الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى غير القبلة؛ لأن مصلحة غسلهم وتوجيههم إلى القبلة أعظم من توقيرهم بترك نبشهم.
وكذا: إِذا كان في جوف الميتة ولد ترجى حياته، فإِنه يشق جوفها؛ لأن مصلحة حياته أعظم من مفسدة انتهاك أمه بشق جوفها.
ومنها: مفسدة نظر العورات (1) بمصلحة التداوى:
ومنها: مفسدة إِتلاف أموال المسلمين من أهل الحرب، ولا نُضَمِّنُهُم، لمصلحة ترغيبهم في الدخول في الإِسلام، ودرء مفسدة تنفيرهم. إلى غير ذلك من الصور.
النوع الثالث: أن تتساوى المصالح والفاسد:
فتارة: يقال بالتخيير، وتارة: يقال بالوقف، وتارة: يقع الاختلاف، بحسب تفاوت المفاسد في نظر المجتهدين (2).
* * *
(1) المعنى: أنه معفو عنها لأجل مصلحة التداوى.
(2)
لم يذكر المؤلف مثالًا لهذا النوع، أما العلائي فلم يخصص هذا النوع بالتمثيل، ولكنه في معرض تمثيله للنوع الثاني ذكر مثالاً أشار في آخره إلى أنه من النوع الثالث المختلف فيه، ونص كلامه هو: -
"وكذلك: عدم تضمين أهل البغي ما أتلفوه على أهل العدل على الأصح من القولين؛ للعلة التي أشرنا إليها. وهذه المسألة من النوع الثالث المختلف فيه" المجموع المذهب: ورقة (49/ أ). أقول: والعلة التي أشار إليها ذكرها في مثال قبل ذلك المثال وهي: ترغيب أهل الحرب في الدخول في الإِسلام بعدم تضمينهم ما أتلفوه من أموال المسلمين. إلا أن العلة المقصودة في هذا المثال هي ترغيب أهل البغي في أن يعودوا عن بغيهم.
أما الشيخ عز الدين بن عبد السلام فقد مثل لهذا النوع بقوله: - "وهذا كقطع اليد المتآكلة عند استواء الخوف في قطعها وإبقائها". قواعد الأحكام (1/ 104).
القاعدة الخامسة (1) وهي اعتبار (2) العادة (3) والرجوع إِليها (4)
(1) هذه القاعدة ذكرها باللفظ التالي العلائي في المجموع المذهب: ورقة (51/ ب).
كما ذكرها السيوطي بلفظ العادة محكمة، انظر الأشباه والنظائر (89). كما ذكر الشيخ عز الدين كلامًا حسنًا حولها وذلك من خلال ثلاثة فصول عقدها حول العادة، فانظرها في: قواعد الأحكام (2/ 107، 115، 120).
كما ذكر الزركشي كلامًا مستفيضًا عنها في موضعين: أحدهما: بعنوان العادة، والآخر: بعنوان العرف، فانظر كلامه في المنثور في القواعد (2/ 356، 377).
وهي إِحدى القواعد الكلية، ولها أهمية في مجال التطبيق في كثير من المسائل. وستظهر هذه الأهمية من خلال الأمثلة التي سيذكرها المؤلف، ونظرًا لأهمية العادة والعرف فقد أفردهما بعض الباحثين برسائل علمية.
(2)
الاعتبار له عدة معان، إِلا أن أقربها له في هذا المقام هو المعنى الذي ذكره صاحب المصباح بقوله: - "وتكون (العبرة والاعتبار) بمعنى الاعتداد بالشيء في ترتب الحكم" المصباح (2/ 390).
(3)
العادة: لغة مأخوذة من العود، وقد قال ابن فارس: - "العين والواو والدال أصلان صحيحان، يدل أحدهما على تثنية في الأمر،
…
" ثم قال بعد ذلك "والعادة: الدربة والتمادي في شيء حتى يصير له سجية" معجم مقاييس اللغة (4/ 181، 182).
أما في الاصطلاح فقد عرفها الشريف الجرجاني بقوله: - "وهي: ما استمر الناس عليه على حكم العقول، وعادوا إِليه مرة بعد أخرى" التعريفات (149).
وعرفها القرافي بقوله: - "والعادة: غلبة معنى من المعاني على الناس" تنقيح الفصول (448).
وعرفها محمَّد أمين الشهير بأمير بادشاه بقوله: - "وهي الأمر المتكرر ولو من غير علاقة عقلية" تيسير التحرير (2/ 20).
