الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيَتَصَافَحَانِ إِلَاّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْل أَنْ يَتَفَرَّقَا (1) .
وَقَوْلِهِ: تَصَافَحُوا يَذْهَبُ الْغِل (2) . وَمَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا لَقِيَ الْمُؤْمِنَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَصَافَحَهُ تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَرِ (3) .
فَهَذِهِ الأَْحَادِيثُ وَغَيْرُهَا عَامَّةٌ فِي كُل مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، وَتَشْمَل بِعُمُومِهَا الْمَرْأَةَ تُلَاقِي الْمَرْأَةَ فَتُصَافِحُهَا (4) ، وَلأَِنَّهُ يَحِل لَهَا أَنْ تَنْظُرَ وَتَمَسَّ مِنَ الْمَرْأَةِ مَا يَحِل لِلرَّجُل أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ وَيَمَسُّهُ مِنَ الرَّجُل، وَهُوَ سَائِرُ الْجَسَدِ سِوَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، لأَِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ خَوْفُ الشَّهْوَةِ، حَتَّى لَوْ خِيفَتِ الشَّهْوَةُ كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا (5) .
ثَالِثًا: الْمُصَافَحَةُ بَيْنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ:
يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْمُصَافَحَةِ الَّتِي تَقَعُ بَيْنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ بِحَسَبِ كَوْنِهِمَا مِنَ الْمَحَارِمِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ:
6 -
فَأَمَّا مُصَافَحَةُ الْمَحَارِمِ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ
(1) حديث: " ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان. . . ". أخرجه الترمذي (5 / 74) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
(2)
حديث: " تصافحوا يذهب الغل ". تقدم في الفقرة (4) .
(3)
نصب الراية 2 / 259، غذاء الألباب 1 / 326.
(4)
مغني المحتاج 3 / 135.
(5)
بدائع الصنائع 5 / 124.
وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ إِلَى جِوَازِهَا، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ فِي الْوَالِدَيْنِ مَعَ الأَْبْنَاءِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَفِي غَيْرِهِمْ فِي رِوَايَةٍ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمْ بِجَوَازِ لَمْسِ الْمَحَارِمِ فِي غَيْرِ مَحَل الْعَوْرَةِ بِشَرْطِ الأَْمْنِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَعَدَمِ خَوْفِ الشَّهْوَةِ (1) ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّل فَاطِمَةَ رضي الله عنها إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، وَتُقَبِّلُهُ إِذَا دَخَل عَلَيْهَا (2) ، وَكَذَلِكَ صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَبَّل ابْنَتَهُ عَائِشَةَ رضي الله عنها (3) ، وَلأَِنَّ مَسَّ الْمَحَارِمِ فِي غَيْرِ عَوْرَةٍ يَغْلِبُ فِيهِ الصِّلَةُ وَالرَّحْمَةُ وَالشَّفَقَةُ، وَيَنْدُرُ اقْتِرَانُهُ بِالشَّهْوَةِ (4) .
وَإِذَا كَانَ لَمْسُ الْمَحَارِمِ عَلَى النَّحْوِ الْمَذْكُورِ مُبَاحًا فَإِنَّ الْمُصَافَحَةَ نَوْعٌ مِنَ اللَّمْسِ، فَتَكُونُ مَشْرُوعَةً فِي حَقِّ الْمَحَارِمِ، وَيَشْمَلُهَا حُكْمُ الاِسْتِحْبَابِ الَّذِي اسْتُفِيدَ مِنَ الأَْحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالْحَنَابِلَةُ فِي غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ مَعَ الأَْبْنَاءِ فِي رِوَايَةٍ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ
(1) بدائع الصنائع 5 / 120، والفتاوى الهندية 5 / 328، والمبسوط 10 / 149، والهداية 4 / 63، 64، وحاشية الدسوقي 1 / 215، والمحلي وحاشية القليوبي 3 / 212، والآداب الشرعية 2 / 269، غذاء الألباب 1 / 329.
(2)
حديث: " تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها ". أخرجه أبو داود (5 / 391) ، والترمذي (5 / 700) من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال الترمذي:" حديث حسن غريب ".
(3)
الآداب الشرعية 2 / 270.
(4)
الهداية 4 / 64.
