الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جمادى الآخرة
أوله الخميس أول اذار العشرين من برج الحوت.
ويوم الجمعة ثانيه وصلت الأخبار بعزل قاضي القضاة صدر الدين المناوي وتولية نائبه تقي الدين ابن الزبيري مكانه وأن الزبيري أعطى نظر الحرمين لكاتب السر.
ويومئذ سافر شهاب الدين الجواشني إلى القاهرة أرسله قاضي القضاة علاء الدين.
ويوم الاثنين خامسه وخامس آذار أول صوم النصارى يصومون شهراً ونصف (45) يوماً.
- فصل الربيع ويوم الخميس ثامنه كذا ورخ بمكة توفي بها القاضي نور الدين علي بن أحمد بن (1) عبد العزيز بن القاسم بن عبد الرحمن بن القاسم بن عبد الله العقيلي نسبة إلى عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه النويري المالكي أخو القاضي أبو الفضل ودفن بالمعلاة وكان يحكم هناك على مذهبه نيابة عن أخيه، مولده بمكة سنة أربع وعشرين وسمع بعد الثلاثين بها من الوادي آشي وعيسى بن الملول وعيسى البجلي وجماعة بالمدينة من على الأسواني والجمال المطري الحافظ وحدث ودفن بالمعلا، كتب إليّ بذلك عز الدين الأقفهسي من مكة وكان مجاوراً هناك وسمع من السكري وغيره.
(1) تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 635.
- فصل الربيع وليلة الاثنين الثاني عشر منه نقلت الشمس إلى برج الحمل في الساعة الحادية عشر في ليلة ثاني عشر من آذار.
وآخر ليلة الثلاثاء ثالث عشره توفي الشيخ معين (1) الدين معين بن عثمان بن خليل المصري الضرير شيخ القراء بالألحان وقد جاوز الثمانين وكان مشاراً إليه في ذلك له حظوة عند الناس وحصل وظائف وثروة وكان مقدماً على جميع القراء بمصر والشام ويحفظ أشياء حسنة ويصحح ما يقول ويأتي بالمناسبات في المجالس والمحافل وكان حنبلي المذهب قرأ بمدرسة الشيخ أبي عمر ثم بآخره صار شافعياً وولي إمامة مشهد ابن عروة وكان مؤذناً بالجامع ومقرئاً بالترب الكبار وصُلي عليه بعد صلاة الظهر بالجامع ودفن بمقبرة الصوفية بعدما صُلي عليه بجامع تنكز وعند المقابر وشيّعه جماعة كثيرون وقد سمع بدمشق سنة أربع وأربعين يوم ختم الترمذي من ابن أبي اليسر وابن الخباز وابن الجوخي وعلي بن الإسكندري وإبراهيم بن القواس ومحمد بن عبد الحكيم الرقي.
ويوم الجمعة بعد العصر سادس عشره توفي القاضي نجم الدين عبد الكريم بن (2) محمود بن أحمد بن السنجاري ناظر الأوصياء من مدة قديمة وكان ولي قديماً الحسبة غير مرة ووكالة بيت المال ثم ترك السعي في ذلك وكان عنده شلش ومداخلة في الأمور وعنده انطباع وكرم نفس وخلاعة ومجون وقد ضرب مرتين في رمضاد سنة (88) في فتنة الظاهرية، وصُلي عليه من الغد بالجامع ودفن بالصالحية وهو في عشر السبعين.
ومات يومئذ بالمارستان ابن الحكم استاددار إياز وكان تحت المصادرة فحصل له استسقاء فتمرض بالمارستان فمات.
ويوم الاثنين تاسع عشره نودي في البلد بأمر قاضي القضاة وركب معهم أيضاً في بعض الطريق وبين يديه المحتسب والواليان بأن يتأهب الناس لصلاة الاستسقاء وأن يصوموا ثلاثة أيام أولها يوم الأربعاء ويخرجوا يوم
(1) تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 646، إنباء الغمر 3/ 365.
(2)
تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 634، إنباء الغمر 3/ 351.
