الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا اشْتَرَى عَامِلُ الْقِرَاضِ مِنْ مُعْتَقٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ عَالِمًا بِأَنَّهُ قَرِيبُهُ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا عَتَقَ الْعَبْدُ وَغَرِمَ الْعَامِلُ ثَمَنَهُ، وَحِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ يَوْمَ الشِّرَاءِ رِبْحٌ وَوَلَاؤُهُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَذَلِكَ لِتَعَدِّيهِ فِيمَا فَعَلَ.
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ مِنْ مَحَارِمِهِ مِمَّنْ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ، فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ وَتُبَاعُ عَلَيْهِ وَإِخْرَاجُهَا مِنْ مِلْكِهِ كُرْهًا مِنْ الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ.
مَسْأَلَةٌ: وَالْفَاسِقُ إذَا آذَى جَارَهُ وَلَمْ يَنْتَهِ، تُبَاعُ عَلَيْهِ دَارُهُ وَهُوَ عُقُوبَةٌ فِي الْمَالِ وَالْبَدَنِ.
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَثَّلَ بِأَمَتِهِ عَتَقَتْ عَلَيْهِ وَذَلِكَ عُقُوبَةٌ بِالْمَالِ.
[فَصْلٌ إذَا ثَبَتَ أَصْلُ التَّعْزِيرِ وَالْعُقُوبَةِ]
ِ فَاخْتُلِفَ هَلْ يَتَجَاوَزُ بِذَلِكَ الْحُدُودَ أَمْ لَا؟ وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ لَا يَبْلُغَ فِي التَّعْزِيرِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ جَلْدَةً، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» .
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى: وَأَمَّا تَحْدِيدُ الْعُقُوبَةِ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ فِي الْعُقُوبَاتِ أَمْرًا يُسْتَبْشَعُ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ عَنْ مَرْوَانَ أَمِيرِ الْمَدِينَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ، قَالَ مَالِكٌ: وَكَانَ فِيهِ غِلْظَةٌ فِي الْحُدُودِ، وَلِغَيْرِ مَالِكٍ فِي هَذَا تَحْدِيدَاتٌ، وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الذُّنُوبِ، وَمَا يُعْلَمُ مِنْ حَالِ الْمُعَاقَبِ مِنْ جَلَدِهِ وَصَبْرِهِ عَلَى يَسِيرِهَا، أَوْ ضَعْفِهِ عَنْ ذَلِكَ وَانْزِجَارِهِ إذَا عُوقِبَ بِأَقَلِّهَا.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي الْمُعَلِّمِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّهُ يُجِيزُ فِي الْعُقُوبَاتِ فَوْقَ الْحَدِّ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ رضي الله عنه فِي ضَرْبِ الَّذِي نَقَشَ خَاتَمَهُ مِائَةً، وَنَقَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا ثَلَثُمِائَةٍ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَذَكَرَهَا الْقَرَافِيُّ، وَأَنَّ صَاحِبَ الْقَضِيَّةِ مَعْنَ بْنَ زِيَادٍ زَوَّرَ كِتَابًا عَلَى عُمَرَ وَنَقَشَ خَاتَمَهُ فَجَلَدَهُ مِائَةً، فَشَفَعَ فِيهِ قَوْمٌ فَقَالَ
أَذَكَّرْتُمُونِي الطَّعْنَ وَكُنْت نَاسِيًا؟ فَجَلَدَهُ مِائَةً أُخْرَى، ثُمَّ جَلَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِائَةً أُخْرَى وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا قَالَ، الْمَازِرِيُّ: وَضَرَبَ عُمَرُ رضي الله عنه صَبِيغًا أَكْثَرَ مِنْ الْحَدِّ، وَقَدْ أَخَذَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ حَدًّا فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» ، فَلَمْ يَزِدْ فِي الْعُقُوبَاتِ عَلَى الْعَشَرَةِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَيُحْكَى عَنْ أَشْهَبَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ قَدْ يُزَادُ عَلَى الْحَدِّ، قَالَ الْمَازِرِيُّ وَتَأَوَّلَ أَصْحَابُنَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى زَمَنِهِ عليه الصلاة والسلام لِأَنَّهُ كَانَ يَكْفِي الْجَانِي مِنْهُمْ هَذَا الْقَدْرُ وَتَأَوَّلُوهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي حَدٍّ أَيْ فِي حُقُوقِ اللَّهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَعَاصِي الْمُقَدَّرِ حُدُودُهَا، لِأَنَّ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُزَادُ الْحَدُّ، وَقَدْ أَمَرَ مَالِكٌ بِضَرْبِ رَجُلٍ وُجِدَ مَعَ صَبِيٍّ قَدْ جَرَّدَهُ وَضَمَّهُ إلَى صَدْرِهِ، فَضَرَبَهُ أَرْبَعَمِائَةٍ فَانْتَفَخَ وَمَاتَ وَلَمْ يَسْتَعْظِمْ مَالِكٌ ذَلِكَ.
