الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
الحالة السياسية
والعلمية في عصر المؤلف
الحالة السياسية: (1)
عاش الحصني في بلاد الشام، في الفترة الواقعة بين عامي 752 هـ و 829 هـ، وقد خضعت بلاد الشام في تلك الفترة مع مصر لحكم المماليك، الذين كان مركز حكمهم في القاهرة، وقد عايش الحصني عصرين من عصور المماليك؛ هما:
1 -
عصر المماليك البحرية أو الأتراك (2).
(1) انظر عن الحالة السياسية في ذلك العصر ما يلي: البداية والنهاية (14/ 239) فما بعدها، والمواعظ والاعتبار المعروف بالخطط المقريزية (2/ 240 - 244)، وحسن المحاضرة للسيوطي (2/ 118 - 121)، وسمط النجوم العوالي (4/ 26) فما بعدها، وخطط الشام (2/ 148) فما بعدها؛ وعصر سلاطين المماليك لمحمود رزق سليم (جـ 1 / ق 1/ 45 - 61).
(2)
لعل تسميتهم بالأتراك لأنهم من الأتراك، أما تسميتهم بالبحرية فقال عنها الدكتور سعيد عاشور: "وقد تعددت التفسيرات لاسم البحرية الذي أطلق على مماليك الصالح أيوب، فالرأى الشائع - وهو الأرجح في نظرنا - يقول: إِن هذه الطائفة سميت بالبحرية نسبة إِلى بحر النيل؛ حيث إِن السلطان الصالح أيوب اختار لهم جزيرة الروضة وسط النيل لتكون مستقرًا ومقامًا.
وهناك رأي آخر، رأى فيه البعض نوعًا من التجديد والرغبة في الخروج على المألوف.
ويقول: إِن تلك التسمية إِنما مصدرها أن أولئك كانوا يجلبون عن طريق البحر صحبة تجار الرقيق، ومن ثم سموا بالبحرية" العصر المماليكي (5).
والرأي الأخير هو الرأي الصحيح؛ لأن التسمية بالمماليك البحرية موجودة قبل الصالح أيوب، كما أن بعض المعاصرين للصالح أيوب كان لهم طائفة تسمى بالمماليك البحرية، ولم يكونوا ساكنين في جزيرة الروضة وسط بحر النيل.
2 -
عصر المماليك البرجية أو الجراكسة (1).
وقد حكم الفترةَ التي عاشها الحصني من عصر الماليك البحرية عددٌ من أبناء وأحفاد الناصر محمد (2) بن المنصور قلاوون.
وقد ولد الحصني أواخر سنة 752 هـ؛ لذلك فمن المرجح أنه قد ولد في أول عصر السلطان الصالح صلاح الدين بن الناصر محمد بن المنصور قلاوون، الذى ولي السلطنة بعد عزل أخيه حسن في شهر رجب سنة 752 هـ، وقد استمر السلطان الصالح في السلطنة إِلى سنة 755 هـ.
وفيما يلي سأذكر بقية سلاطين المماليك البحرية مع تواريخ بداية ونهاية سلطنة كل واحد:
- السلطان حسن السابق ذكره، أعيد للسلطنة مرة أخرى بعد عزل أخيه صلاح الدين سنة 755 هـ، واستمر حسن في السلطنة إِلى سنة 762 هـ.
- وبعده تولى ابن أخيه، واسمه صلاح الدين محمد بن الملك المظفر حاجي بن
(1) لعل تسميتهم بالجراكسة؛ لأنهم من عنصر الجركس الذين كانوا موجودين شمالي بحر قزوين وشرقي البحر الأسود؛ وقد جلب هذه الطائفة المنصور قلاوون. انظر: العصر المماليكي (135).
أما تسميتهم بالبرجية فمرجعها أن المنصور قلاوون لما استقدم هذا العنصر أسكنهم في أبراج القلعة بالقاهرة. انظر: المواعظ والاعتبار (2/ 241)؛ والعصر المماليكي (136).
