الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شهر ربيع الأول
أوله السبت وهو أول تشرين الثاني ورابع هتور سابع عشر العقرب وكانت رؤية الهلال ليلة الجمعة ممكنة ولكن حال دونها غيم ورؤي بطرابلس ليلتئذ.
وليلة السبت أوله توفي القاضي الفقيه العدل الفاضل المدرس بدر (1) الدين محمد بن عبيدان البعلبكي الأصل الدمشقي بالقرب من اليغمورية بالصالحية وصُلي عليه من الغد قبل الظهر ودفن هناك بتربة الرومي وهو جده لأُمه بسفح قاسيون وكان له بضع وخمسون سنة حفظ الحاوي واشتغل في الفقه ونزل بالمدارس ثم صاهر القاضي شرف الدين ابن الشريشي وصار يشهد بالعادلية ثم صار من أعيان شهود الحكم وتميز عليهم بكونه من أهل العلم ودرس بالقواسية، وأعاد عن شرف الدين الحراضي سنة (87) في ربيع الأول بالشامية الجوانية، وولاه ابن جماعة قضاء بعلبك واستنابه بالمارستان النوري وولي بعد ذلك قضاء حمص غير مرة وحج غير مرة ثم مرض بالفالج عام أول واستمر أشهراً إلى أن توفي، وكان الشيخ سراج الدين أجازه بالإفتاء بدمشق حين قدم مع السلطان القدمة الثانية وكان كثير الصدقة وأوصى بصدقة.
ويومئذ توجه عسكرٌ إلى ناحية غزة يقدمهم ..... اللكاش أعطاه
(1) تاريخ ابن قاضي شهبة 4/ 137، إنباء الغمر 4/ 176.
النائب تقدمة ويضاف إليه عدة أُمراء منهم دوادار النائب سودون وخرج النائب لتوديعهم قبل الظهر.
ويوم الأحد ثانيه توفي شمس الدين محمد بن برهان الدين إبراهيم الصماني الشاهد والده بمركز العصرونية، وكان هو يعاني المباشرات بديوان إيتمش الأمير الكبير وغير ذلك.
ويوم الاثنين خرج طُلب الأمراء المتوجهين إلى ناحية حلب مجردين ومقدمهم الأمير جلبان ولكن أصبح ضعيفاً حصل له قولنج ومعه مقدمون الحاجب الكبير طيفور والأمير الكبير أحمد بن الشيخ علي ويلبغا الأشقتمري وصُرُوقْ، ويقال أن جلبان توجه في محفة ومعهم الأمراء الطبلخانات والعشروات من هو مضاف إليهم.
ويوم هذا الاثنين ثالثه توفي الشيخ جمال الدين يوسف بن (1) مبارك بن أحمد المعروف بالصالحي بواب الخانقاه المجاهدية بالشرف منذ زمان وأحد الصوفية بها قبل الظهر وصلي عليه قبل العصر بجامع تنكز ودفن بمقبرة الصوفية وفرغ من دفنه أذان العصر وقد بلغ ثلاثاً وستين سنة إلا عشرين يوماً، كان مولده رابع عشري ربيع الأول سنة تسع وثلاثين، وكان هو صبي يقرأ بالألحان مشهوراً بذلك مذكوراً في سنة الطاعون الكبير وبعدها هو وعصفور الذي هو موقع الآن بالقاهرة ومتعصب لكل واحد منها طائفة ثم كبر وانتقل من الصالحية إلى المجاهدية هو وأخوه سليمان وكان مؤذناً وقيماً بالمسجد الذي انبنى شرقي الخانقاه وجلس فيه وصار يعلم الصبيان فقرأ عليه جماعة وختموا القرآن ثم ترك ذلك وصار مشغولاً بنفسه وعياله وأصابه بآخره فالج وكان مع ذلك يمشي في حاجته ثم انقطع أياماً يسيرة ومات.
ويومئذ آخر النهار قبض النائب على الأمير الكبير بتخاص رأس
(1) إنباء الغمر 4/ 188.
