الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَنْتَمَ وَالْمُزَفَّتَ يَشْتَرِكَانِ فِي سُرْعَةِ اشْتِدَادِ الأَْنْبِذَةِ فِيهِمَا (1) .
النَّقِيرُ:
3 -
النَّقِيرُ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ فِي اللُّغَةِ: خَشَبَةٌ تُنْقَرُ وَيُنْبَذُ فِيهَا (2) .
وَيَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ هَذَا اللَّفْظَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ نَفْسِهِ، قَال الْعَدَوِيُّ: النَّقِيرُ هُوَ جِذْعُ النَّخِيل يُنْقَرُ وَيُجْعَل ظَرْفًا كَالْقَصْعَةِ (3) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ النَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ هُوَ إِسْرَاعُ الإِْسْكَارِ إِلَى مَا انْتُبِذَ فِيهِمَا (4) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
الاِنْتِبَاذُ فِي الْمُزَفَّتِ
4 -
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الاِنْتِبَاذُ - وَهُوَ أَنْ يُجْعَل فِي الْمَاءِ حَبَّاتٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا لِيَحْلُوَ وَيُشْرَبَ (5) - فِي الْمُزَفَّتِ وَغَيْرِهِ مِنَ الأَْوْعِيَةِ وَيَجُوزُ الشُّرْبُ مِنْهَا مَا لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا، لِمَا رَوَى بُرَيْدَةُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال كُنْتُ
(1) النهاية لابن الأثير 1 / 448، والعناية بهامش تكملة فتح القدير 8 / 166 ط. الأميرية.
(2)
المصباح المنير، والنهاية لابن الأثير 5 / 104.
(3)
حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني 2 / 390 ط. دار المعرفة.
(4)
صحيح مسلم بشرح النووي 1 / 185.
(5)
صحيح مسلم بشرح النووي 1 / 185.
نَهَيْتُكُمْ عَنِ الأَْشْرِبَةِ أَنْ لَا تَشْرَبُوا إِلَاّ فِي ظُرُوفِ الأُْدُمِ فَاشْرَبُوا فِي كُل وِعَاءٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا (1) ". وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ النَّهْيِ وَلَا حُكْمَ لِلْمَنْسُوخِ (2) .
قَال النَّوَوِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمُزَفَّتِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ (3) كَانَ الاِنْتِبَاذُ فِي هَذِهِ الأَْوْعِيَةِ (الْمُزَفَّتِ وَالدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ) مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي أَوَّل الإِْسْلَامِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَصِيرَ مُسْكِرًا فِيهَا وَلَا نَعْلَمُ بِهِ لِكَثَافَتِهَا فَتُتْلِفُ مَالِيَّتَهُ، وَرُبَّمَا شَرِبَهُ الإِْنْسَانُ ظَانًّا أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا فَيَصِيرُ شَارِبًا لِلْمُسْكِرِ وَكَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا بِإِبَاحَةِ الْمُسْكِرِ فَلَمَّا طَال الزَّمَانُ وَاشْتُهِرَ تَحْرِيمُ الْمُسْكِرِ وَتَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي نَفُوسِهِمْ نُسِخَ ذَلِكَ وَأُبِيحَ لَهُمُ الاِنْتِبَاذُ فِي كُل وِعَاءٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَشْرَبُوا مُسْكِرًا، وَهَذَا صَرِيحُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةُ الْمَذْكُورِ (4) .
قَال ابْنُ بَطَّالٍ: النَّهْيُ عَنِ الأَْوْعِيَةِ إِنَّمَا كَانَ قَطْعًا لِلذَّرِيعَةِ فَلَمَّا قَالُوا: لَا نَجِدُ بُدًّا مِنَ الاِنْتِبَاذِ فِي الأَْوْعِيَةِ قَال: " انْتَبِذُوا وَكُل مُسْكِرٍ
(1) حديث بريدة: " كنت نهيتكم عن الأشربة. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1585) .
(2)
المجموع 2 / 566 نشر المكتبة السلفية، والمغني لابن قدامة 8 / 318 نشر مكتبة الرياض الحديثة.
(3)
حديث أبي هريرة: " إنه نهى عن المزفت. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1537 - 1538) .
(4)
صحيح مسلم بشرح النووي 13 / 159.
