الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم تبع الكرخي عالم حنفي آخر هو أبو زيد الدبوسي المتوفي سنة 430 هـ. الذى وضع كتابه تأسيس النظر (1)، وضمنه عددًا من القواعد (2).
وهكذا تتابعت حركة التأليف في القواعد في المذهب الحنفي، وعلى هذا النحو كان التأليف في المذاهب الأُخر.
وكان بعض المتقدمين يطلقون على تلك القواعد لفظ (الأصل)، فيقول أحدهم مثلاً: الأصل عند أبي حنيفة كذا، أو: هذا من أصول الشريعة، ولا غرابة في ذلك؛ فإِن لفظ (الأصل) يطلق على عدة أشياء منها القاعدة.
هذا ومن الممكن أن نقسم حركة وضع القواعد إِلى مرحلتين:
المرحلة الأولى:
المرحلة التي سبقت إِفراد القواعد بالتدوين، وكان كثير من القواعد في تلك المرحلة يتصف بالطول في الصياغة، وعدم الاتفاق على صيغة واحدة لكل قاعدة.
وفي هذه المرحلة كانت القواعد موجودة ضمن كتب الفقه، ويستعملها الفقهاء على أوجه متعددة:
منها: التعليل بالقاعدة (3)، وذلك كقول الشيخ أبي إِسحاق الشيرازى:(4)"ولا يمكن قبول الشهادة مع الكثير من الصغائر؛ لأن من استجاز الإِكثار من الصغائر استجاز أن يشهد بالزور، فعلقنا الحكم على الغالب من أفعاله؛ لأن الحكم للغالب والنادر لا حكم له".
(1) تأسيس النظر طبع أكثر من مرة.
(2)
لن أستطرد في ذكر المؤلفات، فإن لها بحثًا سيأتي.
(3)
جمبع الأمثلة التالية هي لعلماء من المذهب الشافعي.
(4)
في: المهذب (2/ 325).
ومن ذلك قول إِمام الحرمين (1): "ما استمر في الناس العلم بوجوبه فإِنهم يقيمونه. وما ذهب عن ذكر أهل الدهر جملة فلا تكليف عليهم فيه، وسقوط ما عسر الوصول إِليه في الزمان لا يسقط الممكن؛ فإِن من الأصول الشائعة التي لا تكاد تنسى ما أقيمت أصول الشريعة: أن المقدور عليه لا يسقط بسقوط المعجوز عنه"(2).
ومنها: الإجابة بالقاعدة عن جزئية من الجزئيات الداخلة تحتها؛ وذلك كقول المزني (3): "ومن استيقن الطهر ثم شك في الحدث، أو استيقن الحدث ثم شك في الطهر، فلا يزول اليقين بالشك".
ومنها: ذِكْرُها على أنها هي مرجع الخلاف فى فرع من فروعها، وهذا الكلام في القواعد المختلف فيها؛ وذلك كقول إِمام الحرمين (4): "إِذا دبّر عبدًا، فجنى في حياته [جناية] تستغرق قيمته، ومات السيد ولم يخلف غيره، ففداه الورثة؛ فمعلوم أنهم لو سَلَّموه لَبِيْعَ وبطل العتق فيه. فإِذا فدوه، وحكمنا بنفوذ العتق فيه، فالولاء لمن؟
فعلى قولين: فإِن جعلنا المشرف على الزوال كالزائل العائد فالولاء للورثة. وإِن لم يجعل الأمر كذلك فالولاء للمولى المتوفى".
ومن ذلك قول المتولي (5): "إِذا علّق عتق عبده بصفة، ثم أراد أن يرهنه؛ فإِن كانت الصفة يتأخر وجودها؛ بأن كان العتق معلقًا برأس الشهر والدين حال، أو لأجل قصير يحل قبل وجود الصفة؛ فلأصحابنا أصل وهو: أن التعليق إِذا وجد في حالة
(1) في: الغياثي (468، 469).
(2)
اختصرت هذه القاعدة فيما بعد إِلى قولهم: الميسور لا يسقط بالمعسور.
وانظرها في: الأشباه والنظائر للسيوطي (159).
(3)
في: مختصره (4).
(4)
في: نهاية المطلب، جـ 3: ورقة (43 / ب، 44 /أ).
(5)
في: التتمة، جـ 4: ورقة (210 / ب، 211 /أ).