الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: إِذا أكل الكلب المعلم (1) من الصيد، لم نحرم ما مضى؛ استصحابًا للحل الثابت قبل الأكل.
ومنها: أنه لا يُقضىَ على الناكل (2) بمجرد نكوله؛ لأن الأصل براءة ذمة المدعى عليه، فلا يبطل ذلك بمجرد نكوله حتى يحلف المدعي.
ومنها: ادعى اثنان دارًا كل منهما يدعيها كلها، وهي في يد ثالث يدعيها، وأقاما بيِّنتين: تعارضتا وبقيت في يد الثالث؛ استصحابًا لليد وإن لم تقم بينة.
ومنها: إِذا اختلفا في قيمة المتلف، فالقول قول الغارم، سواء في ذلك المستعير والمستام والغاصب وغيرهم؛ لأن الأصل براءة ذمته مما زاد. ونحو هذا من الصور. وإذا خالف ذلك شيء فليس لإبطال هذا الأصل: بل إِما لمعارضة أصل آخر راجح، أو معارضة ظاهر رَجَح.
(تعارض الأصلين)
فمن تعارض الأصلين (3): ما إِذا وقع في ماء نجاسة لم تغيره، وشكَّ هل هو قلتان
(1) ذكر النووى أنه يشترط لكون الكلب معلمًا أربعة أمور، فانظرها في: روضة الطالبين (3/ 249).
(2)
الناكل عن اليمين هو المتنع عن الحلف، انظر المصباح المنير (2/ 625).
(3)
ذكر طرفا من مسائل تعارض الأصلين ابن عبد السلام في قواعد الأحكام (2/ 47)، والعلائي في المجموع المذهب ورقة (29/ ب)، والزركشي في كتابه المنثور في القواعد (1/ 330) فما بعدها، والسيوطي في الأشباه والنظائر (68) فما بعدها.
هذا وقد قال السيوطي: - "قال الإمام، وليس المراد بتعارض الأصلين تقابلهما على وزن واحد في الترجيح، فإِن هذا كلام متناقض، بل المراد التعارض، بحيث يتخيل الناظر في ابتداء نظره تساويهما، فإذا حقق فكره رجح. ثم تارة يجزم بأحد الأصلين، وتارة يجرى الخلاف ويرجح بما عضده من ظاهر أو غيره. قال ابن الرفعة: ولو كان في جهة أصل، وفى جهة أصلان جزم لذى الأصلين. ولم يجر الخلاف" الأشباه والنظائر (68).
أو أقل، فوجهان؛ أحدهما: وبه جزم الماوردى وآخرون: أنه نجس (1)؛ لأن الأصل عدم بلوغه قلتين. والثاني: طهارته؛ لأنها الأصل وشككنا في تأثره بالنجاسة والأصل عدم ذلك. قال (2) في الروضة (3): "وهذا هو الصواب"(4).
ومنها: إِذا أدرك المسبوقُ الأمامَ وهو راكع، وشك هل فارق (5) حد الراكعين (6) قبل ركوعه أم لا؟
قولان؛ أحدهما: يدرك؛ لأن الأصل بقاء الركوع. والثاني: لا؛ لأن الأصل عدم الإدراك. وهذا هو الأصح.
ومنها: إِذا غاب العبد وانقطعت أخباره، ففي فطرته (7) قولان، أحدهما: تجب؛ لأن الأصل بقاء الحياة. والثاني: [لا تجب](8) لأن الأصل براءة ذمة السيد. والأول
(1) ذكر ذلك النووى في: روضة الطالبين (1/ 19).
(2)
أى النووي.
(3)
الروضة: كتاب اسمه (روضة الطالبين) مؤلفه: الإمام النووى، وهو في الفقه الشافعي، وقد اختصره النووى من كتاب فتح العزيز شرح الوجيز للرافعي، وبين في مقدمته منهجه في اختصاره، وقد طبع الكتاب وخرج في اثني عشر مجلدًا، وقام بطبعه المكتب الإسلامي.
(4)
القول المتقدم موجود في المجموع للنووى (1/ 172).
أما الموجود في الروضة فنصه هو: "والمختار، بل الصواب: الجزم بطهارته ". روضة الطالبين (1/ 19).
