الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطَّرَفُ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ الْبَذْرُ
12 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنَ الْمُزَارِعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَاحِبِ الأَْرْضِ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا مَعًا، فَوَجَبَ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ، لأَِنَّ عَدَمَ الْبَيَانِ يُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ وَهِيَ مُفْسِدَةٌ لِلْعَقْدِ.
وَقَال أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيُّ: يُحَكَّمُ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ إِنِ اتَّحَدَ وَإِلَاّ فَسَدَ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ أَيٍّ مِنْهُمَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا مَعًا، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مُقَابِل الأَْرْضِ (2) لِئَلَاّ يُؤَدِّيَ إِلَى كِرَاءِ الأَْرْضِ بِمَمْنُوعٍ، وَهُوَ مُقَابَلَةُ الأَْرْضِ بِطَعَامٍ كَالْعَسَل، أَوْ بِمَا تُنْبِتُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ طَعَامًا كَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ.
ثُمَّ إِنْ كَانَ مِنْهُمَا مَعًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي اشْتِرَاطِ خَلْطِ مَا أَخَرَجَاهُ مِنْ بَذْرٍ.
فَعِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْخَلْطُ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، وَهُوَ الرَّاجِحُ الَّذِي بِهِ الْفَتْوَى، فَلَوْ بَذَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَذْرَهُ فِي جِهَةٍ أَوْ فَدَّانٍ غَيْرَ الآْخَرِ، جَازَتِ الْمُزَارَعَةُ عِنْدَهُمْ.
وَيَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ كَذَلِكَ أَنْ يَتَمَاثَل الْبَذْرَانِ
(1) بدائع الصنائع 6 / 177، وحاشية ابن عابدين 6 / 275، 293، والمبسوط 23 / 19، والهداية مع تكملة الفتح 9 / 464.
(2)
حاشية الدسوقي 3 / 373، 374، والخرشي 6 / 63 وما بعدها.
جِنْسًا وَصِنْفًا، فَلَوْ أَخَرَجَ أَحَدُهُمَا قَمْحًا، وَالآْخَرُ شَعِيرًا - مَثَلاً - فَإِنَّ الْمُزَارَعَةَ لَا تَصِحُّ، وَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا أَنْبَتَهُ بَذْرُهُ وَيَتَرَاجَعَانِ فِي الأَْكْرِيَةِ، وَقِيل: يَصِحُّ ذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَهُمْ.
وَفِي الْقَوْل الآْخَرِ لِسَحْنُونٍ - وَهُوَ قَوْل خَلِيلٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ - أَنَّهُ يُشْرَطُ الْخَلْطُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا.
فَالْخَلْطُ الْحَقِيقِيُّ يَكُونُ بِضَمِّ بَذْرِ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى بَذْرِ صَاحِبِهِ ثُمَّ يُبْذَرُ الْجَمِيعُ فِي الأَْرْضِ.
أَمَّا الْحُكْمِيُّ فَيَكُونُ بِأَنْ يَحْمِل كُلٌّ مِنْهُمَا بَذْرَهُ إِلَى الأَْرْضِ وَيَبْذُرَهُ بِهَا بِدُونِ تَمَيُّزٍ لأَِحَدِهِمَا عَنِ الآْخَرِ، فَإِنْ تَمَيَّزَ بَذْرُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الأَْرْضِ انْتَفَتِ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ لِكُل مِنْهُمَا مَا أَنْبَتَهُ حَبُّهُ، وَيَتَرَاجَعَانِ فِي الأَْكْرِيَةِ وَيَتَقَاصَّانِ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ - فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ - إِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الأَْرْضِ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بَعْضُهُمْ، قَال الْمِرْدَاوِيُّ: وَهِيَ أَقْوَى دَلِيلاً.
وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُهُ، قَال الْمِرْدَاوِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأَْصْحَابِ (2) .
(1) المراجع السابقة.
(2)
الإنصاف 5 / 483.