الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- وَأَنْ يُخَافَ مَوْتُهَا لَوْ تُرِكَ الْعَمَل فِيهَا (1) .
14 -
قَال الشَّافِعِيَّةُ: الْمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ فِي النَّخْل وَالْكَرْمِ دُونَ غَيْرِهِمَا، لأَِنَّهُ عليه الصلاة والسلام (أَخَذَ صَدَقَةَ ثَمَرَتِهَا بِالْخَرْصِ، وَثَمَرُهَا مُجْتَمِعٌ بَائِنٌ مِنْ شَجَرِهِ لَا حَائِل دُونَهُ يَمْنَعُ إِحَاطَةَ النَّاظِرِ إِلَيْهِ، وَثَمَرُ غَيْرِهَا مُتَفَرِّقٌ بَيْنَ أَضْعَافِ وَرَقٍ لَا يُحَاطُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ إِلَاّ عَلَى النَّخْل وَالْكَرْمِ (2) ،
قَال الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ الشَّجَرِ مِنَ النَّبَاتِ مُثْمِرًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
الْقَسْمُ الأَْوَّل:
لَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي جِوَازِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهِ وَهُوَ: النَّخْل وَالْكَرْمُ.
وَالْقَسْمُ الثَّانِي:
مَا لَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي بُطْلَانِ الْمُسَاقَاةِ فِيهِ، وَهُوَ مَا لَا سَاقَ لَهُ، كَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْبَاذِنْجَانِ، وَالْبُقُول الَّتِي لَا تَثْبُتُ فِي الأَْرْضِ وَلَا تُجَزُّ إِلَاّ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَيْهَا، كَمَا لَا يَجُوزُ عَلَى الزَّرْعِ.
فَإِنْ كَانَتْ تَثْبُتُ فِي الأَْرْضِ وَتُجَزُّ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَالْمَذْهَبُ الْمَنْعُ وَهُوَ الأَْصَحُّ (3) .
(1) الشرح الكبير مع الدسوقي 3 / 541 - 542، والقوانين الفقهية ص 284.
(2)
الحاوي للماوردي 9 / 169، وشرح المحلي على المنهاج 3 / 61.
(3)
الحاوي 9 / 169، وروضة الطالبين 5 / 150 - 151.
وَالْقَسْمُ الثَّالِثُ:
مَا كَانَ شَجَرًا، فَفِي جِوَازِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْجِوَازُ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعَ فِي الأَْشْجَارِ مَعْنَى النَّخْل مِنْ بَقَاءِ أَصْلِهَا وَالْمَنْعِ مِنْ إِجَارَتِهَا كَانَتْ كَالنَّخْل فِي جِوَازِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهَا، مَعَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ بِأَرْضِ خَيْبَرَ شَجَرٌ لَمْ يُرْوَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِفْرَادُهَا عَنْ حُكْمِ النَّخْل، وَلأَِنَّ الْمُسَاقَاةَ مُشْتَقَّةُ الاِسْمِ مِمَّا يَشْرَبُ بِسَاقٍ.
وَالْقَوْل الثَّانِي: وَبِهِ قَال فِي الْجَدِيدِ، وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ، أَنَّ الْمُسَاقَاةَ عَلَى الشَّجَرِ بَاطِلَةٌ، اخْتِصَاصًا بِالنَّخْل وَالْكَرْمِ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ فِي الْفَرَقِ بَيْنَ النَّخْل وَالْكَرْمِ وَبَيْنَ الشَّجَرِ:
وَأَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ هُوَ: اخْتِصَاصُ النَّخْل وَالْكَرْمِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِمَا دُونَ مَا سِوَاهُمَا مِنْ جَمِيعِ الأَْشْجَارِ.
وَالثَّانِي: بُرُوزُ ثَمَرِهِمَا وَإِمْكَانُ خَرْصِهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ الأَْشْجَارِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ بَيْنَ النَّخْل شَجَرٌ قَلِيلٌ فَسَاقَاهُ عَلَيْهِمَا صَحَّتِ الْمُسَاقَاةُ فِيهِمَا، وَكَانَ الشَّجَرُ تَبَعًا، كَمَا تَصِحُّ الْمُخَابَرَةُ فِي الْبَيَاضِ الَّذِي بَيْنَ النَّخْل وَيَكُونُ تَبَعًا.
