الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ مُحَمَّدٌ وَعَلَى مَذْهَبِهِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ، وَأَجَازَهَا عَبْدُ الْمَلِكِ وَعَلَى مَذْهَبِهِ فَيَجُوزُ مَعَ الْقَرَابَةِ.
فَرْعٌ: سِتَّةُ صَبِيَّةٍ فِي الْبَحْرِ غَرِقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ وَاثْنَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَنَّهُمْ غَرَّقُوهُ، قَالَ مَالِكٌ رحمه الله: الْعَقْلُ عَلَيْهِمْ كُلُّهُمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَدْرَأُ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ، فَلَزِمَتْ الدِّيَةُ عَوَاقِلَهُمْ.
فَرْعٌ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ الْمَمَالِيكِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ جِنْسِ مَنْ يَشْهَدُ وَهَذَا مَفْهُومٌ مِنْ الشَّرْطِ الثَّانِي.
فَرْعٌ: وَإِذَا تَعَارَضَ بَيِّنَتَانِ مِنْ الصِّبْيَانِ فِي شَجَّةٍ هَلْ شَجَّهَا فُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ سَقَطَتَا، لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَنْفِي مَا يُثْبِتُهُ الْآخَرُ، وَأَرْشُ الشَّجَّةِ عَلَى جَمَاعَةِ الصِّبْيَانِ.
[الْبَابُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ الْقَضَاءِ بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي]
فِي الْقَضَاءِ بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّهُ إذَا جَاءَ كِتَابٌ مِنْ قَاضٍ إلَى قَاضٍ، لَمْ تَجُزْ إلَّا بِشَهَادَةِ شُهُودٍ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى طَابَعِ الْقَاضِي وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَيْضًا، أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شُهُودٍ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ كِتَابُ الْقَاضِي، وَزَادَ أَشْهَبُ فَقَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ قَدْ أَشْهَدَهُمْ عَلَيْهِ، وَلَا يَضُرُّ إنْ لَمْ يَخْتِمْهُ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَلَا يَجُوزُ كِتَابُ قَاضٍ إلَى قَاضٍ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ أَنَّهُ أَشْهَدَهُمَا بِمَا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَاتَمُهُ أَوْ كَانَ فِيهِ طَابَعُهُ قَدْ انْكَسَرَ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ: وَلَا يَنْفُذُ إنْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ خَطُّ الْقَاضِي بِيَدِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ هَذَا شَهِدَا أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ خَطُّ الْقَاضِي جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الطَّابَعِ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ هَلْ شَرْطُ الشَّهَادَةِ عَلَى كِتَابِهِ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَى الشُّهُودِ النَّاقِلِينَ أَوْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ الْأَشْهَرُ التَّرْكُ مِنْ التَّنْبِيهِ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ، قَالَ ابْنُ سَهْلٍ
وَرَأَيْت قُضَاةَ شَرْقِ الْأَنْدَلُسِ يُجِيزُونَ كُتُبَ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ فِي الْأَحْكَامِ بِالْخَاتَمِ، وَمَعْرِفَةِ الْخَطِّ وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ الْقَاضِي إلَّا الْعِنْوَانَ لَا غَيْرُ، وَإِنْ كَانَ حَامِلُهُ هُوَ الْمَكْتُوبُ لَهُ الْمَحْكُومُ فِي قَضِيَّتِهِ، وَيَبْعَثُونَ حَامِلَهُ وَيُسَلِّمُونَهُ لَهُ مَخْتُومًا، قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي مِمَّا لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا إنْفَاذُهُ، سِيَّمَا إذَا كَانَ حَامِلُهُ صَاحِبَ الْحُكُومَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ: إذَا كَانَ حَامِلُهُ صَاحِبَ الْحُكُومَةِ لَمْ يَجُزْ فِيمَا هُوَ أَخَفُّ مِنْ هَذَا، هَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ، وَالْقَضَاءُ بِهِ مَنْسُوخٌ، وَلَمْ يُجِيزُوا أَنْ يَحْمِلَهُ صَاحِبُ الْحُكُومَةِ مِنْ عِنْدَ الْفَقِيهِ أَوْ الْأَمِينِ وَشَبَهِهِ، فَكَيْفَ فِي نَفْسِ الْحُكُومَةِ مِنْ قَاضِي بَلَدٍ إلَى قَاضِي بَلَدٍ.