(2)
حكم الناصر محمد ثلاث مرات؛ أما المرتان الأوليان فكان حكمه صوريًا؛ أى ليس له إِلا الاسم؛ وذلك لصغر سنه. أما المرة الثالثة فكان قد بلغ فيها؛ وأمسك بزمام الأمور؛ وهدأت الأحوال فئ عصره؛ وحكم في الفترة الثالثة من سنة 709 هـ إِلى سنة 741 هـ؛ وبسبب المكانة العالية التي وصل إِليها الناصر محمد في فترته الثالثة بقيت السلطنة في أولاده وأحفاده إِلى نهاية عصر المماليك البحرية.
الناصر محمد، واستمر في السلطنة إِلى سنة 764 هـ.
- وبعده بويع للملك الأشرف شعبان بن حسن بن الناصر محمد؛ واستمر عظيم الشوكة، إِلى أن توجه للحج؛ فقام جماعة من الأمراء في غيبته وخلعوه؛ ووضعوا ابنه عليًا في السلطة؛ وكان ذلك عام 777 هـ.
- واستمر علي المذكور في السلطة إِلى أن مات في شهر صفر سنة 783 هـ، وكان عمره عند وفاته ثلاثة عشر عامًا.
- وبعده تولى أخوه حاجي بن شعبان؛ ولُقبَ بالملك الصالح؛ وكان عمره ست سنين؛ والمتصرف في الأمر شخص اسمه برقوق، واستمر حكم حاجي عامًا كاملاً وأشهرًا، ثم خلعه برقوق، وتسلطن مكانه، وذلك يوم الأربعاء تاسع عشر رمضان سنة 784 هـ.
وفي سنة 785 هـ ثار على برقوق شخص اسمه يلبغا الناصرى؛ فخلعه، وأعاد حاجي إِلى الملك، وسجن برقوقَ.
ثم إِن برقوقَ خرج من السجن، وحصل بينه وبين شخص اسمه منطاش مواجهة؛ فاستعان منطاش بحاجي؛ فأعانه؛ وتوجه حاجي ومنطاش لقتال برقوق، فانتصر برقوق عليهما؛ فقتل منطاشَ، وأمسك بحاجي إِلى أن دخل به إِلى القلعة بمصر؛ وفرش له الحرير ليمشي عليه؛ فعزل حاجي نفسه؛ وكانت مدة حكمه الثانية سبعة أعوام.
قال المكي (1): "وبعزل الصالح نفسه كما ذكر انقضت الدولة التركية، وأقبلت الدولة الشركسية".
(1) في كتابه: سمط النجوم العوالي (4/ 29).
وقد ذكر الدكتور سعيد عاشور طرفًا من الصفات العامة للعصر المذكور فقال (1): "ولم يختلف عصر أحفاد الناصر عن عصر أولاده في صفاته العامة التي يمكن تلخيصها فيما يلي:
1 -
صغر سن السلاطين الذين تعاقبوا على دست السلطنة، وهي الحقيقة التي تتضح إِذا عرفنا أن السلطان المنصور صلاح الدين تولى السلطنة وسِنَّة أربع عشرة سنة؛ والسلطان الأشرف زين الدين أبو المعالي شعبان تولي السلطنة وسنّة عشر سنوات؛ والسلطان المنصور علاء الدين علي تولى السلطنة؛ وسنّه ست سنوات؛ والسلطان الصالح زين الدين أمير حاج تولي السلطنة وسنه إحدى عشرة سنة.
2 -
كانت النتيجة الطبيعية لصغر سن السلاطين هي ازدياد نفوذ كبار الأمراء واشتداد سطوتهم؛ وتحكمهم فى مصالح البلاد والعباد، وتلاعبهم بالسلاطين الصغار؛ إِما بالعزل أو بالتعيين وفق أهوائهم.
3 -
اشتد الصراع بين كبار الأمراء بعضهم وبعض، وازداد التنافر والعداوة بين طوائف المماليك الذين انقسموا شيعًا وأحزابًا يتقاتلون في شوارع القاهرة بين حين وآخر، مما أغرق البلاد في حالة شديدة من الفوضى" (2).
