الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسمع من: محمد بن فَرَج الطّلاعيّ، وأبي محمد بن خزرج.
روى عنه: ابن بَشْكُوال، وقال: تُوُفّي في رمضان، وله سبعون سنة.
وقرأ عليه بالروايات: عليّ بن محمد بن خَلَف، شابّ قرْطُبيّ.
-
حرف الميم
-
61-
محمد بن سعدون بن مُرجيّ بن سعدون [1] .
الإمام أبو عامر القُرَشيّ العَبْدَريّ المَيُورقيّ المغربيّ، نزيل بغداد. أحد الحُفاظ والعلماء المبرزين، ومن كبار الفُقهاء الظّاهرية. رحل إلى بغداد.
وسمع: أبا عبد الله البانياسيّ، وأبا الفضل بن خَيْرُون، وطِراد بن محمد، ويحيى السّبْتيّ، والحُميديّ، وابن البَطر، وخلْقًا سواهم.
قال القاضي أبو بكر محمد بن المغربيّ في «مُعجَمه» : أبو عامر العَبْدريّ هو أنبل من لقِيته.
وقال ابن ناصر: كان فهْمًا، عالمًا، متعففًا، مع فقره، وكان يذهب إلى أنّ المناولة كالسّماع.
وذكره السَّلفيّ في «مُعْجَمه» فقال: كان من أعيان علماء الإسلام بمدينة السّلام، متصرّفٌ في فنون من العلوم أدبًا ونحْوًا، ومعرفةً بالأنساب. وكان داوديّ المذهب، قُرَشِيّ النَّسَب. كتب عنّي وكتبت عنه. ومولده بقُرْطُبَة من مدن الأندلس.
قال ابن نقطة: نبا أحمد بن أبي بكر البندنيجيّ أنّ الحافظ ابن ناصر قال
[1] انظر عن (محمد بن سعدون) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 534، والمنتظم 10/ 19 رقم 20 (17/ 261، 262 رقم 3963) ، ومشيخة ابن عساكر 1/ 188، ومعجم البلدان 5/ 246، ومعجم السفر للسلفي (مصورة دار الكتب المصرية) ق 2، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 22/ 172، 173 رقم 225، والإعلام بوفيات الأعلام 214، 215، والمعين في طبقات المحدّثين 153 رقم 1665، وسير أعلام النبلاء 19/ 579- 583 رقم 332، والعبر 4/ 57، وتذكرة الحفاظ 4/ 1272- 1275، وعيون التواريخ 12/ 216، 217، والبداية والنهاية 12/ 201، والوافي بالوفيات 3/ 93، 94، وطبقات الحفاظ 461، ونفح الطيب 2/ 138، 139، وشذرات الذهب 4/ 70، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين 156 رقم 1037.
لما دفنوا أبا [1] عامر العَبْدريّ:
خلا لكِ الجوُّ فبيضي واصفِري [2]
مات أبو عامر حافظ أحاديث رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَنْ شاء فلْيَقُلْ ما شاء.
وقال ابن عساكر: كان فقيهًا على مذهب داود، وكان أحفظ شيخ لقيته [3] ذكر أنّه دخل الشّام في حياة أبي القاسم بن أبي العلاء، وسمعتُ أبا عامر وقد جرى ذِكر مالك، فقال: جِلْف جاف [4] ، ضرب هشام بن عمّار بالدِّرَّة.
وقرأتُ عليه «الأموال» لأبى عُبَيْد، فقال، وقد مرّ قول لأبي عُبَيْد: ما كان إلا حمارًا مغفلًا [5] لَا يعرف الفِقْه.
وقيل لي عنه إنّه قال في إبراهيم النَّخَعيّ: أعورُ سُوء. فاجتمعنا يومًا عند ابن السَّمَرْقَنْديّ في قراءة «الكامل» [6] ، فنقل فيه قولًا عن السَّعْديّ، فقال: يكذب ابن عَدِيّ، إنما هو قول إبراهيم الْجَوْزَجانيّ. فقلت له: فهو السَّعْديّ، فإلى كم نحتمل منك سوء الأدب. تقول في إبراهيم النَّخَعيّ كذا، وتقول في مالك كذا، وفي أبي عُبَيْد كذا؟! فغضب وأخذته الرِّعْدَة وقال: كان ابن الخاضبة والبَرَدانيّ وغيرهما يخافوني، فآل الأمر إلى أن تقول فيّ هذا. قال له ابن السّمرقنديّ:
هذا بذاك.
فقلت: إنما نحترمك ما احترمت الأئمَّة.
فقال: والله قد علمت من علم الحديث ما لم يعلمه غيري ممّن تقدّم،
[1] في الأصل: «أبي» .
[2]
الرجز في (فصل المقال شرح الأمثال 364) لكليب بن ربيعة، كان له حمى لا يقرب، فباضت فيه قبّرة فأجارها، وقال يخاطبها:
يا لك من قبّرة بِمَعْمَرِ
…
خَلَا لَكِ الْجَوُّ فَبِيضِي وَاصْفِرِي
وَنَقِّرِي ما شئت أن تنقّري
وانظر: مجمع الأمثال للميداني ص 239، ولسان العرب 1/ 417.
[3]
مختصر تاريخ دمشق 22/ 172.
[4]
في الأصل: «حلف خلف» .
[5]
في الأصل: «حمار مغفّل» .
[6]
أي: الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ.
وإنّي لأعلم من «صحيح البخاريّ» و «مسلم» ما لم يعلماه.
فقلت مستهزئًا: فعِلْمُك إذا إلهام. وهجرته.
قال: وكان سيّئ الاعتقاد، ويعتقد من أحاديث الصّفات ظاهرَهَا. بَلَغَني أنّه قال في سوق باب الأَزَج يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ 68: 42 [1] فضرب على ساقه وقال:
ساقٌ كساقي هذه [2] .
وبَلَغَني أنّه قال: أهل البِدَع يحتجّون بقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 42: 11 [3] أي في الإلهيَّة، فأما في الصّورة فهو مثلي ومثلك [4] . قال الله تعالى: يَا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ من النِّساءِ 33: 32 [5] أي في الحُرْمة [6] .
وسألته يومًا عن أحاديث الصّفات، فقال: اختلف النّاس فيها، فمنهم مَن تأوَّلها، ومنهم من أمسك، ومنهم من اعتقد ظاهرها. ومذهبي آخر [7] هذه الثلاثة مذاهب.
وكان يُفْتي على مذهب داود بن علي، فبلغني أنّه سُئل عن وجوب الغُسْل على من جامَعَ ولم يُنْزِل، قال: لَا غُسْل عليه، الآن فعلتُ ذلك بأمّ أبي بكر، يعني ولده، وكان بَشِع الصّورة، زَرِيّ اللّباس.
وقال ابن السّمعاني: حافظ مبرّز في صَنْعه الحديث، داوديّ المذهب، سمع الكثير، ونسخ بخطّه إلى آخر عُمره. وكان يسمع وينسخ.
وقال ابن ناصر: فيه تساهُل في السَّماع، يتحدَّث ولا يصغي ويقول:
[1] سورة القلم، الآية 42.
[2]
قال المؤلّف- رحمه الله في (تذكرة الحفاظ) : هذه حكاية منقطعة، وهذا قول الضلّال المجسّمة، وما أعتقد أن بلغ العبدري هذا.
[3]
سورة الشورى، الآية 11.
[4]
قال المؤلّف- رحمه الله في (تذكرة الحفاظ) : تعالى الله عن ذلك وتقدّس، وهذا لا يتفوّه به مؤمن، فإن الله تعالى لا مثل له أبدا.
