الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّصَرُّفَاتُ الْمَالِيَّةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ
لِلتَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أَوَّلاً - الْبَيْعُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ
أ -
بَيْعُ الْمَرِيضِ غَيْرِ الْمَدِينِ مَالَهُ لأَِجْنَبِيٍّ
15 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ إِذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ لأَِجْنَبِيٍّ بِثَمَنِ الْمِثْل أَوْ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، فَبَيْعُهُ صَحِيحٌ نَافِذٌ عَلَى الْبَدَل الْمُسَمَّى، لأَِنَّ الْمَرِيضَ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَنِ الْمُعَاوَضَةِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي لَا تَمَسُّ حُقُوقَ دَائِنِيهِ وَوَرَثَتِهِ (1) .
أَمَّا إِذَا بَاعَهُ مَعَ الْمُحَابَاةِ:
فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا بَاعَ الْمَرِيضُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لأَِجْنَبِيٍّ وَحَابَاهُ فِي الْبَيْعِ.
فَإِنْ كَانَتِ الْمُحَابَاةُ بِحَيْثُ يَحْمِلُهَا الثُّلُثُ، فَإِنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَنَافِذٌ عَلَى الْبَدَل الْمُسَمَّى، لأَِنَّ الْمَرِيضَ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ لِغَيْرِ وَارِثِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَيَكُونُ هَذَا التَّبَرُّعُ نَافِذًا، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ الْوَرَثَةُ (2) .
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمُحَابَاةُ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ نَفَذَتْ، لأَِنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِحَقِّهِمْ، وَقَدْ أَسْقَطُوهُ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا، فَإِنْ
(1) كشف الأسرار على أصول البزدوي 4 / 1429، والأم 4 / 30، وشرح الخرشي 5 / 305، والمغني (مع الشرح الكبير) 5 / 472، وانظر م (394) من مجلة الأحكام العدلية وم (265) من مرشد الحيران.
(2)
انظر شرح المجلة للأتاسي 2 / 411.
لَمْ يَكُنِ الْبَدَلَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنَ الأَْمْوَال الرِّبَوِيَّةِ وَزَادَتِ الْمُحَابَاةُ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَمْ يُجِزْهَا الْوَرَثَةُ، فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ لِلْوَرَثَةِ قِيمَةَ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ لِيُكْمِل لَهُمُ الثُّلُثَيْنِ، وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَرُدَّ الْمَبِيعَ إِلَى الْوَرَثَةِ وَيَأْخُذَ مَا دَفَعَهُ مِنَ الثَّمَنِ إِنْ كَانَ الْفَسْخُ مُمْكِنًا، أَمَّا إِذَا تَعَذَّرَ الْفَسْخُ - كَمَا إِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِهِ أَوْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ - أُلْزِمَ بِإِتْمَامِ الثَّمَنِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْقِيمَةَ (1) .
وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْبَدَلَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنَ الأَْمْوَال الرِّبَوِيَّةِ غَيْرَ النَّقْدَيْنِ، وَكَانَتِ الْمُحَابَاةُ بِأَكْثَرِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَلَمْ يُجِزْهَا الْوَرَثَةُ، فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُلْزِمُوا الْمُشْتَرِيَ بِأَنْ يَدْفَعَ لَهُمُ الزَّائِدَ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ، لأَِنَّ هَذَا يُؤَدِّي إِلَى رِبَا الْفَضْل، لِهَذَا يُنْسَبُ الثُّلُثُ إِلَى الْمُحَابَاةِ، وَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِقَدْرِ النِّسْبَةِ وَيَبْطُل فِيمَا عَدَاهَا، وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ الرِّضَا بِالْبَيْعِ فِي الْقَدْرِ الْبَاقِي (2) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مَالَهُ لأَِجْنَبِيٍّ بِأَقَل مِنْ ثَمَنِ الْمِثْل وَمِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ:
فَإِنْ قَصَدَ بِبَيْعِهِ مَالَهُ بِأَقَل مِنْ قِيمَتِهِ بِكَثِيرٍ
(1) انظر (م394) من مجلة الأحكام العدلية، وم (266) من مرشد الحيران.
(2)
المبسوط للسرخسي 29 / 59.
