الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شهر ربيع الأول
أوله يوم الأربعاء العشرين من تشرين الأول السادس من برج العقرب الثالث والعشرين من بابة.
ويوم الخميس ثانيه وصل الأمير شهاب الدين ابن الشيخ علي وهو كاشف الكُشاف ومتكلم في الأغوار وصحبته العُشران متوجهًا نحو العسكر فنزل ببرزة.
واشتهر يوم الجمعة استنابه قاضي القضاة لشرف الدين موسى بن الرمثاوي فعزل ابن الزهري نفسه من أجله.
ويوم الخميس أيضًا ثانيه وصل رسول ابن عثمان راجعًا من الديار المصرية وأخبر أن المصريين خارجين بعده فلم ينزل بالبلد بل توجه من فوره.
ويوم السبت رابعه وقع مطر بلّ الأرض وحصل منه وحلٌ يسير وتكرر وقوعه ثم وقع أيضًا ليلة الأحد رابع عشرين تشرين الأول وهو أقوى مطر وقع.
ويوم الاثنين سادسه توفي شرف الدين مسلم (1) ابن محمد المعروف بابن الخراط وصُلي عليه وهو في عشر الستين وربما قاربها، وكان أخوه ممن قرأ السبع بمعرفةٍ يقرأ قراءة حسنة ويُحيي بالجامع بمحراب الصحابة في
(1) تاريخ ابن قاضي شهبة 4/ 248.
شهر رمضان، وكان هذا أصغر منه وقرأ أيضًا ثم صار بآخره ينوب في نظر الأوصياء، ولهم أخ ثالث.
ويوم الثلاثاء سابعه وصل القاضي السيد النقيب كاتب السر إلى بيته وكان خرج مع النائب وهو وجع العينين فاشتد وجعه فأذن له النائب في الرجوع من حمص فرجع على طريق بعلبك وأقام بها أيامًا ثم جاء على ناحية البقاع.
ويومئذ وصل رسول ابن عثمان الآخر من مصر وأخبر عيسى الوسافي ووصل معه أن المصريين فرقوا الجمال للخروج.
ويوم الأربعاء ثامنه وصل رسول النواب نائب الشام وحلب وطرابلس متوجهين إلى مصر وأخبروا أن تمرلنك ترك حصار قلعة بهسنا وجاوزها إلى قلعة البلستين وهي أقرب إلى حلب فانزعج الناس ثم وصلت الأخبار بنزول تمر على نهر جيلان بحضرة حلب.
ويوم الخميس تاسعه أول هتور، ويوم السبت حادي عشره وصل الخبر من حلب بأن مقدمة العسكر اقتتلت هى ومقدمة عسكر تمرلنك وأن الظفر كان لنا ولله الحمد، ويومئذ كانت الوقعة بظاهر حلب.
ويوم الأربعاء نصفه وصل بريدي ومعه بطاقة يقولُ فيها أن الوقعة كانت على باب حلب وأن العسكر قاتلوا قتالًا شديدًا وحملوا حملات ثم إنهم رجعوا إلى حلب فدخلوها منكسرين ودخل على أثرهم جماعة تمرلنك فأخذوا حلب وأن النواب دخلوا القلعة وأن أزدمر وولده قتلا وأن فرقة منهم وصلت إلى المعرة (1) فنادى الحاجب بذلك وأمر الناس بالتحول إلى البلد والاستعداد للعدو فاختبطت البلد وحصل الضجيج والبكاء وأخذ الناس في النقلة من حول البلد إلى داخلها واجتمع القضاة وأعيان الناس بالحاجب بالجامع ثم نودي بوصول الخبر بخروج السلطان من القاهرة وطيبت خواطر
(1) المعرة - قال ياقوت -بليدة بنواحي حلب- معجم البلدان 5/ 181 (11387) وهي غير معرة النعمان.
الناس ثم في آخر النهار جاء من أخبر بالوقعة ثم وصل بعض فل العسكر وانجفل أهل حماة وتلك النواحي إلى دمشق يوم الجمعة سابع عشره، وبعد وقبل وإلى الآن لم تتحرر كيفية الوقعة ولكن الناس في خوف شديد وشرع الناس يتأهبون للخروج من دمشق وكان الحاجب ومن تابعه قد أرسل منه متوجهين على طريق صفد فنزلوا داريا ولم يأذن لأحد فاستغاث الناس فاذن لهم ثم منعهم، ثم نودي في يوم السبت بالمنع ومن سافر نهب وُرد من كان سافر.