أما عصر المماليك البرجية أو الجراكسة فإِنه يبدأ من اعتلاء برقوق السلطنة سنة 784 هـ؛ وقد أسلفت: أن برقوق عُزِلَ من سلطنته الأولى سنة 785 هـ إِلى أن خَلع الصالح نفسَه وذلك في حدود سنة 792 هـ.
وقد عمل برقوق على تتبع أعدائه، وصار يقدم من وافقه وحالفه، حتى هدأت الأمور في وقته، وعهد بالسلطنة من بعده لابنه؛ واستمر برقوق في السلطنة إِلى أن
(1) في كتابه: العصر المماليكي (128).
(2)
وحول المعاني المتقدمة انظر: تاريخ المماليك البحرية (136، 137).
توفي في شوال سنة 801 هـ.
وفيما يلي سأذكر بقية سلاطين المماليك البرجية إِلى وفاة الحصني على النحو السابق في المماليك البحرية:
- الملك الناصر فرج بن برقوق؛ ولي السلطنة بعد وفاة أبيه سنة 801 هـ، ثم إِنه حصل بين بعض أمرائه ومقربيه بعض النزاع الذي وصل إِلى القتال، فانكسر أحدهم واسمه أَيْتمش؛ ثم هرب إِلى نائب الشام؛ وجَيَّشَ جيوشًا على الناصر ومن معه، فخرج الناصر لقتالهم وهزمهم.
وصادفَ وصولَ الطاغية تيمورلنك (1) إِلى بلاد الشام؛ فخرج الناصر لمقابلته؛ فَوَجَدَهُ قد توجه إِلى بلاد الروم؛ فعاد الناصر إِلى مصر سنة 803 هـ.
ثم إِن الفتن كثرت بمصر بسبب خروج الأمراء على الناصر فرج، فضجر من ذلك،
(1) قال الدكتور سعيد عاشور: "كان تيمورلنك ينتمي إِلى بيت من أشراف التتار، ولد في مدينة سمرقند؛ وتألق نجمه فيها، واتخذها قاعدة لأعماله التوسعية؛ التي مكنته من الاستيلاء على بلاد ما وراء النهر وخراسان وطبرستان، حتى استولى على مدينة تبريز سنة (1386 م)، كما خرب الرها في العام التالي؛ ولم يلبث حكام ماردين وبغداد وغيرها أن كتبوا إلى السلطان برقوق يستنجدون به ضد ذلك الخطر التترى الجديد؛ ولكن تيمورلنك كان أسرع في العمل، فاستولى على بغداد سنة (1393 م)؛ وخربها وقتل كثيرًا من أهلها" العصر المماليكي (158، 159).
أقول وقد اجتاح تيمورلنك بلاد الشام، وفعل فيها الأفاعيل؛ وأحرق بعض بلدانها، وكانت أشنعُ أفعاله في دمشق، حيث أحرق الجامع الأموى؛ وأباح المدينة لجنوده؛ فعملوا: فيها حرقًا ونهبًا وانتهكت المحارم، حتى في المساجد، وقد ألف الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد المعروف بابن عربشاة كتابًا اسمه: عجائب المقدور في أخبار تيمور؛ استقصى فيه أخبار تيمور.
وللاطلاع على طرف من أخباره في بلاد الشام: انظر: منتخبات التواريخ لدمشق (1/ 194) فما بعدها؛ وخطط الشام (2/ 164) فما بعدها.
وهرب من مقر الحكم في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانمائة؛ واختفى عن أعين الناس.
- فأقام الأمراء في السلطنة أخاه عبد العزيز، وكان صغير السن فضعفت أمور السلطة في أيام قليلة.
- فظهر فرج بعد اختفائه ومعه جماعة من مماليك أبيه؛ وأخذ مقر الحكم مرة أخرى في سنة 808 هـ.
