الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثَالِثًا: أَنْ يَنْفَرِدَ الْعَامِل بِالْحَدِيقَةِ:
23 -
مِنْ شُرُوطِ الْعَمَل: أَنْ يَسْتَبِدَّ الْعَامِل بِالْيَدِ فِي الْحَدِيقَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الْعَمَل مَتَى شَاءَ فَلَوْ شَرَطَا كَوْنَهُ فِي يَدِ الْمَالِكِ، أَوْ مُشَارَكَتَهُ فِي الْيَدِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ سَلَّمَ الْمِفْتَاحَ إِلَيْهِ، وَشَرَطَ الْمَالِكُ الدُّخُول عَلَيْهِ، جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا دَخَل، كَانَتِ الْحَدِيقَةُ فِي يَدِهِ، يَتَعَوَّقُ بِحُضُورِهِ عَنِ الْعَمَل (1) .
مَا يَلْزَمُ الْعَامِل فِي الْمُسَاقَاةِ وَالاِشْتِرَاطُ عَلَيْهِ
فِي ضَبْطِ مَا عَلَى الْعَامِل بِالْعِقْدِ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ وَمَا لَيْسَ عَلَيْهِ، وَمَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ التَّفْصِيل التَّالِي:
24 -
ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ ضَابِطَيْنِ:
الضَّابِطُ الأَْوَّل:
أَنَّ مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ قَبْل إِدْرَاكِ الثَّمَرِ مِنَ السَّقْيِ وَالتَّلْقِيحِ وَالْحِفْظِ، فَهُوَ عَلَى الْعَامِل، وَمَا بَعْدَ الإِْدْرَاكِ كَالْجُذَاذِ وَهُوَ الْقَطْفُ، وَحِفْظُهُ فَهُوَ عَلَيْهِمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَمَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا، فَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَطَ قَطْفَ الثَّمَرِ عَلَى الْعَامِل لَمْ يَجُزْ لأَِنَّهُ لَا عُرْفَ فِيهِ (2) .
الضَّابِطُ الثَّانِي:
أَنَّ مَا لَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ بَعْدَ مُدَّةِ الْعَقْدِ فَهُوَ عَلَى الْعَامِل، فَاشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ، وَمَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ بَعْدَهَا كَغَرْسِ
(1) روضة الطالبين 5 / 155.
(2)
الهداية 4 / 58، وحاشية ابن عابدين 5 / 185.
الأَْشْجَارِ وَنَصْبِ الْعَرَائِشِ، وَإِلْقَاءِ السِّرْقِينِ، فَاشْتِرَاطُهُ عَلَى الْعَامِل يُفْسِدُ الْعَقْدَ (1) .
25 -
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَأَرْجَعُوا الأَْمْرَ إِلَى الْعُرْفِ، فَقَرَّرُوا: أَنَّ كُل مَا يَفْتَقِرُ إِلَيْهِ الثَّمَرُ عُرْفًا يَجِبُ عَلَى الْعَامِل وَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ الْمُسَاقَاةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَفْصِيل الْعَمَل، وَيُحْمَل عَلَى الْعُرْفِ إِنْ كَانَ مُنْضَبِطًا، وَإِلَاّ فَلَا بُدَّ مِنَ الْبَيَانِ (2) .
وَلَهُمْ ضَابِطٌ تَفْصِيلِيٌّ قَرِيبٌ مِنْ ضَابِطِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
أ - أَنَّ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إِصْلَاحِهَا لَا يَلْزَمُ الْعَامِل بِالْعِقْدِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ إِلَاّ الْيَسِيرَ مِنْهُ كَسَدِّ الْحِيطَانِ وَإِصْلَاحِ مَجَارِي الْمِيَاهِ (3) .
ب - مَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ وَيَبْقَى بَعْدَهَا أَوْ يَتَأَبَّدُ، كَحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ سَاقِيَةٍ أَوْ بِنَاءِ بَيْتٍ يُخَزِّنُ فِيهِ الثَّمَرَ، أَوْ غَرْسِ فَسِيلٍ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ (4)، وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهَدِ (5) : وَأَمَّا مَا لَهُ تَأْثِيرٌ فِي إِصْلَاحِ الثَّمَرِ وَيَبْقَى بَعْدَ الثَّمَرِ فَيَدْخُل عِنْدَهُ بِالشَّرْطِ فِي الْمُسَاقَاةِ لَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ.
ج - مَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ وَلَا يَبْقَى أَوْ لَا يَتَأَبَّدُ
(1) الدر المختار مع رد المحتار 5 / 185، والهداية 4 / 58.