(5)
أي الإمام.
(6)
في المجموع المذهب: ورقة (129 ب): "حد الركوع".
هذا: وقد بين النووى حد الركوع عند الشافعية بقوله: "مذهبنا: أنه يجب أن ينحني بحيث تنال راحتاه ركبتيه، ولا يجب وضعهما على الركبتين". المجموع (3/ 349).
(7)
أي زكاة الفطر الواجبة عنه.
(8)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ولكن لا بد منه؛ لأنه القول الثاني في المسألة، وقد ذكره كل من العلائي والسيوطي، كما أن التعليل الذى ذكره المؤلف يدل عليه. انظر: المجموع المذهب: ورقة (129 ب)، والأشباه والنظائر (70).
أصح؛ لشغل ذمة سيده قبل غيبته فيستصحب.
ومنها: جواز عتقه عن الكفارة، وفيه هذا الخلاف؛ لأن الأصل بقاء الحياة، والأصل (1) اشتغال ذمة السيد (2). إِلا أن الأصح هنا: عدم الإجزاء.
ومنها: إِذا تنازعا في تخمير (3) العصير المشروط رهنه في بيع، فقال الراهن: تخمر عندك. وقال المرتهن: بل سلمته إلِيَّ بعد ما تخمر فلي الخيار في فسخ البيع. وفيه قولان؛ ينظر في أحدهما إلى أصل بقاء البيع، وفي الآخر إِلى أصل عدم القبض الصحيح.
ومنها: لو كان العصيرُ هو المبيعَ وتخمر، فقال البائع: عندك صار خمرًا. وقال المشتري: بل كان عندك خمرًا. فقولان، والأصح:(4) قول البائع ترجيحًا لأصل البيع (5). وكذا المسألة التي قبلها.
ومنها: إذا رأى المبيع قبل العقد، وهو مما يحتمل تغيره، ثم اختلفا بعد العقد؛ فقال البائع هو بحاله. وقال المشتري: بل تغير. فوجهان: أحدهما: أن القول قول البائع؛ لأن الأصل عدم التغير. وأصحهما: أن القول قول المشترى؛ لأن البائع يدعي عليه الاطلاع على المبيع على هذه الصفة، والمشترى ينكر ذلك (6). وبهذا يحصل الفرق بين هذه
(1) أى الأصل الآخر في هذه المسألة.
(2)
قال العلائي: - "بالكفارة، ولا تبرأ إِلا بيقين". المجموع المذهب: ورقة (29 / ب).
(3)
لعل صوابها "تَخَمُّر". والتخمر هو تحول العصير إِلى خمر بنفسه، أما التخمير فهو تحويله بفعل فاعل.
(4)
يحسن أن نضع هنا العبارة التالية: - "أن القول".
(5)
أى: بقاء البيع واستمراره.
(6)
أى أنه يدعي عدم الاطلاع على المبيع بهذه الصفة، ورجح قوله لأن الأصل عدم الاطلاع.
المسألة واللتين قبلها، مع أن الأصل عدم القبض الصحيح (1).
ومنها: إذا سلم الدار المستأجرة، ثم ادعى المستأجر أنها غصبت، فالأصح: أن القول قول المؤجر؛ لأن الأصل عدم الغصب. ووجه (2) الآخر (3): أن الأصل عدم الانتفاع. ويقوى الأول: أنه بعد التسليم بقي (4) أصل لوجوب الأجرة حتى يبين المسقط.
ومنها: إذا شك في انقضاء الحولين للطفل، فارتضع خمس رضعات، فوجهان: أحدهما: تحرم؛ لأن الأصل بقاء الحولين. والثاني: المنع؛ لأن الأصل عدم التحريم. ورجحه الغزالي (5)، وفيه نظر؛ لأنه إذا اجتمع مبيح ومحرم فالمحرم أولى.
ومنها: إِذا قَدَّ (6) ملفوفًا بنصفين (7)، وادعى الولي أنه حي وطلب القصاص، وزعم القاد أنه ميت، فقولان: أحدهما: أن القول قول (8) القاد؛ لأن الأصل براءة
(1) أي في المسائل الثلاثة، وهذا هو الجامع بينها.
(2)
معنى وجه هنا (مأخذ).
