الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْبَابُ الْخَمْسُونَ فِي الْقَضَاءِ بِعِلْمِ الْقَاضِي وَنُفُوذِ قَوْلِهِ]
فِي الْقَضَاءِ بِعِلْمِ الْقَاضِي وَنُفُوذِ قَوْلِهِ وَاخْتِلَافُ الْقَاضِي وَالشُّهُودِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فَإِذَا كَانَ الْحَاكِمُ عَالِمًا بِعَدَالَةِ الشَّاهِدِ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ لَزِمَهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ إذَا سَأَلَ عَنْهُ، فَذَلِكَ الَّذِي يُجِيزُ شَهَادَتَهُ عَلَى عِلْمِهِ وَلَا يَسْتَعِدُّ لَهُ لَا سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً، وَإِنْ سَأَلَهُ ذَلِكَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَاكِمُ إلَّا أَنَّهُ مَعْرُوفُ الْعَدَالَةِ قَبْلَ ذَلِكَ إذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ مِنْ الشَّاهِدِ جُرْحَةً، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمًا لَزِمَهُ أَنْ يَجْرَحَهُ إذَا سَأَلَ عَنْهُ، فَلَا يَسْتَعِدُّ لَهُ لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا وَلَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ، وَإِنْ عَدَّلَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ عِنْدَهُ بِجَمِيعِ أَهْلِ بَلَدِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ عِلْمَهُ بِهِ إلَى أَحَدٍ فَوْقَهُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَاتِ.
وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي التَّجْرِيحِ، قَالَ أَصْبَغُ وَذَلِكَ إذَا كَانَ يُحْدِثَانِ مَا عَلِمَ بِهِ الْجَرْحَةَ وَالْفَسَادَ، فَأَمَّا بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ فَأَرَى أَنْ يَسْتَعِدَّ لَهُ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَهَذَا أَحْسَنُ، قَالَ فَضْلٌ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي لِعَانِهِ وَذَكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ التَّعْدِيلُ وَإِنْ عَلِمَ خِلَافَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ عِنْدَ رَدِّ الشَّهَادَةِ مَعَ التَّعْدِيلِ قَاضٍ بِعِلْمِهِ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ إنْ عَلِمَهُ الْقَاضِي غَيْرَ عَدْلٍ وَلَا رِضًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ.
فَرْعٌ: وَلَوْ جَاءَ شَهِيدَانِ، إمَّا مَجْرُوحَانِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَاكِمُ يَقْبَلُهُمَا إلَّا بِتَعْدِيلٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي شَهِدَا بِهِ حَقٌّ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْطِيَهُ بِغَيْرِ تَعْدِيلٍ وَلَا بِإِمْضَاءِ مَجْرُوحٍ قَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُ، وَلَوْ كَانَ يَزِيدُ عِلْمُهُ بِشَيْءٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْطِيَهُ بِلَا شَاهِدٍ؛ لِأَنَّهُ مَجْرُوحٌ.
فَرْعٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي بَابِ الْحُكْمِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ، قَالَ: وَإِذَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَسَمِعَ مِنْهُ وَقَبِلَ شَهَادَتَهُ عَلَى عِلْمِهِ إنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ، وَلَيْسَ مِثْلَ تَعْدِيلِهِ إيَّاهُ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ؛ لَأَنْ يَقْبَلَ الْحَاكِمُ الشَّهَادَةَ عَلَى عِلْمِهِ بِعَدَالَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ عَلَى عِلْمِهِ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْحَاكِمِ إذَا قَالَ: شَهِدَ عِنْدِي شُهُودٌ فِي وَجْهِ كَذَا، أَوْ أَنَّهُ أَعْذَرَ إلَيَّ فُلَانٌ فِي كَذَا، أَوْ أَنَّهُ أَجَّلَهُ وَانْقَضَتْ الْآجَالُ وَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ أَوْ أَنَّهُ عَجَّزَهُ.
