الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالتَّقْرِيبِ، فَإِنَّ مَا لَا يُحَدُّ ضَابِطُهُ لَا يَجُوزُ تَعْطِيلُهُ وَيَجِبُ تَقْرِيبُهُ، فَالأَْوْلَى فِي ضَابِطِ مَشَاقِّ الْعِبَادَاتِ أَنْ تُضْبَطَ مَشَقَّةُ كُل عِبَادَةٍ بِأَدْنَى الْمَشَاقِّ الْمُعْتَبَرَةِ فِي تِلْكَ الْعِبَادَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهَا أَوْ أَزْيَدَ ثَبَتَتِ الرُّخْصَةُ بِهَا، وَلَنْ يُعْلَمَ التَّمَاثُل إِلَاّ بِالزِّيَادَةِ، إِذْ لَيْسَ فِي قُدْرَةِ الْبَشَرِ الْوُقُوفُ عَلَى تَسَاوِي الْمَشَاقِّ، فَإِذَا زَادَتْ إِحْدَى الْمَشَقَّتَيْنِ عَلَى الأُْخْرَى عُلِمَا أَنَّهُمَا قَدِ اسْتَوَتَا، فَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْمَشَقَّةُ الدُّنْيَا مِنْهُمَا كَانَ ثُبُوتُ التَّخْفِيفِ وَالتَّرْخِيصِ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ، وَأَمْثَال ذَلِكَ أَنَّ التَّأَذِّي بِالْقَمْل مُبِيحٌ لِلْحَلْقِ فِي حَقِّ النَّاسِكِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ تَأَذِّيهِ بِالأَْمْرَاضِ بِمِثْل مَشَقَّةِ الْقَمْل (1) .
كَذَلِكَ سَائِرُ الْمَشَاقِّ الْمُبِيحَةِ لِلُّبْسِ وَالطِّيبِ وَالدُّهْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَحْظُورَاتِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تُقَرَّبَ الْمَشَاقُّ الْمُبِيحَةُ لِلتَّيَمُّمِ بِأَدْنَى مَشَقَّةٍ أُبِيحَ بِمِثْلِهَا التَّيَمُّمُ، وَفِي هَذَا إِشْكَالٌ، فَإِنَّ مَشَقَّةَ الزِّيَادَةِ الْيَسِيرَةِ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْل وَمَشَقَّةَ الاِنْقِطَاعِ مِنْ سَفَرِ النُّزْهَةِ خَفِيفَةٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ بِهَا الأَْمْرَاضُ، وَأَمَّا الْمُبِيحُ لِلْفِطْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَرَّبَ مَشَقَّتُهُ بِمَشَقَّةِ الصِّيَامِ فِي الْحَضَرِ، فَإِذَا شَقَّ الصَّوْمُ مَشَقَّةً تُرْبِي عَلَى مَشَقَّةِ الصَّوْمِ فِي الْحَضَرِ فَلْيَجُزِ الإِْفْطَارُ بِذَلِكَ.
وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا مَقَادِيرُ الإِْغْرَارِ فِي
(1) قواعد الأحكام 2 / 12 - 13.
الْمُعَامَلَاتِ، وَمِنْهَا تَوَقَانُ الْجَائِعِ إِلَى الطَّعَامِ وَقَدْ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، وَمِنْهَا التَّأَذِّي بِالرِّيَاحِ الْبَارِدَةِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ، كَذَلِكَ التَّأَذِّي بِالْمَشْيِ فِي الْوَحْل (1) .
ضَابِطُ الْمَشَقَّةِ
16 -
يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَشَقَّةُ عَامَّةً، وَوُقُوعُهَا كَثِيرًا، فَلَوْ كَانَ وُقُوعُهَا نَادِرًا لَمْ تُرَاعَ الْمَشَقَّةُ، وَالْمَشَقَّةُ يَخْتَلِفُ ضَابِطُهَا بِاخْتِلَافِ أَعْذَارِهَا، كَمَا فِي التَّيَمُّمِ، إِذْ يُعْدَل عَنِ الْمَاءِ إِذَا خِيفَ إِتْلَافُ عُضْوٍ أَوْ بُطْءُ الْبُرْءِ أَوْ شَيْنٌ فَاحِشٌ (2) .
قَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إِنْ قِيل مَا ضَابِطُ الْفِعْل الشَّاقِّ الَّذِي يُؤْجَرُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا يُؤْجَرُ عَلَى الْخَفِيفِ؟ قُلْتُ: إِذَا اتَّحَدَ الْفِعْلَانِ فِي الشَّرَفِ وَالشَّرَائِطِ وَالسُّنَنِ وَالأَْرْكَانِ - وَكَانَ أَحَدُهُمَا - شَاقًّا فَقَدِ اسْتَوَيَا فِي أَجْرِهِمَا لِتَسَاوِيهِمَا فِي جَمِيعِ الْوَظَائِفِ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِتَحَمُّل الْمَشَقَّةِ لأَِجْل اللَّهِ سبحانه وتعالى، فَأُثِيبَ عَلَى تَحَمُّل الْمَشَقَّةِ لَا عَلَى عَيْنِ الْمَشَاقِّ، إِذْ لَا يَصِحُّ التَّقَرُّبُ بِالْمَشَاقِّ لأَِنَّ الْقُرَبَ كُلَّهَا تَعْظِيمٌ لِلرَّبِّ سبحانه وتعالى وَلَيْسَ عَيْنُ الْمَشَاقِّ تَعْظِيمًا وَلَا تَوْقِيرًا، وَيَدُل عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَحَمَّل مَشَقَّةً فِي خِدْمَةِ إِنْسَانٍ فَإِنَّهُ يَرَى ذَلِكَ لَهُ لأَِجْل كَوْنِهِ شَقَّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا
(1) قواعد الأحكام 2 / 13.
(2)
المنثور في القواعد للزركشي 3 / 171 - 172.