السبت إلى الصحراء وأن يتوبوا ويخرجوا من المظالم ففعلوا ذلك وصاموا ومنع الطباخون من طبخ الأطعمة وصاروا ينكرون على من أفطر إنكاراً شديداً ولا يجترئ أحد على الفطر وتتبع الحاجب خموراً كثيرة فأراقها، وبلغنا أنهم استسقوا بحماة وببعلبك وحمص وغيرها ولم يقع إلى الآن مطر فإن المطر تأخر تأخراً زائداً وأما مياه الأنهار فإلى الآن وهو الثاني والعشرون من شهر آذار يوم الخميس لم تدفع العين شيئاً وبرداً كهيئته في أول الشتاء بل أقل لا يجري إلا ساقية صغيرة في جانبه وقد صار مرجاً أخضر والناس يمشون فيه بوادي الشقرا وهذا شيء لم نعهده منذ دهر، وكانت العادة في مثل هذه الأيام يكون بردا ملآن والله يلطف.
ويوم الجمعة ثالث عشريه صُلي على غائب وهو الشيخ إبراهيم الأخلاطي الأزوردي مات بمصر وكان أقام بها سنوات توفي في آخر الشهر الماضي.
ويوم السبت رابع عشريه وهو الرابع والعشرون من آذار خرج الناس للاستسقاء بسفح جبل المزة وشرعوا في الخروج من الليل أفواجاً أفواجاً فما طلعت الشمس إلا وقد امتلأ السطح ثم جاء الناس من كل فج وخرج الخطيب عقيب صلاة الصبح بعدما صلى في أول الوقت ولم يصل إمام المشهد قبله ومشى ومشى القاضي الحنبلي معه والناس في ثياب البذلة بغير فرجية ولا طيلسان، وخرج الحاجب وهو نائب الغيبة والأمراء والفقراء كلهم مشاة، فما وصل الخطيب إلى ربع النهار تقريباً من شدة الزحمة فصلى ركعتي الاستسقاء وخطب بهم خطبة بليغة وضج الناس بالدعاء وطلب السقيا واستغاثوا واستغاثوا وأخذ الشيخ إبراهيم الصوفي محمولاً لضعفه عن المشي والركوب فدعا بالناس وكان يوماً مشهوداً ملأوا السفح والجبل ولم يعهد الناس الخروج للاستسقاء من سنة تسع عشرة أدركه المسن منهم وكان ذلك الاستسقاء بوطأ داريا عند مسجد القدم في يوم السبت منتصف صفر سابع نيسان بعدما نودي بالخروج والصيام في عاشر الشهر وشرعوا في قراءة صحيح البخاري وقنت الخطباء أياماً وخرج النائب ومن دونه مشاة على الهيئة المشروعة وخطب الشيخ بهم صدر الدين الداراني تلميذ النواوي وهو
خطيب جامع العقيبة وكان من الفقهاء الصالحين وكان ينوب في الحكم لابن صصري توفي في ذي القعدة سنة خمس وعشرين.
ورجعوا من الاستسقاء ولم يمطروا وقلوبهم منكسرة فوقع المطر بكرة الأحد ودام إلى يوم الاثنين وجرت الميازيب وجاءت الأخبار بوقوعه بالبلاد القبلية وغيرها.
وقبل ذلك ببضعة عشر سنة سنة خمس وسبعمائة يوم الخميس رابع رجب وهو العشرون من كانون الثاني استسقوا أيضاً بسطح المزة بعدما نودي أول الشهر بصيام ثلاثة أيام وخرج النائب ومن دونه مشاة على الهيئة المشروعة استسقى بهم خطيب الجامع يومئذ شرف الدين الفزاري خطبة حسنة ومات بعد ذلك في السنة من شوال.
وقبله بأحد عشر سنة سنة أربع وتسعين وستمائة استسقوا في وقت استسقائهم من هذه السنة من آذار في يوم الأربعاء خامس جمادى الأولى عند مسجد القدم وخرج أيضاً نائب السلطنة والناس كلهم مشاة وخطب بهم نائب الخطيب تاج الدين صالح الجعبري نائب الخطيب ونائب الحكم لابن جماعة وعزل نفسه قبل الخطبة ثم أعادوا الاستسقاء ثانياً يوم السبت رابع الشهر بالمكان المذكور وكان الجمع أكثر من المرة الأولى وخطب الخطيب الشيخ شرف الدين أحمد بن أحمد بن نعمة المقدسي ومات بعد ذلك في السنة في شهر رمضان يوم الأحد سابع عشره.