ثم جاء يومئذ ثامن عشره بطاقة من حماة فيها أن طائفة وصلت من العدو إلى حماة وأنهم واقعوهم وأزعجوهم وضربت البشائر على القلعة واستمروا يضربون ومن الغد ثم نودي من سافر نهب وصار جماعة يسافرون خفية على درب صفد.
ثم أخبرني بعض الحلبيين بالوقعة، قال: خرجوا إليهم يوم الخميس وكانوا ينيبون على ظاهر البلد على كل نائب ناس فاقتتلوا يوم الخميس وكان العوام مشاة والترك فانتصفوا منهم يومئذ ثم قاتلوهم يوم الجمعة وقتلوا منهم وأسروا، فلما كان يوم السبت داروا حول البلد وعلوا على جبالها واقتتلوا فحملوا على العسكر حملة فولوا الأدبار ورجعوا إلى البلد ودخل أولئك في أدبارهم البلد، وكان العسكر لما رجعوا داسوا من قدامهم من المشاه وقتل جماعة من المشاة الذين كانوا قدامهم فلما ولوا الأدبار رجعوا لا يلوون على شيء ويلقون ما معهم من السلاح واللباس تخفيفًا، ودخل من دخل البلد منهم وأولئك في أثارهم وصعد النواب والأعيان القلعة ومنهم من لم يدرك فدليت لهم الحبال من السور ومنهم من هرب راجعًا على وجهه لا يدري أين يذهب فلما دخلوا البلد أخذوا في النهب والحريق وأسروا البنين والبنات، واختلفت الأقاويل في كيفية ذلك وعاثوا فسادًا وهذا آخر ما انتهى
إلينا.
ومن يوم الأحد لا ندري ما جرى فإلى الله المشتكى وبه المستعان وهو المستغاث وصار الناس يجيئون في أسوأ حال قد نقبت أقدامهم من
المشي وأخذت ثيابهم ومنهم من تستر بعباءة وشدّ على رجله ما يمكنه المشي عليها ودخلوا البلد على هذه الحال من هراب العسكر وأهل حلب من بدء ليلة الأحد ..... من الجانب الذي أحرقوه من السور ومنهم من أُسر ..... ، ويقال: إن طائفة منهم وصلوا إلى حماة ففعلوا كفعلهم في حلب.
ثم زاد ابن المدني لما رجع زيادات منها أن العسكر كانوا يتعاطون من المظالم وشرب الخمر ما نستحق ذلك، وأن ليلة السبت جاءهم من يحذرهم بأنهم من الغد يكبسوهم فداروا على النواب فلم يتمكنوا من الاجتماع بهم فلما أصبحوا وجدوا عسكر تمرلنك وصل إلى المكان عسكرنا يصلون إليه فلم يكن إلا كلمحة طرفٍ حتى ولوا الأدبار ينزعون ما عليهم من الثياب تخفيفًا ويلبسون ما يختفون به وجاءهم النداء من كل مكان.
ويوم الاثنين ثالث عشره أول تشرين الثاني.
ويوم السبت ثامن عشره توفي الفقيه الفاضل شمس الدين محمد (1) بن يعقوب الحمصي ببيت الخطابة من جامع التوبة وكان فيه في الإمامة والخطابة أحيانًا ويشهد بمركز مسجد القصب واشتغل في الفقه والعربية وهو رجل جيد ثقة، حصل له وجع في ظهره عجز به عن الحركة واستمر مدة ثم توفي وأظنه في عشر الخمسين إلا أنه ظهر فيه الشيب كثيرًا.
وكان الحاجب نائب الغيبة نازلًا بداره ببيت جردمر فاجتمع قاضي القضاة وغيره وأشاروا عليه بالسكنى بدار السعادة وكان ابن الشيخ علي قد رجع بمن معه لما وصل إليه خبر حلب وطلب يرجع إلى حوران فاتفق الرأي على إقامته هنا وأن يجعل كل أمير على باب، وكان حاجب الحجاب على باب النصر وابن الشيخ علي باب الجابية والأمير أسن بيه وكان ضعيفًا عند خروج العسكر وهو متوقع اللحاق بهم فلما نقه وهمّ بالتوجه ثم جاء الخبر، وهو من المقدمين فأُعطي بابًا وكذلك سائر الأبواب، وهدم وأحرق
(1) تاريخ ابن قاضي شهبة 4/ 248، بهجة الناظرين 106.