وَفِي الْمَذْهَبِ لِابْنِ رُشْدٍ قَالَ سَحْنُونٌ: إذَا شَهِدَ عَلَى كِتَابِهِ وَخَاتَمِهِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ، جَازَ فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْتَبَ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ مَخْتُومٍ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الشَّهَادَةِ، إذْ لَوْ شَهِدَا بِخِلَافِ مَا فِي الْكِتَابِ لَجَازَ إذَا طَابَقَ ذَلِكَ الدَّعْوَى، وَلَوْ شَهِدَا بِمَا فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ مَخْتُومٍ لَجَازَ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ الْقَاضِي أَشْهَدْتُكُمَا أَنَّ مَا فِيهِ حُكْمِي لَجَازَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ مَا فِي الْكِتَابِ حُكْمِي لَكَانَ كَافِيًا.
فَرْعٌ: وَلَوْ أَنَّ الْكِتَابَ الْمَخْتُومَ دُفِعَ إلَى جَمَاعَةٍ وَأَشْهَدَهُمْ الْقَاضِي الَّذِي دَفَعَهُ أَنَّهُ كِتَابُهُ، فَكَانَ الْكِتَابُ عِنْدَ أَحَدِهِمْ، حَتَّى قَدِمُوا الْبَلَدَ الَّذِي فِيهِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، فَإِنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ الْكِتَابُ يَشْهَدُ، وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَإِنْ أَثْبَتُوهُ وَعَرَفُوا أَنَّهُ طَابَعُ الْقَاضِي وَكِتَابُهُ فَلْيَشْهَدُوا، قِيلَ لِمَالِكٍ: وَكَيْفَ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ؟ قَالَ هُمْ أَعْلَمُ، قَالَ أَصْبَغُ إنْ لَمْ يَعْرِفُوا فَلَا يَشْهَدُوا، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُمْ الَّذِي عِنْدَهُ الْكِتَابُ عَدْلًا مَأْمُونًا وَلَوْ كَانُوا حِينَ أَشْهَدَهُمْ الْقَاضِي عَلَى الْكِتَابِ كَتَبُوا فِيهِ شَهَادَاتِهِمْ وَعَلَامَاتِهِمْ كَانَ أَحْسَنَ.
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ: كَانَ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ إجَازَةُ الْخَوَاتِمِ، فَكَانَ الْقَاضِي يَكْتُبُ لِلرَّجُلِ الْكِتَابَ إلَى الْقَاضِي، فَمَا يَزِيدُ عَلَى خَتْمِهِ فَيُجَازَ عَلَى خَتْمِهِ لَهُ، حَتَّى حَدَثَ الِاتِّهَامُ فَأُحْدِثَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى خَاتَمِ الْقَاضِي أَنَّهُ خَاتَمُهُ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَفِي الْبُخَارِيِّ أَوَّلُ مَنْ سَأَلَ الْبَيِّنَةَ عَنْ كِتَابِ الْقَاضِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ كَانَ إذَا جَاءَ كِتَابٌ مِنْ قَاضِي مَكَّةَ إلَى قَاضِي الْمَدِينَةِ أَنْفَذَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَالْتَزَمَ النَّاسُ الْبَيِّنَاتِ عَلَى الْكُتُبِ الَّتِي تَأْتِي مِنْ كُورَةٍ إلَى كُورَةٍ، فَإِذَا جَاءَ مِنْ أَعْرَاضِ الْمَدِينَةِ إلَى قَاضِي الْمَدِينَةِ قَبِلُوهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، يُجِيزُونَ فِي ذَلِكَ بِمَعْرِفَةِ الْخَطِّ وَالْخَوَاتِمِ وَالْجَوَابُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْحُقُوقِ الْيَسِيرَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ نَحْوُ هَذَا أَنَّهُ يَقْبَلُ الْعَامِلُ فِي
قَرَابَاتِهِ مِنْ عَمَلِهِ الْكِتَابَ بِغَيْرِ شَاهِدَيْنِ، كَمَا يَقْبَلُ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ مَعَ الثِّقَةِ وَمَعْرِفَةِ الْخَاتَمِ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ، وَاسْتِدْرَاكِ مَا يُخْشَى مِنْ التَّعَدِّي، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْحُقُوقِ الْيَسِيرَةِ.
