الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرَوَى الْخَلَاّل عَنْ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ الْمُمَازَحَةَ فِي بَعْضِ الأَْوْقَاتِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَال: الْمُزَاحُ بِمَا يَحْسُنُ مُبَاحٌ وَقَدْ مَزَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَقُل إِلَاّ حَقًّا.
وَالآْثَارُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْمُزَاحِ كَثِيرَةٌ.
وَقَدْ كَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْخَوْضَ فِي الْمُزَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ ذَمِيمِ الْعَاقِبَةِ، وَمِنَ التَّوَصُّل إِلَى أَعْرَاضِ النَّاسِ وَاسْتِجْلَابِ الضَّغَائِنِ وَإِفْسَادِ الإِْخَاءِ، وَقَالُوا: لِكُل شَيْءٍ بَدْءٌ، وَبَدْءُ الْعَدَاوَةِ الْمُزَاحُ، وَكَانَ يُقَال: لَوْ كَانَ الْمُزَاحُ فَحْلاً مَا لَقَّحَ إِلَاّ الشَّرَّ، وَقَال سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ: لَا تُمَازِحِ الشَّرِيفَ فَيَحْقِدَ، وَلَا الدَّنِيءَ فَيَجْتَرِئَ عَلَيْكَ (1) .
وَقَال الْغَزَالِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الإِْفْرَاطُ فِي الْمُزَاحِ أَوِ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ، أَمَّا الْمُدَاوَمَةُ فَلأَِنَّهُ اشْتِغَالٌ بِاللَّعِبِ وَالْهَزْل فِيهِ، وَاللَّعِبُ مُبَاحٌ وَلَكِنَّ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهِ مَذْمُومَةٌ، وَأَمَّا الإِْفْرَاطُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُورِثُ كَثْرَةَ الضَّحِكِ، وَكَثْرَةُ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ، وَتُورِثُ الضَّغِينَةَ فِي بَعْضِ الأَْحْوَال، وَتُسْقِطُ الْمَهَابَةَ وَالْوَقَارَ، فَمَا يَخْلُو عَنْ هَذِهِ الأُْمُورِ فَلَا يُذَمُّ (2) .
مُزَاحُ الْقَاضِي
3 -
قَال الْحَنَفِيَّةُ كَمَا جَاءَ فِي رَوْضَةِ الْقُضَاةِ
(1) الآداب الشرعية 2 / 135.
(2)
إحياء علوم الدين للغزالي 3 / 124.
يَنْبَغِي لِلْقَاضِي إِذَا أَرَادَ الْجُلُوسَ لِلْقَضَاءِ أَنْ يَخْرُجَ وَهُوَ عَلَى أَعْدَل الأَْحْوَال: لَا جَائِعٌ وَلَا عَطْشَانُ وَلَا كَضِيضٌ مِنَ الطَّعَامِ وَلَا كَسْلَانُ وَلَا يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ وَلَا يَمْزَحُ مَعَ خَصْمٍ، وَلَا يُسَارُّهُ وَلَا يَضْحَكُ فِي وَجْهِهِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَلَا يُؤْثِرَ أَحَدَهُمَا بِشَيْءٍ مِنَ الإِْكْرَامِ وَلَا يُمَازِحَهُ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَهْزِل وَلَا يَمْجُنَ أَيْ يَمْزَحَ لأَِنَّ ذَلِكَ يُخِل بِهَيْبَتِهِ (1) .
تَصَرُّفَاتُ الْمَازِحِ
4 -
تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُ الْمَازِحِ (الْهَازِل) الْقَوْلِيَّةُ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (2)، لِحَدِيثِ: ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ، وَفِي رِوَايَةٍ: الْعِتْقُ (3) .
وَخُصَّ الثَّلَاثَةُ بِالذِّكْرِ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ، لِتَأَكُّدِ أَمْرِ الأَْبْضَاعِ وَلِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ بِالْعِتْقِ.
(1) روضة القضاة للسمناني 1 / 96، 97، ونهاية المحتاج 8 / 248، وكشاف القناع 6 / 310.
(2)
تحفة المحتاج 8 / 29، وروض الطالب 3 / 281، ومغني المحتاج 3 / 288، ومواهب الجليل 4 / 44، وحاشية ابن عابدين 4 / 207، 2 / 423.
(3)
حديث: " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد. . . ". أخرج الرواية الأولى أبو داود (2 / 644)، والترمذي (3 / 490) وقال الترمذي:" حديث صحيح ". وأخرج الرواية الثانية ابن عدي في " الكامل "(6 / 2033) وضعفه، قال ابن حجر في التلخيص الحبير (3 / 209) :" ويروى بدل " العتاق " " الرجعة " قال: " هذا هو المشهور فيه ".