(2)
مواهب الجليل 5 / 375.
(3)
القوانين الفقهية ص 184، وبداية المجتهد 2 / 319.
(4)
القوانين الفقهية ص 184.
(5)
بداية المجتهد 2 / 317 - 318.
فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْعَامِل بِالْعِقْدِ، كَالسَّقْيِ وَالْحَفْرِ، وَالتَّنْقِيَةِ وَالتَّذْكِيرِ، وَالْجُذَاذِ وَشِبْهِ ذَلِكَ (1) .
26 -
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ أَوَسْعُ - وَيَلْتَقُونَ بِالْجُمْلَةِ مَعَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - وَفْقَ الْبَيَانِ التَّالِي:
قَال فِي الْحَاوِي (2) : قَال الشَّافِعِيُّ: وَكُل مَا كَانَ فِيهِ مُسْتَزَادٌ فِي الثَّمَرِ مِنْ إِصْلَاحِ الْمَاءِ وَطَرِيقِهِ وَتَصْرِيفِ الْجَرِيدِ وَإِبَارِ النَّخْل، وَقَطْعِ الْحَشِيشِ الْمُضِرِّ بِالنَّخْل وَنَحْوِهِ جَازَ شَرْطُهُ عَلَى الْعَامِل، فَأَمَّا شَدُّ الْحَظَائِرِ فَلَيْسَ فِيهِ مُسْتَزَادٌ وَلَا صَلَاحَ فِي الثَّمَرَةِ فَلَا يَجُوزُ شَرْطُهُ عَلَى الْعَامِل.
قَال الْمَاوَرْدِيُّ: الْعَمَل الْمَشْرُوطُ فِي الْمُسَاقَاةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ
أَحَدُهَا: مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الثَّمَرَةِ دُونَ النَّخْل.
وَالثَّانِي: مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى النَّخْل دُونَ الثَّمَرَةِ.
وَالثَّالِثُ: مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى النَّخْل وَالثَّمَرَةِ.
وَالرَّابِعُ: مَا لَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الثَّمَرَةِ وَلَا النَّخْل.
فَأَمَّا الضَّرْبُ الأَْوَّل: وَهُوَ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى
(1) القوانين الفقهية 184، وبداية المجتهد 2 / 218.
(2)
الحاوي 9 / 178 - 179 ط. دار الفكر.
الثَّمَرَةِ دُونَ النَّخْل، فَمِثْل إِبَارِ النَّخْل وَتَصْرِيفِ الْجَرِيدِ وَتَلْقِيحِ الثَّمَرَةِ وَلِقَاطِهَا رُطَبًا وَجُذَاذُهَا ثَمَرًا، فَهَذَا الضَّرْبُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْعَامِل، وَيَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
أ - قِسْمٌ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَهُوَ كُل مَا لَا تَحْصُل الثَّمَرَةُ إِلَاّ بِهِ كَالتَّلْقِيحِ وَالإِْبَارِ.
ب - وَقِسْمٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ إِلَاّ بِالشَّرْطِ، وَهُوَ كُل مَا فِيهِ مُسْتَزَادٌ لِلثَّمَرَةِ وَقَدْ تَصْلُحُ بِعَدَمِهِ، كَتَصْرِيفِ الْجَرِيدِ وَتَدَلِّيهِ الثَّمَرَةَ.
ج - قِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ كُل مَا تَكَامَلَتِ الثَّمَرَةُ قَبْلَهُ كَاللِّقَاطِ وَالْجُذَاذِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَامِل إِلَاّ بِشَرْطٍ لِتَكَامُل الثَّمَرَةِ بِعَدِمِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْعَامِل بِغَيْرِ شَرْطٍ، لأَِنَّ الثَّمَرَةَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ وَإِنْ تَكَامَلَتْ قَبْلَهُ.
وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى النَّخْل دُونَ الثَّمَرَةِ، فَمِثْل شَدِّ الْحَظَائِرِ وَحَفْرِ الآْبَارِ وَشَقِّ السَّوَّاقِي وَكَرْيِ الأَْنْهَارِ، فَكُل هَذَا مِمَّا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى النَّخْل دُونَ الثَّمَرَةِ، فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِل، وَكَذَا مَا شَاكَلَهُ مِنْ عَمَل الدَّوَالِيبِ وَنَحْوِهَا.
فَإِنْ شَرَطَ رَبُّ الْمَال عَلَى الْعَامِل شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلاً وَالْمُسَاقَاةُ فَاسِدَةً.