[5]
سورة الأحزاب، الآية 32.
[6]
مختصر تاريخ دمشق 22/ 173.
[7]
في سير أعلام النبلاء 19/ 582: «أحد» ، ومثله في: مختصر تاريخ دمشق 22/ 183.
يكفيني حضور المجلس. ومذهبه في القراءات مذهب سوء. مات في ربيع الآخر.
قلت: روى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن عساكر، ويحيى بن بوش، وأبو الفتح المندائيّ، وجماعة. وخمل ذِكره لبِدْعته [1] .
62-
محمد بن عبد الله بن تُومَرْت [2] .
أبو عبد الله الملَّقب نفسَه بالمهديّ المَصْمُودي [3] ، الهَرْغيّ [4] ، المغربيّ، صاحب دعوة السّلطان عبد المؤمن ملك المغرب.
كان يدّعي أنّه حَسَنيّ عَلَويّ، وهو من جبل السَّوس في أقصي المغرب.
نشأ هناك، ثمّ رحل إلى المشرق لطلب العِلْم، ولقي أبا حامد الغزّاليّ، وإلِكيا أبا الحسن الهرّاسيّ، وأبا بكر الطّرطوشيّ.
[1] وقال ابن الجوزي: أصله من برقة من بلد المغرب، ودخل إلى بغداد في سنة أربع وثمانين وأربعمائة. وقال أيضا: وكانت له معرفة بالحديث حسنة، وفهم جيّد، وكان متعفّفا في فقره، ومرض يومين وتوفي في ربيع الآخر (المنتظم) .
[2]
انظر عن (ابن تومرت) في: أخبار المهدي بن تومرت، للبيذق (توفي 555 هـ) ، والكامل في التاريخ 10/ 569- 582، والمعجب 245- 264، وخريدة القصر (قسم شعراء الأندلس) 1/ 167، وجذوة الاقتباس 28) ووفيات الأعيان 5/ 45- 55، والإعلام بوفيات الأعلام 215، وسير أعلام النبلاء 19/ 539- 552 رقم 318، والعبر 4/ 57- 62، وتذكرة الحفاظ 4/ 1274، ودول الإسلام 2/ 46، وتاريخ ابن الوردي 2/ 76، 27، والدرّة المضيّة 513، ومرآة الجنان 3/ 432- 248، وعيون التواريخ 12/ 107- 115، (في وفيات 514 هـ.) ، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 151 (في وفيات 528 هـ) ، والوافي بالوفيات 3/ 323- 328، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/ 109- 117، والبداية والنهاية 12/ 186، 187، والحلل الموشية 78، 88، ورقم الحلل لابن الخطيب 56- 58، وشرح رقم الحلل 182، 187، 189، 194، 196، 198، 199، 205، 217، وتاريخ ابن خلدون 6/ 464- 472، والوفيات لابن قنفذ 273، والنجوم الزاهرة 5/ 254، وتاريخ الدولتين للزركشي 1- 5، وكشف الظنون 1518، وشذرات الذهب/ 70- 72، والاستقصاء 2/ 78- 98، وهدية العارفين 2/ 90، والأعلام 7/ 104، 105، ومعجم المؤلفين 10/ 206، ودائرة المعارف الإسلامية 1/ 106- 109.
[3]
المصمودي: بفتح الميم، وسكون الصاد، وضم الميم الثانية، نسبة إلى مصموده قبيلة من البربر.
[4]
الهرغي: بفتح الهاء وسكون الراء، نسبة إلى هرغة، وهي قبيلة كبيرة من المصامدة في جبل السوس في أقصى المغرب. (وفيات الأعيان 5/ 55) .
وجاوَرَ بمكة، وحصّل طَرَفًا جيّدًا من العلم. وكان متورّعًا. متنسّكًا، مَهِيبًا، متقّشفًا، مخشَوْشِنًا، أمَّارًا بالمعروف، كثير الإطراق، متعبّدًا، يبتسم إلى من لقِيه، ولا يَصْحَبُه من الدّنيا إلّا عصاةٌ وركْوَة.
وكان شجاعًا، جريئًا، عاقلًا، بعيد الغَوْر، فصيحًا في العربيّ، قد طُبع على النَّهْي عن المُنْكَر، متلذّذًا به، متحملًا المشقَّة والأذى فيه. أوذِي بمكة لذلك، فخرج إلى مصر، وبالغ في الإنكار، فزادوا في أَذَاه وطُرِد.
وكان إذا خاف من البْطش وإيقاع [1] الفعل به خلّط في كلامه ليظنّوه مجنونًا، فخرج إلى الإسكندرية، فأقام بها مُدَّة. ثمّ ركب البحر إلى بلاده.
وكان قد رأى في منامه وهو بالمشرق كأنه قد شرب ماء البحر جميعه كرّتين، فلمّا ركب السّفينة شرع ينكر، وألْزمهم بالصّلاة والتّلاوة، فلما انتهى إلى المَهْديَّة، وصاحبها يومئذٍ يحيى بن تميم الصَّنْهاجيّ، وذلك في سنة خمس وخمسمائة، نزل بها في مسجد مُغْلَق على الطّريق. وكان يجلس في طاقته، فلا يرى مُنْكرًا من آلة الملاهي أو أواني الخُمور إلا نزل وكسرها. فتسامَعَ به النّاس، وجاءوا إليه، وقرءوا عليه كُتُبًا في أصول الدّيانة، وبلغ خبرُه الأمير يحيى، فاستدعاه مع جماعةٍ من الفقهاء، فلّما رأى سَمْتَه وسمع كلامه أكرمه، وسأله الدّعاء، فقال له: أَصْلَحَك اللهُ لرعيّتك.
ثمّ نزح عن البلد إلى بَجَّايَة، فأقام بها يُنْكر كدأبه، فأخرج منها إلى قرية ملالة، فوجد بها عبد المؤمن بن علي القَيْسيّ، فيقال: إنّ ابن تُومَرْت كان قد وقع بكتاب فيه صفة عبد المؤمن، وصفة رجلٍ يظهر بالمغرب الأقصى مِنْ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، يدعو إلى الله يكون مقامه ومدفنه بموضعٍ من المغرب، يُسَمّى ت ي ن م ل [2] ، ويجاوز وقته المائة الخامسة. فوقع في ذهنه أنّه هو. وأخذ يتطلّب صفة عبد المؤمن، فبلغ إلى أن رأى في الطّريق شابّا قد بلغ أشدّه على الصّفة الّتي معه، فقال: يا شابّ ما أسمك؟ قال: عبد المؤمن.
فقال: الله أكبر، أنت بغيتي، فأين مقصدك؟
[1] في الأصل: «والإيقاع» .
[2]
كذا بالأصل. وفي عيون التواريخ 12/ 108 «ت ي ن م لام» . وسيأتي اسم البد: تين مل.
قال: المشرق لطلب العِلم.
قال: قد وجدتُ عِلْمًا وَشَرَفًا وصحِبني شلة. ثمّ نظر في حِلْيته فوافَقَتْ، وقال: ممّن أنت؟ قال: من كُومية [1] . فربط الشّابّ، وألقي إليه سرّه.