(3)
وهو أن القول قول المستأجر.
(4)
بقي: معناها هنا ثبت.
(5)
فقال: "وإن شككنا في وقوعه بعد الحولين فقد تقابل أصلان وهو بقاء المدة وعدم التحريم؛ لكن الأصح أنه لا تحريم إلَّا بيقين "الوجيز (2/ 105، 106).
(6)
قال ابن فارس: "القاف والدال أصل صحيح يدل على تطع الشيء طولًا معجم مقاييس اللغة (5/ 6).
(7)
لا بأس بإثبات الباء هنا، قال صاحب المصباح: - "وتزاد فيه الباء فيقال قددته بنصفين" المصباح (2/ 491).
(8)
نهاية الورقة رقم (13).
ذمته. والثاني: قول الولي؛ لأن الأصل بقاء الحياة، وهذا هو الأظهر عملًا بالاستصحاب. وفي ثالث اختاره الإمام: يفرق بين كونه في ثياب الأحياء أو الأموات (1). وهذا: ترجيح أحد الأصلين بظاهر يعتضد به، كما أنه يترجح أحد الظاهرين بأصل على ما يأتي.
ومنها: إِذا تيقن الطهارة وشك في الحدث، فالشافعي وجمهور العلماء: يُعْمِلُون أصل الطهارة (2). والمالكية: يرون وجوب الوضوء (3)؛ لأن الأصل شغل ذمته بالصلاة فلا تسقط إِلا بطهارة متيقنة. والراجح الأول عملًا بالحديث السابق (4).
قال ابن القاص (5): (6) "كل من شك في شئ هل فعله أم لا فهو غير فاعل فى
(1) الظاهر أن الإمام لم يختر ذلك، ويدل على ما قلت كلام النووى، ونصه: -"وقيل: يفرق بين أن يكون ملفوفًا على هيئة التكفين، أو في ثياب الأحياء. قال الإِمام: وهذا لا أصل له" روضة الطالبين (9/ 209)، وانظر: مغني المحتاج (4/ 38).
(2)
انظر: مختصر المزني (4)، والمجموع (2/ 65)، وبدائع الصنائع (1/ 33)، والمغني لابن قدامة (1/ 196، 197).
(3)
انظر: التمهيد لابن عبد البر (2615)، والكافي لابن عبد البر (1/ 147 - 150)، وإيضاح المسالك للونشريسي (192).
(4)
يعني: المتقدم ذكره في أول هذه القاعدة، وهو حديث: - "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا
…
إِلخ).
(5)
هو أبو العباس أحمد بن أبي أحمد القاص الطبري.
أخذ الفقه عن أبي العباس بن سريج، وأخذ الحديث عن جماعة، وتففه عليه أهل طبرستان.
كان من أئمة الشافعية، وصنف المصنفات الكثيرة: منها: المفتاح، وأدب القاضى، والمواقيت، والتلخيص.
توفي رحمه الله بطرسوس سنة 335 هـ.
انظر: طبقات الفقهاء (111)، وتهذيب الأسماء واللغات (25212)، وطبقات الشافعية الكبرى (5913)، وطبقات الشافعية للإسنوي (2/ 916).
(6)
القول التالي قاله ابن القاص في كتابه المسمى: التلخيص: ورقة (8 / ب، 9 / أ). =
الحكم (1)، ولا يزال اليقين بالشك إِلَّا في أحدى عشرة مسألة:
إِحداها: إِذا شك ماسح الخف، هل انقضت المدة أم لا؟
الثانية: إِذا شك هل مسح في الحضر أم في السفر؟ يحكم في المسألتين بانقضاء المدة وإن كان الأصل عدم الانقضاء.
الثالثة: إِذا شك المسافر، هل نوى الإقامة أم لا؟ لم يترخص مع أن الأصل عدم نيته الإقامة.
الرابعة: إِذا أحرم بنية القصر خلف من لا يدري أمسافر أم مقيم لم يجز له القصر.
الخامسة: المستحاضة المتحيرة (2) يلزمها الغسل عند كل صلاة تشك في انقطاع الدم قبلها، مع أن الأصل عدم انقطاعه.