ما حول الخندق من البناء وصعد الناس الأسوار واستعد الناس للقتال وعُملت المكاحل (1) بدار السعادة وكان قاضي القضاة يتولى أمورًا كثيرة وكذلك القاضي المالكي حمل السلاح وتلثم وكان يركب كذلك، وأعدوا القلعة وحملوا إليها ما يحتاج إليه من طعمةٍ وغيره ونصبت المناجيق (2) وتأهبوا ولله الحمد.
ويوم الأربعاء ثاني عشريه وصل الخبر إلى الحاجب بأن حلب أُخذت قلعتها فضربت البشائر بين الظهر والعصر على باب القلعة وغيره وأن رسل تمرلنك واردة وبيده ما كتب من نواب السلطان بتسليم دمشق وأن لا يقاتل فتأهب النائب للهروب فوقف له العامة من أهل القبيبات وغيرهم ينتظرونه فلما خرج ضربوا بالمقاليع (3) وسلوا السيوف ونالوا منه فرجع إلى دار السعادة.
وكذلك بلغني أنهم كلموا قاضي القضاة والقاضي المالكي وكان ابن الشيخ علي قد هرب من باب الجابية فأدركه بعضهم فرموهم بالنشاب ونجوا.
وتزاحم الناس بعضهم في بعض وأجمعوا على السفر والخروج على وجوههم واستغاث النساء والصغار وكان وقتًا عجيبًا ثم سكتوا ونادى نائب القلعة بالاستعداد للقتال.
وممن توجه السيد النقيب كاتب السر وأولاده وأتباعه وجيرانهم والنور ابن هلال الدولة و (هو) الكمال بن جملة وجماعتهم والقاضي شهاب الدين ابن الحسباني وتأخر عنه ولده وبناته الصغار ثم لحقوهم وهم بداريا فشوش عليهم أهل القبيبات وأخذوا دراهم لولده فرجع البنات وتوجه الابن، وتوجه القاضي عماد الدين البهنسي صحبة ابن الشيخ علي على درب الكسوة.
(1) المكاحل - سهام تحمل النفط ويقذف به على الأعداء.
(2)
المجانيق - جمع منجنيق وهو آلة معروفة من آلات الحصار ترمي جدران الحصون وأسوارها بالحجارة فتهدمها.
(3)
مقاليع -جمع مقلاع وتقوم مقام النبال-.
وليلة الخميس ثالث عشريه حادي عشر تشرين الثاني وقع مطر ثم تكاثر وتواتر وقوعه مرة بعد أخرى وذلك أكثر مطر وقع في هذا العام ولم يجر ميزاب قبله وأصبح الناس مرتقبون مجيء تمر فنادى منادي نائب الغيبة لا يشهر أحد سلاحًا ولا يضرب بمقلاع ولا غيره ويسلم إليه البلد بالأمان فنادى منادي نائب القلعة لا يسلم إليه البلد واستعدوا لقتاله من كان محتاجًا إلى سلاح فليأخذ من القلعة.
ووصل الأمير أسن بغا ومعه جماعة وفيهم بعض قصاد تمرلنك وأخبر بالوقعة كما قال الناس ثم إنهم شرعوا في النقب على القلعة وأرسل إليهم يتواعدهم إن لم يسلموها إليه فأرسلوا إليه أسنبغا ودخل بينهم فنزلوا إليه بالأمان فوكل بهم ثم صعد القلعة وأخذ جميع ما فيها، وافتدى النواب والأمراء أنفسهم بأموال عينوها وكتبوا كتبهم إلى دمشق ليُقبَض من المتكلم لهم وأُرسلت القصاد في قبضها وقال لهم "انه إذا ضربت السكة باسمه ودعي له على المنابر يرجع ولا يقصد مصر ولا دمشق" وأجلهم أربعين يومًا ليقبض الفداء ورد الجواب وأن يرسل إليه المسجونين عندهم بمصر.
فنادى الحاجب بالأمان والطمأنينة فنادى نائب القلعة بما ذكرنا، واختلفت الناس فقيل هذه مكيدة ليطمئنوا ثم يقدم في أثرها، وقيل غير ذلك، فبينما هم على ذلك إذ قيل جاء ناس على نُجبٍ من ناحية القاهرة وأخبروا بوصول العسكر إلى اللجون (1) فضربت البشائر ومن الغد.
وأصبح الناس يوم السبت خامس عشريه قارون عن السفر ورخص سعر الدواب وكراها بعد أن كان بالأمس غاليًا جدًا.
ويوم السبت هذا بعد العصر في الساعة الحادية عشر نقلت الشمس إلى برج القوس.
