الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تقسيم الحكم الشرعي إِلى حكم تكليفي، وحكم وضعي]
اعلم أن الحكم الشرعي قسمان: خطاب تكليف، وخطاب وضع، هذا هو الراجح عند الآمدي (1) وابن الحاجب (2) وغيرهما (3)
(1) هو سيف الدين أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد الآمدي. ولد بآمد سنة 551 هـ.
كان في بداية أمره على مذهب الإِمام أحمد ثم انتقل إِلى مذهب الشافعي. ويحكى أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام قال: "ما سمعت أحدًا يلقى الدرس أحسن منه، كأنه يخطب، وإِذا غير لفظًا من (الوسيط) كان لفظه أمس بالمعنى من لفظ صاحبه. وأنه قال: ما علمنا قواعد البحث إِلا من سيف الدين الآمدي".
من مصنفاته: أبكار الأفكار، الإِحكام في أصول الأحكام، ومنتهى السول. قال ابن السبكي:"وتصانيفه فوق العشرين تصنيفًا، كلها منقحة حسنة".
توفي بدمشق سنة 631 هـ.
انظر: طبقات الشافعية الكبرى (8/ 306)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 137)، والبداية والنهاية (13/ 140)، وشذرات الذهب (5/ 144).
(2)
هو أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر المصري ثم الدمشقي، الفقيه المالكي المعروف بان الحاجب. ولد بأسْنا بالصعيد الأعلى سنة 570 هـ. تفقه على مذهب الإِمام مالك رضي الله عنه، ثم اشتغل بالعربية والقراءات وبرع في علومه وأتقنها، ثم انتقل إِلى دمشق، ودرس بجامعها. أخذ عن أبي الحسن الأبياري، وقرأ القراءات على الإِمام الشاطبي، ومن تلامذته شهاب الدين القرافي والقاضي ناصر الدين بن المنير وآخرون، وقد حدث عنه الشرف الدمياطي.
من مصنفاته: مختصر في أصول الفقه اسمه: منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل، ثم اختصره في كتاب سماه مختصر المنتهى واشتهر الأخير بين الطلبة شرقًا وغربًا، وصنف في القراءات والعروض، وله الأمالي في النحو، وشرح المفصل للزمخشري، والكافية في النحو، والشافية في التصريف وغير ذلك.
توفي رحمه الله بالإِسكندرية سنة 646 هـ.
انظر: وفيات الأعيان (3/ 248)، والديباج الذهب (189)، وشجرة النور الزكية (167).
(3)
انظر: الإِحكام للآمدي (1/ 137)، ومختصر المنتهى لابن الحاجب (1/ 225).
من المحققين (1)، وهو بناء على أن الحد (2) الصحيح للحكم الشرعي هو: خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع (3)، و "أَوْ" هنا للتقسيم لا للترديد.
واختار الإِمام فخر الدين (4) واتباعه إِسقاط
(1) مثل الأسنوى فانظر شرحه لمنهاج البيضاوي (1/ 39)، وسأذكر بعد قليل نص كلامه، والقاضي العضد فانظر شرحه لمختصر ابن الحاجب (1/ 225)، والقاضي صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود فانظر التوضيح (1/ 22).
(2)
الحد لغة: يطلق على معنيين، أحدهما: المنع، والآخر: طرف الشيء، انظر: معجم مقاييس اللغة (2/ 3).
أما تعريفه في الاصطلاح فهو موضع خلاف وموضع مناقشات طويلة، ومما قيل في تعريفه ما قاله الغزالي، وهو: - "أنه اللفظ الجامع المانع". المستصفى (1/ 22).
وهناك كلام طويل للأصوليين في الحد وأقسامه وكيفية صياغته وما يرد عليه، ولا داعي للإِطالة بذكره، فليس هذا مقامه، ومن أراد ذلك فليراجع مقدمات كتب الأصول، وخاصة المستصفى.
(3)
هذا الحد مماثل للحد الذي ذكره ابن الحاجب، فانظر: مختصر ابن الحاجب مع شرح القاضي العضد (1/ 220).
(4)
هو الإِمام فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي. ولد بالري سنة 544 هـ، وقيل سنة 543 هـ.
اشتغل على والده، والكمال السمناني، والمجد الجيلي.
وهو إِمام وقته في العلوم العقلية، وأحد الأئمة في العلوم الشرعية، وصنف التصانيف المشهورة في عدة علوم، وبرع في علم أصول الفقه خاصة.
ومن مصنفاته: مفاتيح الغيب في تفسير القرآن الكريم، والمحصول، والمنتخب، والمعالم في أصول الدين، والمعالم في أصول الفقه، وشرح وجيز الغزالي. ومصنفاته كثيرة جدًا ذكر جملة منها إِسماعيل باشا البغدادي، انظر: هدية العارفين (2/ 107).