السادسة: من به سلس البول أو سلس الاستحاضة، إذا توضأ ثم شك هل انقطع حدثه أم لا؟ فصلى بطهارته لم يصح، بل لا بد من طهارة أخرى، مع أن الأصل بقاء السلس.
السابعة: إِذا تيمم، ثم رأى شيئًا لا يدري أسراب هو أم ماء؟ يبطل تيممه، مع أن الأصل عدم كونه ماء.
= كما ذكره النووى منسوبًا إلى ابن القاص في كتابه التلخيص. انظر: المجموع (1/ 251).
واعلم أن القول التالي فيه بعض التصرف في العبارات، وفيه بعض التصرف في ترتيب المسائل، وهو أقرب إِلى الموجود في المجموع.
(1)
وقد يكون فاعلًا في الواقع.
(2)
المستحاضة المتحيرة: هي التي استمر معها خروج الدم، وهي لا تعرف مقدار حيضها ولا وقته وليس لها تمييز - أي أن دمها بصفة واحدة -.
انظر: المجموع (2/ 335، 404).
الثامنة: إِذا رمى صيدًا فجرحه، ثم غاب عنه، ثم وجده ميتًا، وشك هل مات بسبب آخر من حجر أو غيره؟ لم يحل أكله في أحد القولين، مع أن الأصل عدم ذلك الشيء.
التاسعة: بال حيوان (1) في ماء كثير، ثم لما وصل اِليه وجده متغيرًا، ولم يدر أتغير بالبول أم بغيره: فهو نجس. نص عليه الشافعي (2)، مع أن الأصل عدم تغيره بالبول.
العاشرة: من أصابه نجاسة في بدنه أو ثوبه، ولم يعرف موضعها، يلزمه غسله كله، مع أن الأصل في غير ذلك الموضع من البدن والثوب الطهارة.
الحادية عشرة: إِذا شك المسافر هل وصل بلده أم لا؟ لم يجز له القصر ولا غيره من رخص السفر، مع أن الأصل عدم وصوله وأصل (3) بقاء السفر.
وزاد الإمام مسألة وهي: إِذا شكوا في انقضاء وقت الجمعة فإِنه يلزمهم الظهر، مع أن الأصل بقاء الوقت (4).
وزاد النووى مسألتين (5):
إِحداهما: إِذا توضأ، ثم شك بعد الفراغ هل مسح رأسه أم لا؟ وفيه وجهان، أصحهما: صحة وضوئه، مع أن الأصل عدم المسح.
(1) هكذا في المجموع، أما التلخيص فنص عبارته: - "لو أن ظبيًا بال". وعبارة الأم للشافعي توافق ما في التلخيص.
(2)
انظر: الأم (1/ 11).
(3)
هكذا وردت في المخطوطة، ولعل الأنسب أن تكون ب (أل) هكذا:(الأصل).
(4)
المسألة المتقدمة ذكرها الإمام، إلَّا أن عبارة النووى تفيد أن الإمام لم يزد هذه المسألة، ولكنه - أعني الإِمام - نسبها إلى صاحب التلخيص. انظر: المجموع (1/ 253).
(5)
انظرهما في: المجموع (1/ 253).
الثانية: إذا سلم من صلاته، ثم شك هل صلى ثلاثًا أم أربعًا؟ فالصحيح الذى قطع به العراقيون (1): أنه لا أثر لهذا الشك، وإن كان الأصل عدم فعل الركعة.
والتحقيق أن جميع هذه المسائل غير مستثناة، بل إنما ترك الأصل المستصحب. لمعارضة أصل آخر راجح، أو ظاهر ترجح إعماله على إعمال الأصل (2):
فالمسألة الأولى والثانية: إنما وجب غسل الرجل فيهما لأنه الأصل، والمسح رخصة بشرط، فما لم يتحقق يرجع إلى الأصل.
وأما مسائل المسافر الثلاث: فهي مبنية على قاعدة الشافعي: من أن الأصل الإتمام، والقصر رخصة بشرط. كما قلنا في مسح الخف.
(1) العراقيون: هم بعض أصحاب الشافعي الذين كانوا من العراق وما حولها.
وهناك قسم من أصحاب الشافعي يسمون بالخراسانيين: وهم من كان من خراسان وما حولها.