فَرْعٌ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ عَالِمًا بِعَدَالَةِ شَهِيدَيْ الْكِتَابِ، وَلَا يَكْفِي تَعْدِيلُهُمَا فِيهِ.
فَرْعٌ: لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ الْحَاكِمُ اسْمَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَاسْمَ أَبِيهِ، وَحِلْيَتَهُ وَصِنَاعَتَهُ أَوْ تِجَارَتَهُ وَشُهْرَتَهُ، إنْ كَانَتْ لَهُ لِيَتَمَيَّزَ بِذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَحْكُمْ لَهُ الْقَاضِي عَلَى مَا يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ هُوَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى عَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ قَدْ مَاتَ لَمْ يَحْكُمْ عَلَى الْحَيِّ حَتَّى تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَطُولَ زَمَنُ الْمَوْتِ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْمُرَادُ بِالشَّهَادَةِ، فَحِينَئِذٍ يَحْكُمُ عَلَى الْحَيِّ، فَإِنْ كَانَ حَيَّيْنِ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا قَصُرَتْ عَنْهُ الصِّفَةُ بِأَقَلِّهَا، فَإِنَّ الْكِتَابَ يَلْزَمُ الْآخَرَ وَلَوْ لَمْ يَخْتَلِفَا إلَّا فِي الْمَسْكَنِ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ مَسْكَنُهُمَا يَوْمَ كَتَبَ الْكِتَابَ وَاحِدًا، وَأَشْكَلَ الْأَمْرُ لَمْ يَلْزَمْ وَاحِدًا مِنْهُمَا يُرِيدُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى عَيْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يُشَارِكُهُ كَشَفَ الْقَاضِي عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ أَعْدَاهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَرَكَ الْقَاضِي الْكَشْفَ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ: لَا بُدَّ لِلطَّالِبِ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْبَلَدِ مَنْ هُوَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْغَالِبُ مِنْ أَفْعَالِ قُضَاتِنَا الْيَوْمَ بِإِفْرِيقِيَّةَ، أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ يَذْكُرُ الْحَقَّ وَيَرْفَعُ شُهُودَهُ، وَيُخَاطِبُ الْقَاضِيَ لَهُ بِثُبُوتِهِ عِنْدَهُ، وَيَسِيرُ بِهِ إلَى مَحَلِّ خَصْمِهِ فَيَحْكُمُ لَهُ قَاضِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكَلِّفَهُ تَعْدِيلَ شُهُودٍ.
فَرْعٌ: وَأَمَّا كِتَابُ الْقَاضِي الْمُجَرَّدُ عَنْ الشَّهَادَةِ فَلَا أَثَرَ لَهُ، قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ لَا تَنْفَعُ، لِأَنَّ الْخَطَّ لَا يُحْكَمُ بِهِ بِاعْتِرَافِ كَاتِبِهِ بِأَنَّهُ عَلَى مَا كَتَبَهُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكْتُبُ أَشْيَاءَ لَا يُؤْخَذُ بِهَا، وَلَوْ تَلَفَّظَ بِمَا كَتَبَ بِهِ لَأُخِذَ بِهِ، فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالْعَمَلُ عِنْدَنَا الْيَوْمَ بِإِفْرِيقِيَّةَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ فِي الْقَدِيمِ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْقَاضِي، فَيَكْتُبُ الْقَاضِي تَحْتَ شُهُودِ الْوَثِيقَةِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ،
