الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُسْلِمِينَ غَدْرٌ فِي الْعَهْدِ (1) .
ثَانِيًا - رَدُّ الْمُسْتَأْمِنِ لِلأَْمَانِ:
23 -
إِذَا جَاءَ أَهْل الْحِصْنِ بِالأَْمَانِ إِلَى الإِْمَامِ فَنَقَضَهُ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَنْبَغِي لِلإِْمَامِ أَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِْسْلَامِ، فَإِنْ أَبَوْا فَإِلَى الذِّمَّةِ، فَإِنْ أَبَوْا رَدَّهُمْ إِلَى مَأْمَنِهِمْ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ.
قَال النَّوَوِيُّ: إِنَّ الْمُسْتَأْمِنَ إِذَا نَبَذَ الْعَهْدَ، وَجَبَ تَبْلِيغُهُ الْمَأْمَنَ، وَلَا يُتَعَرَّضُ لِمَا مَعَهُ بِلَا خِلَافٍ (2) .
ثَالِثًا - مُضِيُّ مُدَّةِ الأَْمَانِ:
24 -
يَنْقَضِي الأَْمَانُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ إِذَا كَانَ الأَْمَانُ مُؤَقَّتًا إِلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ مِنْ غَيْرِ الْحَاجَةِ إِلَى النَّقْضِ (3) .
رَابِعًا - عَوْدَةُ الْمُسْتَأْمِنِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ:
25 -
نَصَّ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ أَمَانَ الْمُسْتَأْمِنِ يُنْتَقَضُ فِي نَفْسِهِ دُونَ مَالِهِ بِالْعَوْدَةِ إِلَى الْكُفَّارِ، وَلَوْ إِلَى غَيْرِ دَارِهِ مُسْتَوْطِنًا أَوْ مُحَارِبًا، وَأَمَّا إِنْ عَادَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ لِتِجَارَةٍ، أَوْ مُتَنَزِّهًا أَوْ لِحَاجَةٍ يَقْضِيهَا، ثُمَّ يَعُودُ إِلَى دَارِ الإِْسْلَامِ فَهُوَ عَلَى أَمَانِهِ (4) .
(1) روضة الطالبين 10 / 281 - 290، ومغني المحتاج 4 / 238.
(2)
المراجع السابقة.
(3)
بدائع الصنائع 7 / 107، وابن عابدين 3 / 226، وشرح السير الكبير 1 / 264، وفتح القدير 4 / 300، والقوانين الفقهية 160، وروضة الطالبين 10 / 281، 290، ومغني المحتاج 4 / 238، وكشاف القناع 3 / 106، 111.
(4)
ابن عابدين 3 / 250، 251، والزيلعي 3 / 269، وروضة الطالبين 10 / 289، وكشاف القناع 3 / 108، والمغني 8 / 400.
خَامِسًا - ارْتِكَابُ الْخِيَانَةِ:
26 -
صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ مَنْ جَاءَنَا بِأَمَانٍ، فَخَانَنَا، كَانَ نَاقِضًا لأَِمَانِهِ لِمُنَافَاةِ الْخِيَانَةِ لَهُ، وَلأَِنَّهُ لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ (1) .
ل -
مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى رُجُوعِ الْمُسْتَأْمِنِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ
27 -
ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ - وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ - إِلَى أَنَّ مَنْ دَخَل دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَوْطِنًا، بَقِيَ الأَْمَانُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ بَطَل فِي نَفْسِهِ.
وَاسْتَدَل الْحَنَابِلَةُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: لأَِنَّهُ بِدُخُولِهِ دَارَ الإِْسْلَامِ بِأَمَانٍ ثَبَتَ الأَْمَانُ لِمَالِهِ الَّذِي كَانَ مَعَهُ، فَإِذَا بَطَل فِي نَفْسِهِ بِدُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ بَقِيَ فِي مَالِهِ، لاِخْتِصَاصِ الْمُبْطِل بِنَفْسِهِ، فَيَخْتَصُّ الْبُطْلَانُ بِهِ.
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنِ ابْنِ الْحَدَّادِ: لِلْمُسْتَأْمِنِ أَنْ يَدْخُل دَارَ الإِْسْلَامِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ أَمَانٍ لِتَحْصِيل ذَلِكَ الْمَال، وَالدُّخُول لِلْمَال يُؤَمِّنُهُ كَالدُّخُول لِرِسَالَةٍ، وَسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعَجِّل فِي تَحْصِيل غَرَضِهِ، وَكَذَا لَا يُكَرِّرُ الْعَوْدَ لأَِخْذِ قِطْعَةٍ مِنَ الْمَال فِي كُل مَرَّةٍ، فَإِنْ خَالَفَ تَعَرَّضَ لِلْقَتْل وَالأَْسْرِ، وَقَال غَيْرُ ابْنِ الْحَدَّادِ: لَيْسَ لَهُ
(1) كشاف القناع 3 / 108.