مُصَافَحَةِ الْمَحَارِمِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْل بَعَدَمِ جَوَازِ مَسِّهِمْ، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبَيْنِ كَقَوْل الْجُمْهُورِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ جَوَازُ لَمْسِ الْمَحَارِمِ فِي غَيْرِ عَوْرَةٍ إِذَا انْتَفَتِ الشَّهْوَةُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا شَفَقَةٍ (1) .
7 -
وَأَمَّا الْمُصَافَحَةُ الَّتِي تَقَعُ بَيْنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ الْمَحَارِمِ فَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْل الْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِهَا وَفَرَّقُوا بَيْنَ مُصَافَحَةِ الْعَجَائِزِ وَمُصَافَحَةِ غَيْرِهِمْ:
فَمُصَافَحَةُ الرَّجُل لِلْمَرْأَةِ الْعَجُوزِ الَّتِي لَا تَشْتَهِي وَلَا تُشْتَهَى، وَكَذَلِكَ مُصَافَحَةُ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُل الْعَجُوزِ الَّذِي لَا يَشْتَهِي وَلَا يُشْتَهَى، وَمُصَافَحَةُ الرَّجُل الْعَجُوزِ لِلْمَرْأَةِ الْعَجُوزِ، جَائِزٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مَا دَامَتِ الشَّهْوَةُ مَأْمُونَةً مِنْ كِلَا الطَّرَفَيْنِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ (2) ، وَلأَِنَّ الْحُرْمَةَ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْمُتَصَافِحَيْنِ مِمَّنْ لَا يَشْتَهِي وَلَا يُشْتَهَى فَخَوْفُ الْفِتْنَةِ مَعْدُومٌ أَوْ نَادِرٌ (3) .
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ مُصَافَحَةِ الْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً، وَهِيَ الْعَجُوزُ
(1) حاشية القليوبي 3 / 212، والإنصاف 8 / 32 والآداب الشرعية 2 / 269.
(2)
حديث: " كان يصافح العجائز ". أورده الكاساني في بدائع الصنائع (5 / 123) ولم نهتد لمن أخرجه.
(3)
بدائع الصنائع 5 / 123، والآداب الشرعية 2 / 269، ومطالب أولي النهى 5 / 14.
الْفَانِيَةُ الَّتِي لَا إِرَبَ لِلرِّجَال فِيهَا، أَخْذًا بِعُمُومِ الأَْدِلَّةِ الْمُثْبِتَةِ لِلتَّحْرِيمِ (1) .
وَعَمَّمَ الشَّافِعِيَّةُ الْقَوْل بِتَحْرِيمِ لَمْسِ الْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا الْعَجُوزَ، فَدَل ذَلِكَ عَلَى اعْتِبَارِهِمُ التَّحْرِيمَ فِي حَقِّ مُصَافَحَتِهَا، وَعَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّابَّةِ فِي ذَلِكَ (2) .
وَأَمَّا مُصَافَحَةُ الرَّجُل لِلْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ الشَّابَّةِ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ، وَابْنُ تَيْمِيَّةَ إِلَى تَحْرِيمِهَا، وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ التَّحْرِيمَ بِأَنْ تَكُونَ الشَّابَّةُ مُشْتَهَاةً، وَقَال الْحَنَابِلَةُ: وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ كَثَوْبٍ وَنَحْوِهِ أَمْ لَا (3) .
وَاسْتَدَل الْفُقَهَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ مُصَافَحَةِ الْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ الشَّابَّةِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُمْتَحَنَّ بِقَوْل اللَّهِ عز وجل {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} (4) - الآْيَةَ - قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا
(1) كفاية الطالب الرباني 2 / 437.
(2)
المحلي والقليوبي وعميرة 3 / 211 - 213، ومغني المحتاج 3 / 132، 133، 135.
(3)
تبيين الحقائق 6 / 18، والفتاوى الهندية 5 / 329، وحاشية العدوي على الرسالة 2 / 437، وعارضة الأحوذي 7 / 95 - 96، والمنتقى 7 / 308، والأذكار ص228، وشرح النووي على صحيح مسلم 13 / 10، وفتح الباري 11 / 46، والآداب الشرعية 2 / 269.
(4)
سورة الممتحنة / 12.