فَرْعٌ: وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عِنْدَ الْقَاضِي فِي حَقٍّ وَفِي عِلْمِ الْقَاضِي مَا فِي عِلْمِ الشَّاهِدَيْنِ، فَلَا يُبِيحُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْمَدْفَعَ فِيهِمَا وَلَا فِيمَنْ عَدَّلَهُمَا إذَا كَانَا مُعَدَّلَيْنِ.
فَرْعٌ: وَإِنْ كَانَ قِبَلَ أَحَدٍ شَيْءٌ أَوْ لِأَحَدٍ قِبَلَهُ شَيْءٌ رَفَعَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ، وَوَكَّلَ وَكِيلًا يُخَاصِمُهُ عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ خَاصَمَ وَلَمْ يُوَكِّلْ، فَإِنْ رَضِيَ صَاحِبُهُ أَنْ يُحَكِّمَهُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَقْبَلُ وَلَا يَجُوزُ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ إلَّا إنْ شَاءَ، وَأَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهَا فَيَكُونُ كَالْإِقْرَارِ مِنْهُ بِمَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ خَصْمُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ تَحْكِيمِ الْخَصْمِ لِخَصْمِهِ فَيَحْكُمُ لِنَفْسِهِ أَوْ عَلَيْهَا، فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَيَمْضِي مَا لَمْ يَكُنْ جَوْرًا بَيِّنًا أَوْ خَطَأً لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ حَكَمَ خَصْمُهُ فَثَالِثُهَا يُمْضِي مَا لَمْ يَكُنْ الْمُحَكَّمُ الْقَاضِيَ، وَعَلَّلَ ابْنُ رَاشِدٍ الْقَوْلَ بِالتَّفْرِقَةِ بِأَنَّ خَصْمَ الْقَاضِي قَدْ يَخَافُ فَيَرْضَى بِحُكْمِهِ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَشَارَ بَعْضُ الشُّيُوخِ إلَى أَنَّهُ يُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ إلَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِمَا يَحْكُمُ بِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ جَاهِلًا فَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ أَوَّلًا وَلَا يَنْفُذُ، وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ يُظَنُّ بِهِ مَعْرِفَةَ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ، وَكَانَ ذَلِكَ هُوَ مَذْهَبُ الْخَصْمَيْنِ فَحَكَمَ بِخِلَافِ مَا كَانَا يَظُنَّانِهِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمَا، كَمَا إنْ كَانَ الْحَاكِمُ وَاَللَّذَانِ حَكَّمَاهُ مَالِكِيَّيْنِ، وَهَذَا التَّنْبِيهُ يَتَعَلَّقُ بِفَصْلِ التَّحْكِيمِ وَلَيْسَ هُوَ خَاصًّا بِالْفَرْعِ الْمُتَقَدِّمِ.
فَرْعٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَتْبَعَ آخَرَ بِمَالٍ أَوْ دَمٍ أَوْ حَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ، وَكَانَ الْحَاكِمُ فِيهِ شَاهِدًا لَمْ تَمْنَعْهُ شَهَادَتُهُ فِيهِ، أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ أَهْلِهِ بِالشُّهُودِ كَمَا يَقْضِي فِي غَيْرِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ فِيهَا بِشَهَادَةِ نَفْسِهِ، وَلَكِنْ يَشْهَدُ لَهُ بِمَا قِبَلَهُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ، الَّذِينَ هُمْ أَمْثَالُهُ مِنْ الْقُضَاةِ أَوْ وُلَاةِ السُّوءِ وَأَصْحَابِ الشُّرْطَةِ وَالْأُمَرَاءِ الَّذِينَ يَقْضُونَ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ
أَحَدٌ مِمَّنْ وَصَفْنَا رَفَعَ ذَلِكَ إلَى رَجُلٍ مِنْ رَعِيَّتِهِ، وَإِنْ كَانُوا تَحْتَهُ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَهُوَ خَلِيفَةٌ، حِينَ قَاضَى رَجُلًا إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأُبَيٌّ غَيْرُ ذِي سُلْطَانٍ، قَالُوا: فَإِنْ أَبَى الْمَطْلُوبُ أَنْ يُرَافِعَهُ عِنْدَ مَنْ ذَكَرْنَا، إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ حَاكِمٌ غَيْرُ ذَلِكَ الْقَاضِي وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى التَّرَاضِي بِرَجُلٍ يَتَحَاكَمَانِ إلَيْهِ، ثُمَّ يَضَعَ شَهَادَتَهُ عِنْدَهُ فَيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِمَا ظَهَرَ لَهُ.