وقد ذكر النووى ميزة كل من القسمين فقال: - "واعلم أن نقل أصحابنا العراقيين لنصوص الشافعي وقواعد مذهبه ووجوه متقدمي أصحابنا أتقن وأثبت من نقل الخراسانيين غالبًا. والخراسانيون أحسن تصرفًا وبحثًا وتفريعًا وترتيبًا غالبًا المجموع (1/ 116).
كما ذكر الإمام تقي الدين السبكي - في مقدمة تكملته لشرح المهذب - طائفة من كتب العراقيين ثم أتبعها بذكر طائفة من كتب الخراسانيين، فانظر ذلك في تكملة شرح المهذب (10/ 6).
(2)
بعد ما ذكر النووى تلك المسائل نقلًا عن ابن القاص، نقل كلامًا للقفال يدور حول إِنكار كون هذه المسائل مما أزيل فيها اليقين بالشك، وذلك بذكر المسائل الأحدى عشرة واحدة واحدة مع إِرجاع كل منها إلى أصل أو ظاهر غير الأصل المتروك.
إِلا أن النووى يرى أن كثيرًا مما قاله القفال فيه نظر، وأن الصواب مع ابن القاص في أكثر تلك المسائل، فانظر ذلك كله في: المجموع (1/ 251، 252).
كما ذكر هذه المسائل الأحدى عشرة؛ وإرجاعها إلى القاعدة كل من العلائي والسيوطي، فانظر: المجموع المذهب: ورقة (130 ب) فما بعدها، والأشباه والنظائر (72، 73).
وأما المستحاضة (1): فلأن الأصلَ وجوبُ الصلاة عليها ووجوبُ الغسل عن الحيض المحقق، فمتى صلت بلا غسل لم تتحقق البراءة من الصلاة.
وكذا القول في (2) السلس: فإِنه لا يحل له الصلاة مع الحدث إِلا للضرورة، فإِذا شك في انقطاع الحدث، فقد شك في السبب المجوز للصلاة مع الحدث، فرجع إِلى أصل وجوب الصلاة بطهارة كاملة.
وأما المتيمم: فإِنه عند رؤية السراب يجب عليه الطلب، فإِذا توجه (3) بطل تيممه.
وأما مسألة الصيد: فلأنَّ الأصلَ عدمُ الحل، وشُكَّ في السبب المجوز، فلم يزل الأصل إِلا بيقين الحل.
وأما مسألة الإمام: فلأن الأصل الظهر، ولا تصح الجمعة إِلا بشروط منها بقاء الوقت، فإِذا لم يتحقق رجعنا إِلى الأصل وهو الظهر.
وكذا من لم يعرف موضع النجاسة: فإِن البراءة بيقين متوقفة على غسله كله، ففيه إِعمال أصل يقين النجاسة، ولا يزال إِلا بيقين مثله. كمن فاتته صلاة لا يعرف عينها لا يبرأ شغل ذمته بيقين إِلا بما يفيد اليقين (4).
(1) ذكر القفال الرد على مسألة المستحاضة المتحيرة بقوله: - "وأما الخامسة: فحكمها صحيح؛ لكن ليس ترك أصل بشك، بل لأن الأصل وجوب الصلاة عليها، فإِذا شكت في انقطاع الدم فصلت بلا غسل لم تستيقن براءة من الصلاة". المجموع للنووي (1/ 252).
(2)
يحسن أن نضع هنا كلمة هي (صاحب) أو نحوها.
(3)
يعني: الطلب.
(4)
وذلك أن يصلي الصلوات الخمس كلها، وينوي بكل واحدة منها أنها الفائتة.
وأما بقية المسائل (1): فإِنما ترك فيها الأصل لمعاوضة ظاهر رجح (2). وقد قال القاضي حسين والمتولي والهروي وغيرهم: "كل مسألة تعارض فيها أصل وظاهر ففيها قولان (3) ". وأنكر المحققون هذا الإطلاق (4): فإن من المسائل ما يعمل فيها بالظاهر بلا خلاف (5):
(1) وهي مسألة الحيوان إذا بال في ماء كثير ثم لما وصل إِليه وجده متغيرًا ولم يدر هل تغير بالبول أو بغيره؟ والمسألتان اللتان زادهما النووي.