وَرَوَى الْعَقَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ: لَا يُجَاوِزُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ ثَمَانِينَ، وَرُوِيَ عَنْ أَصْبَغَ: أَنَّ أَقْصَى مَا يُنْتَهَى إلَيْهِ جُرْمُ الْفَسَادِ مِائَتَانِ.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ: يُنْتَهَى بِهِ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ أَرْبَعِينَ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَيْضًا لَا يَبْلُغُ عِشْرِينَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَبْلُغُ فِيهِ ثَمَانِينَ مِنْ الْمُعَلِّمِ لِلْمَازِرِيِّ، وَزَادَ عُمَرُ رضي الله عنه فِي حَدِّ الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ فَضَرَبَ فِيهَا ثَمَانِينَ، وَكَانَ الْحَدُّ فِيهَا عَلَى زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ مَحْصُورٍ، بَلْ كَانَ يَأْمُرُ بِضَرْبِ الشَّارِبِ فَكَانُوا يَضْرِبُونَهُ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَالثِّيَابِ وَالْأَيْدِي، حَتَّى يَأْمُرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْكَفِّ عَنْهُ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحُدَّ فِيهَا شَيْئًا، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ رضي الله عنه بِاسْتِشَارَةِ الصَّحَابَةِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِأَنْ يَجْعَلَهُ ثَمَانِينَ، قَالَ الْمَازِرِيُّ رحمه الله لَوْ فَهِمَتْ الصَّحَابَةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدًّا مَحْدُودًا فِي الْخَمْرِ، لَمَا أَعْمَلْت فِيهِ رَأْيَهَا وَلَا خَالَفْته مَا فَعَلْت فِي سَائِرِ الْحُدُودِ،
فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَمْرٌ ثَابِتٌ تَجَاوَزُوا بِهِ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه جَلَدَ فِيهِ أَرْبَعِينَ فَلَمْ يَقِفُوا عِنْدَ ذَلِكَ أَيْضًا طَلَبًا لِانْزِجَارِ النَّاسِ عَنْ شُرْبِهَا، فَالتَّعْزِيرَاتُ وَالْعُقُوبَاتُ الْمَقْصُودُ بِهَا الزَّجْرُ يَرَى الْإِمَامُ فِيهَا رَأْيَهُ تَنْبِيهٌ وَالتَّعْزِيرُ إنَّمَا يَجُوزُ مِنْهُ مَا أُمِنَتْ عَاقِبَتُهُ غَالِبًا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ.
مَسْأَلَةٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَصَرَ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يُظَنُّ انْزِجَارُ الْجَانِي بِهِ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَفِي الْحَدِيثِ، «وَأَنَّ الْإِمَامَ لَيُخْطِئُ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ جَاءَ فِي الْحُدُودِ فَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِغَيْرِهِمَا مِنْ الزَّوَاجِرِ مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَإِذَا كَانَتْ الْعُقُوبَةُ التَّعْزِيرَ وَالزَّجْرَ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الزَّجْرَ لَا يَنْفَعُ فَلَا يَفْعَلُ التَّعْزِيرَ، لَكِنْ يُسْجَنُ الْكَبِيرُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ تَوْبَتُهُ وَلَا يَعْرِضُ لِلصَّغِيرِ، قَالَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.
مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ عَزَّرَ الْحَاكِمُ أَحَدًا فَمَاتَ أَوْ سَرَى ذَلِكَ إلَى النَّفْسِ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ الثُّلُثُ فَأَكْثَرُ.
وَفِي عُيُونِ الْمَجَالِسِ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ: إذَا عَزَّرَ الْإِمَامُ إنْسَانًا فَمَاتَ فِي التَّعْزِيرِ، لَمْ يَضْمَنْ الْإِمَامُ شَيْئًا لَا دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَدِّ، فَلَوْ مَاتَ الْمَحْدُودُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ.
تَنْبِيهٌ اُنْظُرْ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ مِنْ حَدِّ الْخَمْرِ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ النَّخَعِيِّ قَالَ: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يَقُولُ: مَا كُنْت لِأُقِيمَ عَلَى أَحَدٍ حَدًّا فَيَمُوتُ، فَأَجِدُ فِي نَفْسِي إلَّا صَاحِبَ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ وَدَيْته، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسُنَّهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لَمْ يَسُنَّ فِيهِ انْتَهَى.
وَلَمْ يَسْتَقِرَّ الْحَدُّ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ إلَّا مِنْ زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، وَأَمَّا عُثْمَانُ رضي الله عنه فَإِنَّهُ جَلَدَ فِيهَا ثَمَانِينَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ وَجَلَدَ فِيهَا أَرْبَعِينَ، وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه فِي صَدْرِ وِلَايَتِهِ يَجْلِدُ فِيهَا أَرْبَعِينَ
مُتَّبِعًا لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ لِرَزِينٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَلَدَ فِيهَا أَرْبَعِينَ وَجَاءَ نَحْوَ أَرْبَعِينَ» ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُجَاوِزَ الْحُدُودَ فِي التَّعْزِيرِ، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ بِالتَّعْزِيرِ الْقَتْلَ أَوْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَعِنْدَنَا يَجُوزُ قَتْلُ الْجَاسُوسِ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ يَتَجَسَّسُ بِالْعَدُوِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، وَأَمَّا الدَّاعِيَةُ إلَى الْبِدْعَةِ الْمُفَرِّقُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
وَقَالَ بِذَلِكَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِي قَتْلِ الدَّاعِيَةِ كَالْجَهْمِيَّةِ وَالرَّوَافِضِ وَالْقَدَرِيَّةِ، وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِقَتْلِ مَنْ لَا يَزُولُ فَسَادُهُ إلَّا بِالْقَتْلِ، وَذَكَرُوا ذَلِكَ فِي اللُّوطِيِّ إذَا كَثُرَ مِنْهُ ذَلِكَ يُقْتَلُ تَعْزِيرًا، وَأَجَازَ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ أَصْحَابِنَا لِلْمَرْأَةِ إذَا عَلِمَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَادَّعَتْ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَنْ تَقْتُلَهُ إنْ خَفِيَ لَهَا ذَلِكَ وَأَمِنَتْ ظُهُورَهُ كَالْعَادِي وَالْمُحَارَبِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ.
فَرْعٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ أَصْبَغُ: وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا أَحْلَفَ النَّاسَ أَنْ يُحَلِّفَهُمْ قِيَامًا، وَإِذَا ضَرَبَهُمْ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا أَنْ يَضْرِبَهُمْ قُعُودًا، وَيَأْمُرُ الْجَلَّادَ أَنْ لَا يَرْفَعَ يَدَهُ بِالسَّوْطِ جِدًّا وَلَا يُخَفِّفَهَا جِدًّا لَكِنْ وَسَطًا مِنْ ذَلِكَ، وَضَرْبُ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا سَوَاءٌ فِي الْإِيجَاعِ، وَإِذَا اقْتَصَّ لِلنَّاسِ فِي جِرَاحَاتِهِمْ دَعَا بِطَبِيبٍ رَفِيقٍ يَقْتَصُّ لَهُمْ وَأُجْرَتُهُ عَلَى الْمُقْتَصِّ لَهُ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَيُؤَدَّبُ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا فِي كَلِمَةٍ.
فَرْعٌ: وَمَنْ طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ، قَالَ أَشْهَبُ: فَإِنْ أَبَى أُدِّبَ بِالسَّجْنِ، فَإِنْ أَبَى سَجَنَهُ، فَإِنْ أَبَى ضَرَبَهُ بِالسَّوْطِ وَيَكُونُ ذَلِكَ كُلُّهُ قَرِيبًا بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ.
فَرْعٌ: وَمَنْ بَاعَ زَوْجَتَهُ نَكَلَ نَكَالًا شَدِيدًا وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ بِوَاحِدَةٍ بَائِنَةٍ.
فَرْعٌ: وَإِذَا قَذَفَ حُرٌّ عَبْدًا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَطَلَبَ الْعَبْدُ أَنْ يُعَزَّرَ قَاذِفُهُ، فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فِي مِثْلِ هَذَا تَعْزِيرٌ وَيُنْهَى قَاذِفُهُ أَنْ يُؤْذِيَهُ، فَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَاحِشًا مَعْرُوفًا بِالْأَذِي عُزِّرَ وَأُدِّبَ عَنْ أَذَى الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ الْقَرَافِيُّ الْحُدُودُ وَاجِبَةُ الْإِقَامَةِ عَلَى الْأَئِمَّةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّعْزِيرِ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ كَالْحُدُودِ، إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْإِمَامِ أَنَّ غَيْرَ الضَّرْبِ مَصْلَحَةٌ مِنْ الْمَلَامَةِ وَالْكَلَامِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله هُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْإِمَامِ إنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ.
مَسْأَلَةٌ وَيَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْ التَّعْزِيرِ وَالشَّفَاعَةِ فِيهِ إذَا كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ، فَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ حَقِّ آدَمِيٍّ وَانْفَرَدَ بِهِ حَقُّ السَّلْطَنَةِ، كَانَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ مُرَاعَاةُ حُكْمِ الْأَصْلَحِ بِالْعَفْوِ أَوْ التَّعْزِيرِ وَلَهُ التَّشْفِيعُ فِيهِ، رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«اشْفَعُوا إلَيَّ وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا يَشَاءُ» .
فَرْعٌ: فَلَوْ تَعَافَى الْخَصْمَانِ عَنْ الذَّنْبِ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ سَقَطَ حَقُّ الْآدَمِيِّ.
وَفِي حَقِّ السَّلْطَنَةِ وَالتَّقْوِيمِ وَالْأَدَبِ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ السُّقُوطِ، فَلَهُ مُرَاعَاةُ الْأَصْلَحِ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَالْأَصْلَحُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ التَّعْزِيرُ بِإِسْقَاطِ مَا وَجَبَ بِسَبَبِهِ وَلَوْ نُصَّ عَلَى الْعَفْوِ وَالْإِسْقَاطِ، وَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطٍ ضِمْنًا كَمَا إذَا عَفَا مُسْتَحِقُّ الْعَمْدِ عَنْ الْحَدِّ قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ، إذْ لَيْسَ لِلْإِمَامِ التَّعْزِيرُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِانْدِرَاجِهِ فِي الْحَدِّ السَّاقِطِ وَقِيلَ: لَا يَسْقُطُ، إذْ وُجُوبُ التَّعْزِيرِ الْمُقْتَرِنِ بِالْحَدِّ بِمُجَرَّدِ حَقِّ السَّلْطَنَةِ، فَلَا يَنْبَغِي سُقُوطُهُ بِإِسْقَاطِ الْحَدِّ مِنْ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ.
فَرْعٌ: فَلَوْ كَانَ الْخَصْمَانِ الْمُتَوَاهِبَانِ وَالِدًا وَوَلَدًا، فَلَا حَقَّ لِلْوَلَدِ فِي تَعْزِيرِ وَالِدِهِ، نَعَمْ يَخْتَصُّ تَعْزِيرُهُ فَلَوْ بِحَقِّ السَّلْطَنَةِ فَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ فِعْلُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَتَعْزِيرُ الْوَلَدِ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ حَقِّ الْوَالِدِ وَالسَّلْطَنَةِ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ الشَّافِعِيَّةُ يَجُوزُ ضَرْبُ الْمُتَعَزِّرِ بِالْعَصَا وَالسَّوْطِ الْمَكْسُورِ وَالثَّمَرَةِ، لَا غَيْرَ مَكْسُورِهَا خِلَافًا لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ الشَّافِعِيِّ، وَنَقَلَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ ثَمَرَ السِّيَاطِ عَقْدُ أَطْرَافِهَا.
وَفِي حَوَاشِي التَّهْذِيبِ لِأَبِي الْحَسَنِ الطَّنْجِيِّ أَنَّ التَّعْزِيرَ إنَّمَا يَكُونُ بِالسَّوْطِ.