فَرْعٌ: وَأَمَّا مُبْتَدَآتُ مَا يَحْكُمُ بِهِ وَيَقْضِي بِهِ فِي مَجْلِسِهِ، فَذَلِكَ مِمَّا جُعِلَ إلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِمَا سَمِعَهُ فِي مَقْعَدِهِ ذَلِكَ، وَلَا يَدْعُو فِيهِ بِبَيِّنَةٍ وَلَا مَا يُثْبِتُ فِيهِ وَثِيقَةً قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ، وَلَا يَرُدُّهُ عَنْ ذَلِكَ جَحْدُهُ إنْ قَالَ شَيْئًا، ثُمَّ ذَهَبَ يَتَفَقَّهُ وَيَنْتَظِرُ أَنْ يُقَرِّرَهُ وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَمْ أَقُلْهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ، فَهَذَا مِمَّا جُعِلَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ بِغَيْرِ وَثِيقَةٍ مَحْمُولَةٍ وَلَا أَمْرٍ كَانَ قَبْلَ مَقْعَدِهِ، قَالَ فَضْلٌ بِهَذَا.
قَالَ سَحْنُونٌ وَأَبَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ يَحْكُمُ وَعَلَيْهِ قُضَاةُ الْمَدِينَةِ وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ مَالِكًا قَالَ غَيْرَهُ، وَبِهِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَسَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ.
وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي مَسْأَلَةِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصَحُّ لِفَسَادِ الزَّمَانِ، وَلَوْ أَدْرَكَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٌ زَمَانَنَا لَرَجَعَا عَمَّا قَالَاهُ، وَلَوْ أُخِذَ بِقَوْلِهِمَا لَذَهَبَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ وَحُكِمَ عَلَيْهِمْ بِمَا لَمْ يُقِرُّوا بِهِ.
فَرْعٌ: ثُمَّ إذَا حَكَمَ بِعِلْمِهِ فِي ذَلِكَ فَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ يَنْقُضُهُ هُوَ كَمَا يَنْقُضُهُ غَيْرُهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: وَأَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْخَصْمُ فِي مَجْلِسِ الْحُكُومَةِ فَحَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، فَلَا يُنْقَضُ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِيهِ.
فَرْعٌ: وَهَلْ يَحْتَاجُ الْحَاكِمُ إلَى إعْذَارٍ إلَى الْخَصْمَيْنِ فِيمَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ عِنْدَهُ مِنْ إقْرَارِ هَذَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَفِي مَجْلِسِهِ أَمْ لَا؟ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ إذَا انْعَقَدَ فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ مَقَالٌ وَشَهِدَ بِهِ شُهُودُ الْمَجْلِسِ عِنْدَهُ أَنْفَذَ ذَلِكَ عَلَى قَائِلِهِ، وَلَمْ يُعْذَرْ إلَيْهِ فِيمَنْ شَهِدَ بِهِ لِكَوْنِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَطَعَهُ بِحَقِيقَتِهِ.
فَرْعٌ: وَإِذَا لَمْ يُصَرِّحْ الْقَاضِي عَنْ أَسْمَاءِ الشُّهُودِ الَّذِينَ قَبِلَهُمْ بِزَعْمِهِمْ، وَقَضَى بِهِمْ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ الْحَاكِمُ مَشْهُورًا بِالْعَدْلِ فُسِخَ ذَلِكَ. وَكَانَ سَحْنُونٌ يَذْهَبُ إلَى تَرْكِ الشُّهُودِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ، لِأَنَّ سَحْنُونًا يَرَى أَنْ يُقَامَ لِلْغَائِبِ وَكِيلٌ يُدَافِعُ عَنْهُ.
وَفِي الطُّرُرِ وَالْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ.
