الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مسائل اجتمع فيها أصل وظاهر، ويرجح أحدهما]
واعلم أن مسائل الأصل والظاهر لا تكاد تحصى ويرجح تارة الأصل وتارة الظاهر (1):
[مسائل ترجح فيها الظاهر]
فمنها: مسألة المتوضئ وكذا المصلي إذا شكا بعد الفراغ في ترك ركن ففيهما خلاف كما مر: والمذهب: المضي على الصحة. ورجح الظاهر هنا على الأصل؛ لأن الظاهر من أفعال الإنسان أن تكون على الكمال. وترك هذا فيما إذا شك في أثناء الوضوء أو الصلاة الأحاديث الدالة على الأخذ باليقين فيها (2)، أو بالاجتهاد على اختلاف المذهبين (3).
ومنها: إِذا تيقن الحدث، وظن الطهارة، فالذى اختاره الرافعي: أنه يعمل بالظن (4). لكن المشهور خلافه.
(1) سيذكر المؤلف فيما يلي المسائل التي يترجح فيها الظاهر، وأما المسائل التي يترجح فيها الأصل فسيذكرها المؤلف بعد ذلك حين يفرغ من المسائل التي يعمل فيها بالظاهر، وسينبه المؤلف على ذلك.
(2)
مثل حديث (إِذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى؟
…
إِلخ) وقد تقدم ذكره وتخريجه.
(3)
نهاية الورقة رقم (14).
(4)
فقال: - "لو ظن الطهارة بعد الحدث لم يستصحب حكم الحدث بل له أن يصلي بالظن" فتح العزيز (2/ 85)، وقد قال المؤلف بعد ذلك:"لكن المشهور خلافه" لأن الظن أضعف من اليقين فكيف يرفع القوى بالضعيف؟!.
ومنها: إِذا تمعط (1) شعر الفأرة في البئر فإِنه ينزح حتى يغلب على الظن خروج الشعر كله، وإن غلب على الظن بعد ذلك أنه لا تخلو كل دلو عن شيء من النجاسة؛ لكنه لم يره ولا تيقنه، قال الرافعي:(2)"فجواز الاستعمال على القولين في الأصل والغالب (3) ".
ومنها: إِذا كان فم الكلب رطبًا وأدخله في إِناء ولم نعلم هل ولغ أم لا؟ فالأصح: طهارته؛ لأن الأصل عدم الولوغ. والآخر: التنجيس. قال النووى: "وهو الظاهر"(4) فعلى هذا أعملنا الظاهر.
ومنها: إِذا جومعت المرأة، غير نائمة ولا مُكْرَهَة، وهي بالغ، فقضت شهوتها، ثم اغتسلت، ثم خرج منها مبني الرجل، فالظاهر: خروج منيها معه. والأصل عدم ذلك. والأصح: أنه يجب غسلها؛ ترجيحًا لأعمال الظاهر.
ومنها: إِذا قال رب الدابة: أجرتكها بكذا فعليك الأجرة. وقال الراكب: بل أعرتني. فقولان؛ أحدهما: أن القول قول الراكب؛ لأن الأصل براءة ذمته (5)،
(1) تمعط أى تساقط قال الجوهرى: - "امتعط شعره وتمعط، أى تساقط من داء ونحوه" الصحاح (3/ 1161).
(2)
في: فتح العزيز (1/ 223). وتمام قوله: - "إِذا تعارضا كما سيأتي نظائر ذلك. واعلم أن فرض المسألة في تمعط الشعور مبني على نجاسة شعور الحيوانات بالموت، فإِن لم ينجسها فليقع الفرض في سائر الأجزاء".
(3)
قال الزركشي "اعلم أن الأصحاب تارة يعبرون عنهما بالأصل والظاهر، وتارة بالأصل والغالب وكأنهما بمعنى واحد د. ثم ذكر أن بعضهم فهم التغاير بين الظاهر والغالب، وأنكر الزركشي ذلك. المنثور في القواعد (1/ 311، 312).
(4)
نص كلام النووى هو: " (أحدهما) يحكم بنجاسة الماء؛ لأن الرطوبة دليل ظاهر في ولوغه، فصار كالحيوان إذا بال في ماء ثم وجده متغيرًا حكم بنجاسته بناء على هذا السبب المعين" المجموع (1/ 224).
(5)
أى من الأجرة.
وصححه الهروي (1). وأصحهما عند الجمهور: أن القول قول المالك إِذا مضت مدة لمثلها أجرة والدابة باقية؛ لأن الظاهر يقتضي الاعتماد على قوله في الأذن، فكذا في صفته.