وكان ابن تُومَرْت قد صحِبَه عبدُ الله الوَنْشَرِيسيّ [2] ممّن تهذَّب وتفقّه، وكان جميلًا، فصيحًا في العربية، فتحدَّثا يومًا في كيفية الوصول [3] إلى الأمر المطلوب، فقال لعبد الله: أرى أن تستر ما أنتَ عليه من العلم والفصاحة عن الناس، فتُظْهر من العيّ واللَّكَن والجهل ما تشتهر به، لتجد الخروج عن ذلك، وإظهار العلم دفعةً واحدة، فيكون ذلك معجزة. ففعل ذلك [4] . ثمّ استدنى محمد أشخاصًا أجلادًا في القوى الجسْمانيَّة، أغمارًا، فاجتمع له ستَّة، فتوجهوا إلى مَراكُش، وملِكها علي بن يوسف بن تاشفين، وكان ملكًا حليمًا، عادلًا، متواضعًا، وكان بحضرته مالك بن وُهَيْب الأندلسيّ الفقيه، فأخذ ابن تُومَرْت في الإنكار، حتى أنكر على ابنه الملك، وذلك في قصَّة طويلة، فبلغ خبرُه الملك، وأنه يحدّث في تغيير الدّولة، فكلّم مالك بن وُهَيْب في أمره، وقال: نخاف من فَتح بابٍ يَعْسُرُ علينا سَدُّه.
وكان محمد وأصحابه مقيمين في مسجدٍ خراب بظاهر البلد، فأحضرهم في محفلٍ من العلماء، فقال الملك: سَلُوَا هذا ما يبغي. فكلّموه، وقال: ما الّذي يُذكر عنك من القول في حقّ الملك العادل الحليم المُنْقاد إلى الحق؟
فقال: أما ما نُقِل عنّي، فقد قلتُهُ، ولي من ورائه أقوال، وأما قولك إنّه يُؤْثِرَ طاعةَ الله على هواه، وينقاد إلى الحقّ، فقد حضر اعتبارُ هذا القول عليه، ليعلم بتعرّيه عن هذه الصِّفة. إنّه مغرورٌ بما تقولون له وتُطرونه به، مع عِلمكم أنّ الحُجَّة عليه متوجّهة. فهل بلغك يا قاضي أنّ الخمر تباع جهارا، وتمشي
[1] كومية: بضم الكاف وسكون الواو، قبيلة صغيرة كانت تنزل بساحل البحر من أعمال تلمسان.
[2]
الونشريسي: بفتح الواو وسكون النون وفتح الشين المعجمة وكسر الراء وسكون الياء المثنّاة من تحتها وبعدها سين مهملة. هذه النسبة إلى ونشريس، وهي بليدة بإفريقية من أعمال بجاية بعين باجة وقسطنطينة المغرب (وفيات الأعيان 5/ 55) .
[3]
في الأصل: «الأصول» .
[4]
وفيات الأعيان 5/ 48.
الخنازير بين المسلمين، وتؤخذ أموال اليتامى؟ وعدّد من ذلك أشياء، حتّى ذَرَفَتْ عينا الملك، وأطرق حياءً، ففهم الدُّهاة من كلامه طَمَعَه في المُلْك. ولّما رأوا سكوت الملك وانخداعه له لم يتكلّموا، فقال مالك بن وُهَيْب: إنّ عندي نصيحة، إنْ قبِلَها الملكُ حَمَدَ عاقبتها، وإنْ تَرَكَها لم آمَنْ عليه.
قال: وما هي؟
قال: إنّي خائف عليك من هذا الرجل، وأرى أن تسجنه وأصحابه، وتنفق عليهم كلّ يومٍ دينارًا، وإلّا أنفقْتَ عليه خزائنك.
فوافقه الملك، فقال الوزير: أيُّها الملك، يقبح أن تبكي من موعظة هذا، ثمّ تُسيء إليه في مجلس واحد. وأن يظهر منك الخوف مع عِظَم ملْكك، وهو رجل فقير لَا يملك سدّ جوعه.
فأخَذتَ المَلِكَ العِزَّةُ، واسْتَهْوَن أمره وصَرَفه، وسأله الدّعاء.
وقيل إنّه لما خرج من عنده لم يزل وجهه تلقاء وجهه، إلى أن فارقه، فقيل له: نراك تأدّبت مع الملك. فقال: أردت أن لَا يفارق وجهي الباطل حتى أغيّره ما استطعت.
ولما خرج قال لأصحابه: لَا مُقام لنا بمراكُش مع وجود مالك بن وُهَيْب، فإنّا نخاف مَكْره، وإنّ لنا بأَغْمات أخًا في الله فنقصده، فلم نُعدم منه رأيًا ودُعاء. وهو الفقيه عبد الحقّ بن إبراهيم المصموديّ.
فسافروا أليه فأنزلهم، وبثوا إليه سرّهم، وما جرى لهم، فقال: هذا الموضع لَا يحميكم، وإنّ أحصن الأماكن المجاورة لهذا البلد تين مل، وهي مسيرة يوم في هذا الجبل، فانقطعوا فيه بُرْهةً ريثما ينسى ذكركم.
فلّما سمع ابن تُومَرْت بهذا الاسم تجدّد له ذكر اسم الموضع الّذي رآه في الكتاب فقصده مع أصحابه. فلما أتَوْه رآهم أهل ذلك المكان على تلك الصّورة فعلِموا أنّهم طلّاب علم.
قال: فتلقّوهم وأكرموهم وأنزلوهم [1] .
[1] وفيات الأعيان 1/ 51.
وبلغ الملكَ سفرُهُم، فَسُرَّ بذلك.
وفشا مع أهل الجبل بوصول ابن تُومَرْت، فجاءوه من النّواحي يتبرَّكون به، وكان كلّ من أتاه استدناه، وعرض عليه ما في نفسه من الخروج، فإنْ أجابه أضافه إلى خواصّه، وإنْ خالَفَه أعرض عنه.
وكان يستميل الشّباب والأغمار، وكان ذَوُو الحِلْم والعقل من أهاليهم يَنْهَوْنَهُم ويحذّرونهم من أتِّباعه خوفًا عليهم من المَلِك، فكان لَا يتمّ له مع ذلك حال. وطالت المدَّة، وكثُرَت أتباعُه من أهل جبال دَرَنْ، وهو جبل لَا يفارقه الثَّلْج، وطريقه ضيَّق وعسر.
قال الْيَسَع بن حزْم: لَا أعلم مدينة أحصن من تينمل [1] ، لأنها بين جبلين، ولا يسع الطّريق إليها إلّا الفارس، وقد ينزل عن فرسه في أماكن صَعْبة، وفيها مواضع لَا يُعْبَر فيها إلّا علي خشب، فإذا أُزيلت خشبة لم يمرّ أحد. وهذه الطّريق مسافة يوم. فأخذ أصحابه يغيرون على النّواحي سبْيًا وقتْلًا، وتَقَوَّوْا وكثروا. ثمّ إنّه غدر بأهل تينَمَل الّذين آوَوْهُ ونصروه، وأمر أصحابه، فقتلوا منهم مقتلةً عظيمة، قاتله الله. فقال له الفقيه الإفريقيّ، وهو أحد العشرة، عن ما فعل بأهل تينَمَل [1] : هؤلاء قوم أكرمونا وأنزلونا دُورهم قَتَلْتَهُم؟ فقال لأصحابه: هذا شَكَّ في عصْمتي، خُذُوه فاقتلوه. فقتلوه، وعلّقوه على جذع.
قال: وكلّ ما أذكره من حال المَصَامِدة فمنه ما شاهدته، ومنه ما أخذته بنقل التّواتر.
وَكَانَ فِي وَصِيَّتِهِ إِلَى قَوْمٍ إِذَا ظَفِرُوا بِمُرَابِطٍ أَوْ أَحَدٍ مِنْ تِلِمْسَانَ أَنْ يُحَرِّقُوهُ.
