الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شهر رمضان
أوله الثلاثاء تاسع عشري أيار نصف الجوزاء ثالث بونة، وصام الناس في هذه السنة في أطول النهارات لم يقع مثله في هذا القرن فإن نصف الجوزاء ونصف السرطان متساويان وقد اقتسما الشهر شطرين هذا والوقت بحمد الله بارد والهواء رطب.
ويوم الثلاثاء أوله توفي الحاج سعد (1) البهائي مولى قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء السبكي ودفن بعد الظهر بتربة مولاه القاضي تاج الدين بسفح جبل قاسيون بعدما صُلي عليه بالجامع وكان جاوز السبعين، سمع مع مواليه بالقاهرة من ابن قريش والشيخ شمس الدين القماح والشرف إسماعيل بن عبد ربه وبدمشق من زينب بنت الكمال وأبي العباس الجزري وحدث.
وكان بيده مباشرات وإليه بسط سجادة محراب الجامع وتبخيره بعد الحاج مفتاح الزيني.
ويوم الأربعاء ثانيه فوض يوسف بن القاضي محيي الدين بن الزكي ما بيده من ثلث تدريس العزيزية الذي كنت أنوبه فيه إلى قاضي القضاة وثبت ذلك عندي ويومئذ ولي قاضي القضاة بدر الدين بن المحتسب بن علاء الدين الأنصاري مشيخة القوصية وكانت بيد ابن الظاهري فتوفي عنها ولها مدة فسألت قاضي القضاة أن يوليه فولاه إياها.
(1) تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 631، إنباء الغمر 3/ 346، شذرات الذهب 8/ 610.
ويوم الخميس ثالثه توفي الشيخ علاء الدين علي (1) بن قاضي الكرك زين الدين عمر بن عامر بن خضر بن ربيع العامري الغزي وصُلي عليه بالجامع وكان بقية أعيان شهود الحكم وموقع القاضي الشافعي، كتب بخطه المليح المسريع كثيراً وكان خطه مع سرعته لا يختلف، وكان هو وأخواه جمال الدين وهو أكبر منه وبهاء الدين وهو أصغر منه من أعيان الموقعين وكان بيده وظائف مباشرات وحصل له فالج انقطع بسببه إلى أن توفي، وكان فلج وهو قاعد في مجلس الحكم، يقال أنه أكل عدساً وغضب فحمل من المجلس في يوم الخميس ..... كما أرخنا فانقطع إلى أن توفي، وقد جاوز السبعين رأيت سماعه على البرزالي ووالده بالكرك حين كان أبوه قاضيها سنة ثمان وثلاثين لأحاديث منتقاة من معجم ابن جميع.
ويوم الجمعة رابعه أول حزيران، ويوم الأحد سادسه وثالث حزيران طلع الدبران ويوم الثلاثاء ثامنه أول مهرماة.
وأخبرني ابن بولاد يوم الجمعة رابعه أن كتاب نعير جاء إلى نائب الشام يسأله أن يطلب له من السلطان أماناً فأرسل النائب كتابه بذلك وفيه كتاب نعير.
وقدم من بلاد الروم في هذه الأيام رجل يعرف بالصلي كان خياطاً بالعقيبة نزح عنها منذ بضع وعشرين سنة إلى بلاد ابن عثمان وهو قرابة خياط كان بها قديماً دهراً طويلاً وكان شيخاً كبيراً كان يخيط لوالدي وخاط لي أيضاً فأرسل السلطان خلفه فأقدمه على خيل البريد إلى القاهرة فوصل إلى دمشق في أوائل الشهر، يقال: إن السلطان كان اجتمع به قديماً بدمشق ولاذ الناس به ولزمه الذين كانوا يعرفونه وهرع إليه الناس وكان نزل بالمهمخاناة وبينه وبين الشريف قرابة بني قاضي شهبة قرابة فسأل القاضي أن يوليه قضاء بلد فولاه زرع فحكم أياماً ثم توجه، وهرع الراغبون في المناصب إلى هذا الخياط كالباعوني والأخنائي والقضاة المتصلون.
(1) تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 635، إنباء الغمر 3/ 354.
ويوم الخميس عاشره خلع على وكيل بيت المال الجديد قدم من القاهرة بوكالة وهو ابن القرشية صهر القاضي بدر الدين القرشي.
ويوم الجمعة حادي عشره خطب بالجامع الذي أنشأه ابن دعاء الذي كان والياً عند تربتهم برأس حارة المغاربة بطرق مقبرة الباب الصغير مقابل جامع جراح وولي خطابته شرف الدين الأنطاكي النحوي فخطب يومئذ.
ويومئذ بعد الصلاة توجه الأمير ناصر الدين البانياسي متولياً نابلس ومباشراً في الأغوار من جهة النائب.
وفيه جاءت الأخبار بأن طائفة من جيش تمر ويقال ابنه معهم وصلوا إلى ماردين فأرسل إلى السلطان يعرف بذلك، واختلف النقل في قصدهم لذلك.