وليلة الاثنين سابع عشريه جاء مغربي فأخبر القاضي المالكي أنه فارق العسكر المصري باللجون فلما أصبح الصباح أخذه المالكي إلى القلعة
(1) اللجون - قال ياقوت -بلد بالأردن- معجم البلدان 5/ 15 (10598).
فأخبرهم فضربت البشائر على القلعة، فلما طلعت الشمس وصل سواق فأخبر بمفارقة السلطان بالريدانية بعد خروجه من مصر وأن له سبعة أيام فضربت البشائر في أثره ثانيًا، فجاء في أثره جماعة من البرد فأخبروا بذلك فضربت البشائر ثالثًا ورابعًا وفرحت الناس وصح لهم الخبر بمجيء السلطان والعسكر المصري واطمأنت خواطرهم وكانوا من قبل يسافرون في كل يوم طائفة فترك أكثر الناس السفر بعد ما كان منهم من شرع في التوجه وانتقل كثير من الناس من البلد إلى ظاهرها وكانوا قد سكنوا البلد، وجاء الغرباء ونزلوا بالجامع والمدارس وملؤوا الأماكن وكان يوم سرور عند الناس.
ثم جاء عثمان السواق من ناحية حلب وأخبر أن القلعة لم تؤخذ وإنما تحيل عليهم نائبها لما فهم منهم الميل إلى الخروج بالأمان فحسّن لهم أيضًا ذلك فلما خرجوا أغلق القلعة، وكذلك الأمير أسن بغا فيما نقل واتهم الناسُ أسن بغا ..... لأنه للعدو ولأنه أعجمي وكذلك اتهموا نائب حلب فإنه واطأ على كسرة الجيش لأنه من الأتراك كل ذلك بغضًا للجراكسة، وكذا الأمير سنتمر التركماني، وقالوا: إن العسكر لو ثبت لكسر جيش تمرلنك وإنهم كانوا أقوى منهم وأشد ولكن حصلت المخافة والله أعلم. ثم تبين أن العساكر المصريين لم تخرج بعد وإنما جاء البريد من مصر.
ويوم السابع عشر منه توفي صاحب اليمن الملك الأشرف (1) إسماعيل بن الأفضل العباس بن مجاهد بن علي بن المؤيد داود بن المظفر، وكان مشكور السيرة يثني عليه التجار، أخبرني بتاريخ وفاته الشيخ حسين بن الهندي المكي الحنفي (*).
(1) تاريخ ابن قاضي شهبة 4/ 208، إنباء الغمر 4/ 264 الضوء اللامع 2/ 299 (922) شذرات الذهب 9/ 45.
(*) جاء في حاشية الورقة (118 أ): ليس بخطه، إنما مات الأشرف المذكور في ليلة السبت الثامن عشر من الشهر المذكور كذا نقلت وفاته من كتاب مؤرخ اليمن على بن حسن ..... وكانت وفاته بتعز ودفن بمدرسة بها وكانت ولايته السلطنة بعد أبيه الأفضل في حادي عشر شعبان سنة (778) وتسلطن بعده ولده أحمد صلاح الدين ..... وهو مستمر إلى .....
ويوم الثلاثاء ثامن عشريه ضربت البشائر وقت أذان العصر لمجيء مملوك الحاجب بكتاب السلطان جوابًا عن مكاتبة الحاجب بقصبة حلب وفيه الأمر بحفظ البلد والأسوار إلى أن يقدم ركاب السلطان وهو مؤرخ بثالث عشر الشهر ولم يكن خرج السلطان بعد.
ويوم الأربعاء تاسع عشريه توفي الشيخ الإمام أقضى القضاة شمس الدين (1) محمد بن محمد بن محمد بن المكين إسماعيل المالكي ودفن من الغد بالقرافة وكان نائب الحكم المالكي ومدرس الظاهرية الجديدة بين القصرين وسمع وحدث وكان من أهل العلم والدين (*).
(1) تاريخ ابن قاضي شهبة 4/ 241، إنباء الغمر 4/ 330، الضوء اللامع 9/ 54 (149) شذرات الذهب 9/ 60، كفاية المحتاج 368 (493).
(*) جاء في حاشية الورقة (118 أ): توفي فيه الشيخ شرف الدين أبو بكر الدادبخي الشافعي من أعيان فضلاء أهل حلب وكان قدم علينا دمشق طالبًا أيام القاضي تابع الدين.
وممن عدم بحلب في الوقعة القاضي علاء الدين علي ابن الصرخدي وكان له محافظة وهو كثير الاشتغال ويتوب في الحكم بحلب.