حَرَامٌ (1) وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُل شَيْءٍ نُهِيَ عَنْهُ بِمَعْنَى النَّظَرِ إِلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ لِلضَّرُورَةِ، كَالنَّهْيِ عَنِ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقَاتِ (2) ، فَلَمَّا قَالُوا لَا بُدَّ لَنَا مِنْهَا، قَال: أَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ (3) ".
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم إِلَى كَرَاهَةِ الاِنْتِبَاذِ فِي الْمُزَفَّتِ (4) .
قَال الْعَدَوِيُّ بَعْدَ أَنْ نَقَل مَذْهَبَ الْمَالِكِيَّةِ بِكَرَاهَةِ الاِنْتِبَاذِ فِي الْمُزَفَّتِ، وَالنَّهْيُ فِي هَاتَيْنِ: أَعْنِي الدُّبَّاءَ وَالْمُزَفَّتَ وَلَوْ كَانَ الْمَنْبُوذُ شَيْئًا وَاحِدًا، وَأَمَّا تَنْبِيذُ شَيْئَيْنِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلَوْ فِي نَحْوِ الصِّينِيِّ، وَمَحَل نَهْيِ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ احْتَمَل الإِْسْكَارَ لَا أَنْ قُطِعَ بِهِ أَوْ بِعَدَمِهِ بِأَنْ قَصُرَ الزَّمَنُ وَإِلَاّ حَرُمَ فِي الأَْوَّل وَجَازَ فِي الثَّانِي (5) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْمُزَفَّتَ إِنِ انْتُبِذَ فِيهِ قَبْل
(1) حديث: " انتبذوا وكل مسكر حرام ". أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " كما في كنز العمال (5 / 530، 531) وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى "(8 / 311) بلفظ: " فانبذوا ولا أحل مسكرا ".
(2)
نيل الأوطار للشوكاني 9 / 71 ط. دار الجيل.
(3)
حديث: " اعطوا الطريق حقه ". أخرجه البخاري (فتح الباري 11 / 8، ومسلم 3 / 1675) .
(4)
صحيح مسلم بشرح النووي 1 / 186، وفتح الباري 10 / 58 ط. السلفية، وحاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني 2 / 390، المغني لابن قدامة 8 / 318.
(5)
حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني 2 / 390.
اسْتِعْمَالِهِ فِي الْخَمْرِ فَلَا إِشْكَال فِي حِلِّهِ وَطَهَارَتِهِ، وَإِنِ اسْتُعْمِل فِيهِ الْخَمْرُ ثُمَّ انْتُبِذَ فِيهِ، يُنْظَرُ: فَإِنْ كَانَ الْوِعَاءُ عَتِيقًا يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا لَا يَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِتُشْرَبَ الْخَمْرُ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَتِيقِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُغْسَل ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ فِي كُل مَرَّةٍ، وَهِيَ مِنْ مَسَائِل غَسْل مَا لَا يَنْعَصِرُ بِالْعَصْرِ، وَقِيل عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُمْلأَُ مَاءً مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى إِذَا خَرَجَ الْمَاءُ صَافِيًا غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رَائِحَةً حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ (1) .
وَقَال شَيْخُ الإِْسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ (2) : هَذَا مِثْل ظَرْفِ الْخَمْرِ بَعْدَمَا صُبَّ مِنْهُ الْخَمْرُ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُصَبَّ مِنْهُ الْخَمْرَ حَتَّى صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا مَا حَال الظَّرْفِ؟ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذَا فِي الأَْصْل (3) .
وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْحَاكِمِ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْرَوَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُول: مَا يُوَارِي الإِْنَاءَ مِنَ الْخَل لَا شَكَّ أَنَّهُ يَطْهُرُ، لأَِنَّ مَا يُوَارِي الْخَل مِنَ الإِْنَاءِ فِيهِ أَجْزَاءُ الْخَل وَأَنَّهُ طَاهِرٌ، وَأَمَّا أَعْلَى الْحَبِّ الَّذِي انْتُقِصَ مِنَ الْخَمْرِ قَبْل صَيْرُورَتِهِ خَلًّا فَإِنَّهُ يَكُونُ نَجِسًا، لأَِنَّ مَا يُدَاخِل أَجْزَاءَ الْحَبِّ مِنَ الْخَمْرِ لَمْ يَصِرْ خَلًّا بَل يَبْقَى
(1) تبيين الحقائق 6 / 48، وانظر البحر الرائق 8 / 249.
(2)
حاشية ابن عابدين 1 / 48.
(3)
البناية 9 / 556.