مَسْأَلَةٌ: وَيَجُوزُ صَلْبُ الْمُعَزَّرِ حَيًّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ، «فَقَدْ صَلَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو نَابٍ» ،
وَلَا يَمْنَعُ مُدَّةَ صَلْبِهِ مِنْ طَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ وَلَا وُضُوءٍ لِصَلَاةٍ وَيُصَلِّي مُومِيًا، وَيُعِيدُ بَعْدَ الْإِطْلَاقِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لِلْمَاوَرْدِيِّ الشَّافِعِيِّ.
مَسْأَلَةٌ وَيَجُوزُ تَجْرِيدُ الْمُعَزَّرِ مِنْ ثِيَابِهِ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَإِشْهَارَهُ فِي النَّاسِ، وَالنِّدَاءُ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ عِنْدَ تَكَرُّرِهِ مِنْهُ عَنْهُ وَعَدَمُ إقْلَاعِهِ عَنْهُ، وَيَجُوزُ حَلْقُ شَعْرِهِ لَا لِحْيَتِهِ، وَيَجُوزُ تَسْوِيدُ وَجْهِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ مُخْتَصَرِ الْأَحْكَامِ لِلْمَاوَرْدِيِّ.
مَسْأَلَةٌ: وَسُئِلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ بِحَضْرَةِ الْعُدُولِ، هَلْ يَلْزَمُهُ عُقُوبَةٌ؟ وَمَا قَدْرُ تِلْكَ الْعُقُوبَةِ؟
فَأَجَابَ رحمه الله: إيقَاعُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَمْ يُجْمِعْ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِهِ بَلْ فِيهِ خِلَافٌ، لَكِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ الْمَنْعُ، وَلَكِنَّ هَذَا لَمَّا كَثُرَ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ وَاشْتُهِرَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، صَارَ كَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ جَائِزٌ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ حَالٍ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، فَإِنْ كَانَ هَذَا لِلرَّجُلِ مِمَّنْ يَجْهَلُ تَحْرِيمَ هَذَا وَيَعْتَقِدُ أَنَّ الْيَمِينَ بِهِ جَائِزَةٌ، أَوْ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ الَّتِي لَا تَحْرِيمَ فِيهَا، فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِ هَذَا لَا تَلْزَمُهُ لَأَجَلٍ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَوْقَعَهُ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ وَمُجَرِّئًا عَلَى إيقَاعِهِ، تَعَلَّقَتْ بِهِ الْعُقُوبَةُ بِحَسَبِ الِاجْتِهَادِ وَهَذَا وَاضِحٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ مِنْ جِهَةٍ ثَانِيَةٍ وَهِيَ: أَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حُكْمَ مِثْلِ هَذَا وَلَا يُحْبَسُ بِهِ إنْ جَهِلَهُ، يَعْنِي فَيَلْزَمُ الْجَاهِلَ مِنْ التَّعْزِيرِ بِسَبَبِ جَهْلِهِ بِحُكْمِ ذَلِكَ أَخَفُّ مِمَّا يَلْزَمُ الْعَالِمَ، قَالَ: وَهَذَا مِنْ بَابِ النَّظَرِ وَالْمُعْتَمَدِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ يَعْنِي نَفْيَ التَّعْزِيرِ عَنْ الْجَاهِلِ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ نَهْيِهِ وَزَجْرِهِ عَنْ الْعَوْدِ إلَى ذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ الْقَرَافِيُّ: التَّعْزِيرُ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ مَا عَلِمْت فِي ذَلِكَ خِلَافًا.
مَسْأَلَةٌ: تَقَدَّمَ أَنَّ التَّعْزِيرَ يَكُونُ بِحَسَبِ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَالْجِنَايَةِ، فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ عَظِيمًا مِنْ ذِي الشَّرِّ مُخَاطَبًا بِهِ لِرَفِيعِ الْقَدْرِ بُولِغَ فِي الْأَدَبِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَالْعَكْسُ.
فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إلَّا الْحُدُودَ» ، فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ يُؤَدَّبُ، فَإِنْ كَانَ رَفِيعَ الْقَدْرِ فَإِنَّهُ يُخَفَّفُ أَدَبُهُ وَيُتَجَافَى عَنْهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْفَلْتَةِ، لِأَنَّ
الْقَصْدَ بِالتَّعْزِيرِ الزَّجْرُ عَنْ الْعَوْدَةِ، وَمَنْ صَدَرَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلْتَةً يُظَنُّ بِهِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَى مِثْلِهَا وَكَذَلِكَ الرَّفِيعُ.
تَنْبِيهٌ وَالْمُرَادُ بِالرَّفِيعِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ وَالْآدَابِ الْإِسْلَامِيَّةِ لَا الْمَالُ وَالْجَاهُ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدَّنِيءِ الْجَهْلُ وَالْجَفَاءُ وَالْحَمَاقَةُ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ ثَقُلَ عَلَيْهِ بِالْأَدَبِ لِيَنْزَجِرَ وَيَنْزَجِرَ بِهِ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ: أَنَّ ذَلِكَ بِقَدْرِ الْجُرْمِ وَشُهْرَةِ الْقَائِلِ بِالْأَذَى.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: تَعْزِيرُ كُلِّ ذَنْبٍ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ حَدِّهِ لَا يُتَجَاوَزُ بِهِ حَدُّهُ.
فَرْعٌ: وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ إنْ قَامَ بِشَكِيَّةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَدَّبَ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ الْحَبْسُ لِيَنْدَفِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْبَاطِلِ وَاللَّدَدِ، عَنْ ذَلِكَ قَالَهُ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ فِي الْأَحْبَاسِ.