عَلِمَ بِثُبُوتِ الرَّسْمِ الْمُقَيَّدِ أَعْلَاهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ يَقِفُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَبَعْضُهُمْ يَكْتُبُ أَدَّى شَهِيدَاهُ شَهَادَتَهُمَا فِيهِ وَهُمَا بِرَسْمِ الْقَبُولِ، وَأَعْلَمَ بِذَلِكَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، ثُمَّ يَأْخُذُ صَاحِبُ الْحَقِّ ذَلِكَ الرَّسْمَ، وَيَأْتِي بِهِ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ إلَى قَاضِي بَلَدٍ آخَرَ، وَيَأْتِيهِ بِعَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ خَطُّ فُلَانٍ وَيُمْضِي مَا فِيهِ، وَلَوْ كَلَّفُوا رَبَّ الْحَقِّ أَنْ يَأْتِيَ بِشَهِيدَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى الْقَاضِي لَتَعَذَّرَتْ الْحُقُوقُ لِخَوْفِ الطُّرُقَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَفِي التَّنْبِيهِ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ: وَقَدْ الْتَزَمَ النَّاسُ الْيَوْمَ فِي سَائِرِ بِلَادِنَا إجَازَةَ كُتُبِ الْقُضَاةِ بِمَعْرِفَةِ الْخَطِّ وَكَافَّةُ الْحُكَّامِ، قَدْ تَمَالَئُوا عَلَى إجَازَةِ ذَلِكَ وَالْتِزَامِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ فِي عَامَّةِ الْجِهَاتِ لِلِاضْطِرَارِ إلَى ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إنَّمَا هُوَ قِيَامُ الدَّلِيلِ وَثُبُوتُهُ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ كِتَابُ الْقَاضِي، فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي بِمَعْرِفَةِ خَطِّهِ ثُبُوتًا لَا يُشَكُّ فِيهِ، أَشْبَهَ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ وَقَامَ مَقَامَهَا، قَالَ: وَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ كُتُبِ الْقُضَاةِ بِمَعْرِفَةِ الْخَطِّ لِلضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو، إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ يَعْرِفُ خَطَّ الْقَاضِي الْكَاتِبِ أَوْ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُهُ وَيَتَحَقَّقُهُ فَجَائِزٌ عِنْدِي قَوْلُهُ كَمَا رُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ كُتُبَ أُمَنَائِهِ بِمَعْرِفَةِ الْخَطِّ دُونَ شُهُودٍ، لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ عَلَى صِحَّةِ الْخَطِّ، كَمَا تَكُونُ الشَّهَادَةُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي لِقَاضٍ غَيْرِهِ بِالْمُشَافَهَةِ مِنْهُ لَهُ، ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ.
وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْقَاضِي خَطَّ الْكَاتِبِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ يَعْرِفَانِ خَطَّ الْقَاضِي الْكَاتِبِ، فَيَشْهَدَانِ أَنَّ ذَلِكَ خَطُّ الْقَاضِي كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي خَطِّ الشَّاهِدِ الْغَائِبِ.
وَفِي مَعِينِ الْحُكَّامِ لِابْنِ عَبْدِ الرَّفِيعِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَشْهَبَ رحمه الله يُجِيزُ الشَّهَادَةَ عَلَى خُطُوطِ الْقُضَاةِ وَالشُّهُودِ فِي الْأَحْكَامِ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ لِي مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَإِذَا كَتَبَ قَاضٍ إلَى قَاضٍ بِكِتَابٍ فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَالْمَكْتُوبُ إلَيْهِ لَا يَرَى ذَلِكَ الرَّأْيَ وَلَا يَأْخُذُ بِهِ، فَإِنْ كَتَبَ إلَيْهِ بِأَنَّهُ قَدْ حَكَمَ بِمَا فِي كِتَابِهِ وَأَنْفَذَهُ جَازَ ذَلِكَ، وَأَنْفَذَ هَذَا الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا كَتَبَ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِلْخَصْمِ أَوْ بِمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُفَصِّلْ ذَلِكَ بِحُكْمٍ فَلْيَعْمَلْ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِهِ
الَّذِي يَخْتَارُهُ مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَلَا يَعْمَلُ ذَلِكَ بِرَأْيِ الْكَاتِبِ إلَيْهِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي رَسْمِ مَا يُفْسَخُ مِنْ أَقْضِيَةِ الْقُضَاةِ.