وفي أواخر أيام الشيخ محيي الدين النواوي استسقوا أيضاً ولعله سبب إفتائه في وجوب الصيام بأمر الإمام وذلك سنة أربع وسبعين وستمئة ثلاث مرات أُولاها يوم الخميس سابع عشرين رجب والثاني يوم الخميس حادي عشر شعبان وهو آخر يوم من كانون الثاني والثالثة في السادس والعشرين من رمضان من خامس عشر آذار وما رأيتهم أزخو وقوع مطر إلا في رابع عشر ذي القعدة وهو الخامس من أيار وحصل به نقص في الشمس والعجب أن في هذه السنة أعني سنة أربع وسبعين وستمئة استسقى أهل بغداد وكانت العيون انقطعت عندهم، وتقلص المطر ثلاث مرار أيضاً ولم يسقوا ولكن لطف الله تعالى بإجراء العيون وجرت الفرات ودجلة ونزلت الأسعار وكان
استسقاؤهم بظاهر بغداد ..... عبد الله نصيب كرسي وخطب ابن عكبر، وفي اليوم الثاني استسقى بهم الشيخ عماد الدين ذو الفقار مدرس المستنصرية واسمه محمد بن ..... محمد بن محمد ذو الفقار الحسيني توفي سنة ثمانين ليلة الجمعة ثالث شعبان عن أربع وثمانية سنة والمرة الثالثة الشيخ ظهير الدين، نقلته من ذيل الكازروني (*).
ويوم الاستسقاء والناس منتظرون الخطيب وهم في ذكر وتهليل ودعاء واستغفار قتل محمد بن عبد الله بن إبراهيم المعروف بابن النشو وهو جالس بين الناس للاستسقاء، وكان هذا الرجل أول أمره مغربلاً بالطواحين، وكان أبوه ممن تشرف بدين الإسلام وكان أصله نصرانياً فميا قيل فآل أمره إلى أن صار طحاناً يضمن الطواحين ثم أنه أثرى وضمن طاحون باب الفرج وغيرها وصار معلماً كبيراً مشهوراً وذلك بعد سنة ثمانين وسبعمئة ثم صار سمساراً في الغلة وأقبلت عليه الدنيا إقبالاً زائداً وصار ماله ينمو نمواً وافراً، حكى لي عن نفسه من ذلك أشياء وداخل الدولة وكان العوام يكرهونه بسبب الغلال وينسبون إليه أموراً من الظلم وتضييق الأرزاق والأقوات، ولما قدم السلطان في المرة الثانية شكوه إلى السلطان وأرادوا رجمه فهرب واختفى وحماه محمود الاستاددار، وأخذ منه أموال كثيرة ولا يظهر عليه نقص بسبب شيء من ذلك فلما كان منذ سنين أعطى أمره باسم ولده وجعل إليه شد المراكز وكان الأمراء يهربون من تولية هذه الوظيفة ويرشون ليعزلوا منها فباشرها أحسن مباشرة وعمر المراكز بالجبل والوادي واستولى على الضياع وتكلم في داريا وضمن ما فيها من ملك ووقف وحضر الفلاحين وصارت الغلال كلها له وتمكن من الظلم والطرح والسخر وغير ذلك ولا ينهاه أحد وصار ينسب إليه كل قبيح والعامة يتضاعف بغضها له ويظهرون له كل سوء وكان منذ أيام قد طرح سيرجاً على الناس وهم في شدة منه وتظاهروا الإنكار عليه حتى نودي برد المظالم والخروج في النهار للاستسقاء فصادف
(*) جاء في حاشية الورقة (51 أ): وفي سنة ثمانين وستمئة استسقى الناس يوم الخميس تاسع عشر ذي القعدة في آذار خطب بهم برهان الدين الإسكندري بالمصلى وخرج النائب والناس ووقع الغيث بعده عشرة أيام.
حضوره مع الناس فعرضوا بسبه فنهاهم بعض من ينسب إليه فلم يدر إلا والحجارة ساقطة عليه مثل المطر وقام الناس فتركوا ما كانوا فيه من الخشوع وصار بين راجم وناظر وهارب ومتنقل من مكان إلى مكان فكأنه هرب خطوات فأكبوا عليه ورما رجل بحجر في وجهه فضربه، وجاء آخر فاحتز رأسه وجاؤوا إلى الحاجب فلم يتغير من مكانه، وفرغ من أمره في أسرع وقت وقطعوه قطعاً، وأعقب ذلك مجيء الخطيب وهم في الصلاة، وطائفة من العوام قد أخذ بعضهم جثته فسحبه إلى المدينة، وآخرون حملوا رأسه على رمح وصاروا إلى تحت القلعة فأحرقوه وذهبوا إلى بيته فنهبوه ونهبوا بعض الطواحين المنسوبة إليه وأخذوا ما فيها من الغلة، وترك جماعة صلاة الاستسقاء بهذا السبب.