فَلَمَّا كَانَ فِي عَامِ تِسْعَةَ عَشَرَ خَرَجَ إِلَيْهِمْ يَوْمًا، فَقَالَ: تَعْلَمُونَ أَنَّ الْبَشِيرَ، الَّذِي هُوَ الْوَنْشَرِيسِيُّ، إِنَّهُ أُمِّيٌّ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ وَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَى دَابَّةٍ، وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ مُبَشِّرًا لَكُمْ مُطَّلِعًا عَلَى أَسْرَارِكُمْ، وَهُوَ آيَةٌ لكم، فإنّه حفظ القرآن، وتعلّم الركوب.
[1] في وفيات الأعيان 1/ 52 «تين مل» . وقال: بكسر التاء المثنّاة من فوقها وسكون الياء المثنّاة من تحتها وبعدها نون ثم ميم مفتوحة ولام مشدّدة (5/ 55) .
ثُمَّ اسْتَعْرَضَهُ الْقُرْآنُ، فَقَرَأَهُ لَهُمْ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَرَكِبَ حِصَانًا وَسَاقَهُ، فَتَعَجَّبُوا وَعَدُّوا ذَلِكَ آيَةً، وَصَحَّ لابْنِ تُومَرْتَ بِذَلِكَ مَا أَطْوَاهُ عَلَى نُفُوسٍ سَلِيمَةٍ لَا يَعْرِفُونَ بَوَاطِنَ الْأُمُورِ، فَتَحَقَّقَ تَصْدِيقُهُمْ إِيَّاهُ. فَقَامَ خَطِيبًا وَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ 8: 37 [1] فقال: مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ 3: 110 [2] . وَهَذَا الْبَشِيرُ مُطَّلِعٌ عَلَى الأَنْفُسِ مُحَدَّثٌ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنَّ فِي أُمَّتِي مُحَدَّثِينَ. وَإِنَّ عُمَرَ مِنْهُمْ» [3] . وَقَدْ صَحِبَنَا أَقْوَامٌ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى سِرِّهِمْ وَنِفَاقِهِمْ، وَلَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِيهِمْ، وَيُتَمِّمُّ الْعَدْلَ فِيهِمْ.
ثُمَّ نُودِيَ فِي جِبَالِ المصامدة: من كان مطيعا للإمام فليقبل. فكانوا يأتون قبائل قبائل، فيُعرضون عليه، فيخرجون قومًا على يمينه، ويعدّهم من أهل الجنَّة، وقومًا على يساره، ويقول: هؤلاء شاكّون في الأمر. حتّى كان يؤتى بالرجل فيقول: رُدّوا هذا على اليمين، فإنّه تائب، وقد كان قبل كافرًا، ثمّ أحدَث البارحة توبة، فيَعترف بما أخبر به. واتّفقت له فيهم عجائب.
وكان يطلق أهل اليَسَار وهم يعلمون أنّ مآلهم إلى القتْل، فلا يفرّ منهم أحد. وكان إذا اجتمع منهم كثير قتلهم قراباتُهُم، يقتل الأب ابنه، والأخُ أخاه، وابن العمّ ابن العَمّ. فالّذي صحّ عندي إنّه قُتِلَ منهم سبعون ألفًا على هذه الصّفة، ويسمُّونها التّمييز.
ولما كمل التّمييز وجّه جُمُوعه مع البشير نحو أَغْمات، فالتقوا المرابطين فهزموهم، وَقُتِلَ خلْقٌ من المَصَامِدة لكونهم ثبتوا، وَجُرِحَ عمر الهِنْتانيّ جراحات، فحملوه على أعناقهم وهو كالميت، لَا يَنْبض له عِرْق. فقال لهم البشير: إنّه لَا يموت حتّى يفتح البلاد، ويغزو في الأندلس. وبعد مدَّة من استماتته فتح عينيه، فزادهم ذلك إيمانًا بأمرهم. ولّما أَتَوْا عزّاهم ابن تُومَرْت وقال: يَوْمٌ بيوم، وكذلك حرب الرّسل.
[1] سورة الأنفال، الآية 37.
[2]
سورة آل عمران، الآية 110.
[3]
أخرجه البخاري 7/ 42 (3689) في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مناقب عمر، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدّثون، فإن يك من أمّتي أحد فإنه عمر» . وأخرجه مسلم (2398) ، والترمذي (3694) من حديث عائشة.
ونقل عبد الواحد بن عليّ بن التّميميّ المرّاكشيّ في كتاب «المعجب» [1] الّذي اختصرته، أنّ ابن تُومَرْت رحل إلى بغداد، فأخذ الأصول عن أبي بكر الأصوليّ الشّاشيّ، وسمع من المبارك بن عبد الجّبار ابن الطُّيُوريّ. وقال: إنّ أمير الإسكندرية نفاه منها، فبَلَغَني أنّه استمر يُنكر في المركب إلى أنّ أَلْقوْه في البحر. فأقام نصفَ يَوْمٍ يجري في ماء السّفينة ولم يغرق، فأنزلوا إليه من أطلعه وعظَّموه، إلى أن نزل بَجَّايَة، ووعظ بها، ودرَّس، وحصل له القبول، فأمره صاحبها بالخروج منها خوفًا منه، فخرج، ووقع بعبد المؤمن، وكان بارعًا في خطّ الرمْل. ووقع بجفرٍ فيما قيل، وصحِبَهما من ملالة عبدُ الواحد الشّرقيّ، فتوجّه الثّلاثة إلى أقصى المغرب.
وقيل إنّه لقي عبد المؤمن ببلاد متيجة، فرآه يعلّم الصّبيان، فأسرّ إليه، وعرّفه بالعلامات. وكان عبد المؤمن قد رأى رؤيا، وهي أنّه يأكل مع أمير المسلمين علي بن يوسف في صَحْفَةٍ، قال: ثمّ زاد أكلي على أكله، ثمّ اختطفت الصَّحْفَة منه. فقصها على عابرٍ فقال: هذه لَا ينبغي أن تكون لك، إنما هي لرجلٍ ثائر يثور على أمير المسلمين، إلى أن يغلب على بلاده.
وسار ابن تُومَرْت إلى أن نزل في مسجد بظاهر تِلِمْسان، وكان قد وضع له هيبةً في النُّفُوس. وكان طويل الصَّمت، كثير الانقباض، إذا انفصل عن مجلس العلم لَا يكاد يتكلم.
أخبرني شيخٌ عن رجلٍ من الصالحين كان معتكفًا في ذلك المسجد أنّ ابن تُومَرْت خرج ليلةً فقال: أين فلان؟ قالوا: سمجون. فمضى من وقته ومعه رجلٌ، حتى أتى إلى باب المدينة، فدقّ على البوّاب دقًا عنيفًا. ففتح له بسرعة، فدخل حتّى أتى الحْبس، فابتدر إليه السّجّانون يتمسّحون به. ونادى: يا فُلان.
فأجابه، فقال: أخرج، فخرج والسّجّانون باهتون لَا يمانعونه، وخرج به حتّى أتى المسجد. وكانت هذه عادته في كلّ ما يريد، لَا يتعذّر عليه. قد سُخِّرت له الرّجال.
وعظُم شانه بتِلَمْسان إلى أن انفصل عنها، وقد استحوذ على قلوب
[1] ص 246 وما بعدها.