فَرْعٌ: وَيُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ الزِّنَا وَيُؤَدَّبُونَ عَلَيْهِ، وَيُمْنَعُونَ مِنْ زَوَاجِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ إنْ اسْتَحَلُّوهُ مِنْ الْمُتَيْطِيَّةِ.
فَرْعٌ: لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: يَا شَارِبَ الْخَمْرِ أَوْ يَا آكِلَ الرِّبَا أَوْ يَا خَائِنُ أَوْ يَا ثَوْرُ، أَوْ يَا حِمَارُ أَوْ يَا ابْنَ الْحِمَارِ أَوْ يَا يَهُودِيُّ أَوْ يَا نَصْرَانِيُّ أَوْ يَا مَجُوسِيُّ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ، قَالَهُ ابْنُ رَاشِدٍ.
وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ لِرَزِينٍ: أَنَّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا يَهُودِيُّ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ عِشْرِينَ.
فَرْعٌ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَحْدُودِ فِي الزِّنَا يُحَسَّنُ حَالُهُ وَتَظْهَرُ تَوْبَتُهُ، ثُمَّ يَقْذِفُهُ رَجُلٌ بِالزِّنَا أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ إنْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ تَعَرُّضًا لِأَذَاهُ فَعَلَيْهِ الْأَدَبُ الْمُوجِعُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مُشَاتَمَةٍ قَدْ نَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِهِ فِيهَا مَنَالًا، فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِيمَا رَمَاهُ بِهِ مِنْ حَدٍّ فِي زِنًا أَوْ فِي خَمْرٍ أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْجَلْدِ عَلَى الْفِرْيَةِ وَالرِّيبَةِ أُدِّبَ وَلَا عُقُوبَةَ.
فَرْعٌ: لَوْ قَالَ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ بِالسَّرِقَةِ أَنْتَ سَرَقْت مَتَاعِي نَكَلَ وَعُوقِبَ بِقَدْرِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقُولُ فِيهِ ذَلِكَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ فَلَا عُقُوبَةَ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: يَا سَارِقُ ضُرِبَ خَمْسَةَ عَشَرَ سَوْطًا أَوْ نَحْوَهُ، قَالَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالتَّحْدِيدُ فِي هَذَا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا فِيهِ الِاجْتِهَادُ بِحَسَبِ الْقَائِلِ وَالْمَقُولِ لَهُ.
فَرْعٌ: وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: يَا مُرَائِي عُوقِبَ بِقَدْرِ مَا يَرَى الْإِمَامُ عَلَى قَدْرِ حَالِ الْقَائِلِ وَالْمَقُولِ لَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِلَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ يَا مُرَائِي؟ وَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، أَتَرَى أَنْ يُضْرَبَ الَّذِي قَالَ لِي مِثْلَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ لِلَّيْثِ؟ وَعَنْ النَّاسِ لَوْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَهْلٌ مِنْ الْبَيَانِ.
فَرْعٌ: وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ اُتُّهِمَ بِالْفَاحِشَةِ يُضْرَبُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ أَصْبَغَ وَنَحْوُهُ لِابْنِ مَسْلَمَةَ.
فَرْعٌ: وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ لِابْنِ هِشَامٍ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَنْ شَتَمَ رَجُلًا فِي مَجْلِسِ حَاكِمٍ بِمَا لَا حَدَّ فِيهِ ضُرِبَ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ.
فَرْعٌ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ يَا كَلْبُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَفْتَرِقُ فِيهِ ذُو الْهَيْئَةِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ وَالْمَقُولُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْهَيْئَةِ كُلٌّ مِنْهُمَا جَمِيعًا، عُوقِبَ الْقَائِلُ عُقُوبَةً خَفِيفَةً يُهَانُ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ السِّجْنَ، وَإِنْ كَانَ جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْهَيْئَةِ، عُوقِبَ الْقَائِلُ أَشَدَّ مِنْ عُقُوبَةِ الْقَائِلِ الْأَوَّلِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ يَبْلُغُ فِيهَا السِّجْنَ، وَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَةِ وَالْمَقُولُ لَهُ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْهَيْئَةِ عُوقِبَ بِالتَّوْبِيخِ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْإِهَانَةَ وَلَا السِّجْنَ، وَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْهَيْئَةِ وَالْمَقُولُ لَهُ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَةِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ الْبَيَانِ فِي بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ وَفِيهَا بَسْطٌ فَانْظُرْهُ فِيهِ.
فَرْعٌ: إذَا شَتَمَ الْأَخُ أَخَاهُ فَإِنْ كَانَ الْأَخُ كَبِيرًا وَكَانَ شَتْمُهُ لِأَخِيهِ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ لَمْ يُحَدَّ مِنْ الطُّرَرِ، قَالَ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْكُتُبِ سُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ شَاتِمِ عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ، فَقَالَ: لَا أَرَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ هُمَا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ، قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ وَمَنْ عَرَضَ لِوَلَدِهِ بِالْقَذْفِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ لِبُعْدِهِ مِنْ التُّهْمَةِ فِي وَلَدِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُقْتَلْ بِوَلَدِهِ إذَا قَتَلَهُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ عَمْدُهُ لِذَلِكَ أَنْ يُضْجِعَهُ فَيَذْبَحَهُ.
فَرْعٌ: مَنْ سَلَّ سَيْفًا عَلَى وَجْهِ الْقِتَالِ ضُرِبَ أَرْبَعِينَ وَكَانَ السَّيْفُ فَيْئًا، وَقِيلَ يُقْتَلُ إذَا سَلَّهُ عَلَى وَجْهِ الْحِرَابَةِ، وَلَوْ سَلَّ سِكِّينًا فِي جَمَاعَةٍ عَلَى وَجْهِ الْمِزَاحِ ضُرِبَ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ مِنْ الْمُفِيدِ.