وَقَال بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَبْطُل الشَّرْطُ وَتَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ، حَمْلاً عَلَى الشُّرُوطِ الزَّائِدَةِ فِي الرَّهْنِ تَبْطُل وَلَا يَبْطُل مَعَهَا الرَّهْنُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.
وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى النَّخْل وَالثَّمَرَةِ، فَكَالسَّقْيِ وَالإِْثَارَةِ وَقَطْعِ الْحَشِيشِ الْمُضِرِّ بِالنَّخْل. إِلَى مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى مِمَّا فِيهِ صَلَاحُ النَّخْل وَمُسْتَزَادٌ فِي الثَّمَرَةِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا لَا تَصْلُحُ الثَّمَرَةُ إِلَاّ بِهِ، كَالسَّقْيِ فِيمَا لَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنَ النَّخْل حَتَّى يُسْقَى سَيْحًا فَهُوَ عَلَى الْعَامِل، كَنَخْل الْبَصْرَةِ فَهُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ شُرُوطِ هَذَا الْفَصْل سَوَاءٌ، وَهُوَ الضَّرْبُ الثَّانِي فِي هَذَيْنِ الضَّرْبَيْنِ، وَفِيهِ لأَِصْحَابِنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْعَامِل بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَاشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ تَأْكِيدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ صَلَاحِ النَّخْل وَزِيَادَةِ الثَّمَرَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى رَبِّ النَّخْل، وَاشْتِرَاطُهُ عَلَى الْعَامِل مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ لأَِنَّهُ بِصَلَاحِ النَّخْل أَخَصُّ مِنْهُ بِصَلَاحِ الثَّمَرَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْعَامِل لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الثَّمَرَةِ، وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى رَبِّ النَّخْل لِمَا فِيهِ مِنْ صَلَاحِ النَّخْل فَلَمْ يَتَنَافَ الشَّرْطَانِ فِيهِ فَإِنْ شَرَطَهُ عَلَى
الْعَامِل لَزِمَهُ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَى رَبِّ النَّخْل لَزِمَهُ، وَإِنْ أَغْفَل لَمْ يَلْزَمْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَأَمَّا الْعَامِل فَلأَِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إِلَاّ مَا كَانَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ أَوْ مِنْ شُرُوطِهِ، وَأَمَّا رَبُّ النَّخْل فَلأَِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَثْمِيرِ مَالِهِ.
وَأَمَّا الضَّرْبُ الرَّابِعُ: وَهُوَ مَا لَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى النَّخْل وَلَا عَلَى الثَّمَرَةِ فَهُوَ كَاشْتِرَاطِهِ عَلَى الْعَامِل أَنْ يَبْنِيَ لَهُ قَصْرًا أَوْ يَخْدِمَهُ شَهْرًا أَوْ يَسْقِيَ لَهُ زَرْعًا، فَهَذِهِ شُرُوطٌ تُنَافِي الْعَقْدَ، وَتَمْنَعُ مِنْ صِحَّتِهِ لأَِنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِهِ، وَلَا تَخْتَصُّ بِشَيْءٍ فِي مَصْلَحَتِهِ (1) .
27 -
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَلْزَمُ الْعَامِل بِإِطْلَاقِ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَزِيَادَتُهَا مِثْل حَرْثِ الأَْرْضِ تَحْتَ الشَّجَرِ وَالْبَقَرِ الَّتِي تَحْرُثُ وَآلَةُ الْحَرْثِ وَسَقْيِ الشَّجَرِ وَاسْتِقَاءِ الْمَاءِ وَإِصْلَاحِ طُرُقِ الْمَاءِ وَتَنْقِيَتِهَا وَقَطْعِ الْحَشِيشِ الْمُضِرِّ وَالشَّوْكِ وَقَطْعِ الشَّجَرِ الْيَابِسِ وَزِبَارِ الْكَرْمِ وَقَطْعِ مَا يُحْتَاجُ إِلَى قَطْعِهِ وَتَسْوِيَةِ الثَّمَرِ وَإِصْلَاحِ الأَْجَاجِينِ وَهِيَ الْحُفَرُ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ عَلَى أُصُول النَّخْل وَإِدَارَةِ الدُّولَابِ، وَالْحِفْظِ لِلثَّمَرِ فِي الشَّجَرِ وَبَعْدَهُ حَتَّى يُقْسَمَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُشَمَّسُ فَعَلَيْهِ تَشْمِيسُهُ.
وَعَلَى رَبِّ الْمَال مَا فِيهِ حِفْظُ الأَْصْل كَسَدِّ
(1) الحاوي 9 / 179 - 180 ط. دار الفكر.