاعدة فهو الترخُصُ، وللرخصة تعريفات متعددة ذكر الآمدى طرفًا منها وناقش ما لا يرتضيه، وذكر تعريفًا ارتضاه فقال: - "وأما في الشرع فقد قيل: الرخصة ما أبيح فعله مع كونه حرامًا، وهو تناقض ظاهر، وقيل: ما رخص فيه مع كونه =
والأصل فيها مع ما تقدم (1)[قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (2) و](3) قوله صلى الله عليه وسلم: " (إِن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إِلا غلبه؛ فسددوا وقاربوا)(4).
رواه البخاري من رواية أبي هريرة رضي الله عنه. وعن أنس (5) رضي الله عنه قال:
= حرامًا، وهو مع ما فيه من تعريف الرخصة بالترخيص المشتق من الرخصة غير خارج عن الإباحة، فكان في معنى الأول، وقال أصحابنا: الرخصة ما جاز فعله لعذر مع قيام السبب المحرم وهو غير جامع، فإِن الرخصة كما قد تكون بالفعل، قد تكون بترك الفعل كإسقاط وجوب صوم رمضان، والركعتين من الرباعية في السفر، فكان من الجواب أن يقال: الرخصة ما شرع من الأحكام لعذر؛ إلى آخر الحد المذكور، حتى يعم النفي والإثبات" الأحكام (1/ 188)، وانظر: المستصفى (1/ 98، 99).
(1)
تقدم قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} من الآية رقم (78) من سورة الحج وقوله عليه الصلاة والسلام (بعثت بالحنفية السمحة) وقد سبق تخريجه.
(2)
من الآية رقم (185) من سورة البقرة. وقبل ذلك قوله تعالى: - {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .
(3)
ما بين المعقوفتين مكتوب على جانب المخطوطة، وقد أثبته بأصل المخطوطة لأن هناك خطًا بأصلها يشير إليه، كما أن المقام يحتاج إليه، وهو مثبت بأصل النسخة الأخرى: ورقة (18/ أ).
(4)
أخرجه بهذا اللفظ البخارى في كتاب الإيمان، باب: الدين يسر.
انظر: صحيح البخارى (1/ 93).
والنسائي في كتاب الأيمان وشرائعه، باب: الدين يسر انظر: سنن النسائي (8/ 122).
(5)
هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم الأنصارى النَّجَّارى. خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. شهد بدرًا وهو صغير، وقال عن نفسه: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنين وتوفي وأن ابن عشرين سنة، وكانت إقامته بعد النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثم شهد الفتوح ثم قطن البصرة ومات بها.
وهو أحد المكثرين من الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، روى عنه ابن سيرين وحميد الطويل وثابت =
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا)(1) رواه مسلم. والآيات والأخبار في ذلك كثيرة.
وعلى هذه القاعدة يتخرج جميع رخص الشرع، ومجامعها ترجع إلى سبعة أنواع:
الأول: ما يتعلق بالعبادات. الثاني: التخفيف في المعاملات. الثالث: التخفيف في المناكحات. الرابع: التخفيف في الظهار والأيمان. الخامس: التخفيف عن الأرقاء.
السادس: التخفيف في القصاص. النوع السابع: التيسير على المجتهدين (2).
= البناني وقتادة والحسن البصرى والزهرى وخلق كثير.
اختلف في وقت وفاته رضي الله عنه فقيل توفي سنة 91، وقيل 92 هـ، وقيل 93 هـ، وقيل 90 هـ. والله أعلم.
انظر: الاستيعاب (1/ 71)، وأسد الغابة (1/ 127)، والإصابة (1/ 71).
(1)
أخرجه بهذا اللفظ البخارى في كتاب العلم، باب: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا.
انظر: (صحيح البخاري 1/ 163)، رقم الحديث (69).
وأخرجه بلفظ "بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا".
مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب: في الأمر بالتيسير وترك التنفير.
انظر: صحيح مسلم (3/ 1358)، رقم الحديث (6).
وأبو داود في كتاب الأدب، باب: في كراهية المراء.
انظر: سنن أبي داود (4/ 260)، رقم الحديث (4835).
والإمام أحمد في المسند (4/ 412).
(2)
سيذكر المؤلف فيما يلي تفصيلات هذه الأنواع، هذا وقد ذكر العلائي هذه الأنواع وتفصيلاتها في المجموع المذهب ورقة (37 / ب) فما بعدها.
كما أشار إليها السيوطي دون أن ينص على تقسيمها إلى الأنواع التي ذكرها المؤلف، فانظر الأشباه والنظائر (77 - 80).