15 -
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ، وَفِي الْمَذْهَبِ الْقَدِيمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَيَلْتَقُونَ مَعَ الْحَنَفِيَّةِ بِصِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ
فِي سَائِرِ الأَْشْجَارِ، دُونَ غَيْرِهَا، وَاشْتَرَطُوا أَنْ تَكُونَ الأَْشْجَارُ مُثْمِرَةً وَثَمَرُهَا مَقْصُودٌ كَالْجَوْزِ وَالتُّفَّاحِ وَالْمِشْمِشِ (1) .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالتَّصْرِيحِ بِذِكْرِ الثَّمَرِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فِي " مُعَامَلَةِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أَهْل خَيْبَرَ "(2) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: فَأَمَّا مَا لَا ثَمَرَ لَهُ مِنَ الشَّجَرِ كَالصَّفْصَافِ وَالْحَوَرِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ لَهُ ثَمَرٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ كَالصَّنَوْبَرِ وَالأَْرْزِ فَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَيْهِ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، وَلأَِنَّ الْمُسَاقَاةَ إِنَّمَا تَكُونُ بِجُزْءٍ مِنَ الثَّمَرِ، وَهَذَا لَا ثَمَرَةَ لَهُ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُقْصَدُ وَرَقُهُ كَالتُّوتِ وَالْوَرْدِ، فَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي جَوَازَ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ فِي مَعْنَى الثَّمَرِ وَلأَِنَّهُ نَمَاءٌ يَتَكَرَّرُ كُل عَامٍ وَيُمْكِنُ أَخْذُهُ وَالْمُسَاقَاةُ عَلَيْهِ بِجُزْءٍ مِنْهُ فَيَثْبُتُ لَهُ مِثْل حُكْمِهِ (3) .
16 -
وَمُسَاقَاةُ الْوَدِيِّ وَصِغَارِ الشَّجَرِ تَصِحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى الاِتِّفَاقِ بِالْجُمْلَةِ فِيمَا بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ عَلَى التَّفْصِيل التَّالِي:
قَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ كَانَ الْوَدِيُّ مَغْرُوسًا
(1) المغني لابن قدامة 5 / 393.
(2)
حديث ابن عمر " في معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم أهل خيبر ". أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 462) ، ومسلم (3 / 1186) ولفظ مسلم فيه التصريح بذكر " الثمر ".
(3)
المغني 5 / 394.
وَسَاقَاهُ عَلَيْهِ وَشَرَطَ لَهُ جُزْءًا عَلَى الْعَمَل فَإِنْ قَدَّرَ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهِ مُدَّةً يُثْمِرُ الْوَدِيُّ فِيهَا غَالِبًا صَحَّ الْعَقْدُ وَإِلَاّ بِأَنْ قَدَّرَ مُدَّةً لَا يُثْمِرُ فِيهَا غَالِبًا فَلَا تَصِحُّ لِخُلُوِّهَا عَنِ الْعِوَضِ كَالْمُسَاقَاةِ عَلَى شَجَرَةٍ لَا تُثْمِرُ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَعَمِل الْعَامِل لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً إِنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تُثْمِرُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِلَاّ اسْتَحَقَّ.
وَيُرْجَعُ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لأَِهْل الْخَبِرَةِ بِالشَّجَرِ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ (1) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا سَاقَاهُ عَلَى وَدِيِّ النَّخْل أَوْ صِغَارِ الشَّجَرِ إِلَى مُدَّةٍ يَحْمِل فِيهَا غَالِبًا وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا جُزْءٌ مِنَ الثَّمَرَةِ مَعْلُومٌ صَحَّ، لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ عَمَل الْعَامِل يَكْثُرُ وَنَصِيبُهُ يَقِل وَهَذَا لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا كَمَا لَوْ جَعَل لَهُ سَهْمًا مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ.
فَإِنْ قُلْنَا: الْمُسَاقَاةُ عَقْدٌ جَائِزٌ لَمْ نَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لَازِمٌ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَجْعَل الْمُدَّةَ زَمَنًا يَحْمِل فِيهِ غَالِبًا فَيَصِحُّ (2) .
ثُمَّ قَال ابْنُ قُدَامَةَ: فَإِنْ صَحَّتْ وَحَمَل فِيهَا فَلَهُ مَا شَرَطَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْمِل فِيهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ.
(1) مغني المحتاج 2 / 326.
(2)
المغني 5 / 413 - 414.