فَرْعٌ: وَفِي كِتَابِ الْمُقْنِعِ لِابْنِ بَطَّالٍ: وَإِذَا أَمَرَ الْقَاضِي بِقَتْلِ رَجُلٍ أَوْ بِقَطْعِهِ أَوْ بِفَتْقِ عَيْنِهِ، فَقَالَ: هَذَا قِصَاصٌ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَفُلَانٌ ذَلِكَ حَاضِرٌ يَدَّعِي الْقِصَاصَ، فَالْقَاضِي مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَوْ أَخَذَ مَالًا مِنْ رَجُلٍ فَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ آخَرَ فَقَالَ: قَضَيْت بِهِ عَلَيْك أَوْ فَرَّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ رَجُلٍ، فَقَالَ: قَضَيْت عَلَيْهِ بِهَذَا فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي هَذَا كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَمَرَ بِحَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى يُقَامُ عَلَى رَجُلٍ وَقَالَ: قَضَيْت بِهِ عَلَيْك، وَأُقِيمَ عَلَيْهِ بِالْحَدِّ وَنَفَذَ وَكَانَ مُصَدَّقًا إذَا كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْقَضَاءِ، وَنَزَلَ أَمْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ مِنْ الِاسْتِقْصَاءِ شَيْئًا إلَّا أَتَى بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَضَى وَسَجَّلَ بِقَضِيَّةٍ لَمْ يَنْظُرْ فِيهَا مَنْ كَانَ بَعْدَهُ مِنْ الْقُضَاةِ، لِأَنَّهُ يُنْزِلُهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ اسْتَقْصَى، وَلَوْ فَسَّرَ كَيْفَ قَضَى؟ فَرُبَّمَا كَانَ فِي تَفْسِيرِهِ مَا يُبَيِّنُ خَطَأَهُ وَمَا يَرَى مِنْ بَعْدِهِ رَدَّهُ، وَلَوْ عُزِلَ فَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُ ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَا قَالَ قَضَيْت بِهِ عَلَيْكُمْ إذَا كَانَ قَاضِيًا، أَوْ سَجَّلَ قَضَاءَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَكَانَ مُصَدَّقًا غَيْرَ مَسْئُولٍ بِبَيِّنَتِهِ.
فَرْعٌ: قَالَ سَحْنُونٌ وَإِذَا كَتَبَ الْقَاضِي لِرَجُلٍ قَضَى فَكَتَبَ فِي قَضَائِهِ، سَأَلْت فُلَانًا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى فَأَتَانِي بِبَيِّنَةٍ، فَقَبِلْت عِلْمَهُمْ وَأَجَزْت شَهَادَتَهُمْ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَمِّيَهُمْ فِي قَضَائِهِ وَيَكْتُبَ وَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ فِي قَضَائِهِ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ قَوْلُ ذَلِكَ.
فَرْعٌ: وَإِنْ قَالَ: أَشْهَدْتُكُمْ أَنِّي قَضَيْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا وَكَذَا وَلَمْ يَكْتُبْ فِي قَضَائِهِ وَسَأَلْت فُلَانًا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى فَأَتَانِي عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ هَذَا الْقَضَاءُ صَحِيحًا وَيَجُوزُ.
