الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي القسم الأول مما ذكره الشيخ عز الدين نظر؛ لأن الجمعة لم تسقط لا إِلى بدل (1). وأما الحج فمن فقد شروط الحج لم يجب عليه، ومن وجدها لم يسقط عنه ولو مات. والله أعلم.
[أقسام الرخص من حيث حكمها]
واعلم: أن الرخصة قد تكون واجبة، وقد تكون مستحبة، وقد يكون تركها أفضل (2).
الأولى: كمن غص بلقمة، ولم يجد [ما](3) يسيغها بها إِلا الخمر، فإِنه يجب عليه ذلك. وكذا: المضطر إِلى الميتة وغيرها من النجاسات يلزمه أكلها على الصحيح الذى قطع به الجمهور؛ لأن حرمة النفس عظيمة، ومفسدة فواتها تزيد على مفسدة
(1) ولكنها سقطت إِلى بدل وهو الظهر.
أقول: ويمكن أن يجاب عن هذا النظر في الجمعة خاصة بأن المراد بإِسقاط الجمعة إسقاطها من حيث هي جمعه، لا من حيث كونها صلاة، والنظر المذكور إِنما يتوجه إِذا أريد بإِسقاطها الحيثية الأخيرة.
(2)
ممن ذكر هذه الأقسام النووي في المجموع (4/ 198)، والعلائي في المجموع المذهب: ورقة (39 / ب). والزركشي في المنثور في القواعد (2/ 164).
هذا وقد ذكر السيوطي في هذا المقام خمسة أقسام، حيث زاد قسمين هما: رخصة يباح فعلها كالسلم، ورخصة يكره فعلها كالقصر في أقل من ثلاث مراحل، انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي (82).
أقول: وقد يرجع القسم الأخير مما ذكره السيوطي - وهو الرخصة التي يكره فعلها - إِلى الرخصة التي تركها أفضل.
(3)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ولكن لا بد منه لاستقامة الكلام.
أكل الميتة، فاحتمل أخف المفسدتين لدفع أقواهما (1).
الثانية: رخصة مستحب فعلها، كقصر الصلاة في السفر، والفطر فيه لمن شق عليه الصوم، وكذا المريض إذا لم يكن يخاف من الصوم ضررًا في نفسه أو عضو، فإن خاف فإِنه حينئذ يجب الفطر، وتكون من الأولى. ولو صام في هذه الحالة ففي صحة صومه في هذه الحالة احتمالان (2) للغزالي (3). وعد النووي من هذه الإبراد بالظهر (4).
والثالثة: رخصة تركها أفضل، كالمسح على الخف. والتيمم لمن وجد الماء يباع بأكثر من ثمن المثل وهو قادر عليه. والفطر لمن لا يتضرر بالصوم. وعد المتولي والإمام والغزالي (5) من هذه الجمع بين الصلاتين في السفر (6)، وفرق بينه وبين القصر بوجوه:
(1) احتمال أخف المفسدتين لدفع أقواهما، قاعدة مهمة في العمل عند اجتماع المفسدتين. هذا: وقد ذكر الشيخ عز الدين بن عبد السلام فصلًا مهمًا في بيان العمل عند اجتماع المفاسد المجردة عن المصالح، وذلك في قواعد الأحكام (1/ 79)، كما سيذكر المؤلف هذه القاعدة وأمثلة عليها أثناء كلامه عن قاعدة الضرر مزال.
(2)
رسم هنا خط يشير إِلى كلمة على جانب المخطوطة وهي: (ذكرهما)، ولم أثبتها بالأصل لأن المعنى مستقيم بدونها، كما أن إِثباتها يقتضي تغييرًا حيث نقول:(الغزالي) بدلًا من (للغزالي).
وهذه الكلمة مثبتة بأصل النسخة الأخرى: ورقة (19 / ب)، والكلمة التي بعدها هي (الغزالي) وليست (للغزالي)، فالعبارة في النسخة الأخرى هكذا: ذكرهما الغزالي وهي عبارة مستقيمة.
(3)
انظر: المستصفى (1/ 97).
(4)
انظر: المجموع (4/ 198).
(5)
في المجموع المذهب: ورقة (39 / ب): والإمام الغزالي. والظاهر أن ذلك هو الصواب؛ فإِن النووي حين ذكر المسألة نص على المتولي والغزالي فقط.