ويوم الاثنين رابع عشره جرت كائنة غريبة وهي أن سواقاً قدم فذهب إلى بيت ابن المنجا فبشره بورود توقيع له مع بريدي صادفه في الطريق بالقضاء فاستبشروا بذلك واشتهر ذلك بالصالحية، هذا والقاضي الحنبلي النابلسي يحكم بالمدينة شوصل ذلك البريدي فجاء إلى بيت كاتب السر فوجده في الحمام فجلس ينتظره فركب دواداره إلى بيت ابن المنجا بالصالحية مبشراً أو مخبراً بوصول البريدي وظهر تصديق السواق، فلما خرج كاتب السر من الحمام نظر في التوقيع فإذا هو باسم النابلسي بنصف تدريس الحنبلية استعاده من ابن المنجا وصارت بينهما نصفين، ثم وصل على أثره توقيع القاضي بتكملتها وصار بيد ابن منجا أنصاف التدريسين اللذين أخذهما من القاضي كما أرخناه في شعبان.
وكان السواق أخبره البريدي أن معه توقيع القاضي الحنبلي فلم يفهم منه إلا تولية ابن منجا ثم بان الأمر بخلاف ذلك وكان ذوو بني منجا قد استطالوا بالصالحية على جماعة النابلسي في تلك اللحظة وذهبوا إلى نائبه فيما قيل فانقلب السرور بضده وحصل لهم خجل.
وقد وقع شبيهٌ بهذه القصة منذ ثلاث وتسعين ستة في سنة سبعمئة، جاء توقيع لقاضي الحنفية شمس الدين محمد بن إبراهيم الأذرعي وكان ولي
في سنة خمس وسبعمائة القضاء عوضاً عن القاضي شمس الدين محمد بن عثمان ابن الحريري مدة سنة، فجاء في أثناء المدة توقيع باستمراره، فوصل البريد وبيده التوقيع للقاضي الحنفي فظن أنه ابن الحريري فقصده البريدي واجتمعوا لقراءة التوقيع بالظاهرية، وشرع البرزالي في قراءته فلما وصل إلى اسمه فإذا هو الأذرعي فسكت ونزل عن الكرسي وانفض الناس وقصدوا الأذرعي كما ذكرت ذلك في كتاب الدارس في أخبار المدارس.
فصل الصيف ويوم الأربعاء سادس عشره في الساعة الثانية بعد الزوال نقلت الشمس إلى برج السرطان وهو الثالث عشر من حزيران وصام الناس رمضان في أطول النهارات وكان نصفه الأول من فصل الربيع وثانيه من فصل الصيف.
ويوم الخميس سابع عشره توفيت ضحى النهار زينب (1) بنت الشيخ شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي زوجة القاضي شهاب الدين الزهري أم أولاده بالقليجية وصُلي عليها بالجامع بعد العصر ودفنت بمقبرة الصوفية عند والدها وحضرها القضاة والأعيان.
وكان والدها مدرّس القليجية والعادلية الصغرى ومفتي دار العدل وشيخ القراء بتربة أم الصالح والأشرفية وغيرهما وزوج ابنته هذه القاضي شهاب الدين الزهري ونزل له عن وظائفه فكان ذلك مبدأ سعادته فلم تزل ابنته هذه ساكنة بالقليجية أيام أبيها وزوجها وابنها، وقد رأيت والدها ومات سنة أربع وستين في الطاعون.
ويوم الجمعة ثامن عشره توفي ..... بن الشيخ ..... بن جماع المطبب هو وأبوه وكان انقطع في بيته من مدة وجاء في هذه الأيام توقيع باسم شخص بالقاهرة بوظيفته بالمارستان وحصل نزاع فمات، وكان طبيباً بالمارستانين النوري والدقاقي وكان لا بأس به، وكان أبوه خفيف الروح يسر المريض اذا اجتمع به ويفرح خاطره.
(1) تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 632.
وفيه فشا الموتُ بالطاعون فمات لابن عطا أمين الدين ست بنات أو سبع بالطاعون وكذلك مات غير واحد، ومات ابن الصابوني بالقصاعين مطعوناً انقطع يوماً واحداً.
ويوم الاثنين حادي عشريه خلع على ابن خليفة الذي بقاقون (1) بمشد المراكز وكان باشرها من حين قتل ابن النشو شهاب الدين الحاجب، وخلع على ابن السنجاري باستاددارية الغور عوضاً عن ابن النشو.
ويوم الثلاثاء ثاني عشريه توفي شهاب الدين أحمد بن الأمير صارم الدين إبراهيم بن عمر الخوارزمي في ستة من أهل بيته مطعونين وكان ديناً متواضعاً.
وفي هذه الأيام نقص سعر القمح لكثرة الجلب فكانت الغرارة قاربت الأربعمئة فانحط سعرها إلى ثلثمائة وزيادة ثم انحط إلى مائتين وخمسين ونحو ذلك.
ويوم الخميس رابع عشريه سعر الخبز الطيب كل تسع آواق بدرهم وكان نصف رطل وسبع آواق ثم ارتفع سعر القمح.