المسيرة اتهمه بمكاتبة المصريين وبألفاظ صدرت منه يقالُ نماها الأمير جلبان وكان طلبه قبل ذلك في اليوم المذكور ودار بينهم كلام ثم طلبه وسجنه بالقلعة، وقبض بعده على أمير يقال له ابن موسى التركماني.
ويوم الأربعاء خامسه تجهز النائب للخروج إلى ناحية حلب وأعلم أمراءه بذلك، يقال جاءه كتاب نائب طرابلس يحثه على ذلك ويخبره أنه ما لم يخرج بنفسه لا يخرج ويوم الخميس سادسه خرج النائب ومعه طائفة ممن بقي من العسكر لاحقاً العسكر الذين توجهوا إلى ناحية حلب لأن نائب طرابلس لما بلغه خروج العسكر مع جلبان أرسل يقول أنا لا أخرج إلا أن يخرج نائب الشام وواعده الملتقى عند مكان سماه فخرج النائب يومئذ أول النهار وجعل نائب الغيبة أزدمر أخو أينال وكان بطالاً وجلس بدار السعادة وبقي بدمشق الحاجب قرابغا والحاجب المستجد شهاب الدين الذي كان حاجباً ثم نائب القدس وبقي من الأمراء جماعة منهم ابنا منجك وأمير فرج أحد المقدمين وابن أخيه.
ويوم الاثنين عاشره توفي علاء (1) الدين ابن فطيس التاجر بالقدس الشريف وكان من تجار الحجاز وله هناك دار وجاور غير مرة في التجارة ثم أقام بالقدس وتوفي هناك وقد جاوز السبعين وهو زوج بنت قاضي القضاة جمال الدين الميلاني.
وبلغنا أيضاً وفاة الرملي (2) الكاتب المجود بالقدس أيضاً وقد بلغ سبعاً وثمانين سنة، كتب عليه جماعة كثيرون قديماً وحديثاً وكتب بخطه مصاحف وغير ذلك.
ويومئذ عاشره ضربت البشائر على القلعة عند طلوع الشمس وبعد العصر بسبب أخذ العسكر الشامي حمص وقيل أنه ناوشهم القتال ثم نزل
(1) تاريخ ابن قاضي شهبة 4/ 129.
(2)
* * * *
إليهم بالأمان ثم ضربت يوم الثلاثاء حادي عشره بعد الظهر قالوا بسبب أخذ غزة.
ويوم الأربعاء ثاني عشره قبل العصر وقع المطر ثانياً وليلة الخميس وجرى الميزاب.
ويوم الخميس أيضاً وذلك في ثاني وثالث عشر تشرين الثاني ويوم الجمعة رابع عشره، ورابع عشر تشرين الثاني في الساعة الثانية نقلت الشمس إلى برج القوس.
ويوم الأحد سادس عشره ضربت البشائر على القلعة بعد العصر وبكرة الغد قيل لأمر جاءهم من ناحية غزة فتوجه الحاجب قرابغا إلى تلك الجهة على البريد بسبب ذلك ليحرر القضية، والقضية أن المصريين اختلفوا واقتتلوا، وانحاز إلى الأمير الكبير إيتمش الأمراء الكبار كتغري بردي وفارس الحاجب وأرغون شاه ويعقوب شاه وهولاء مقدمون وغيرهم من الطبلخانات والعشراوات وبعض مماليك السلطان.
واجتمع مماليك السلطان إلى يشبك الخازندار فانكسر الأمير إيتمش وجماعته فخرجوا على حميةٍ حتى وصلوا إلى غزة فأرسل اللكاش يخبر بذلك، فلما كان يوم الثلاثاء وصل جماعتهم إلى دمشق متوجهين إلى النائب، فلما كان يوم الأربعاء وصل نائب غزة متوجهاً إلى النائب وكان مختفياً بغزة فلما وصل إيتمش برز وجاء وهذه القضية من أغرب ما يكون.
وليلة الأربعاء تاسع عشره زاد بردى زيادة كثيرة بسبب قوة الماء وهذا شيء لم يعهد واستمر على ذلك مدة ثلاث أيام، وكذلك أخبر البقاعيون بنمو ذلك في نهر البقاع وعيونه.