نَفْعَ الْمُشْتَرِي، فَمَا نَقَصَ عَنِ الْقِيمَةِ يُعْتَبَرُ مُحَابَاةً حُكْمُهَا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ لِلأَْجْنَبِيِّ، تَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ إِنْ حَمَلَهَا الثُّلُثُ، وَتَبْطُل فِي الْقَدْرِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ إِنْ لَمْ يُجِزْهَا الْوَرَثَةُ، وَإِنْ أَجَازُوهَا جَازَتْ، وَتَكُونُ ابْتِدَاءً عَطِيَّةً مِنْهُمْ تَفْتَقِرُ إِلَى الْحَوْزِ (1) ، وَالْوَقْتُ الْمُعْتَبَرُ فِي تَقْدِيرِ قِيمَةِ الْمَبِيعِ هُوَ وَقْتُ الْبَيْعِ، لَا وَقْتُ مَوْتِ الْبَائِعِ (2) .
أَمَّا إِذَا لَمْ يَقْصِدْ بِبَيْعِهِ مَالَهُ بِأَقَل مِنْ قِيمَتِهِ بِكَثِيرٍ نَفْعَ الْمُشْتَرِي، كَأَنْ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ جَهْلاً بِقِيمَتِهِ، فَهُوَ غَبْنٌ يَصِحُّ مَعَهُ الْبَيْعُ عَلَى الْبَدَل الْمُسَمَّى وَيَنْفُذُ، وَلَا يُعْتَبَرُ النُّقْصَانُ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْل مِنَ الثُّلُثِ مَهْمَا بَلَغَ عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَعْمُول بِهِ (3) .
وَقَال الشَّافِعِيُّ: إِذَا بَاعَ الْمَرِيضُ شَيْئًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ لِلأَْجْنَبِيِّ، وَحَابَاهُ فِي الْبَدَل، فَحُكْمُ هَذِهِ الْمُحَابَاةِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ لِلأَْجْنَبِيِّ، تَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَمَا زَادَ عَنِ الثُّلُثِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَجَازُوهَا نَفَذَتْ، وَإِلَاّ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ رَدِّ الْمَبِيعِ إِنْ كَانَ قَائِمًا، وَيَأْخُذُ ثَمَنَهُ الَّذِي دَفَعَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ الْوَرَثَةَ الْفَضْل
(1) الخرشي على خليل 5 / 305، والبهجة على التحفة للتسولي 2 / 82.
(2)
المنتقى للباجي 6 / 158.
(3)
توضيح الأحكام للتوزري 3 / 74 (ط. تونس سنة 1339 هـ) .
عَمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ مِمَّا لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ هَالِكًا، رَدَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ مِمَّا لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ، وَكَذَا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا، لَكِنَّهُ قَدْ دَخَلَهُ عَيْبٌ (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا حَابَى الْمَرِيضُ أَجْنَبِيًّا فِي الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَتَنْفُذُ الْمُحَابَاةُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ إِنْ حَمَلَهَا.
أَمَّا إِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ: فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ نَفَذَتْ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا - فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْبَدَلَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنَ الأَْمْوَال الرِّبَوِيَّةِ، وَزَادَتِ الْمُحَابَاةُ عَلَى الثُّلُثِ - بَطَل الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَسُلِّمَ لِلْمُشْتَرِي الْبَاقِي، وَكَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مَا سُلِّمَ لَهُ مِنَ الْمَبِيعِ (2) .
أَمَّا إِذَا كَانَ الْبَدَلَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنَ الأَْمْوَال الرِّبَوِيَّةِ غَيْرَ الثَّمَنَيْنِ، وَزَادَتِ الْمُحَابَاةُ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَمْ يُجِزْهَا الْوَرَثَةُ، فَيُنْسَبُ الثُّلُثُ إِلَى الْمُحَابَاةِ، وَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِقَدْرِ النِّسْبَةِ، وَيَبْطُل فِيمَا عَدَاهَا، وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ الرِّضَا بِالْبَيْعِ فِي الْقَدْرِ الْبَاقِي، وَإِنَّمَا فَعَل ذَلِكَ لِئَلَاّ يُفْضِيَ
(1) الأم 4 / 30 وما بعدها.
(2)
المغني لابن قدامة مع الشرح الكبير 6 / 516، والإنصاف للمرداوي 7 / 175.