وفي أواخره عزل القاضي لنائبه الصدر الكفيري بإشارة القاضي المالكي وكان كتب إلى الدوادار الصغير طغتمر بالقاهرة يسأل فيه إبلاع السلطاز، أمر المالكي بأشياء ذكرها قبيحة فأرسل الكتاب إلى المالكي ويقال أنه قُرئ على السلطان ثم تحرر أن الذي أرسل معه الكتاب دفعه للمالكي وخان الأمانة فاستشاط المالكي غضباً وأوشك أن يستفتي عن ذلك، وبعد عزله تحدث في استنابة القاضي جمال الدين البهنسي فتوقف القاضي في ذلك.
ويوم الاثنين ثامن عشريه وخامس عشرين حزيران أول أبيب.
ويوم الثلاثاء التاسع والعشرين منه وهو اَخره توفي رفيقنا الشيخ الإمام العالم الفقيه العلامة أقضى القضاة مفتي المسلمين شرف الدين أبو الروح (2)
(1) قاقون -قال ياقوت -حصن بفلسطين قرب الرملة- معجم البدان 4/ 239 (9375).
(2)
تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 636، إنباء الغمر 3/ 355، الدرر الكامنة 3/ 205 (499)، الذيل على دول الإسلام 388.
عيسى بن عثمان بن عيسى بن غازي الغزي الشافعي بقاعته التي أنشأها بمدرسة أم الصالح وصُلي عيه عقيب صلاة الظهر بالجامع ودفن بمقبرة الباب الصغير ومشى قاضي القضاة في جنازته والفقهاء وغيرهم، وقد اختلف جماعة في وقت وفاته فقال لي صهره أنه مات عند اشتهار خبر موته في الساعة الثالثة، وقال لي غيره بل مات بعد الفجر وبلغني عن بعض نسائه أنه مات بعد العشاء وأخفوا موته إلى الغد لجمع ماله والله أعلم.
وكان مرض نحو تسعة أشهر منذ توجه إلى الغور وكان الذين توجهوا إلى الغور من القضاة والشهود جميعهم ضعفوا إلا واحداً، فمنهم من مات بالقدس قبل أن يرجع وهو نائب المالكي ومنهم من مرض بعد رجوعه، والذين مات منهم قاضيان وشاهدان وهذا آخرهم وله نحو ستين سنه فإنه قدم دمشق للاشتغال في سنة تسع وخمسين وله نحو عشرين سنة فاشتغل في الفقه وأخذ عن والدي والحسباني والغزي والقاضي تاج الدين وولاه قضاء داريا، ثم ولي قضاء بيت أيما وسافر إلى ابن الخابوري بطرابلس فأذن له في الإفتاء، ولم يزل مواظباً على الاشتغال والمطالعة إلى أيام القاضي ولي الدين فأخذ تصديراً على الجامع وتصدى للإشغال واعتنى بذلك وكثرت طلبته ثم تصدى للفتوى ودرس بعد موت القرشي بالمسرورية ثم نزل له عن تدريس الرواحية بجملة دراهم قبل موته بنحو ثلاث سنين وناب في الحكم للقاضي سري الدين وهو الذي نوبه وأشهره، وناب أيضاً عن القاضي علاء الدين وعن الباعوني، وكان يعتمد عليه ويركن إليه، ولم يكن بالمحمود فنزغ الشيطان بينهما وعزله وأظهر عنه أموراً كان يكرها.
وفي الجملة فلم يكن بالمحبب إلى الناس بل كانوا يمقتونه، وكان من أعيان الفقهاء إلا أنه كان قاصر الفهم ومتساهلاً في نقله لم يزل يتهم وكان ربما أتى في ذلك من جهة الفهم لا التعمد.
وكان في أول أمره فقيراً فحصل مالاً من مواريث زوجات تزوجهن فأثرى وكثر ماله والله تعالى يعفو عنه ويسامحه.
وسمع من ابن الجوخي والنشابي وسمع من ابن رافع وغيره، وكان نزل لولده عن جميع وظائفه وأمضاه القاضي سري الدين على الوجه الشرعي
بعد تمنع ثم أبقوا النزول على القاضي الحنبلي وحكم به ولم تقع ولايته شرعية، وجاءه توقيع سلطاني على حكم النزول وشرط الواقف، فلما توفي خرج تدريس الرواحية لقاضي القضاة وعوضه بتصديره على الجامع، وولاني قاضي القضاة وناظر المسرورية تدريسها ورسم لي النائب بالمباشرة كل ذلك بغير سعي مني.
فلما كان يوم الخميس ثانيه باشر الصبي التدريس بالمسرورية وحضر عنده القاضي المالكي وقليل من الفقهاء فأرسل النائب إلى القاضي يعلمه بأن كاتبه يباشر (*).
(*) جاء في حاشية الورقة (56 ب): في رمضان جاء كتاب السلطان بإبطال القاضي الحنبلي من بعلبك فسعى قاضيها ابن زيد بمساعدة كاتب السر ومكاتبة النائب في ذلك فلما سمع الحنابلة بذلك جاءوا إلى دمشق فسعى القاضي الحنبلي ودخلوا على كاتب السر فانقلب ذلك.