وفي هذه الأيام توجه رسول النائب إلى الأمير إيتمش والأمراء بما يطيب خواطرهم وأمر بأن يفصّل لهم القماش.
وفي هذه الأيام اشتد الحصار بحماة وقتل جماعة ثم رجع النائب لما
وصل إليه خبر المصريين ووصل يوم الثلاثاء خامس عشريه في أبهة هائلة وضربت البشائر على القلعة.
وجرى بطرابلس كائنة غريبة في غيبة نائبها يونس الرماح مع جمهور العسكر وهي أن مركباً وصل ليلة السبت وهو سادس عشر في تاريخهم من الديار المصرية فيه نحو عشرة أنفس مغاربة وغيرهم وفيهم أميران يقال لأحدهما أمير أسد والآخر ابن بهادر صاحب البرج وهو برج الأمير إيتمش ولكن نسب إلى الذي عمّره ومعهم كتاب السلطان والخليفة والأُمراء إلى أهل طرابلس وإلى القضاة بأن أميراً منهم يكون حاجب الحجاب ونائب الغيبة، ويقال أن معهم تولية الحاجب النيابة فوجدوه قد قتله النائب، فلما وصل في الثلث الأول من الليل إلى الميناء رفعوا النيران وحصل ضجة واشتهر أنه مركب للإفرنج وشاع أنهم أخذوا الميناء، فخرج الناس على اختلاف انواعهم بالسلاح مبادرين نحو الصوت إلى الميناء فوجدوهم مسلمين فرجعوا وقد نزلوا من المركب فملكوا برج إيتمش فعند ذلك خرج نائب الغيبة عن النائب وهو الحاجب الذي ولاه اسمه قجقار ومن بقي من العسكر ودوادار النائب ومعهم القضاة فسألوهم فأخبروهم بالحال وقرئت الكتب التي معهم فرجع القضاة واستمر نائب الغيبة ومن معه يناوشهم للقتال وتنادوا وقتل طائفة من العسكر وكان كلما قتل واحد أخذ أهل البرج فرسه ولم يكن معهم خيل البتة واستمروا على ذلك إلى بعد الظهر.
فلما رجع القضاةَ اجتمعوا بالجامع وتشاوروا في تنفيذ كتاب السلطان والعمل به، وكان ابن الأذرعي الذي كان قاضيها في وقتٍ مالكياً، جاءه مع هؤلاء ولايةٌ عوضاً عن رجل يقال ابن شاش كبير -بمعجمتين- فلبس الخلعة من الغد، فلما اجتمعوا اقتضى رأيهم على قراءة كتاب السلطان والملطفات على العوام فقرئ ذلك ثم أمروا برفع الأعلام على الميادين فرفعت وكبر العوام وهفلوا وارتجّت البلد بالتكبير.
ثم بادر العوام إلى نهب بيت نائب الغيبة فلما بلغ ذلك قجقار ولى هارباً إلى ناحية حمص، وعاث العوام فساداً وطلعوا القلعة وكسروا أبوابها
ونهبوا حواصل النائب الغائب، ودخل أصحاب البرج البلد ونهبوا معهم ولم يزل الأمر كذلك إلى آخر النهار فنودي بالأمان وشرعوا في الولاية والعزل والحكم واحتاطوا على مغلات الأمراء.
ولم يزل الأمر على ذلك إلى يوم الثلاثاء ثامن عشره فجاء من جهة النائب وقد بلغه الخبر رجلان أحدهما ابن أمير أسد وهو أخو الذي جاء من مصر والآخر العيساوي دوادار جلبان، فذكرا أنهما جاءا في الصلح فقويت نفوس العوام وغلقوا الأسواق وأخذوا في تحصين البلد وجمع آلات الدفع وحملوا الحجارة إلى الأسطحة وآلات الحرب وأطلقوا لسانهم في النائب وتهابوا لدفعه إذا جاء وعدم تمكينه من البلد.
فلما كان من الغد يوم الأربعاء تاسع عشره إذا هم بعسكر قد براءهم من ناحية النائب مع نائب الغيبة ومن كان معهم وفيهم الأمير صُرُوق أحد المقدمين بدمشق فاحتاطوا بالبلد من كل جانب ودار بينهم وبين العوام القتال وقتل جماعة من الطائفتين.