ويلاحظ في التعريفين الأول والثاني اعتبار كون العادة عامة في الناس، بينما يلاحظ في التعريف الثالث اعتبار تكرر الأمر من غير نظر إلى عمومه في الناس.
(4)
ليس المراد باعتبار العادة والرجوع إليها أنها دليل شرعي يستند إِليه في إثبات الأحكام، ولكن =
والأصل فيها مع ما تقدم (1): قوله عليه الصلاة والسلام (المكيال مكيال أهل المدينة، والوزن وزن أهل مكة)(2). رواه أبو داود: بإِسناد صحيح.
وجه الدلالة أن أهل المدينة لما كانوا أصحاب نخيل وزرع اعتبر عادتهم في مقدار الكيل، وأهل مكة كانوا أهل متاجر فاعتبرت عادتهم في الوزن.
ومنها حديث محيصة (3) رضي الله [عنه](4): أن ناقة للبراء بن
= المراد هو أنها أمر مُعِين على التطبيق في بعض المسائل، وقد ضبط السيوطي تلك المسائل بقوله: - "قال الفقهاء: كل ما ورد به الشرع مطلقًا، ولا ضابط له فيه، ولا في اللغة، يرجع فيه إِلى العرف" ثم ذكر أمثلة على ذلك، الأشباه والنظائر (98).
(1)
الذي تقدم هو قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ} . من الآية رقم (58) من سورة النور.
وقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش رضي الله عنها: - (تحيضي في علم الله ستًا أو سبعًا كما تحيض النساء وكما يطهرن ميقات حيضن وطهرهن) وقد سبق تخريجه.
(2)
أخرجه بهذا اللفظ النسائي في كتاب الزكاة، باب: كم الصاع.
انظر: سنن النسائي (5/ 54).
وأخرجه أبو داود بلفظ: "الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال أهل المدينة" في كتاب البيوع، باب: في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المكيال مكيال المدينة".
انظر: سنن أبي داود (3/ 246).
(3)
هو أبو سعد محيصة بن مسعود بن كعب الأنصارى الأوسي.
وهو ممن شهد أحدًا والخندق وسائر المشاهد، وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل فدك يدعوهم إلى الإِسلام.
روى عنه محمَّد بن سهل بن أبي حثمة وحرام بن سعد بن محيصة.
وترجم له ابن عبد البر وابن حجر مع أخيه حويصه.
انظر: الاستيعاب (1/ 393)، وأسد الغابة (4/ 334)، والإِصابة (1/ 363).
(4)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ولكنه موجود في النسخة الأخرى: ورقة =
عازب (1) دخلت حائطًا، فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل)(2). روه أبو داود، وصححه جماعة، وهو أدل شيء على اعتبار العادة في الأحكام الشرعية (3).
فهذه مع ما تقدم تفيد القطع باعتبار العادة، وترتب الأحكام الشرعية عليها.
= (24 / ب)، وإثباته مناسب.
(1)
هو البراء بن عازب بن الحارث الأنصاري الأوسي، ويكنى أبا عمارة، ويقال يكنى أبا عمرو. له ولأبيه صحبة، وقد غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة غزوة، وأول مشاهده أحد وقيل الخندق.
روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم جملة من الأحاديث، وعن أبيه وأبي بكر وعمر وغيرهما من أكابر الصحابة.
توفي رضي الله عنه في إِمارة مصعب بن الزبير وأرّخها ابن حبان سنة 72 هـ.
انظر: الاستيعاب (1/ 139)، وأسد الغابة (1/ 171)، والإصابة (1/ 142).
(2)
الحديث المتقدم أخرجه الإمام مالك في كتاب الأقضية، باب: القضاء في الضواري والحريسة.
انظر: الموطأ (2/ 747)، رقم الحديث (37).
والأمام أحمد في المسند (5/ 435).
وأبو داود في كتاب البيوع، باب: المواشي تفسد زرع قوم.
انظر: سنن أبي داود (3/ 298).
والدارقطني في كتاب الحدود والديات وغيره.
انظر: سنن الدارقطني (3/ 154)، رقم الحديث (216).
(3)
قال العلائي بعد إِيراد هذا الدليل: - "لأن عادة الناس إِرسال مواشيهم بالنهار للرعي وحبسها بالليل للمبيت، وعادة أهل البساتين والمزارع الكون في أموالهم بالنهار غالبًا دون الليل، فبنى النبي صلى الله عليه وسلم التضمين على ما جرت له عادتهم" المجموع المذهب: ورقة (52 / أ).