(2)
ومن كلام المؤلف هذا وكلام له سابق نفهم أن المسائل السابقة ترِكَ الأصلُ فيها لمعارضة أصل آخر راجح.
(3)
ذكر النووى هذه القاعدة بزيادة فيها فقال: - "وذكر جماعة من متأخري أصحابنا الخراسانيين أن كل مسألة تعارض فيها أصل وظاهر أو أصلان ففيها قولان" المجموع (1/ 247).
ثم ذكر بعد ذلك أن ممن ذكر هذه القاعدة هؤلاء الثلاثة.
أقول: وقد قال المتولي القول المذكور في التتمة، ج 1: ورقة (17/ أ). وقال الهروى القول المتقدم في الأشراف على غوامض الحكومات: ورقة (66/ ب).
واعلم أن الزركشي قد ذكر شروطًا لجريان القولين، فانظرها في المنثور في القواعد (1/ 312، 313).
(4)
ممن أنكر هذا الإطلاق النووي في المجموع (1/ 247)، وممن ذكر إِنكار المحققين لهذا الإطلاق العلائي في المجموع المذهب: ورقة (31 / ب).
(5)
قال النووى في معرض إِنكاره للإطلاق المتقدم: - "
…
...
…
ومسائل يعمل فيها بالأصل بلا خلاف كمن ظن أنه طلق أو أحدث أو أعتق أو صلى أربعًا لا ثلاثًا فإِنه يعمل فيها كلها بالأصل وهو البقاء على الطهارة وعدم الطلاق والعتق والركة الرابعة وأشباهها، بل الصواب في الضابط ما حرره الشيخ أبو عمرو بن الصلاح فقال: إِذا تعارض أصلان أو أصل وظاهر وجب النظر في الترجيح كما في تعارض الدليلين، فإن تردد في الراجح فهي مسائل القولين وإن ترجح دليل الظاهر حكم به بلا خلاف، هذا كلام أبي عمرو" المجموع (1/ 247).
هذا وقد قسم الزركشي مسائل الأصل والظاهر إِلى أربعة أقسام:
- أحدها: ما قطعوا فيه بالظاهر. =
منها: إِذا شهد عدلان بشغل ذمة المدعى عليه، فإِن هذا الظاهر مقدم على أصل براءة الذمة قطعًا بل بالإجماع.
ومنها: إِذا أخبر ثقة بنجاسة ماء، وهو موافق في المذهب (1)، أو عين تلك النجاسة، فإِن الظاهر مقدم على أصل طهار الماء بلا خلاف.
ومنها: مسألة الظَّبْيَة (2)، فإِن الشافعي أعمل فيها الظاهر وهو البول (3)؛ لا قول له غير ذلك، نعم في المسألة وجه (4).
ومنها: أن الأصحاب اتفقوا على أنه لو سلم، فرأى على ثوبه نجاسة لا يعفى عنها، واحتمل مقارنتها لجزء من صلاته أو حدوثها بعده، أنه مضت على الصحة؛ لأن الظاهر صحة أعمال المكلف وجريانها على الكمال.
= الثاني: ما فيه خلاف والأصح تقديم الظاهر.
الثالث: ما قطعوا فيه بالأصل.
الرابع: ما فيه خلاف، والأصح تقدم الأصل.
فانظر ذلك كله في: المنثور في القواعد (1/ 315 - 329).
(1)
قوله: وهو موافق في المذهب: يخرج به خبر المخبر إذا كان مخالفًا في المذهب؛ لأن المُخْبِر - بكسر الباء - قد يرى أن ما طرأ على الماء سبب لنجاسته، بينما المَخبَر - بفتح الباء - لا يرى ذلك سببًا للنجاسة.
(2)
الظَبْيَة: أنثى الظبي، والظبي هو الغزال. انظر: لسان العرب (15/ 23).
(3)
مسألة الظبية: هي ما إِذا رأى ماء كثيرًا واستيقن أن ظبيًا بال فيه فوجد طعمه أو لونه أو ريحه متغيرًا، وقد ذكرها الشافعي في: الأم (1/ 11).
(4)
سبق بيان معنى القول والوجه، وستجد أنهما سيردان أحيانًا فيما يأتي من مباحث. فليكن القارئ على ذكر من معناهما.