الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس أهمية علم قواعد الفقه وفائدته
علم القواعد علم عظيم، وقد أشاد بأهميته وبيّن فوائده عدد من العلماء.
فمن ذلك قول القرافي (1): "
…
...
…
والقسم الثاني: قواعد كلية فقهية جليلة، كثيرة العدد، عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع وحكمه، لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى، ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه، وإن اتفقت الإِشارة إِليه هنالك على سبيل الإِجمال، فبقي تفصيله لم يتحصل.
وهذه القواعد مهمة في الفقه، عظيمة النفع، وبقدر الإِحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويعرف، وتتضح مناهج الفتاوى وتكشف
…
...
…
إِلخ".
ومن ذلك قول الزركشي (2): "أما بعد: فإِن ضبط الأمور المنتشرة المتعددة في القوانين المتحدة، هو أوعى لحفظها، وأدعى لضبطها، وهي إِحدى حِكَم العدد التي وضع لأجلها.
والحكيم إِذا أراد التعليم لا بد له أن يجمع بين بيانين؛ إجمالي تتشوف إِليه النفس، وتفصيلي تسكن إِليه.
ولقد بلغني عن الشيخ قطب الدين السنباطي رحمه الله أنه كان يقول: الفقه معرفة النظائر.
وهذه القواعد تضبط للفقيه أصول الذهب، وتطلعه من مآخذ الفقه على نهاية المطلب".
ويمكن تفصيل أهم فوائد علم القواعد فيما يلي:
(1) في: الفرق (1/ 2، 3).
(2)
في: المنثور (1/ 65، 66).
1 -
أن دراسة القواعد وحفظها هما أيسر طريق لمعرفة أحكام الجزئيات وتذكرها، أما محاولة معرفة حكم كل واقعة على حدة، ومن ثم تذكرها عند الحاجة، فهذا أمر عسير؛ ولعل هذا المعنى هو ما أشار إِليه القرافي بقوله:(1)"ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لا ندراجها في الكليات". ولعله ما أشار إِليه الزركشي بقوله (2): "أما بعد: فإِن ضبط الأمور المنتشرة المتعددة في القوانين المتحدة هو أوعى لحفظها وأدعى لضبطها".
2 -
أن العناية بالفروع الفقهية فقط قد يوقع طالب العلم في شيء من التناقض، أما إِذا استحضر طالب العلم القاعدة الفقهية لكل فرع ثم ألحق الفرع بقاعدته التي هو بها أمس، فإنه يزول عنه كثير من التناقض، ولعل هذا المعنى هو ما أشار إِليه القرافي بقوله (3):"ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه الفروع واختلفت، وتزلزلت خواطره فيها واضطربت". ولعله ما أشار إِليه تقي الدين السبكي بقول: "وكم من واحد مستمسك بالقواعد قليل الممارسة للفروع ومآخذها زلّ في أدنى المسائل، وكم من آخر مستكثر من الفروع ومداركها قد أفرغ حمائم ذهنه فيها غفل عن قاعدة كلية تخبطت عليه تلك المدارك وصار حيران"(4).
3 -
أن معرفة القواعد الفقهية مما يعين العالم على معرفة أحكام الوقائع التي لم ينص عليها العلماء المتقدمون؛ قال السيوطي (5): "اعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم، به يطلع على حقائق الفقه ومداركه ومآخذه وأسراره، ويتمهر في فهمه
(1) في: الفروق (1/ 3).
(2)
في: المنثور (1/ 65).
(3)
في: الفروق: (1/ 3).
(4)
القول المتقدم نقله تاج الدين ابن السبكي عن والدة وذلك في: الأشباه والنظائر: ورقة (331 / ب).
(5)
في: الأشباه والنظائر (6).
واستحضاره، ويقتدر على الإلحاق والتخريج، ومعرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة، والحوادث والوقائع التي لا تنقض على مر الزمان".
ولعل ما ذكرته آنفًا هو ما عناه ابن نجيم بقوله عن القواعد الفقهية: "وبها يرتقي الفقيه إِلى درجة الاجتهاد ولو في الفتوى"(1).
4 -
أن معرفة القواعد الفقهية، وخاصة الكبرى منها، تعين على معرفة مقاصد الشريعة. وقد لا يتيسر هذا من معرفة الجزئيات.
فمثلاً: لو قرأ طالب العلم عددًا من الأبواب الفقهية فإنه سيمر على عدد من المسائل التي فيها تيسير، إِلا أنه مع كثرة الفروع وكثرة المعاني قد لا ينتبه لهذا المعني.
أما إِذا رأى قاعدة: المشقة تجلب التيسير، فإنه يتبادر إِلى ذهنه أن من مقاصد الشريعة التيسير على العباد (2).
5 -
إِن القواعد الفقهية تتيح لرجال القانون، وغير المتخصصين في علم الشريعة الاطلاع على الثروة الفقهية بأيسر طريق (3).
6 -
أن علم القواعد الفقهية يمثل مرحلة من مراحل البناء الفقهي، وهي مرحلة الانتقال من الجزئيات إِلى الكليات؛ فمن أراد دراسة هذه الرحلة فعليه بكتب قواعد الفقه.
(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم (15).
وقال الحسيني في شرحه لآخر تلك العبارة: "وقوله: (ولو في الفتوى) أى ولو كان ذلك الاجتهاد الحاصل من مزاولة القواعد كائنًا في الفتوى.
ومجتهد الفتوى: هو الذى يقدر على استخراج أحكام الحوادث التي لم ينص عليها الإِمام ولا أصحابه من قواعدهم وأصولهم" حاشية الحسيني على اشباه ابن نجيم، جـ 1: ورقة (8/ ب).
(2)
هذه الفائدة أشار إِليها الباحث أحمد بن عبد الله بن حميد في ص (106) من القسم الدراسي من رسالته للدكتوراه المُسَمَّاة: كتاب القواعد للمقرى تحقيق ودراسة.
(3)
هذه الفائدة والتي بعدها أشار إِليهما الصابوني في كتابه: المدخل لدراسة التشريع الإسلامي (296).