فَرْعٌ: وَمِنْ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْت الَّذِي يَتَنَاوَلُ الْقَاضِيَ بِالْكَلَامِ؟ فَيَقُولُ لَهُ ظَلَمْتنِي، فَقَالَ: إنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ وَلَمْ يَجِدْ فِيهِ تَفْسِيرًا، لَا أَنَّ وَجْهَ مَا قَالَ: إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَذَاهُ، وَكَانَ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ فَإِنَّهُ
يُعَاقِبُهُ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: هَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْقَاضِيَ الْفَاضِلَ الْعَدْلَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى مَنْ تَنَاوَلَهُ بِالْقَوْلِ، وَآذَاهُ بِأَنْ نَسَبَ إلَيْهِ الظُّلْمَ وَالْجَوْرَ وَمُوَاجِهَةً بِحَضْرَةِ أَهْلِ مَجْلِسِهِ، بِخِلَافِ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ آذَاهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ، لِأَنَّ مَا وَاجَهَهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِقْرَارِ، وَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْإِقْرَارِ عَلَى مَنْ انْتَهَكَ مَالَهُ فَيُعَاقِبُهُ بِهِ، وَيَتَمَوَّلُ الْمَالَ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يَحْكُمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَطْعُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه يَدَ الْأَقْطَعِ الَّذِي سَرَقَ عِقْدَ بِنْتِهِ أَسْمَاءَ لَمَّا اعْتَرَفَ بِسَرِقَتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمُوَطَّأِ فَاعْتَرَفَ الْأَقْطَعُ أَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ عَلَى الشَّكِّ وَالصَّوَابُ مَا فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ اعْتَرَفَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْإِقْرَارِ فِي مَالِهِ كَمَا يَحْكُمُ بِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ كَانَ أَحْرَى أَنْ يَحْكُمَ بِالْإِقْرَارِ فِي عِرْضِهِ، كَمَا يَحْكُمُ بِهِ فِي عِرْضِ غَيْرِهِ، لِمَا يَتَعَلَّقُ فِي ذَلِكَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الِاجْتِرَاءَ عَلَى الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ وَتَرْكَ الْمُعَاقَبَةِ فِي مِثْل هَذَا، تَوْهِينٌ لِأَمْرِهِمْ وَدَاعِيَّةٌ إلَى الضَّعْفِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ، وَالْأَحْكَامُ وَالْمُعَاقَبَةُ فِي مِثْلِ هَذَا أَوْلَى مِنْ التَّجَافِي وَالْعَفْوِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ.
فَرْعٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ فَضْلٌ: وَسُئِلَ ابْنُ كِنَانَةَ عَنْ الْقَاضِي يُشْهِدُ أَنَّهُ حَكَمَ عَلَى رَجُلٍ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، فَيُنْكِرُ الشُّهُودُ أَنْ يَكُونُوا شَهِدُوا عِنْدَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: يُرْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْوَالِي أَوْ إلَى قَاضٍ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْقَاضِي الَّذِي أَشْهَدَ بِالْحُكْمِ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ مَنْ سَمَّى عَدْلًا مَأْمُونًا لَزِمَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ أُبْطِلَ وَابْتَدَأَ فِيهِ الْحُكُومَةَ الَّتِي رُفِعَتْ إلَيْهِ، قَالَ فَضْلٌ وَقَدْ قَالَهُ سَحْنُونٌ أَيْضًا وَزَادَ فَقَالَ: وَلَا شَيْءَ عَلَى الشُّهَدَاءِ مِنْ الْغُرْمِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا بِالشَّهَادَةِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ إذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَى رَجُلٍ بِقَضِيَّةٍ فِي دَيْنٍ أَوْ دَارٍ أَوْ فِي حَقٍّ مِنْ جَمِيعِ الْحُقُوقِ، وَذَكَرَ فِي قَضِيَّتِهِ أَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ عَجَزَ عَمَّا خَاصَمَ فِيهِ، وَلَمْ يَرَ لَهُ فِي حُجَّتِهِ وَجْهَ حَقٍّ، وَأَنَّهُ قَدْ ضَرَبَ لَهُ الْآجَالَ فَأَنْكَرَ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ خَاصَمَ إلَيْهِ أَوْ سَمِعَ حُجَّتَهُ، فَالْقَضَاءُ لَهُ لَازِمٌ وَلَيْسَ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَدْ خَاصَمَهُ إلَيْهِ، وَرَأْيٌ مُخْتَلِفًا مَعَهُ أَوْ مُتَرَدِّدًا عَلَيْهِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِمَا وَقَعَ فِي الْقَضِيَّةِ وَأَشْهَدَ بِهِ مَقْبُولٌ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا إذَا كَانَ مَأْمُونًا، وَلَمْ يَلْزَمْ بِقَوْلِ الْقَاضِي وَحْدَهُ إذَا أَشْهَدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالَ يَتِيمٍ عِنْدَهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إلَّا بِإِقْرَارٍ مِنْهُ بِذَلِكَ عِنْدَ إشْهَادِ الْقَاضِي بِذَلِكَ عَلَيْهِ.