وَفِي التَّنْبِيهِ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ عَنْ سَحْنُونٍ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ وَلَا يُنَفِّذَهُ، قَالَ: يُرِيدُ إذَا كَانَ غَيْرَ صَوَابٍ عِنْدَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ أَحَدًا عَلَى مَا هُوَ عِنْدَهُ خَطَأٌ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكْتُبَ إلَيْهِ قَاضٍ حَنَفِيٌّ بِأَنْ يُمَكِّنَ رَجُلًا مِنْ امْرَأَةٍ زُوِّجَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَشَبَهَ ذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ: إنْ كَتَبَ إلَيْهِ أَنَّهُ أَنْفَذَ الْحُكْمَ بِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يُنَفِّذَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نَقْضُ قَضَاءِ غَيْرِهِ إذَا وَافَقَ قَوْلًا لِلْعُلَمَاءِ وَلِأَنَّ الْمَحْكُومَ لَهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ مَا حُكِمَ لَهُ بِهِ، وَلَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بِقَاضٍ، وَفِي تَوَقُّفِ الْمَكْتُوبِ عَنْ تَنْفِيذِ مَا كُتِبَ بِهِ إلَيْهِ إبْطَالُ حَقٍّ حُكِمَ لَهُ بِهِ مَنْ لَهُ نَظَرٌ وَسُلْطَانٌ، قَالَ: وَإِنْ كَانَ إنَّمَا كَتَبَ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَحْكُمْ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ لَا يَعْمَلُ بِرَأْيِ الَّذِي كَتَبَ.
تَنْبِيهٌ: وَتَفْهِيمُ الْخِلَافِ عَنْ هَذَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الثُّبُوتَ لَيْسَ بِحُكْمٍ كَمَا نَقَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ: أَنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.
فَرْعٌ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ: قَالَ أَصْبَغُ فِي الْقَاضِي يَثْبُتُ عِنْدَهُ لِرَجُلٍ حَقٌّ لَهُ عَلَى غَرِيمٍ غَائِبٍ وَصَفَهُ عَبْدٌ لَهُ وَلَا يَدْرِي بِأَيِّ الْآفَاقِ هُمَا، كَتَبَ لَهُ الْوَالِي إلَى أَيِّ قَاضٍ يَلْقَاهُ مِنْ عَمَلِهِ أَنْ يَسْأَلَهُ ذَلِكَ، وَأَرَى وَاجِبًا عَلَى مَنْ دُفِعَ إلَيْهِ الْكِتَابُ مِنْ الْقُضَاةِ أَنْ يَنْظُرَ لَهُ فِيهِ إذَا أَثْبَتَهُ عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ، عَلَى أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي الَّذِي كَتَبَ إلَيْهِ وَصُورَةُ كِتَابِهِ، أَنْ يَكْتُبَ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إلَى مَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ.
تَنْبِيهٌ: ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَكْتُبُ إلَى أَيِّ قَاضٍ لَقِيَهُ مِنْ عَمَلِهِ. وَفِي الْبَيَانِ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ إلَى قُضَاةِ الْآفَاقِ كَانَ بِأَيِّ بَلَدٍ كَانَ، وَأَنَّهُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْكِتَابُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ إلَى قَاضِي مَوْضِعٍ يُوجَدُ قَدْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ، وَوَلِيَ غَيْرُهُ إنْفَاذَ ذَلِكَ الْكِتَابِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَهِيَ فِي الْبَيَانِ فِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ أَبْسَطُ مِنْ هَذَا.