كُبَرائها. فأتى فاسَ، وأظهر الأمر بالمعروف، وكان جلّ ما يدعو إليه عِلم الاعتقاد على طريقة الأشعرية. وكان أهل المغرب ينافرون هذه العلوم، ويعادون من ظهرت عليه. فجمع والي فاس الفُقَهاء له، فناظرهم، فظهر عليهم لأنه وجد جوّا خاليًا وناسًا لَا عِلْمَ لهم بالكلام، فأشاروا على المتوليّ بإخراجه. فسار إلى مَراكُش، وكتبوا بخبره إلى ابن تاشفين، فجمع له الفُقهاء، فلم يكن فيهم من يعرف المناظرة إلّا مالك بن وُهَيْب، وكان متفنّنًا قد نظر في الفلسفة. فلّما سمع كلامه استشعر حِدَّته وذكاءه [1] فأشار على أمير المسلمين ابن تاشفين بقتْله، وقال:
هذا لَا تُؤمن عائلتُه، وإنْ وقع في بلاد المصامدة قَوِيُّ شرُّه، فتوقّف عن قتْله دِينًا، فأشار عليه بحبْسه، فقال: عَلَامَ أسجن مسلمًا لم يتعيَّن لنا عليه حقّ.
ولكنْ يخرج عنّا.
فذهب هو وأصحابه إلى السُّوس، ونزل تينمل. ومن هذا الموضع قام أمرُه، وبه قبره، فلّما نزله اجتمع إليه المَصَامِدة، فشرع في بثّ العلم والدّعاء إلى الخير. وكتم أمره، وصنَّف لهم عقيدةً بلسانهم، وعظُم في أعيُنهم، وأحبته قلوبُهُم. فلما استوثق منهم دعا إلى الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنْكَر، ونهاهم عن سفْك الدّماء، فأقاموا على ذلك مدَّة، وأمر رجالًا منهم ممّن استصلح عقولهم بنصب الدَّعوة. واستمال رؤساء القبائل، وأخذ يذكّر المَهْديّ ويشوّق إليه، وجمع الأحاديث الّتي جاءت في فضله، فلّما قرّر عندهم عَظَمة المهديّ ونَسَبه ونعته، ادّعى ذلك لنفسه، وقال: أنا محمد بن عبد الله، وسرد له نَسَبًا إلى علي عليه السلام، وصرَّح بدعوى العِصْمة لنفسه، وأنّه المهديّ المعصوم، وبسط يده للمبايعة فبايعوه، فقال: أبايعكم على ما أبايع عليه أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وصنَّف لهم تصانيف في العِلم، منها [2] كتاب سماه «أعزّ ما يطلب» ، وعقائد على مذهب الأشعريّ في أكثر المسائل إلّا في إثبات الصّفات، فإنّه وافق المعتزلةِ في نفْيها، وفي مسائل غيرها قليلة.
وكان يُبْطن شيئًا من التَّشَيُّع. ورتَّب أصحابه طبقات، فجعل منهم العشّرة، وهم الأوّلُون السّابقون إلى إجابته. وهم الملقّبون بالجماعة.
[1] في الأصل: «وذكائه» .
[2]
في الأصل: «منهم» .
وجعل منهم الخمسين، وهم الطّبقة الثّانية.
وهذه الطّبقات لَا تجمعها قبيلة، بل هم من قبائل متفرقة. وكان يسمّيهم المؤمنين، ويقول لهم: ما على وجه الأرض من يؤمن إيمانكم، وأنتم العصابة المَعْنيُّون بقوله صلى الله عليه وسلم:«لَا تزال طائفة بالمغرب ظاهرين على الحقّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ الله» [1] . وأنتم الّذين يفتح الله بكم الرّوم، ويقتل بكم الدّجّال، ومنكم الأمير الّذي يُصلّي بعيسي بن مريم.
هذا مع جُزْئيّات كان يخبرهم بها وقع أكثرها. وكان يقول: لو شئتُ أن أَعُدَّ خُلفاءكم خليفةً خليفةً لَعَدَدْتُ. فعظُمَت فتنةُ العوام به، وبالغوا في طاعته، إلى أن بلغوا حدًّا لو أمر أحدهم بقتْل أبيه أو أخيه أو أبنه لقتله.
وسهّل ذلك عليهم ما في طباعهم من القسوة المعهودة في أهل الجبال، لا سيما الخاربة البربر، فإنّهم جُبلوا على الإقدام على الدّماء، واقتضاه إقليمهم.
حتّى قيل إنّ الإسكندر أُهديت له فَرَسٌ لَا تُسبق، لكنها لَا تصهل، فلّما حلّ بجبال دَرَنْ، وهي بلاد المَصَامدة هذه، وشربت تلك الفرس من مياهها صهلت.
فكتب الإسكندر إلى الحكيم يخبره، فكتب إليه: هذه بلاد سرّ وقسوة، فعجِّل بالخروج منها. وأنا فقد شاهدت من إقدامهم على القتْل لمّا كنت بالسُّوس ما قضيت منه العجب.
قال: وقوي أمر ابن تومرت في سنة خمس عشرة وخمسمائة، فلما كان في سنة سبْع عشرة جهّز جيشًا من المَصَامِدة، جُلُّهم من أهل تينمل والسُّوس، وقال لهم: اقصدوا هؤلاء المارقين المبدّلين الّذين تسمَّوا بالمرابطين، فادْعُوهم إلى إماتة المُنْكَر، وإزالة البِدَع، والإقرار بالإمام المهديّ المعصوم، فإنْ أجابوكم فهُمْ إخوانكم، وإلّا فقاتِلُوهم، وقد أباحت لكم السُّنَّةُ قتالَهم.
وقدم عليهم عبد المؤمن، فسار بهم قاصدًا مَرّاكُش، فخرج لقتالهم الزُّبَير
[1] أخرجه مسلم في الإمارة (1925) ، والمراد به أهل الشام فهم في الغرب من المدينة المنوّرة وليس أهل المغرب كما ادّعى ابن تومرت.
ابن أمير المسلمين علي بْن يُوسُف بْن تاشفين، فلّما تراءى الْجَمْعان كلموا المرابطين بما أمرهم به ابن تُومَرْت، فردَوا عليهم أسوأ ردّ، ووقع القتال، فانهزم المَصَامِدة، وَقُتِلَ منهم مقتلة، ونجا عبد المؤمن. فلمّا بلغ الخبرُ ابن تُومَرْت قال: أَلَيْس قد نجا عبد المؤمن؟
قيل: نعم.
قال: لم يُفْقَد أحد.
ثمّ أخذ يهوّن عليهم، ويقرر عندهم أنّ قتلاهم شُهداء، فزادهم حِرْصًا على الحرب.
وقال الأمير عزيز في كتاب «الجمع والبيان في أخبار القيروان» إنّ ابن تُومَرْت أقام بتينمل، وسمّى أصحابه وأتباعه بالموحدين، والمخالفين أمره:
مجسّمين. وأقام على ذلك نحو العام، فاشتهر أمره سنة خمس عشرة، وبايعته هَرْغَة على أنّه المهديّ، فجهّز له علي بن يوسف جيشًا من الملثّمين، فقال ابن تومرت لأصحابه الّذين بايعوه: إنّ هؤلاء قد جاءوا في طلبي، وأخاف عليكم منهم، والرأي أن أخرج عنكم بنفسي إلى غير هذه البلاد لتسلموا أنتم.
