الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَاصَّةً، لأَِنَّهُ هُوَ الْمُتْلِفُ، فَأَمَّا الْوَكِيل فَغَاصِبٌ وَالْعَقَارُ عِنْدَهُ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُزَارِعُ عَلَى الْوَكِيل لِلْغُرُورِ.
فَإِنْ كَانَ حَابَى فِيهِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، فَالْخَارِجُ بَيْنَ الْمُزَارِعِ وَرَبِّ الأَْرْضِ عَلَى الشَّرْطِ، وَالْوَكِيل هُوَ الَّذِي قَبَضَ نَصِيبَ الْمُوَكِّل لأَِنَّهُ هُوَ الَّذِي أَجَّرَ الأَْرْضَ.
وَإِنَّمَا وَجَبَ نَصِيبُ رَبِّ الأَْرْضِ بِعَقْدِهِ فَهُوَ الَّذِي يَلِي قَبْضَهُ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الأَْرْضِ أَنْ يَقْبِضَهُ إِلَاّ بِوَكَالَةٍ مِنَ الْوَكِيل (1) .
وَإِذَا وَكَّلَهُ وَلَمْ يُحَدِّدْ لَهُ مُدَّةً لِلْمُزَارَعَةِ جَازَ لِلْوَكِيل أَنْ يَدْفَعَهَا مُزَارَعَةً سَنَتَهُ الأُْولَى، فَإِنْ دَفَعَهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَ هَذِهِ السَّنَةِ وَلَمْ يَدْفَعْ هَذِهِ السَّنَةَ الأُْولَى، لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ قِيَاسًا.
وَجْهُ الْقِيَاسِ: أَنَّ التَّوْكِيل مُطْلَقٌ عَنِ الْوَقْتِ فَفِي أَيِّ سَنَةٍ وَفِي أَيِّ مُدَّةٍ دَفَعَهَا لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ مُخَالِفًا لِمَا أَمَرَ بِهِ مُوَكِّلُهُ فَجَازَ.
وَوَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ: أَنَّ دَفْعَ الأَْرْضِ مُزَارَعَةً يَكُونُ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ مِنَ السَّنَةِ عَادَةً وَالتَّقْيِيدُ الثَّابِتُ بِالْعُرْفِ فِي الْوَكَالَةِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ، فَإِذَا دَخَلَهُ التَّقْيِيدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُحْمَل عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ، وَهُوَ وَقْتُ الزِّرَاعَةِ مِنَ السَّنَةِ الأُْولَى (2) .
(1) المبسوط 23 / 137.
(2)
المبسوط 23 / 137.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: التَّوْكِيل مِنَ الْمُزَارِعِ:
53 -
إِذَا وَكَّل رَجُلٌ آخَرَ بِأَنْ يَأْخُذَ لَهُ هَذِهِ الأَْرْضَ مُزَارَعَةً هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنَ الْمُوَكِّل كَانَتِ الْوَكَالَةُ جَائِزَةً (1) ، وَتَسْرِي أَحْكَامُ الْوَكَالَةِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْحَالَةِ الأُْولَى هُنَا أَيْضًا، أَيْ أَنَّ الْوَكِيل يَكُونُ مُقَيَّدًا بِالْمُتَعَارَفِ عَلَيْهِ بَيْنَ النَّاسِ فِي التَّعَامُل، كَمَا يَكُونُ مُقَيَّدًا بِالشِّرْعِ، فَلَا يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفًا يَضُرُّ بِالْمُوَكِّل.
هَذَا إِذَا كَانَ التَّوْكِيل مُطْلَقًا عَنِ الْقُيُودِ، أَمَّا إِذَا قَيَّدَ الْمُوَكِّل - سَوَاءٌ أَكَانَ صَاحِبُ الأَْرْضِ أَمِ الْمُزَارِعُ - وَكِيلَهُ بِقَيْدٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَكِيل الاِلْتِزَامُ بِهِ (2) فَإِذَا خَالَفَهُ بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ إِلَاّ إِذَا كَانَتِ الْمُخَالَفَةُ لِمَصْلَحَةِ الْمُوَكِّل فَإِنَّهَا تَكُونُ نَافِذَةً فِي حَقِّهِ، لأَِنَّهَا تُعْتَبَرُ مُوَافَقَةً ضِمْنِيَّةً، فَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ بِالْمَعَانِي لَا بِالأَْلْفَاظِ وَالْمَبَانِي.
فَلَوْ وَكَّل صَاحِبُ الأَْرْضِ رَجُلاً لِيَدْفَعَ لَهُ أَرْضَهُ لآِخَرَ مُزَارَعَةً بِالثُّلُثِ مَثَلاً، فَدَفَعَهَا الْوَكِيل لَهُ بِالنِّصْفِ، فَإِنَّ الْوَكِيل هُنَا يَكُونُ قَدْ خَالَفَ مُوَكِّلَهُ، وَلَكِنَّ الْعَقْدَ يَكُونُ صَحِيحًا، لأَِنَّ الْمُخَالَفَةَ لِخَيْرِ الْمُوَكِّل وَمَصْلَحَتِهِ، فَقَدْ عَقَدَ لَهُ بِالنِّصْفِ بَدَلاً مِنَ الثُّلُثِ.
(1) المبسوط 23 / 139.
(2)
المبسوط 23 / 141، والفتاوى الهندية 5 / 266.