فَرْعٌ: وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: فِي الرَّجُلِ يَثْبُتُ حَقُّهُ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ قَاضٍ وَيَكْتُبُ فِيهِ إلَى الْقَاضِي الَّذِي ذَلِكَ فِي بَلَدِهِ، فَيَلْقَاهُ فِي غَيْرِ بَلَدِ ذَلِكَ الْقَاضِي، فَيَرْفَعُ ذَلِكَ الْكِتَابَ إلَى قَاضِي ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي وَجَدَ خَصْمَهُ فِيهِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُنْظَرُ لَهُ فِيهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ لَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ الْبَلَدِ، وَلَوْ أَثْبَتَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ أَنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي حَكَمَ عَلَيْهِ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أَنْفَذَهُ هَذَا الْقَاضِي، وَإِذَا كَانَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي أَنَّهُ ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ قَبِلَ شَهَادَتَهُمْ وَأَجَازَهَا، وَلَمْ يُصَرِّحْ عَنْهُمْ كَانَ نَفَاذًا جَائِزًا، وَلَزِمَ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ بِمَا كُتِبَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي بِشَاهِدَيْنِ يَعْرِفَانِهِ، أَنَّ الْقَاضِيَ أَشْهَدَهُمَا عَلَى كِتَابِهِ وَخَاتَمِهِ وَأَسْلَمَهُ إلَيْهِمَا، وَيُعَيِّنَا لَهُ الْقِيَامَ عِنْدَهُ مِنْ التَّمَامِ أَنْ يَقْبِضَاهُ هُمَا مِنْ الْقَاضِي الْكَاتِبِ، وَلَا يَكُونُ عِنْدَ الْمَحْكُومِ لَهُ، فَإِنْ سَأَلَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ مِنْ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ الْإِعْذَارَ إلَيْهِ فِي الشُّهُودِ الَّذِينَ ثَبَتَ بِهِمْ الْأَصْلُ لَمْ يُجِبْهُ لِذَلِكَ وَيُعَذَّرُ إلَيْهِ فِي الشُّهُودِ الَّذِينَ ثَبَتَ بِهِمْ الْكِتَابُ فَقَطْ، وَيَقُولُ لَهُ: اذْهَبْ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ يُعَرِّفُك بِهِمْ، وَيُبِيحُ لَك الدَّفْعَ فِيهِمْ مِنْ الْمُتَيْطِيَّةِ.
فَرْعٌ: وَإِذَا وَرَدَ كِتَابُ قَاضٍ إلَى قَاضٍ، وَعَلِمَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ فِي عِلْمِهِ وَفَهْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِأَحْكَامِ مَنْ مَضَى قَبِلَ كِتَابَهُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ قَبُولُ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ الْحَاكِمِ فِي الْمَالِ وَالْقِصَاصِ وَالْعُقُوبَاتِ وَغَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْقَضَاءِ لَمْ يَقْبَلْهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُ بِعَدَالَةٍ وَلَا سَخَطِهِ وَجَهْلِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ قُضَاةِ الْأَمْصَارِ الْجَامِعَةِ مِثْلَ: الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْقَيْرَوَانِ وَالْأَنْدَلُسِ، أَنْفَذَ مَا جَاءَهُ مِنْ عِنْدَهُ، لِأَنَّ مَحْمَلَ هَؤُلَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْعَدَالَةِ حَتَّى يُعْرَفَ خِلَافُ ذَلِكَ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِنْ قُضَاةِ الْكُوَرِ الصِّغَارِ، فَلَا يُنَفِّذُ مَا جَاءَهُ عَنْهُمْ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُمْ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ عِنْدَهُ مِمَّنْ يَعْرِفُهُمْ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنَّ قَاضِيَ تُونُسَ لَا يَجُوزُ كِتَابُهُ إلَى قَاضِي مِصْرَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكْتُبَ قَاضِي تُونُسَ إلَى قَاضِي الْقَيْرَوَانِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، ثُمَّ يَكْتُبُ قَاضِي الْقَيْرَوَانِ إلَى قَاضِي مِصْرَ.
تَنْبِيهٌ عَلَى أَمْرٍ خَفِيٍّ: وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي عَلَى مَعْنَى الْمُخَاطَبَةِ وَكِتَابِهِ إلَيْهِ عَلَى مَعْنَى الشَّهَادَةِ.
وَفِي الْبَيَانِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي رَسْمِ وَمِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ الْمَحْضِ، إذَا تَخَاصَمَ رَجُلَانِ عِنْدَ الْقَاضِي فَكَانَ مِنْ حُجَّةِ أَحَدِهِمَا أَنْ قَالَ: قَدْ حَكَمَ لِي قَاضِي بَلَدِ
كَذَا بِكَذَا وَكَذَا، وَثَبَتَ لِي ذَلِكَ عِنْدَ قَاضِي بَلَدِ كَذَا، فَيَسْأَلُهُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، فَيَذْهَبُ إلَيْهِ فَيَأْتِيهِ مِنْ عِنْدِهِ بِكِتَابٍ إنِّي قَدْ حَكَمْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا وَكَذَا، فَهَذَا لَا يَجُوزُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ شَاهِدٌ، وَلَوْ أَتَى الرَّجُلُ ابْتِدَاءً إلَى الْقَاضِي فَقَالَ: خَاطِبْ لِي قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا بِمَا ثَبَتَ لِي عِنْدَك عَلَى فُلَانٍ، أَوْ بِمَا حَكَمْت لِي بِهِ عَلَيْهِ فَخَاطَبَهُ بِذَلِكَ جَازَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مُخْبِرٌ وَلَيْسَ بِشَاهِدٍ، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فَانْظُرْهُ.
