الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأَشْبَهَتِ الإِْجَارَةَ. (1)
بَيَانُ الْمُدَّةِ:
29 -
قَال الْحَنَفِيَّةُ (2) : الْمُسَاقَاةُ كَالْمُزَارَعَةِ فِي الْخِلَافِ وَالْحُكْمِ وَفِي الشُّرُوطِ إِلَاّ الْمُدَّةَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تُذْكَرَ الْمُدَّةُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الإِْجَارَةِ، وَفِي الاِسْتِحْسَانِ: يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهَا، وَتَقَعُ عَلَى أَوَّل ثَمَرَةٍ تَخْرَجُ، لأَِنَّ وَقْتَ إِدْرَاكِ الثَّمَرَةِ مَعْلُومٌ وَالتَّفَاوُتُ فِيهِ قَلِيلٌ وَيَدْخُل فِيهِ الْمُتَيَقَّنُ، بِخِلَافِ الزَّرْعِ فِيهِ يَخْتَلِفُ كَثِيرًا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً رَبِيعًا وَخَرِيفًا وَغَيْرَ ذَلِكَ.
أ - فَفِي حَال ذِكْرِ الْمُدَّةِ: إِنْ ذَكَرَ مُدَّةً يُثْمِرُ الشَّجَرُ خِلَالَهَا صَحَّتِ الْمُسَاقَاةُ، وَإِنْ ذَكَرَ مُدَّةً لَا يُثْمِرُ خِلَالَهَا فَسَدَتْ، وَإِنْ ذَكَرَ مُدَّةً يُحْتَمَل أَنْ يُثْمِرَ الشَّجَرُ خِلَالَهَا وَأَنْ لَا يُثْمِرَ تَصِحُّ أَيْضًا لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ، ثُمَّ إِنْ خَرَجَ الثَّمَرُ خِلَال هَذِهِ الْمُدَّةِ الْمُحْتَمَلَةِ صَحَّتْ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهَا فَسَدَتْ لأَِنَّهُ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فِي الْمُدَّةِ الْمُسَمَّاةِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجِ الثَّمَرُ أَصْلاً صَحَّ الْعَقْدُ لأَِنَّ الذَّهَابَ كَانَ بِآفَةٍ لَا بِسَبَبِ فَسَادِ تَسْمِيَةِ الْمُدَّةِ، فَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا فَلَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ الْمُدَّةِ.
ب - وَفِي حَال عَدَمِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ يَقَعُ الْعَقْدُ
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 182، والاختيار 3 / 79، والشرح الصغير 3 / 718، 719، ومغني المحتاج 2 / 327، وكشاف القناع 3 / 538.
(2)
الاختيار 3 / 79، والهداية 4 / 44 - 45، ودرر الحكام 2 / 328، والدر المختار ورد المحتار 5 / 182.
صَحِيحًا وَيَنْصَرِفُ إِلَى أَوَّل ثَمَرَةٍ تَخْرَجُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ لَا إِلَى مَا بَعْدَهُ لأَِنَّهُ مَشْكُوكٌ، وَمِثْل الشَّجَرِ فِي ذَلِكَ الرِّطَابُ، إِذَا دَفَعَهَا مُسَاقَاةً حَتَّى يُدْرِكَ بَذْرُهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ لأَِنَّ لإِِدْرَاكِ الْبَذْرَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً.
أَمَّا لَوْ دَفَعَهَا رَيْثَمَا يَذْهَبُ أُصُولُهَا وَيَنْقَطِعُ نَبْتُهَا فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْمُسَاقَاةَ، إِذْ لَيْسَ لِذَلِكَ أَمَدٌ مَعْلُومٌ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَهَابِ الأُْصُول وَأَطْلَقَ جَازَ الْعَقْدُ وَانْصَرَفَ إِلَى أَوَّل جَزَّةٍ (1) .
30 -
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَمَذْهَبُهُمْ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ.
قَال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَجَائِزٌ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ عَامًا وَاحِدًا وَعَامَيْنِ وَأَعْوَامًا مِنَ الْجُذَاذِ إِلَى الْجُذَاذِ عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ مِمَّا يُخْرِجُ اللَّهُ مِنَ الثَّمَرَةِ بَعْدَ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ فِيهَا.
وَلَوْ سَاقَاهُ إِلَى أَجَلٍ فَانْقَضَى الأَْجَل وَفِي النَّخْل ثَمَرٌ لَمْ يَجُزْ جُذَاذُهُ، وَلَمْ يَحِل بَيْعُهُ فَهُوَ عَلَى مُسَاقَاتِهِ حَتَّى يُجَزَّ، لأَِنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ لَهُ.
وَإِنَّمَا الْمُسَاقَاةُ إِلَى الْجُذَاذِ وَإِلَى الْقِطَافِ، لَا إِلَى الأَْجَل.
قَال ابْنُ رُشْدٍ: وَكَرِهَ مَالِكٌ الْمُسَاقَاةَ فِيمَا طَال مِنَ السِّنِينَ وَانْقِضَاءُ السِّنِينَ فِيهَا هُوَ بِالْجُذَاذِ لَا بِالأَْهِلَّةِ (2) .