فقام بين يده ابن توفيان، من مشايخ هَرْغَة، وقال له: تخاف شيئا من السّماء؟ قال: لَا، بل من السّماء تُنصر. فقال ابن توفيان: فدع كل من في الأرض يأتينا. ووافقه جميع قبيلته على ذَلِكَ القول. فقال: إنما أردت أن أختبر صبرَكم وثَبَاتَكم وأمّا الآن، فأبشروا بالنَّصْر، وأنكم تغلبون هؤلاء الشِّرْذمة، بعد قليل تستأصِلون دولتهم، وترثون أرضهم. فالتقوا جيش الملثمين فهزموهم، وأخذوا الغنيمة، ووثقت نفوسُهم بالمهديّ، وأقبلت إليه أفواج القبائل من النّواحي ووحَّدَتْ قبيلة هنتاتة، وهي من أقوى القبائل، إلى أن قال:
ثمّ نَهَجَ لهم طريقَ التَّودُّد والآداب، فلا يخاطبون الواحد منهم إلّا بضمير الجْمع في وقَار وبشاشة، ولا يلبسون إلّا الثّياب القصيرة الرخيصة، ولا يخلون يومًا من طِراد ومناصفة ونضارة [1] . وكان في كل قبيلةٍ قومٌ أشرارٌ مفسدون، فنظر
[1] في الأصل: «ونضالا» .
ابن تُومَرْت في ذلك، فطلب مشايخ القبائل ووعظهم، وقال: لَا يصحّ دِينكم إلّا بالنَّهي عن المُنْكَر، فابحثوا عن كلّ مفسد وانهوه، فإنْ لم ينْتَه فاكتبوا أسماءهم، وارفعوها إليَّ. ففعلوا ذلك ثمّ أمرهم بذلك ثانيًا وثالثًا. ثمّ جمع الأوراق، فأخذ ما تكرّر من الأسماء، فأفردها عنده. ثمّ جمع القبائل كلّها وحضّهم على أن لا يغيب منهم أحد. ودفع الأسماء الّتي أفردها إلى عبد الله الوَنْشَرِيسيّ، الملقَّب بالبشير، ثمّ جعل يعرضهم رجلًا رجلًا، فمن وجد اسمه أفرده في جهة الشّمال، ومن لم يجده جعله في جهة اليمين. إلى أن عرض القبائل جميعها. ثمّ أمر بتكتيف جهة الشّمال، وقال لقبائلهم: هؤلاء أشقياء من أهل النار قد وَجَب قتلُهم. ثمّ أمر كلّ قبيلة أنّ تقتل أشقياءها، فقُتِلوا كلّهم. وكانت واقعة عجيبة.
وقال: بهذا الفِعل يصحّ لكم دِينكم ويقوى أمركم.
وعلى ذلك استمرّت الحالة في جميع بلادهم. ويسمّونه: التّمييز.
وكان له أصحاب عشرة يُسمَّون أهل عشرة. وأصحاب من رءوس القبائل سمّاهم أهل خمسين، كانوا ملازمين مجلسَه.
فأما العشرة: فعبد المؤمن، والشَيخ أبو إبراهيم الهَزْرَجيّ، والشَيخ أبو حفص عمر بن يحيى الهِنْتَانيّ المعروف بعمرانينيّ، والشَيخ أبو محمد عبد الله البشير، والشَيخ أبو محمد عبد الواحد الزّواويّ، وكن يُعرف بطير الجنَّة، والشَيخ أبو محمد عبد الله بن أبي بكر، والشَيخ أبو حفص عمر بن أَرْناق، والشَيخ أبو محمد وإسناد الأَغْماتيّ، والشَيخ أبو إسحاق إبراهيم بن جامع، وآخر.
فهؤلاء الّذين سبقوا وتعرَّفوا به لأخذ العِلْم عنه. وكان اجتماعهم به أفرادًا في حال تَطْوافه في البلاد، فآثرهم واختصّهم.
وفي أوّل سنة أربعٍ وعشرين جهّز جيشًا زُهاء عشرين ألف مقاتل، قدم عليهم البشير، ثمّ دونه عبد المؤمن، بعد أمورٍ وحروب. فساروا إلى مَرّاكُش، وحاصروها عشرين يومًا. فأرسل عليّ بن يوسف بن تاشفين إلى عامله على سجلْماسَة، فجمع جيشًا وجاء من جهة، وخرج ابن تاشفين من البلد من جهة، ووقع الحرب، واستَحَرَّ يومئذٍ القتل بجيش المَصَامِدة، فقتل أميرهم عبد الله
البشير، فالتفُّوا على عبد المؤمن، ودام القتال إلى اللّيل. وصلّى بهم عبد المؤمن يومئذٍ صلاة الخوف والحرب قائمة. وتكاثر الملثّمون، وتحيّز المصامدة إلى بستان هناك مُلْتَفٍّ بالشجر يُعرف بالبحيرة، فلذا قيل وقعة البحيرة. وبلغت قتلاهُم ثلاثة عشر ألفًا. وأُنهي الخبر إلى المهديّ فقال: عبد المؤمن سالم؟
قيل: نعم.
قال: ما مات أحد، الأمر قائم.
وكان مريضًا، فأمر بأتّباع عبد المؤمن، وعقد له من بعده، وسمّاه أمير المؤمنين، وقال لهم: هذا الّذي يفتح الله البلاد على يده، فلا تشُكّوا فيه وأعْضدوه بأموالكم وأنفسكم. ثمّ مات في آخر سنة أربعٍ وعشرين.
قال اليَسَع بن حزْم: سَمَّى ابن تُومَرْت أتباع المرابطين مجسّمين، وما كان أهل المغرب يدينون إلّا بتنزيه الله تعالى عمّا لَا يجب له، وصفته بما يجب له، وترك الخوض فيما تقصر العقول عن فهمه. وكان علماء المغرب يعلّمون العامَّة أنّ اللّازم لهم أنّ الله ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير، إلى أن قال:
فكفّرهم ابن تُومَرْت بوجهين، بجهل العرض والجوهر. وأنّ من لَا يعرف ذلك لَا يعرف المخلوق، ولم يعرف الخالق.
الوجه الثّاني إنّ من لم يهاجر إليه، ولم يقاتل المرابطين معه، فهو كافر، حلال الدّم والحريم. وذكر أنّ غضبه للَّه، وإنّما قام حِسْبةً على قومٍ أغرموا النّاس ما لَا يجب عليهم. وهذا تناقض، لأنّه كفّرهم، وإنّ كانوا مسلمين. فأخذ المرابطين منهم النَّزْر اليسير أشبه من قتْلهم ونهبهم.
وحصل له في نفوس أتباعه من التّصديق له والبركة ما لا يجوزه الوصف.
وقال القاضي شمس الدّين [1] : طالت المدَّة على ابن تُومَرْت، فشرع في حيلة، وذلك أنّه رأى أولاد المصامدة شُقْرًا زُرْقًا، ولون الآباء سُمْر، قال لهم عن ذلك، فلم يجيبوه، فلمّا ألحّ عليهم فقالوا: نحن من رعيَّة أمير المسلمين عليّ، وله علينا خَراج. وفي كلّ سنة تصعد مماليكه إلينا، وينزلون في بيوتنا، ويخرجونا
[1] في وفيات الأعيان 5/ 54.
عنها، ويخلُون بنسائنا، وما لنا قُدرة على دفع ذلك.
فقال ابن تُومَرْت: والله، الموتُ خيرٌ من هذه الحياة. كيف رضيتم بهذا، وأنتم أضربُ خلْق الله بالسّيف وأطعنهم بالرُّمح؟
قالوا: بالرّغم منّا.
قال: أرأيتم لو أنّ ناصرًا نصركم على هؤلاء، ما كنتم تصنعون؟
قالوا: كنّا نقدَّم أنفسنا بين يديه للموت، فمن هو؟
قال: ضيفكم.