توفي رحمه الله بهراة سنة 606 هـ. =
الوضع (1) وردوا ذلك إِلى أن الحاصل من خطاب الوضع يرجع إِلى معنى الاقتضاء والتخيير، لأن معنى كون الشيء سببا إِيجاب الشيء عند ذلك، وكون الشيء شرطًا حرمة ذلك الشيء بدون الشرط، وكون الشيء مانعًا كذلك أيضًا، وهكذا سائر أنواعه (2).
ومنهم من منع تسمية هذه الأشياء الوضعية كلها أحكامًا، وقالوا: هي علامات للأحكام ولوازمها (3). وهو ضعيف، إِذ لا تخرج بذلك عن كونها حكمًا مشروعًا،
= انظر: طبقات الشافعية الكبرى (8/ 81)، وطبقات الشافعية للأسنوي (2/ 260)، والبداية والنهاية (13/ 55)، وشذرات الذهب (5/ 21).
(1)
حيث قال الإِمام فخر الدين في الحكم الشرعي: "قال أصحابنا: إِنه الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير". المحصول (جـ 1 /ق 1/ 107).
وممن تبعه البيضاوي حيث قال: "الحكم خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير" المنهاج مع شرح الأسنوي (1/ 30).
(2)
انظر المحصول (جـ 1/ ق 1/ 111)، والمنهاج مع شرح الأسنوي (1/ 36، 37).
(3)
من المانعين البيضاويُ، حيث قال في سياق رده للاعتراضات الواردة علي تعريفه السابق:"والموجبية والمانعية أعلام الحكم لا هو" المنهاج مع شرح الأسنوي (1/ 36)، وقال الأسنوي في شرح هذا الكلام:" (قوله والموجبية والمانعية أعلام) جواب عن الاعتراض الثاني وهو قولهم إِن هذا الحد غير جامع، لأنه قد خرج منه هذه الأحكام التي لا اقتضاء فيها ولا تخيير. فقال: لا نسلم أن الموجبية والمانعية من الأحكام بل من العلامات على الأحكام، لأن الله تعالى جعل زوال الشمس علامة على وجوب الظهر، ووجود النجاسة علامة على بطلان الصلاة" شرح الأسنوي لمنهاج البيضاوي (1/ 38).
إِلا أن الأسنوي يرى دخول الحكم الوضعي ولذلك رد على البيضاوي ثم قال: "فالصواب ما سلكه ابن الحاجب وهو زيادة قيد آخر في الحد وهو الوضع فيقال: بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع". شرح الأسنوي لمنهاج البيضاوي (1/ 39).
فلله تعالى في الزاني حكمان، أحدهما: تحريم ذلك عليه. والثاني: جعل زناه سببًا لوجوب إِقامة الحد عليه. وبهذا عرف أن الاقتضاء والتخيير غير متعلقين بهذه الأمور الوضعية، بل بما هي متعلقة به (1)، فَنَصْبُ الشيء سببًا وشرطًا ومانعًا غيرُ كونِ السببِ والمشروطِ مطلوبًا أو ممنوعًا منه أو مخيرًا فيه، فالاقتضاء والتخيير غير متوجهَين إِلى السبب والشرط وأمثالهما.
ومما يبين الفرق بينهما: أن خطاب التكليف لا بد فيه من علم المكلف وقدرته وشعوره به. وأما خطاب الوضع، فمنه: ما هو كذلك، كعقد النكاح والبيع وتعاطي الزنى ونحوه. ومنه: ما لا يشترط فيه ذلك (2)، كما إِذا مات قريب الإِنسان وهو لا يشعر فإِن التركة تدخل في ملكه، وإِن كان فيها من يعتق عليه [عتق](3)، وكذا يجب الضمان بإِتلاف النائم والمجنون والمغمى عليه في أقوالهم وإِن لم يكن ذلك بقصدهم ولا معلومًا لهم، بل ولا بتعاطيه (4) كإِيجاب الدية على العاقلة.
إِذا تقرر انقسام الحكم الشرعي إِلى هذين القسمين فلنشر إِلى أنواع كل منهما علي وجه الاختصار.
* * *
(1) معنى الكلام المتقدم: أن الاقتضاء والتخيير متعلقان بما تعلقت به الأمور الوضعية، فمثلًا: الطهارة باعتبارها شرطًا هي أمر وضعي، وهي متعلقة بالصلاة، والوجوب من أنواع الاقتضاء، وهو متعلق بالصلاة أيضًا.
(2)
ممن ذكر هذا القرافي، وذلك في تنقيح الفصول وشرحه (78 - 80).
(3)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يظهر المعنى المقصود، وقد ذكره العلائي في المجموع المذهب: ورقة (12/ أ).
(4)
لعل معنى ذلك: أنه قد يجب الضمان -أيضًا- بسبب الإِتلاف، وإِن لم يكن الإِتلاف من فعل الضامنين، كإِيجاب الدية على العاقلة.