وكان القضاة قد توجهوا إلى ناحية العسكر فحمل عليهم بعضهم فرجعوا هاربين إلا المالكي الجديد فإنه حمل رمحاً وصار يقاتل، ووقعت عمامة الشافعي فرجع بالطاقية، ودام الأمر على ذلك إلى بعد العصر فرجع العسكر إلى وطاقهم.
ثم وقع قتال في يوم الخميس بين طائفة من العسكر وبين العوام وجعلت عوام البلد أحزاباً لكل حزب كبير، وذلك باتفاق من كبراء البلد والقضاة.
ولم يزل الناس في هذه الأيام في الأراجيف والصراخ في الليل ولم تقم الجمعة إلا في البرطاسية، ثم عادوا القتال يوم الأحد ثالث أو رابع عشريه.
فلما كان يوم الاثنين وصل نائب البلد والعساكر فهجموا على البلد وبذلوا السيف فيها وأسروا القاضي الحنبلي الموفق وابن الأذرعي المالكي وابن الأخلصي الحنفي ورجل يقال له جمال الدين النابلسي كان مفتي البلد
وخطيبها محمود وابن بهادر الذي جاء من مصر، وكذلك المالكي المعزول وسجنوه ثم ذبحوا ابن الأذرعي والنابلسي وعصروا المالكي المعزول وأخذوا منه مالاً، وأما القاضي الشافعي فإنه كان احتاط لنفسه ونقل ماله وقماشه إلى البرج وتوجه إليه قبل الوقعة.
ثم توجه الأمير صُرُوق إلى البرج يحاصره ثم رجع آخر النهار فخرج من بالبرج في القوارير إلى
…
ليلاً ليلة الثلاثاء وهربوا فأصبحوا ليس لهم أثر، ونهبت الأسواق وتتبع النائب من نهب بيته وجرى كل قبيح ثم بلغنا أنهم ذبحوا من بقي في أسرهم فالله أعلم.
ثم بلغنا ما هو أغرب من ذلك وهو ابن العفيف صلاح الدين وكان قد توجه إلى طرابلس لما ضاقت به الدنيا وافتقر وخرجت وظائفه يرجو نوال قاضيها مسعود لما جرى ما جرى سعى عند نائبها فولاه قضاء الشافعية وهو عار من الفضل بالكلية لا يعرف إلا صنعة الكتابة وكتابته حسنة، وكان إلى قريب جندياً ثم دخل في الديونة وولي نظر الأيتام ثم خرج منه لسوء بصيرته هذا وكان جده حنفياً والظاهر أنه على مذهب جده، ويا ليت شعري بما يحكم وبأي مستند يحكم إنا لله وإنا إليه راجعون.
وفيه سعر الفقاع كل كوز بفلس جديد فأفسدوه إلا الذي في الفسقار فاستمر منصلحاً ودام سعره على ما كان كل كوزين بثمن درهم.
وفيه توفي جمال (1) الدين يوسف بن الكويز وكان يباشر نظر الوقف المنصوري مات مسافراً.
وليلة سابع عشريه توفي الشيخ شهاب (2) الدين بن الشيخ صلاح الدين العلائي بالقدس.
ويوم الجمعة تاسع عشريه أول كيهك، ويومئذ أطلق النائب الأمير بتخاص ومن اعتقل معه وهو موسى التركماني بعدما دام معتقلاً ثلاثة
(1) * * * *
(2)
إنباء الغمر 4/ 149، الضوء اللامع 1/ 296، شذرات الذهب 9/ 28. وهو أحمد بن خليل بن كيكلدي.
وعشرين يوماً، ويومئذ اشتهر أن النائب أطلق مكس الخيل فيما بلغني ولم يتم ذلك، واشتهر أيضاً ونودي به أنه يغل للمارستان كل سنة مائة قنطار سكر ونادى باستمرار ذلك كل سنة (1).
(1) جاء في حاشية الورقة (96 ب) في ربيع الأول توفي القاضي برهان الدين قاضي الحنابلة بمصر وقد ذكر وقد ذكره الشيخ بعد في إحدى الجمادين.