وصار فرج يتتبع أعداءه من الأمراء؛ ويقتلهم واحدًا واحدًا؛ فتحزب الناجون منهم عليه، وخرجوا عن طاعته؛ وقاتلوه فهزمهم، ثم خرجوا إِلى الشام فتبعهم؛ فصاروا يمكرون به ويهربون عنه؛ ويتعبونه في طلبهم؛ حتى ضجر منه أتباعه، وعند ذلك لاقوه؛ وهو في نفر قليل من أتباعه؛ فأراد أتباعه منعه؛ إِلا أنه أطاع جهله وغروره؛ فقابلهم، فتغلبوا عليه؛ وأخذوه؛ وحبسوه بقلعة دمشق، ومكث بها إِلى أن قُتِلَ بالسكاكين في صفر سنة 815 هـ؛ وألْقِيَ بعد هذه القتلة الشنيعة على سباطة مزبلة وهو عريان. ولما قتل هذه القتلة الشنيعة لم يقدم أحد من الجراكسة على السلطنة خوفًا من ملاقاة مصير مثل مصير فرج.
- ثم إِن الأمراء ولوا الخليفة العباسي جبرًا، وهو المستعين بالله أبو الفضل العباسي المصري؛ وكان القائم بأمر المملكة شيخ المحمودي؛ واستمر المستعين في السلطنة ستة أشهر وأيام ثم خلع.
- وتولي الأمر بعده شيخ المحمودي في شعبان سنة 815 هـ؛ وقد عصاه نوابُه في البلاد الشامية؛ فتوجه لقتالهم مرارًا كثيرة وغلبهم؛ وكان شجاعًا مقدامًا.
ومن محاسنه ما ذكره المكى (1) بقوله: "وكانت أسواق ذوي الأدب نافقة عنده؛
(1) فى: سمط النجوم العوالي (4/ 36).
لجودة فهمه وذوقه، وكان يحب العلماء والفضلاء؛ ويجل قدرهم، وبنى مدرسته الموجودة الآن".
وأثنى عليه ابن حجر فقال فيما نقله السيوطي (1): "ترجمه الحافظ ابن حجر في معجمه وأثنى عليه، وقال: أين مثله؟ بل: أين أين مثله!
وكان معه إِجازة بصحيح البخاري من شيخ الإِسلام سراج الدين البلقيني؛ فكانت لا تفارقه سفرًا ولا حضرًا".
واستمر شيخ في السلطنة إِلى أن توفي في المحرم سنة 824 هـ.
- ثم وُليَ بعده ابنة الملك المظفر أحمد؛ وكان عمره إِذْ ذَاك سنة وثمانية أشهر، وصار مدبر المملكة الأمير ططر، وقد حصل أن خالفه أمير الشام ومن معه؛ فتجهز ططر لقتالهم؛ وفعلاً قاتلهم وهزمهم؛ فخلا له الجو؛ فقام بخلع الملك المظفر؛ وتسلطن مكانه في شهر شعبان من سنة 824 هـ؛ واستمر في السلطة إِلى أن توفي في شهر ذي الحجة من السنة المذكورة، وكانت مدة سلطنته أربعة وتسعين يومًا.
- ثم تولي بعده ابنه الملك محمد بن ططر؛ وكان عمره نحو عشر سنوات، ومدبر المملكة جان بيك الصوفي؛ ثم إِن شخصًا اسمه برسباى الدقماقي تغلّب على جان بيك؛ فقبض عليه وأرسله إِلى سجن الإِسكندرية؛ وصار مدبرًا للمملكة بدلاً منه؛ ثم استبد بأمور الملك؛ وخلع الملك محمد بن ططر في شهر ربيع الآخر سنة 825 هـ.
- ثم تولي الملك الأشرف برسباى الدقماقي السلطنة بعد خلع محمد بن ططر في شهر ربيع الآخر سنة 825 هـ، واستمر في السلطنة إِلى أن توفي سنة 841 هـ.
وقال عنه المكي (2): "ومن جملة مناقبه أنه أخذ قبرس؛ وأسر ملكها في سنة 829
(1) في: حسن المحاضرة (2/ 121).
(2)
في: سمط النجوم العوالي (4/ 39).