الدُّخُول، لأَِنَّ ثُبُوتَ الأَْمَانِ فِي الْمَال لَا يُوجِبُ ثُبُوتَهُ فِي النَّفْسِ.
28 -
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى عَدَمِ بُطْلَانِ الأَْمَانِ فِي مَالِهِ أَنَّهُ إِنْ طَلَبَهُ صَاحِبُهُ بُعِثَ إِلَيْهِ.
وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِبَيْعِ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا صَحَّ تَصَرُّفُهُ.
وَإِنْ مَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ انْتَقَل إِلَى وَارِثِهِ مَعَ بَقَاءِ الأَْمَانِ فِيهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْحُقُوقِ مِنَ الرَّهْنِ وَالشُّفْعَةِ، وَبِهِ قَال الْحَنَفِيَّةُ كَمَا يَأْتِي.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ: يَبْطُل الأَْمَانُ فِي الْحَال فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيَكُونُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَال؛ لأَِنَّهُ قَدْ صَارَ لِوَارِثِهِ، وَلَمْ يَعْقِدْ فِيهِ أَمَانًا، فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُل فِيهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، وَلأَِنَّ الأَْمَانَ يَثْبُتُ فِي الْمَال تَبَعًا.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، صَارَ فَيْئًا كَمَا قَال الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي بَقَاءِ الأَْمَانِ فِي مَالِهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلأَْمَانِ فِي مَالِهِ حَصَل الأَْمَانُ فِيهِ تَبَعًا، فَيَبْطُل فِيهِ تَبَعًا، وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الأَْمَانِ لَمْ يَبْطُل.
29 -
وَأَمَّا الأَْوْلَادُ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْبَى أَوْلَادُهُ، فَإِذَا بَلَغُوا وَقَبِلُوا الْجِزْيَةَ تُرِكُوا، وَإِلَاّ بَلَغُوا الْمَأْمَنَ (1) .
(1) ابن عابدين 3 / 252، وروضة الطالبين 10 / 289 - 290، والمغني 8 / 400 - 401، وكشاف القناع 3 / 108.
30 -
أَمَّا إِنْ أُسِرَ، بِأَنْ وَجَدَهُ مُسْلِمٌ فَأَسَرَهُ، أَوْ غَلَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَهْل دَارِ الْحَرْبِ، فَأَخَذُوهُ أَوْ قَتَلُوهُ، وَكَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ وَدِيعَةٌ عِنْدَهُمَا، فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَسْقُطُ دَيْنُهُ؛ لأَِنَّ إِثْبَاتَ الْيَدِ عَلَى الدَّيْنِ بِالْمُطَالَبَةِ، وَقَدْ سَقَطَتْ، وَيَدُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَسْبَقُ إِلَيْهِ مِنْ يَدِ الْعَامَّةِ، فَيَخْتَصُّ بِهِ فَيَسْقُطُ، وَلَا طَرِيقَ لِجَعْلِهِ فَيْئًا؛ لأَِنَّهُ الَّذِي يُؤْخَذُ قَهْرًا، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ.
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ أَسْلَمَ إِلَى مُسْلِمٍ دَرَاهِمَ عَلَى شَيْءٍ، وَمَا غُصِبَ مِنْهُ، وَأُجْرَةِ عَيْنٍ أَجَّرَهَا، وَكُل ذَلِكَ لِسِبْقِ الْيَدِ.
31 -
وَأَمَّا وَدِيعَتُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَمَا عِنْدَ شَرِيكِهِ وَمُضَارِبِهِ وَمَا فِي بَيْتِهِ فِي دَارِ الإِْسْلَامِ فَيَصِيرُ فَيْئًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّ الْوَدِيعَةَ فِي يَدِهِ تَقْدِيرًا، لأَِنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَيَدِهِ فَيَصِيرُ فَيْئًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ مَا عِنْدَ شَرِيكِهِ وَمُضَارِبِهِ وَمَا فِي بَيْتِهِ.
32 -
وَاخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الرَّهْنِ: فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُبَاعُ وَيُسْتَوْفَى دَيْنُهُ، وَالزِّيَادَةُ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمَيْنِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ قَوْل مُحَمَّدٍ، لأَِنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ فِي حُكْمِ الْوَدِيعَةِ.