(1) الهداية 4 / 59، والاختيار 3 / 79 - 80 والمراجع السابقة.
(2)
مواهب الجليل 5 / 378، والكافي 2 / 108، وبداية المجتهد 2 / 320.
31 -
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ بِسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمُ الإِْطْلَاقُ فِيهَا وَلَا التَّأْبِيدُ، وَرَتَّبُوا عَلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَحْكَامًا مِنْ حَيْثُ إِدْرَاكُ الثَّمَرِ وَعَدَمُ إِدْرَاكِهِ.
قَال النَّوَوِيُّ: يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ أَنْ تَكُونَ مُؤَقَّتَةً، فَإِنْ وَقَّتَ بِالشُّهُورِ أَوِ السِّنِينَ الْعَرَبِيَّةِ فَذَاكَ، وَلَوْ وَقَّتَ بِالرُّومِيَّةِ وَغَيْرِهَا جَازَ إِذَا عَلِمَاهَا.
فَإِنْ أَطْلَقَا لَفْظَ السَّنَةِ انْصَرَفَ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ.
وَإِنْ وَقَّتَ بِإِدْرَاكِ الثَّمَرَةِ فَهَل يَبْطُل كَالإِْجَارَةِ أَمْ يَصِحُّ لأَِنَّهُ الْمَقْصُودُ؟
وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: أَوَّلُهُمَا، وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ (1)، وَصَحَّحَ الْغَزَالِيُّ الثَّانِيَ حَيْثُ قَال: وَلْيُعْرَفِ الْعَمَل جُمْلَةً، فَإِنْ عُرِفَ بِإِدْرَاكِ الثِّمَارِ جَازَ عَلَى الأَْصَحِّ (2) .
وَلَوْ قَال: سَاقَيْتُكَ سَنَةً وَأَطْلَقَ فَهَل يُحْمَل عَلَى السَّنَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَمْ سَنَةِ الإِْدْرَاكِ وَجْهَانِ: زَعَمَ أَبُو الْفَرْجِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ أَصَحَّهُمَا: الثَّانِي، فَإِنْ قُلْنَا بِالأَْوَّل أَوْ وَقَّتَ بِالزَّمَانِ، فَأَدْرَكَتِ الثِّمَارُ وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ لَزِمَ الْعَامِل أَنْ يَعْمَل فِي تِلْكَ الْبَقِيَّةِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ.
وَإِنِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَعَلَى الشَّجَرِ طَلْعٌ أَوْ
(1) روضة الطالبين 5 / 156.
(2)
الوجيز 1 / 228.
بَلَحٌ فَلِلْعَامِل نَصِيبُهُ مِنْهَا وَعَلَى الْمَالِكِ التَّعَهُّدُ إِلَى الإِْدْرَاكِ.
وَإِنْ حَدَثَ الطَّلْعُ بَعْدَ الْمُدَّةِ فَلَا حَقَّ لِلْعَامِل فِيهِ (1) .
وَلَوْ سَاقَاهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ فَفِي صِحَّتِهِ أَقْوَالٌ، فَعَلَى الْقَوْل بِالْجِوَازِ هَل يَجِبُ بَيَانُ حِصَّةِ كُل سَنَةٍ، أَمْ يَكْفِي قَوْلُهُ سَاقَيْتُكَ عَلَى النِّصْفِ لاِسْتِحْقَاقِ النِّصْفِ كُل سَنَةٍ؟ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ كَالإِْجَارَةِ.
وَقِيل: يَجِبُ هُنَا قَطْعًا لِكَثْرَةِ الاِخْتِلَافِ فِي الثَّمَرِ (2) .
قَال الْمَاوَرْدِيُّ: فَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى نَخْلِهِ عَشْرَ سِنِينَ عَلَى أَنَّ لَهُ ثَمَرَةَ سَنَةٍ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ، سَوَاءٌ عَيَّنَ السَّنَةَ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهَا لأَِنَّهُ إِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا كَانَتْ مَجْهُولَةً، وَإِنْ عَيَّنَهَا فَقَدْ شَرَطَ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ فِيهَا.
وَلَوْ جَعَل لَهُ نِصْفَ الثَّمَرَةِ فِي سَنَةٍ مِنَ السِّنِينَ الْعَشَرَةِ إِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا بَطَلَتِ الْمُسَاقَاةُ لِلْجَهْل بِهَا، وَإِنْ عَيَّنَهَا نَظَرَ: فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ السَّنَةِ الأَْخِيرَةِ بَطَلَتِ الْمُسَاقَاةُ، لأَِنَّهُ قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ بَعْدَ حَقِّهِ مِنَ الثَّمَرَةِ عَمَلاً لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ عِوَضًا، وَإِنْ كَانَتِ السَّنَةَ الأَْخِيرَةَ فَفِي صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا صَحِيحَةٌ كَمَا يَصِحُّ أَنْ يَعْمَل
(1) روضة الطالبين 5 / 156.
(2)
روضة الطالبين 7 / 156، وانظر الحاوي 9 / 170 - 171 ط. دار الفكر.