فَرْعٌ: وَمِنْهُ أَيْضًا مَنْ اسْتَهَانَ بِدَعْوَةِ الْقَاضِي أَوْ الْحَاكِمِ وَلَمْ يُجِبْ ضَرْبُ أَرْبَعِينَ.
فَرْعٌ: وَمِنْهُ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا مُجْرِمُ ضُرِبَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لَهُ يَا ظَالِمُ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ضُرِبَ أَرْبَعِينَ، وَلَوْ قَالَ لَهُ يَا سَارِقُ ضُرِبَ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى عِشْرِينَ.
فَرْعٌ: وَمِنْهُ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً ضُرِبَ مِائَةً.
فَرْعٌ: وَمِنْهُ إذَا ارْتَفَعَ الْكَلَامُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، ضُرِبَ كُلُّ وَاحِدٍ عَشَرَةً.
فَرْعٌ: وَمِنْهُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي عَالِمٍ بِمَا لَا يَجِبُ ضُرِبَ أَرْبَعِينَ.
فَرْعٌ: وَمِنْهُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي أَحَدٍ بِمَا لَمْ يَكُنْ وَلَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ أُدِّبَ.
فَرْعٌ: وَمِنْهُ مَنْ سَرَقَ مِنْ الْغَنِيمَةِ دُونَ النِّصَابِ ضُرِبَ خَمْسِينَ.
فَرْعٌ: وَمِنْهُ تَغَامَزَ مَعَ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ تَضَاحَكَ مَعَهَا ضُرِبَ عِشْرِينَ يُرِيدُ إذَا كَانَتْ طَائِعَةً، فَإِنْ قَبَّلَهَا طَائِعَةً ضُرِبَا خَمْسِينَ خَمْسِينَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ طَائِعَةً فِي تَقْبِيلِهِ ضُرِبَ هُوَ خَمْسِينَ، وَمَنْ حَبَسَ امْرَأَةً ضُرِبَ أَرْبَعِينَ، فَإِنْ طَاوَعَتْهُ ضُرِبَتْ مِثْلَهُ.
فَرْعٌ: وَمَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لِغَيْرِ مُوجِبٍ فِي أَمِيرٍ مِنْ أُمَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَزِمَتْهُ الْعُقُوبَةُ الشَّدِيدَةُ وَيُسْجَنُ شَهْرًا، وَمَنْ خَالَفَ مَا حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي عُوقِبَ إذَا لَمْ يَرْضَ بِالْحُكْمِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ الْجَوْرُ فِي الْحُكْمِ، وَمَنْ خَالَفَ أَمِيرًا وَقَدْ كَرَّرَ دَعْوَتَهُ لَزِمَتْهُ الْعُقُوبَةُ بِقَدْرِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا فَاسِقُ ضُرِبَ ثَمَانِينَ، وَقِيلَ: يُؤَدَّبُ إنْ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ الْقَذْفُ، وَمَنْ سَلَّ سَيْفًا عَلَى جَمَاعَةٍ يُهَدِّدُ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْمِزَاحِ فَقَدْ جَفَا وَيُضْرَبُ عِشْرِينَ سَوْطًا.
فَرْعٌ: وَمَنْ آذَى مُسْلِمًا بِلِسَانِهِ بِلَفْظٍ يَضُرُّهُ وَيَقْصِدُ أَذَاهُ، فَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْأَدَبُ الْبَالِغُ الرَّادِعُ لَهُ، وَلِمِثْلِهِ لَهُ يَقَعُ رَأْسُهُ بِالسَّوْطِ أَوْ يَضْرِبُ رَأْسَهُ أَوْ ظَهْرَهُ بِالدِّرَّةِ، وَذَلِكَ عَلَى قَدْرِ الْقَائِلِ وَسَفَاهَتِهِ، وَعَلَى قَدْرِ الْقَوْلِ فِيهِ مِنْ مُفِيدِ الْحُكَّامِ لِابْنِ الْوَلِيدِ بْنِ هِشَامٍ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: إذَا شَتَمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ صَاحِبَهُ زَجَرَهُ الْحَاكِمُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ: إذَا أَسْرَعَ إلَيْهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ مِثْلُ يَا ظَالِمُ يَا فَاجِرُ، زَجَرَهُ عَنْهُ وَيُضْرَبُ فِي مِثْلِ هَذَا مَا لَمْ تَكُنْ فَلْتَةً مِنْ ذِي مُرُوءَةٍ فَيَتَجَافَى عَنْ ضَرْبِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُو الْخَصْمَيْنِ إلَى أَنْ يَجْلِسَا بَيْنَ يَدَيْهِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، وَمَنْ لَمْ يُنْصِفْ النَّاسَ فِي أَعْرَاضِهِمْ لَا يُنْصِفُهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ.
فَرْعٌ: سُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَمَّنْ أَفْتَى رَجُلًا فَأَتْلَفَ بِفَتْوَاهُ مَالًا
فَأَجَابَ: إنْ كَانَ الْمُفْتِي مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُ مَا ذَهَبَ بِسَبَبِ فُتْيَاهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَدْ يُكَلَّفُ مَا لَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ، وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ التَّغْلِيظُ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ عِنْدَهُ، وَلَوْ أُدِّبَ لَكَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ تَقَدَّمَ لَهُ طَلَبٌ فِي الْعِلْمِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْأَدَبُ، وَيُنْهَى عَنْ الْفَتْوَى إذَا لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ أَهْلًا.