فَرْعٌ: وَفِي كِتَابِ الرُّعَيْنِيِّ قَالَ: وَأَصْحَابُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ يُجِيزُونَ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، عَلَى الصِّفَةِ وَالْحِلْيَةِ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ وَالدَّارِ وَالْأَرْضِينَ، كَانَتْ بِيَدِ مَالِكٍ أَوْ لَمْ تَكُنْ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ: أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي فُلَانٍ، قَاضِي بَلْدَةِ كَذَا إلَّا ابْنَ كِنَانَةَ، فَإِنَّهُ لَا يُجِيزُ ذَلِكَ فِيمَا هُوَ فِي يَدِ أَحَدٍ يَدَّعِيهِ مِلْكًا لَهُ، وَيَقُولُ عَلَى الْمُدَّعِي أَنْ تَحْمِلَ الشُّهُودَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بِهِ الشَّيْءُ الْمُدَّعَى فِيهِ، حَتَّى تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى مُعَايَنَةِ ذَلِكَ.
فَرْعٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْقَاضِي يَكْتُبُ لِلرَّجُلِ كِتَابًا إلَى قَاضٍ غَيْرِهِ بِحَقٍّ ثَبَتَ لَهُ، أَوْ حَقٍّ طَلَبَهُ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ، قَالَ: لَا يَضُرُّهُ مَوْتُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا، وَعَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنْ يُنَفِّذَهُ وَيَعْمَلَ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوْ عُزِلَ فَحَقٌّ عَلَى مَنْ وَلِيَ مَكَانَهُ إنْفَاذُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي هَذَا كُلِّهِ السُّلْطَانُ الَّذِي إذَا زَالَ مِنْ وَاحِدٍ كَانَ فِي آخَرَ.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ مِثْلَهُ، وَقَالَ لِي ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ مِثْلَهُ وَقَالَا لِي: هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ.
تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحَةِ مِنْ قَبُولِ كُتُبِ الْقُضَاةِ سَوَاءٌ مَاتَ الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ وُصُولِ كِتَابِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ، مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَشْهَدَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ عَلَى كِتَابِهِ، لِأَنَّ إشْهَادَهُ عَلَيْهِ كَإِشْهَادِهِ عَلَى حُكْمٍ نَفَذَ، وَأَمَّا عَلَى مَا الْتَزَمَهُ الْحُكَّامُ وَعَمِلُوا بِهِ فِي قُطْرِ الْمَغْرِبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مِنْ الِاجْتِزَاءِ بِمَعْرِفَةِ خَطِّ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَالْعَمَلِ بِذَلِكَ دُونَ إشْهَادٍ مِنْ الْقَاضِي عَلَى كِتَابِهِ، فَلَا يَصِحُّ قَبُولُهُ وَلَا الْعَمَلُ بِهِ إلَّا أَنْ يَصِلَ، وَالْقَاضِي الَّذِي كَتَبَ عَلَى حَالِ وِلَايَتِهِ تِلْكَ، فَإِنْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ وُصُولِ كِتَابِهِ وَثُبُوتِهِ عِنْدَ
مَنْ يَقْبَلُهُ، لَمْ يَصِحَّ الْعَمَلُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ: أَنَّ الْكِتَابَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ كَالْإِشْهَادِ عَلَى حُكْمٍ مَضَى فَيَجِبُ إنْفَاذُهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ عَلَى مَرَاتِبِهِ إذْ ثَبَتَ أَنْ يُقَامَ مَقَامَ قَوْلِ الْقَاضِي نَفْسِهِ ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَدْلُولُ الْكِتَابِ، وَهَذَا إنَّمَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا دَامَ وَالِيًا، فَإِذَا عُزِلَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ عَلَى حَالٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى ذَلِكَ إشْهَادٌ، وَفِي حَالِ الْوِلَايَةِ فَيَجُوزُ عَمَلًا بِالشَّهَادَةِ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عُزِلَ أَوْ مَاتَ وَفِي دِيوَانِهِ شَهَادَةُ الْبَيِّنَاتِ وَعَدَالَتِهَا، لَمْ يُنْظَرْ فِيهِ وَلَا يُجِيزُهُ مَنْ بَعْدَهُ، وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ مَا فِي دِيوَانِي قَدْ شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدِي، أَوْ قَالَ كُنْت حَكَمْت بِكَذَا لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ كِتَابُ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ، قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ: وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الطَّلَبَةِ وَأَجَازُوا ذَلِكَ وَهُوَ غَلَطٌ وَخُرُوجٌ عَنْ الْقَاعِدَةِ فِي ذَلِكَ.