ومنها: لو اختلفا في شرط يفسد العقد فقولان، أحدهما: أن [القول](2) قول مدعيه؛ لأن الأصل عدم لزوم الثمن وبقاء ملك البائع وعدم العقد الصحيح. والثاني، وهو الصحيح: أن القول قول مدعي الصحة، عملًا بالظاهر. قال الرافعي (3):"الظاهر في العقود الصحة وعدم الشرط المذكور".
ومنها: لو اختلفا بعد البيع في رؤية المبيع: فأنكرها المشترى، وأثبتها البائع، قال الغزالي في فتاويه (4):"القول قول البائع؛ لأن المشترى له أهلية الشراء وقد أقدم عليه). يعني: فالظاهر صحة العقد. قال الرافعي (5): "ولا ينفك عن خلاف" وقد ذكر الخلاف ابن أبي الدم (6)، وعلل بأن الأصل
(1) صححه الهروي في كتابه: الأشراف على غوامض الحكومات: ورقة (65 / ب).
(2)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ولكنه موجود في النسخة الأخرى: ورقة (15 / ب). وقد أثبته للحاجة إِليه في استقامة الكلام.
(3)
انظر نص قول الرافعي في: فتح العزيز (9/ 164).
(4)
القول التالي ذكره الرافعي في: فتح العزيز (8/ 160). إِلا أنه قال في أوله: - "فقد ذكر المصنف في فتاويه". ومراده بالمصنف: الغزالي.
واعلم أن القول التالي هو معنى قول الغزالي وليس نصه، وانظر نصه في: فتاوى الغزالي: ورقة (84 / ب).
(5)
في: فتح العزيز (8/ 160).
(6)
هو أبو إِسحاق إِبراهيم بن عبد الله الهمْداني. ولد بحماة سنة 583 هـ.
وهو إِمام في المذهب، عالم بالتاريخ، وقد رحل إِلى بغداد فتفقه بها وسمع بالقاهرة وحدث بها وبكثير من بلاد الشام، وولي قضاء بلده هَمَذَان. =
عدم الرؤيه" (1).
ومنها: أنه لو قد بطن امرأة ميته، فوصل السيف إِلى ولد في جوفها فانقطع، فهل [تجب] (2) الغُرة (3):
قال القاضي أبو الطيب (4): "نعم؛ لأن الأصل بقاء حياته". واعتُرِضَ عليه: بأن الحياة لم تتيقن حتى تستصحب. وهو اعتراض ضعيف؛ لأن نمو الجنين (5) دليل الحياة.
والأصح: عدم وجوب الغرة؛ لأن الظاهر هلاكه بموت الأم. وحكاه الرافعي
= من مصنفاته: شرح مشكل الوسيط، وأدب القضاء (مطبوع). توفي بهمذان سنة 642 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى (8/ 115)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 546)، وشذرات الذهب (5/ 213).
وهنا ملحوظة: وهي أن همْدَان: بإِسكان الميم والدال المهملة اسم قبيلة باليمن. أما هَمَذَان بفتح الميم والذال المعجمة فهو اسم موضع. وسيأتي بيانه. وانظر حول هذا: حاشية القاموس المحيط (1/ 362).
(1)
نص كلام ابن أبي الدم في ذكر الخلاف والتعليل هو: - "فلو اشترى شيئًا ثم قال: اشتريته ولم أره وقال البائع بل رأيته، هل القول قول البائع أو المشترى؟ فيه خلاف؛ من أصحابنا من اختار أن القول قول المشترى؛ لأن الأصل عدم الرؤية وعدم صحة العقد.
ومنهم من اختار أن القول قول البائع؛ لأن إقدام كل مكلف على عقد اعتراف منه بصحته". أدب القضاء لابن أبي الدم (551).
(2)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ولكن لا بد منه لاستقامة المعنى. وقول المؤلف بعد ذلك:"والأصح عدم وجوب الغرة" يدل على أن هذا القول هو وجوب الغرة.
(3)
المقصود بالغُرة هنا: عبد أو أمة، وقد بين الغزالي صفة الغرة، فمن أراد معرفتها فلينظر: الوجيز (2/ 157).
(4)
انظر قول القاضي أبي الطيب الطبري: روضة الطالبين (1/ 368).
(5)
ورد في هذا الموضع من المخطوطة حرف (في)، وقد حذفته لأن المعنى لا يستقيم إِلا بحذفه.