فَرْعٌ: إذَا نَهَى الْحَاكِمُ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ عَنْ الْكَلَامِ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَأُتِيَ بِالْحُجَجِ لِيَخْلِطَ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَمْنَعَهُ مِنْ الْكَلَامِ وَيُكْثِرَ مُعَارَضَتَهُ فِي كَلَامِهِ أَمَرَ الْقَاضِي بِأَدَبِهِ.
فَرْعٌ: إذَا قَرَّرَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ صَاحِبَهُ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ لَزِمَ خَصْمَهُ الْجَوَابُ بِالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْجَوَابِ أَمَرَ الْقَاضِي بِضَرْبِهِ بِالدِّرَّةِ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى يُجِيبَ.
فَرْعٌ: وَفِي الدُّرَرِ الْمُلْتَقَطَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلِفَةِ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّمِيرِيِّ إذَا قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَيْك، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ خَصْمُهُ.
مَسْأَلَةٌ: ذَكَرَ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «وَمَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» .
وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ» .
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ الْإسْفَرايِينِيّ فِي كِتَابِهِ الْمُخَرَّجِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ، «فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا فَقَدْ بَاءَ بِالْكُفْرِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ «إذَا قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ وَجَبَ الْكُفْرُ» ، قِيلَ مَعْنَاهُ فَقَدْ رَجَعَ عَلَيْهِ تَكْفِيرُهُ، فَلَيْسَ الرَّاجِعُ حَقِيقَةَ الْكُفْرِ بَلْ التَّكْفِيرُ، لِكَوْنِهِ جَعَلَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ كَافِرًا، فَكَأَنَّهُ كَفَّرَ نَفْسَهُ إمَّا لِأَنَّهُ كَفَّرَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ لِأَنَّهُ كَفَّرَ مَنْ لَا يُكَفِّرُهُ إلَّا كَافِرٌ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ الْإِسْلَامِ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ قَوْلُهُ: وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إذَا قَالَهَا مُسْتَحِلًّا فَيَكْفُرُ بِاسْتِحْلَالِهِ،
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ يَئُولُ بِهِ إلَى الْكُفْرِ، يَعْنِي أَنَّهُ يُخَافُ عَلَى الْمُكْثِرِ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَاقِبَةُ شُؤْمِهَا الْكُفْرَ وَالْمَصِيرَ إلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالْمَعْنَى فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ وَالْجَمَاعَةِ النَّهْيُ عَنْ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
وَقَدْ وَرَدَ مِثْلُ هَذَا فِي قَوْلِهِ عليه السلام: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فِسْقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» ، وَقَوْلُهُ عليه السلام «لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ» ، وَقَوْلُهُ:«لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» .
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ وَالْعِلْمِ وَالْأُصُولِ، يَدْفَعُهَا أَقْوَى مِنْهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِمَا وَالْآثَارِ الثَّابِتَةِ أَيْضًا، وَقَدْ ضَلَّتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنْ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآثَارِ وَمِثْلُهَا فِي تَكْفِيرِ الْمُذْنِبِينَ، وَاحْتَجُّوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِآيَاتٍ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا مِثْلُ قَوْلِهِ:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] وقَوْله تَعَالَى {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2] وَنَحْوِ هَذَا، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا قَبْلَ الْمَوْتِ لِمَنْ لَمْ يَتُبْ، لِأَنَّ الشِّرْكَ مَنْ تَابَ مِنْهُ وَانْتَهَى عَنْهُ غُفِرَ لَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] .
وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُذْنِبَ وَإِنْ مَاتَ مُصِرًّا تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَهَذَا كُلُّهُ يَشْهَدُ أَنَّ مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ يَعْنِي تَمَامَ الْحَدِيثِ، وَقَوْلُهُ: فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، أَيْ فَقَدْ احْتَمَلَ الذَّنْبَ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَقُولَ لَهُ يَا كَافِرُ إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ احْتَمَلَ ذَنْبَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَائِلِ لَهُ ذَلِكَ، لِصِدْقِهِ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَقَدْ بَاءَ الْقَائِلُ بِذَنْبٍ كَبِيرٍ وَإِثْمٍ عَظِيمٍ احْتَمَلَهُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ.
فَرْعٌ: وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ مِنْ سَرَاةٍ كُذَيْبٍ وَأَثِمْت عُزِّرَ بِالسَّوْطِ وَهَذَا إذَا قَالَهُ لَهُ فِي مُشَاتَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ كَذَّابٌ، وَأَمَّا إنْ نَازَعَهُ فِي شَيْءٍ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ فِي هَذَا كَاذِبٌ آثِمٌ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي هَذَا أَدَبٌ
إلَّا أَنَّهُ يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ، وَيُزْجَرُ إنْ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ فِيمَا نَازَعَهُ فِيهِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ يَا كَلْبُ مِنْ الْبَيَانِ.
فَرْعٌ: وَفِي وَثَائِقِ الْحَرِيرِيِّ: وَيُؤَدَّبُ فِي سَائِرِ الشَّتْمِ نَحْوُ يَا كَلْبُ يَا خِنْزِيرُ يَا حِمَارُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ: وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ إذَا لَمَزَهُ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ بِمَا يَكْرَهُ أَنْ يُعَزِّرَهُ، وَالْأَدَبُ فِي مِثْلِ هَذَا أَوْلَى مِنْ الْعَفْوِ إذَا كَانَ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إلَّا فِي مِثْلِ اتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِي وَاذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ وَيُجِيبَهُ بِجَوَابٍ لَيِّنٍ كَقَوْلِهِ رَزَقَنَا اللَّهُ تَقْوَاهُ، وَإِنِّي لَأَرَى مِنْ تَقْوَى اللَّهِ أَنْ أَحْكُمَ عَلَيْك وَآخُذَ مِنْك الْحَقَّ، وَأَنَّهُ لَيَجِبُ عَلَيَّ وَعَلَيْك أَنْ نَتَّقِيَ اللَّهَ وَيُبَيِّنَ لَهُ مِنْ أَيْنَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ.