(6)
ذكر النووي: أن ترك الجمع بين الصلاتين أفضل. منسوبًا إلى الغزالي في البسيط، والمتولي في التتمة. انظر: المجموع (4/ 232).
أحدها: الخروج من الخلاف، فإِن أبا حنيفة يوجب القصر (1)، ولا يُجَوِّزُ الجمعَ إِلا بمنى وعرفة ومزدلفة (2).
الوجه الثاني: أن الجمع يلزم منه إِخلاء العبادة عن وقتها بخلاف القصر (3).
الوجه الثالث: أن الأحاديث الواردة في الجمع ليس فيها إلَّا مجرد فعله عليه الصلاة والسلام، وذلك يدل على الجواز، ولا يلزم منه الاستحباب.
وفي الثالث نظر؛ لأن الراجح من مذهب الشافعي: أن فعله صلى الله عليه وسلم يقتضي الندب فيما ظهر فيه قصد القربة (4).
وقد يمنع أن مطلق الجمع ظهر فيه قصد القربة، وقد صرح الصحابي بأنه عليه
(1) انظر: مختصر القدورى (الكتاب) مع اللباب (1/ 106)، والهداية (1/ 80).
(2)
أبو حنيفة رحمه الله لا يقول بجواز الجمع بمنى، فهذا وهم من المؤلف. أما جواز الجمع بعرفة ومزدلفة فانظره في: مختصر القدورى مع اللباب (1/ 188، 190)، والهداية (1/ 143، 145).
ومما ينبغي التنبيه عليه أن كلمة (عرفة) من المحتمل أنها مضروب عليها بالقلم، ويؤيد ذلك سقوطها في النسخة الأخرى: ورقة (19/ ب)، فلحل المؤلف أدرك الوهم الذى ذكرتُه آنفًا، فأراد أن يضرب بالقلم على (مبني) فضرب على (عرفة).
(3)
هكذا في المخطوطة والمجموع المذهب. وقال المتولي: - "ترك الجمع أفضل؟ لأن فيه إخلاء وقت العبادة من العبادة فأشبه الصوم والفطر". المجموع (4/ 232).
(4)
قال الجويني عن هذا الرأي في معرض ذكره للآراء في هذه المسألة: "وفي كلام الشافعي ما يدل على ذلك" البرهان (1/ 489)، وذكر بعض الأصوليين أن هذا القول منسوب إلى الشافعي دون تصريح بأنه الراجح من مذهبه، انظر مثلا: المحصول للرازي (جـ 1/ ق 3/ 346)، والأحكام للآمدي (1/ 248).
الصلاة [والسلام](1): (أراد أن لا يحرج أمته)(2).
وذكر الرافعي: أن مسح الرأس رخصة (3) لمشقة الغسل، وبناء على ذلك أنه لو غسله أجزأه على الراجح،، لإنه مسح وزيادة. فعلى هذا لا يستحب الغسل قطعًا. وهل يكره (4)؟
وجهان: اختيار القفال والغزالي: لا (5). ورجح الأكثرون:
(1) ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ولكنه موجود في النسخة الأخرى: ورقة (19/ ب)
(2)
اللفظ المتقدم أخرجه عن ابن عباس رضي الله عنهما الإمام مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.
انظر: صحيح مسلم (1/ 490، 491)، رقم الحديث (51، 54).
والإمام أحمد في المسند (1/ 223).
والترمذى في أبواب الصلاة، باب: ما جاء في الجمع بين الصلاتين في الحضر.
انظر: سنن الترمذى (1/ 355)، رقم الحديث (187).
وأخرجه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه الإمام مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.
انظر: صحيح مسلم (1/ 490)، رقم الحديث (53).
أما المناسبة التي قيل فيها القول المذكور:
فبالنسبة لقول معاذ بن جبل فقد قاله في جمعه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك.
وبالنسبة لقول ابن عباس فقد قاله في مناسبتين؛ أحداهما: جمعه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. الثانية: جمعه صلى الله عليه وسلم بالمدينة من غير خوف ولا مطر.
(3)
قال الرافعي: - " المسح تخفيف من الشرع نازل منزلة الرخص". فتح العزيز (1/ 355).
(4)
المستفهَم عنه هو: الغسل.
(5)
انظر: الوجيز (1/ 13). وقد ذكر النووي أن ذلك هو قول القفال، انظر: المجموع (1/ 408).
والظاهر أن الرافعي والنووى يقولان بذلك، انظر: فتح العزيز (1/ 355)، وروضة الطالبين (1/ 53).