فقالوا: السّمع والطّاعة.
فبايعهم، ثمّ قال: استعدوا لحضور هؤلاء بالسّلاح. فإذا جاءوكم فأجْرُوهم على عادتهم، ثمّ مِيلُوا عليهم بالخُمُور، فإذا سكروا فآذنوني بهم.
فلمّا جاءوهم ففعلوا ذلك بهم وأعلموه، فأمر بقتالهم، فلم تمض ساعة من اللّيل حتّى أتوا على آخرهم، وأفلت منهم واحد، فلحِق بمَرّاكُش، فأخبر الملك، فندِم على فوات محمد من يده حيث لَا ينفعه النّدم. وجهّز جيشًا.
وعرف ابن تُومَرْت أنه لَا بد من عسكر يغشاهم. فأمر أهل الجبل بالعقود على أنقاب الوادي، فلّما وصلت إليهم الخيل نزلت عليهم الحجارة من جانبني الوادي كالمطر، ودام القتال إلى اللّيل، فرجع العسكر، وأخبروا الملك، فعلم أنّه لَا طاقة لنا بأهل الجبل لتحصُّنهم، فأعرض عنهم.
ثمّ قال ابن تُومَرْت لعبد الله الوَنْشَريسيّ: هذا أوان إظهار فضائلك وفصاحتك دفعةً واحدة.
ثمّ اتّفقا على أن يُصلّي الصُّبح، ويقول بلسان فصيح: إني رأيت في النّوم أنّه نزل بي مَلَكان من السماء، وشقّا فؤادي، وغسّلاه، وحَشَياه عِلْمًا وحكمة.
فلّما أصبح فعل ذلك، فدُهشوا وعجبوا منه، وانقادوا إليه كلّ الانقياد.
فقال له ابن تُومَرْت: فعجِّل لنا الْبُشْرَى في نفسنا، وعرّفنا أَسُعَداءُ نحن أمْ أشقياء. فقال له: أمّا أنت فإنّك المهديّ القائم بأمر الله، مَن تبعك سَعد، ومَن خالفك شقي.
ثمّ قال: أعرضْ أصحابك حتّى أميّز أهل الجنَّة من أهل النّار.
وعمل ذلك حيلةً، قتل فيها من خالف أمر ابن تُومَرْت، ثمّ لم يزل إلى أن جهّز، بعد فصولٍ طويلة، عشرة آلاف مقاتل. وأقام هو في الجبل، فنزلوا لحصار مَرّاكُش، فأقاموا عليها شهرًا، ثمّ كُسِروا كسرة شنيعة وهرب من سَلِم من القتْل، وَقُتِلَ الوَنْشَرُيسيّ المذكور.
وقال عبد الواحد بن عليّ المَرّاكُشيّ: ثمّ جعلوا يشنون الغارات على قرى مَرّاكُش، ويقطعون عنها الْجَلَب، ويقتلون ويَسْبون الحريم. وكثر الدّاخلون في دعوتهم المنحاشون إليهم، وابن تُومَرْت في ذلك كلّه يُكثِر الزُّهد والتَّقَلُّل والعبادة.
أخبرني من رآه يضرب على الخمر بالأكمام والنعال وعُشْب النَّخْلِ كفعل الصّحابة.
وأخبرني من شهده وقد أُتيَ برجلٍ سَكْران فحدّه، فقال يوسف بن سليمان، أحد الأعيان: لو شَدَدْنا عليه حتى يخبرنا من أين شرِبَها. فأعرض عنه، فأعاد قوله، فقال: أرأيت لو قال شربتها في دار يوسف بن سليمان ما كنّا نصنع؟
فاستحى وسكت.
ثمّ ظهر أنّ عبيد يوسف بن سليمان سقَوْه، فزادهم هذا ونحوه فتنةً بابن تُومَرْت.
قال اليَسَع بن حزْم: ألّف ابن تُومَرْت كتاب «القواعد» ، وممّا فيه: أن التّمادي على ذَرَّةٍ من الباطل كالتمادي على الباطل كله. وألّف لهم كتاب «الإمامة» ، يقول فيه: حتّى جاء الله بالمهديّ، يعني نفسه، وطاعته صافية نقيَّة، لَا ضدّ له ولا مثل له، ولا ندّ في الورى. وإنّ به قامت السّماوات والأرض.
قال اليَسَع: هذا نصّ قوله في الإمامة، وهذا نصّ تلقّيته من قراءة عبد المؤمن بن عليّ. دوّن لهم هذا بالعربيّ وبالبربريّ. فلمّا قرءوا هذين الكتابين زادهم ذلك شدَّةً في مذهبهم من تكفير النّاس بالذّنوب، وتكفيرهم بالذّنوب، وتكفيرهم بالتّأخُّر عن طاعة المهديّ الّذي قامت به السّماوات والأرض.
هذا نص ما قاله اليَسَع.
قال: وأمرهم بجمع العساكر، فخرجوا إلى ناحية مَرّاكُش، فوجدوا جيشًا للمرابطين، فالتقوا، فانهزم المرابطون هزيمة مات فيها أكثر من شهِدَها، وصَبَر فيها الموحِّدون.
فلّما كان في سنة إحدى وعشرين تألّفوا في أربعين ألف راجل وأربعمائة فارس، ونزلوا يريدون حضرة مَرّاكُش، فحدَّثني جماعة أنّهم نزلوا على باب أَغْمات بعد أن خرج إليهم المرابطون في أكثر من مائة ألف، بين فارسٍ وراجل، فخُذِلوا ودخلوا المدينة في أسوأ حالة. فجاء من الأندلس ابن همبك في مائة فارس، فشجّع أمير المسلمين، وخرج فقاتل، فانتصر المرابطون، وَقُتِلَ من المصامدة نحوٌ من أربعين ألفًا، فما سلِم منهم إلّا نحو أربعمائة نفس.
كذا قال اليَسَع.
وقال ابن خلِّكان [1] : حَضَرت ابن تُومَرْت الوفاةُ، فأوصى أصحابه وشجّعهم، وقال: العاقبة لكم. ومات في سنة اربعٍ وعشرين إثر الوقعة الّتي قُتِلَ فيها الوَنْشَرِيسيّ، ودُفِن بالجبل، وقبرُه مشهورٌ معظّم. ومات كهلًا.
وكان رَبْعةً، أسمر، عظيم الهامة، حديد النّظر، مَهِيبًا.
وقيل فيه: آثاره تُغنيك عن أخباره حتّى كأنّك بالعَيَان تراه، قدمٌ في الثَّرَى وهامة في الثُّرَيّا، ونفس ترى إراقة ماء الحياة دون ماء المُحيّا. أغفل المرابطون ربطْه حتّى دبّ دبيب الفَلَق في الغَسَق، وترك في الدّنيا دَوِيًّا. وكان قُوتُه من غزْل أخته رغيفًا في كلّ يَوْمٍ، بقليل سمنٍ أو زيت. فلم ينتقل عن ذلك حين كثُرت عليه الدّنيا.
ورأى أصحابه يومًا وقد مالت نفوسُهم إلى كثْرة ما غنموه، فأمر بإحراق جميعه، وقال: من كان يبتغي الدّنيا فما له عندي إلّا [هذا][2] ، ومن كان يبتغي الآخرة فجزاؤه [3] عند الله.
[1] في وفيات الأعيان 5/ 54.
[2]
في الأصل بياض.
[3]
في الأصل: «فجزاءه» .