فَرْعٌ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ لِي ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَإِذَا كَتَبَ قَاضٍ إلَى قَاضٍ بِعَدَالَةِ شَاهِدٍ قَدْ شَهِدَ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ مَنْ عَمَلِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَتَامٌّ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْقَاضِي الْمَشْهُودُ عِنْدَهُ هُوَ الَّذِي كَتَبَ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ يَسْأَلُهُ عَنْهُ أَوْ سَأَلَهُ عَنْهُ مُشَافَهَةً فَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمَشْهُودُ لَهُ لِلْقَاضِي الْمَشْهُودِ عِنْدَهُ سَلْ عَنْهُ قَاضِيَ فُلَانَةَ، أَوْ اُكْتُبْ إلَى قَاضِي فُلَانَةَ فَاسْأَلْهُ عَنْهُ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ.
وَقَالَ لِي ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ مِنْ عَمَلِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ كَانَ فِيهِ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ، إنْ كَانَ الْقَاضِي الَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ فَهُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ السُّؤَالَ عَنْهُ مُشَافَهَةً، وَكَتَبَ إلَيْهِ يَسْأَلُهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَيَكْفِي وَحْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبْتَدَأُ السُّؤَالِ مِنْ عِنْدِ الْقَاضِي الْمَشْهُودِ عِنْدَهُ، وَكَانَ الْقَاضِي الَّذِي عَدَّلَهُ هُوَ الَّذِي أَخْبَرَ الْمَشْهُودَ عِنْدَهُ بِعَدَالَتِهِ وَكَتَبَ إلَيْهِ بِذَلِكَ، فَهُوَ بِمَقَامِ مُعَدِّلٍ وَاحِدٍ يُلْتَمَسُ آخَرُ فَيَتِمُّ تَعْدِيلُهُ أَوْ لَا يُوجَدُ غَيْرُهُ فَلَا يَتِمُّ، ثُمَّ قَالَ لِي: أَصْلُ هَذَا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَا يَبْتَدِئُهُ الْقَاضِي عَلَى الظَّاهِرِ أَوْ فِي الْبَاطِنِ مِنْ عَدَالَةٍ، أَوْ جُرْحَةٍ أَوْ إخْبَارٍ عَنْ شَيْءٍ، يَلْتَمِسُ الْقَاضِي مَعْرِفَتَهُ فَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَبْتَدِئُ الْقَاضِي السُّؤَالَ عَنْهُ لِنَفْسِهِ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فِي الظَّاهِرِ أَوْ الْبَاطِنِ، اكْتَفَى فِيهِ بِالْوَاحِدِ أَوْ أَمِينِهِ وَرَسُولُهُ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ اُنْظُرْ فِي قَوْلِهِ: أَوْ كَتَبَ إلَيْهِ يُعْلِمُهُ بِعَدَالَتِهِ، وَلَيْسَ الشَّاهِدُ مِنْ عَمَلِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ فَهُوَ بِمَقَامِ مُعَدَّلٍ يُلْتَمَسُ مَعَهُ آخَرُ، وَانْظُرْ كَيْفَ أَجَازَ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ بِكِتَابٍ دُونَ الْمُشَافَهَةِ وَدُونَ