وكان رجلاً طوالاً أسمر في لسانه لثغة يبدل السين ثاء وكان أسود اللحية من أبناء الخمسين أو أكثر وحج سنة ست وثمانين وبنى حماماً حسناً في هذه السنة عند باب الجابية، والناس ينسوبه إلى سوء الاعتقاد.
ثم قبض على قاتله واعترف وقال: سمعت تاجراً بالرماحين يقول لعبد اسمه مبارك إن قتلت ابن النشو أعطيتك ثلاثة آلاف، فقلت له: أنا شريكك فلما كان يوم الاستسقاء ورجمه الناس وجدت فرصة فقتلته، فقيل له من التاجر؟ فقال: لا أعرفه إلا بوجهه فقبض على التجار واحداً واحداً فاعترف على واحد فأنكر ثم تسرعوا فقبضوا على جماعة لا مدخل لهم في قتله بل مجرد كونهم فرحوا أو نحو ذلك.
ويوم الأحد خامس عشريه زاد ولله الحمد النهر وقوي الماء ولم يكن قبل ذلك زاد شيئاً، وكان الناس يقتتلون على الماء، وترك خلق من الناس زرع المقاثي في هذه السنة ثم رجع إلى ما كان واستمرت الرياح والغيوم عقب الاستسقاء أياماً وحصل برد وجاءت الأخبار بوقوع مطر بالبلاد القبلية والغربية ونشفت قناه زملكا (1) وغيرها وما حول البلد من ناحية الشمال،
(1) زملكا -قال ياقوت -قرية بغوطة دمشق منها جماعة من الأعلام- معجم البلدان 3/ 168 (6062).
ووقوع الثلج بأرض البقاع وشمالي دمشق أيضاً، وحصل برد شديد وهواء بارد وغيوم في البلد واستمر النهر وكذلك برد شديد ولله الحمد والمنة، ثم رجع الماء إلى سيرته الأولى.
ويوم الثلاثاء سابع عشريه وهو سابع عشرين آذار أول شهر برمودة من شهور القبط وفيه توفي القاضي نور الدين على (1) بن أحمد بن عبد العزيز النويري إمام مقام المالكية بمكة وولي قضاها أيضاً وهو أخو القاضي عز الدين أبي الفضل.
ويوم الخميس التاسع والعشرين منه اجتمع القضاة ونوابهم ونائب الغيبة والأمراء والحجاب بدار السعادة وقرئ عليهم كتاب النائب وفيه نوع من العتب بسبب قتل ابن النشو والأمر بكتابة محضر بصورة ما جرى يؤخذ فيه خطوطهم لأن المحضر الذي أرسل مختصر جداً، فكتب محضر بصورة ما جرى من قتله ووقته وما آل إليه أمره، وكتبوا عليه وأرسل إلى النائب ليوقف عليه السلطان.
وفيه أو في الذي قبله مات سعد (2) الدين بن البقري الوزير بالديار المصرية وولي عوضه ابن الطوخي الذي كان وزيراً بدمشق.
وفيه أو في الذي بعده توفىِ محمود الاستاددار (*) وبعد مدة يسيرة عزل الذي ولي مكانه الاستاددارية قطلبك استاددار إيتمش وولى مكانه يلبغا المجنون.
(1) تاريخ ابن قاضي شهبة 3/ 635، إنباء الغمر 3/ 352، الدرر الكامنة 3/ 17 (30)، شذرات الذهب 8/ 614، العقد الثمين 6/ 1320 (230)، النجوم الزاهرة 12/ 122.
(2)
إنباء الغمر 3/ 366، النجوم الزاهرة 12/ 106.
(*) جاء في حاشية الورقة (52 ب): محمود، قبض عليه بعد زوال ملك - الظاهر وحبس ثم قد كسراً، وقيل أنه .... ثم قبض عليه بسعى منطاش عليه وقبض وقيد بغل وجعل في رقبته ..... وأخذ منطاش أموال عظيمة، وقال الشيخ عزل استاددارية السلطان وهو مريض صغر سنة ثمان وتسعين وفي جمادى الأولى منها مصادرته.