ومن شعره:
أخذت بأعضادهم إذْ نأوا
…
وخَلْفك القوم إذْ ودّعوا
فكم أنت تُنْهَى ولا تنتهي
…
وتُسْمع وعظًا ولا تَسْمعُ
فيا حجر الشَّحْذ حتّى متى
…
تسنّ الحديد ولا تقطعُ؟ [1]
وكان يتمثّل كثيرًا من قول:
تجرّد من الدّنيا فإنك إنما
…
خرجت إلى الدُّنيا وأنت مجرّد [2]
ولم يتملّك شيئا من البلاد، وإنّما قرّر القواعد ومهّدها، وبَغَتَه الموت.
وكانت الفتوحات على يد عبد المؤمن.
وقد كان الملك أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن في أيّامه، وقد زار قبر ابن تُومَرْت بمحضرٍ من الموحّدين، فقام شاعر وانشد هذه القصيدة، وفيها جُمل ممّا كان يعتقده ابن تُومَرْت يخبر به:
سلامٌ على قبر الإمام الممجَّدِ
…
سلالةِ خير العالِمين محمد
وشبهه في خلْقه ثمّ في اسْمِه
…
وفي اسم أبيه والقَضاء المسدّد
أتتنا به البُشْرى بأنْ يملا الدّنا
…
بقسطٍ وعدْلٍ في الأنام مخلّد
ويفتتح الأمصار شرقًا ومغربًا
…
ويملك عربًا من ثعير ومنجد
فمن وصفه أثني واجلي وأن
…
علاماته خمس تبين لمهتدي
زمان واسم والمكان ونسبه
…
وفعل له في عصمة وتأبُّد
ويلبث سبْعًا أو فتِسْعًا يعيشها
…
كذا جاء في نصٍّ من النَّقْلِ مُسْندِ
فقد عاش تسعًا مثل قَوْل نبيّنا
…
فذلكُمُ المهديُّ باللَّه يهتدي
وخرج إلى مدْح عبد المؤمن وبنيه.
ولابن تُومَرْت أخبار طويلة عجيبة.
63-
مُحَمَّد بْن عليْ بْن أَبِي الغنائم عَبْد الصمد بن عليّ بن المأمون [3] .
[1] وفيات الأعيان 5/ 54، عيون التواريخ 12/ 107.
[2]
المصدر نفسه.
[3]
انظر عن (محمد بن علي بن أبي الغنائم) في: معجم السفر للسلفي (مصوّرة دار الكتب المصرية) ق 2.
أبو غانم الهاشميّ.
يروى عن: جدّه.
وعنه: أبو القاسم بن عساكر، وأبو طاهر السِّلَفيّ.
64-
محمد بن عليّ بن محمود [1] .
المعمّر أبو منصور الزُّولَهيّ [2] التاجر، المعروف بالكُرَاعيّ، ويقال إنّ اسمه أحمد. وكتب له محمد وأحمد من قرية زولاه، إحدى قرى مرْو.
شيخ صالح صائن، رحلَ إليه النّاس، وصارت زولاه مقصد الطّلبة والفُقهاء بسببه.
وكان آخر من روى عن جده لأمّه أبي غانم الكُرَاعيّ.
وكان قدّر مسموعاته قريبًا من عشرين جزءًا. سمعت منه. قاله أبو سعد السّمعانيّ [3] .
وقال: سمعت منه بقراءة السّنجيّ اثني عشر جزءًا. ثمّ أحضره شيخنا الخطيب أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن المَرْوَزِيّ في الخانقاه، وقرأ عليه الأجزاء المسموعة له، فسمعتها منه [4] .
وُلِد في العشرين من شوّال سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة. ومات في أواخر سنة أربعٍ وعشرين أو في أوائل سنة خمسٍ بقريته [5] .
قلت: هو في زمانه لأهل خراسان كفاطمة الْجُوزدَانيَّة لأهل أصبهان، وكابن الحُصَيْن لأهل بغداد، وكالرّازيّ لأهل مصر.
وقد حدَّث عنه بالشّام محمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن المروزيّ، وبقي إلى سنة ثمانين وخمسمائة.
[1] انظر عن (محمد بن علي بن محمود) في: التحبير 2/ 196، 197، والأنساب 6/ 345، ومعجم البلدان 2/ 959، والمعين في طبقات المحدّثين 153 رقم 1658.
[2]
الزّولهي: بضم الزاي وفتح اللام. هذه النسبة إلى قرية بمرو على ثلاثة فراسخ يقال لها زولاه.
[3]
في التحبير 2/ 197.
[4]
المصدر نفسه.
[5]
في الأنساب 6/ 326: ووفاته في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة.
65-
منصور [1] .
أبو عليّ. الآمر بأحكام الله ابن المستعليّ باللَّه أبي القاسم أحمد بن المستنصر باللَّه أبي تميم مَعَدّ بن الظّاهر باللَّه عليّ بن الحاكم بن العزيز بن المُعِزّ العُبَيْديّ المصريّ، صاحب مصر.
كان رافضيًا كآبائه. فاسقًا، ظالمًا، جائرًا، مستهزئًا لعّابًا، متظاهرًا باللَّهْو والمُنْكَر، ذا كِبْرٍ وجَبَرُوت. وكان مدبّر سلطانه الأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش.
ولي الأمر وهو صبيّ، فلمّا كبر قتل الأفضل وأقام في الوزارة المأمون أبا عبد الله محمد بن مختار بن فاتك البطائحيّ، فظلم وأساء السّيرة إلى أن قبض عليه الآمر سنة تسع عشرة وخمسمائة، وصادره ثمّ قتله في سنة اثنتين وعشرين وصَلَبه، وقتل معه خمسةً من إخوته.
وفى أيّام الآمر أخذت الفرنج عكّا سنة سبعٍ وتسعين وأربعمائة، وأخذوا طرابلس الشّام في سنة اثنتين وخمسمائة فقتلوا وسبوا، وجاءتها نجدة المصريّين بعد فوات المصلحة، وأخذوا عِرْفَة، وبانياس، وجُبَيْل.
وتسلموا سنة إحدى عشرة وخمسمائة قلعة تبنين، وتسلّموا صور سنة ثمان عشرة، وأخذوا بيروت بالسّيف في سنة ثلاث وخمسمائة، وأخذوا صيدا سنة أربع.
[1] انظر عن (الآمر باللَّه) في: تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 382 (وتحقيق سويم) 45، والكامل في التاريخ 10/ 664، 665، وذيل تاريخ دمشق 228، 229، والمنتظم 10/ 15 (17/ 257) ، و 10/ 16 رقم 17 (17/ 258 رقم 3959) ، وتاريخ مختصر الدول 203، ونزهة المقلتين لابن الطوير 5، 7، 8، 11، 17، 19، 20، 22، 24- 27، 33، 143، 206، والمغرب في حلى المغرب 84، 85، وأخبار مصر لابن ميسّر 2/ 72، والمختصر في أخبار البشر 3/ 4، وأخبار الدول المنقطعة 86- 94، والإعلام بوفيات الأعلام 215، والعبر 4/ 63، ودول الإسلام 2/ 46، ونهاية الأرب 28/ 294، وتاريخ ابن الوردي 2/ 35، والدرّة المضيّة 504، 505، والإعلام بوفيات الأعلام 215، وعيون التواريخ 12/ 207، ومرآة الجنان 3/ 241، والبداية والنهاية 12/ 200، 201، ومآثر الإنافة 2/ 27، وصبح الأعشى 3/ 431، والكواكب الدرّية 97، واتعاظ الحنفا 3/ 129، والنجوم الزاهرة 5/ 175 و 235، وتاريخ الخلفاء 435، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 223، 224.