الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مدى الحاجة للنسخة الأخرى في تقويم نص الكتاب:
ذكرت فيما سبق أنني أخرجت نص الكتاب أول الأمر اعتمادًا على نسخة واحدة هي نسخة المؤلف، وكنت عازمًا مع زميلي على طبع الكتاب، فلما عثرت على النسخة الثانية حصل عندى تردد، هل أخرج الكتاب كما هو دون نظر في النسخة الثانية باعتبار أنني اعتمدت على نسخة المؤلف، أو أقارن النص الذى توصلت إِليه بالنسخة الثانية؟
وهذه مسألة تحتاج إِلى الاسترشاد بأهل الخبرة في هذا الشأن، لذلك أطلعت على آراء عدد من المؤلفين في مناهج تحقيق المخطوطات فوجدتهم شبه مجمعين على أنه لا حاجة لنسخة أخرى مع وجود نسخة المؤلف السالمة من الخرم والتلف.
قال الدكتور/ مصطفى جواد:
"فإِن وجد المخطوط الذى كتبه المؤلف بنفسه بتأليفة واحدة ونشرة واحدة، وكان سالمًا من الخرم والنقصان أو بعض التلف كالرطوبة، فالاستناد في التحقيق إِليه والاعتماد في النشر عليه، وإِلا وجب حشد جميع النسخ
…
" (1).
وقال عبد السلام هارون:
"بديهي أن وجود نسخة المؤلف - وهو أمر نادر، ولا سيما في كتب القرون الأربعة الأولى - لا يحوجنا إِلى مجهود إِلا بالقدر الذي نتمكن به من حسن قراءة النص"(2).
(1) أمالي مصطفى جواد في فن تحقيق النصوص، منشورة في مجلة المورد -المجلد السادس - العدد الأول 1397 هـ ص (119). وانظر النص نفسه في تحقيق مخطوطات العلوم الشرعية للدكتور/ محيي هلال السرحان (248، 249).
(2)
تحقيق النصوص ونشرها (39).
وانظر: أصول نقد النصوص ونشر الكتب لبراجستراسر (21، 22) وتحقيق مخطوطات العلوم الشرعية للسرحان (255).
والنص الذى نقلته عن الدكتور/ مصطفى جواد يتبين منه أن نسخة المؤلف إِذا كان فيها خرم أو نقصان أو تلف فإِنه يحتاج حينئذ إلى نسخة أو نسخ أخرى لسد ذلك الخلل، فهذه حالة يحتاج فيها إِلى النسخ الأخرى مع وجود نسخة المؤلف.
وقد صرح بدلك مطاع الطرابيشي، فقال:
"وقد يسأل سائل: ما جدوى الفرع مع وجود الأصل؟ وما فائدة النسخ الضعيفة إِلى جانب النسخ القيمة؟
الحق أنه لا يجوز اطراح النسخ مهما كانت الأسباب، فقد يحتفظ الفرع بما بَلِيَ من الأصل أو ضاع منه" (1).
فيتبين مما سبق أنه إِذا كانت نسخة المؤلف سليمة من النقص والخرم والتلف فإِنه لا حاجة لنسخة أخرى، وإن كان هناك نقص أو تلف فإِنه يحتاج لنسخة أخرى لسد ذلك.
وبالنسبة لنسخة المؤلف التي أخرجت نص الكتاب منها أول الأمر فهي نسخة واضحة الخط، وكاملة، وليس فيها تلف إِلا في جزء يسير من ورقة واحدة، أصاب أطراف الأسطر فقط، فكان من حقي تبعًا لما سبق أن استغنى عن النسخة الأخرى، إِلا في سد مواضع التلف.
ولكن إِن كان لي أن أبدى رأيًا في الموضوع فإِني أقول: إِن نسخة المؤلف عمدة بلا شك، لكن يلاحظ أن نسخة المؤلف ربما كان فيها خلل في مواضع كثيرة، كما لو كان الكتاب عبارة عن اختصارٍ لكتاب آخر، وأثناء عملية الاختصار حذف المؤلف عبارات لا يستقيم المعنى بدونها، أو عبر عن بعض كلام صاحب الأصل بعبارات من
(1) في منهج تحقيق المخطوطات (41).
عنده لا يستقيم بها المعنى، ونحو ذلك.
وفي مثل هذا النوع من المؤلفات نجد أن النسخ يمكن أن تصنف إِلى صنفين:
الصنف الأول: نسخة يكون ناسخها عالمًا أو طالب علم، بحيث يعرف النصوص التي فيها سقط أو خلل أو نحو ذلك، ويكون عنده اطلاع على المصدر أو المصادر التي استقى منها الكتاب، فيسهم الناسخ في سد النقص أو إِصلاح الخلل، أو نحو ذلك، ويكون هذا في الغالب في حواشي النسخة، ولا شك أن نسخة بهذه المثابة تكون نسخة مهمة، ولا بد من الاعتماد عليها مع وجود نسخة المؤلف.
الصنف الثاني: نسخة يكون ناسخها مجرد ناسخ، وليس عنده دراية بالعلم، بحيث إِنه يوافق نسخة المؤلف في كل سقط أو خلل، ويزيد على ذلك قدرًا آخر أثناء عملية النقل، فلا شك أن هذه النسخة لا يكون لها قيمة كبيرة.
والكتاب الذي حققته بناء على نسخة المؤلف وجدت في نسخة المؤلف خللاً في مواضع عدة، وذلك لأنه مختصر من كتاب المجموع المذهب للعلائي، وأثناء عملية الاختصار حصل ما سَبَّبَ وجود خلل في النص، لذلك كان من الواجب عليَّ معرفة حال النسخة الأخرى، أهِيَ من الصنف الأول فتكون نسخة مهمة، أم هي من الصنف الثاني وحينئذ لا يكون لها قيمة كبيرة.
وحتى أتعرف على حال النسخة الأخرى من كتاب القواعد قمت بمقابلتها على نسخة المؤلف في القدر الذي حققته، وقام زميلي بمثل ذلك في القدر الذى حققه، فخرجنا بنتيجة واضحة، وهي أن ناسخها مجرد ناسخ، وليس طالب علم، لذلك وافقت نسخته نسخة المؤلف في معظم ما فيها من نقص، وفي كل ما فيها من خطأ أو تكرار، بل زادت عليها بوجود قدر آخر من الأخطاء والتصحيفات والسقط الذي حصل أثناء عملية النقل، لذلك لم نر لهذه النسخة قيمة كبيرة، فلم ننبه على ما فيها إِلا