فَرْعٌ: إذَا تَرَافَعَ رَجُلَانِ إلَى الْقَاضِي فَقَالَ أَحَدُهُمَا: قَالَ لِي هَذَا: يَا زَانٍ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْقَوْلَ سَجَنَهُ الْقَاضِي حَتَّى يُقِيمَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ مِنْ الطُّرَرِ.
فَرْعٌ: وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ: وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَذَفَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ بِمُنَازَعَةٍ وَتَشَاجُرٍ كَانَ بَيْنَهُمَا فَتَجِبُ الْيَمِينُ حِينَئِذٍ.
فَرْعٌ: وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ زِيَادٍ وَمَنْ قَالَ لِلشُّهُودِ: أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَيَّ أَوْ قَالَ لِأَهْلِ الْفَتْوَى: أَنْتُمْ تُفْتُونَ عَلَيَّ لَا أَدْرِي مَنْ أُكَلِّمُ، كَأَنَّهُ ذَهَبَ مَذْهَبَ التَّوْبِيخِ لَهُمْ فَأَفْتَوْا بِأَنَّهُ يُؤَدَّبُ أَدَبًا مُوجِعًا.
وَقَالَهُ ابْنُ لُبَابَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ وَغَيْرُهُمَا.
فَرْعٌ: إذَا قَالَ لِلشَّاهِدِ شَهِدْت عَلَيَّ بِالزُّورِ وَقَصَدَ أَذَاهُ نَكَلَ قَدْرَ حَالَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا عَنَى أَنَّ الَّذِي، شَهِدَتْ بِهِ عَلَى بَاطِلٍ لَمْ يُعَاقَبْ.
فَرْعٌ: إذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ بَعْضَ الشُّهُودِ يَشْهَدُ بِالزُّورِ، وَيَأْخُذُ الْجُعْلَ عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ عُزِّرَ عَلَى الْمَلَأِ وَلَا يَحْلِقُ لَهُ رَأْسًا وَلَا لِحْيَةً، وَرَأَى الْقَاضِي أَنْ يُسَوَّدَ وَجْهُهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يُطَافُ
بِهِ وَيُشْهَرُ فِي الْمَجَالِسِ وَالْحِلَقِ وَحَيْثُ يَعْرِفُ النَّاسُ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ يُرِيدُ مَجَالِسَ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَيَضْرِبُهُ ضَرْبًا عَنِيفًا وَيُسَجِّلُ عَلَيْهِ، وَيَجْعَلُ مِنْ ذَلِكَ نُسَخًا يُودِعُهَا عِنْدَ النَّاسِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ.
وَقَالَ: لَا أَرَى أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ أَبَدًا إنْ كَانَ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ رِيَاءٌ وَلَا تَكَادُ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ.
وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا تَابَ وَحُسِّنَتْ حَالُهُ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَمْ يَصْحَبْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَمَلٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي عُقُوبَتِهِ إذَا جَاءَ تَائِبًا وَيَظْهَرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: الْأَظْهَرُ أَنْ لَا يُعَاقَبَ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَيَغْرَمُ مَا أَتْلَفَ بِشَهَادَتِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ فَانْظُرْهُ.
وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ إنْ جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ فَلَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ فَعَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ، وَأَمَّا إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ فَعَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ وَيُشْهَرُ وَيُفْضَحُ.
وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ شَهَادَةُ الزُّورِ مُبْرِزًا فِي الْعَدَالَةِ فَهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ ثُمَّ تَابَ وَحَسُنَ حَالُهُ فَهَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مِنْ وَثَائِقِ ابْنِ الْهِنْدِيِّ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رحمه الله فِي تَارِيخِهِ: أَنَّ صَاحِبَ الشُّرْطَةِ إبْرَاهِيمَ بْنَ حُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ، أَقَامَ شَاهِدَ زُورٍ عَلَى الْبَابِ الْغَرْبِيِّ الْأَوْسَطِ، فَضَرَبَهُ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَحَلَقَ لِحْيَتَهُ وَسَخَّمَ وَجْهَهُ، وَأَطَافَهُ إحْدَى عَشْرَةَ طَوْفَةً بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، يُصَاحُ عَلَيْهِ هَذَا جَزَاءُ شَاهِدِ الزُّورِ، وَكَانَ صَاحِبُ الشُّرْطَةِ هَذَا فَاضِلًا خَيْرًا فَقِيهًا عَالِمًا بِالتَّفْسِيرِ، وَلِيَ الشُّرْطَةَ لِلْأَمِينِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ أَدْرَكَ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبَ مَالِكٍ وَرَوَى عَنْهُ مُوَطَّأَهُ يَوْمَئِذٍ أَنَّ أَفْعَالَهُ يُقْتَدَى بِهَا.
فَرْعٌ: فِي عُقُوبَةِ مَنْ قَذَفَ رَجُلًا بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ بِالسَّرِقَةِ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا شَهِدَ رَجُلٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا نَكَلَ الشَّاهِدُ، وَإِنْ قَالَ فِيمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ، إنْ كَانَ لَهَا مَنْ يَطْلُبُهَا لَمْ يُعَاقَبْ الشَّاهِدُ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْ يَطْلُبُهَا عُوقِبَ إنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَلَا