الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُوجِعَةُ بِضَرْبِ ظَهْرِهِ وَإِطَالَةِ سِجْنِهِ، وَالطَّبِيبُ وَالْحَجَّامُ وَالْبَيْطَارُ فِيمَا أَتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ بِسَبِيلِ مَا وَصَفْنَا فِي الْخَاتِنِ.
فَصْلٌ: فِيمَا لَا يَضْمَنُهُ الصُّنَّاعُ مِمَّا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِمْ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَمَا أَصَابَ الثِّيَابَ عِنْدَ الْقَصَّارِ أَوْ الصَّبَّاغِ أَوْ الْخَيَّاطِ مِنْ قَرْضِ الْفَأْرِ أَوْ لَحْسِ السُّوسِ، فَعُرِفَ ذَلِكَ وَبَيَّنَ لِلنَّاظِرِ إلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيهِ، وَإِنْ ادَّعَى صَاحِبُ الثِّيَابِ أَنَّ الصَّانِعَ أَضَاعَ الثَّوْبَ وَفَرَّطَ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ وَزَعَمَ الصُّنَّاعُ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّطُوا وَلَمْ يُضَيِّعُوا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ، وَعَلَى أَصْحَابِ الثِّيَابِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُمْ ضَيَّعُوا، لِأَنَّ قَرْضَ الْفَأْرِ وَلَحْسَ السُّوسِ أَمْرٌ غَالِبٌ وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا دَعْوَى التَّعَدِّي إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَيْهِ، قَالَ فَضْلُ بْنُ الْقَاسِمِ: يَقُولُ الْقَوْلَ قَوْلَ أَصْحَابِ الثِّيَابِ، وَإِنْ أَشْكَلَ أَنَّهُ قَرْضُ فَأْرٍ فَالصَّانِعُ ضَامِنٌ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَرْضُ فَأْرٍ أَوْ لَحْسُ سُوسٍ، وَكُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَتَقَدَّمَ مَسْأَلَةُ الْحَطَبِ يَقْطَعُ ثَوْبَ الصَّبَّاغِ.
فَرْعٌ: وَإِذَا أَتَى الرَّجُلُ الْخَيَّاطَ بِثَوْبٍ مَلْفُوفٍ فِي مِنْدِيلٍ لِيَخِيطَهُ، فَادَّعَى ضَيَاعَ الثَّوْبِ وَالْمِنْدِيلِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الثَّوْبَ وَلَا يَضْمَنُ الْمِنْدِيلَ، لِأَنَّ الْمِنْدِيلَ إنَّمَا أَتَى بِهِ وِقَايَةً لِثَوْبِهِ فَهُوَ كَالْمُسْتَوْدَعِ عِنْدَهُ " وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ الثَّوْبَ إذَا كَانَ رَفِيعًا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ الْمِنْدِيلِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ.
[فَصْلٌ فِي السَّمَاسِرَةِ وَالْوُكَلَاءِ وَالْمَأْمُورِينَ]
َ وَفِي التَّهْذِيبِ فِي آخَرِ كِتَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَا بَاعَ الطَّوَّافُونَ فِي الْمُزَايَدَةِ، وَمِثْلُ النَّخَّاسِينَ وَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبِيعُ لِلنَّاسِ فَلَا عُهْدَةَ عَلَيْهِمْ فِي عَيْبٍ وَلَا اسْتِحْقَاقٍ، وَالتِّبَاعَةُ عَلَى رَبِّهَا إنْ وُجِدَ وَإِلَّا اتَّبَعَ، وَكَذَا الَّذِينَ يَبِيعُونَ فِي الْحَوَانِيتِ لِلنَّاسِ بِالْجُعْلِ، وَاَلَّذِي يَسْتَأْجِرُ عَلَى الصِّيَاحِ، وَاَلَّذِي يَبِيعُ فِي الْمِيرَاثِ مِمَّنْ يَزِيدُ، فَمَا وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ مَسْرُوقًا وَبِهِ عَيْبٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ.
وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ نَصُّهَا: قَالَ: وَاَلَّذِي يَبِيعُ فِي السُّوقِ الثِّيَابَ لِلنَّاسِ مِثْلَ الصَّاحَةِ، وَهَؤُلَاءِ النِّسَاءُ اللَّاتِي يَبِعْنَ عَلَى الدُّورِ مَا دُفِعَ إلَيْهِمْ مِنْ الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ وَالْجَوْهَرِ، مِثْلُ
نِسَاءِ مِصْرَ اللَّاتِي تُدْفَعُ إلَيْهِمْ الْأَمْوَالُ، فَيَبِعْنَ عَلَى الدُّورِ وَفِي الْأَسْوَاقِ، فَيَسْتَحِقُّ عَلَيْهِنَّ مَا بِعْنَ عَلَى مَا تَرَى أَنْ يَرْجِعُوا بِالْأَثْمَانِ الَّتِي دَفَعُوا، قَالَ عَلَى أَرْبَابِ الْمَتَاعِ فَقُلْت لِمَالِكٍ: فَإِنْ ادَّعَوْا تَلَفَ مَا وَقَعَ إلَيْهِمْ أَيْ الْقِيمَةَ تَضْمَنُهُمْ، أَقِيمَةُ الْمَتَاعِ يَوْمَ قَبَضُوهُ، أَوْ قِيمَتَهُ يَوْمَ تَلِفَ؟ قَالَ بَلْ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِ الْمَتَاعِ، وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ سَحْنُونٌ: قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهَذَا لَا يُعْرَفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، أَعْنِي تَضْمِينَ هَؤُلَاءِ إلَّا مَا وَقَعَ لِأَصْبَغَ فِي الثَّمَانِيَةِ، أَنَّ الْعُهْدَةَ فِي رَدِّ الْعَيْبِ وَالدَّرْكِ عَلَى مُتَوَلِّي الْبَيْعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عِنْدَ الْبَيْعِ اشْتِرَاطًا بَيِّنًا أَنَّهُ لَا عُهْدَةَ وَلَا تَبَاعَةَ، وَلَكِنْ عَلَى رَبِّهَا وَتَعَامَلَا عَلَى ذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ تَسْقُطُ عَنْهُ الْعُهْدَةُ، فَكَأَنَّهُمْ عِنْدَ أَصْبَغَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَالصُّنَّاعِ لَمَّا نَصَبُوا أَنْفُسَهُمْ لِذَلِكَ بِمَصْلَحَةِ الْكَافَّةِ فِي ذَلِكَ.
قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي السَّمَاسِرَةِ وَالْمَأْمُورِينَ وَالْوُكَلَاءِ أَنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ وَلَيْسُوا بِصُنَّاعٍ، كَانُوا بِحَوَانِيتَ أَوْ لَا، كَذَا جَاءَ فِي أُمَّهَاتِنَا وَأَجْوِبَةِ، شُيُوخِنَا.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْجُعْلِ فِي بَابِ جُعْلِ السَّمَاسِرَةِ: فِي الرَّجُلِ يَجْعَلُ لِلْبَزَّازِ الْمَالَ يَشْتَرِي لَهُ بَزًّا، وَيَجْعَلُ لَهُ فِي كُلِّ مِائَةٍ يَشْتَرِي بِهَا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قَالَ: فَإِنْ ضَاعَ الْمَالُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَفِي كِتَابِ الرَّوَاحِلِ وَكُلُّ شَيْءٍ دَفَعْته إلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وَأَعْطَيْته عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا فَهُوَ فِيهِ مُؤْتَمَنٌ إلَّا الصُّنَّاعُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْأَسْوَاقِ.
فَرْعٌ: وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: فِي الَّذِي يَسْتَأْجِرُ عَلَى شِرَاءِ مَتَاعٍ فَزَعَمَ أَنَّ الثَّمَنَ ضَاعَ يَحْلِفُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَدُلُّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إسْقَاطُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ الضَّمَانَ مِنْ الْمُسْتَأْجَرِ لِلتَّجْرِ فِي الْمَالِ، فِي كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ.
فَرْعٌ: وَقَالَ ابْنُ الْقَابِسِيُّ فِي الرَّجُلِ يَبْعَثُهُ الرَّجُلُ يَطْلُبُ لَهُ ثِيَابًا فَيَضِيعُ مِنْهَا ثَوْبٌ، أَنَّ ضَمَانَهُ عَلَى الْآمِرِ إذَا اعْتَرَفَ بِإِرْسَالِهِ أَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ، وَيَحْلِفُ السِّمْسَارُ مَا فَرَّطَ وَلَا خَانَ، وَرَأَيْت لَهُ أَيْضًا فِي جَوَابٍ آخَرَ مِثْلُهُ: إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالسَّمْسَرَةِ فَهُوَ أَمِينٌ لَهُمَا، قَالَ فَإِنْ ادَّعَى
تَلَفَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوَصِّلَهُ الْأَمْرَ صُدِّقَ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: أَوْصَلْت وَلَمْ يَخْتَرْهُ فَأَخَذَهُ فَذَهَبَ الْمَتَاعُ فِي رَدِّهِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ، وَإِنْ قَالَ: تَلِفَ عِنْدَ الْآمِرِ فَالْآمِرُ ضَامِنٌ إنْ أَقَرَّ لَهُ وَإِلَّا فَالسِّمْسَارُ ضَامِنٌ.
مَسْأَلَةٌ: وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الرَّجُلِ يَدْفَعُ إلَى الصَّرَّافِ الدَّنَانِيرَ وَالْحُلِيَّ لِيَصْرِفَهَا لَهُ، أَوْ الرَّقِيقَ أَوْ الدَّوَابَّ لِلنَّخَّاسِ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ فَيَقُولُونَ: ذَهَبَ أَوْ سَقَطَ مِنَّا، أَوْ بِعْنَا وَسَقَطَ الثَّمَنُ، أَوْ بِعْنَا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَهُوَ يَجْحَدُ، فَهُمْ ضَامِنُونَ إلَّا أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ بِالْبَيْعِ وَقَبْضِ السِّلْعَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ الْوُكَلَاءُ مِنْ السَّمَاسِرَةِ وَالطَّوَّافِينَ الَّذِينَ عَادَتُهُمْ أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانِ بْنُ الْمُنْتَابِ فِي دَعْوَى السِّمْسَارِ، أَنَّهُ دَفَعَ الثَّوْبَ إلَى صَاحِبِهِ وَقَدْ طَلَبَهُ لِيَعْرِضَهُ وَرَبُّ الثَّوْبِ مُنْكِرٌ، أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى السِّمْسَارِ وَلَا شَيْءَ فِي دَعْوَى ضَيَاعِهِ وَلَا فِيمَا حَدَثَ فِيهِ فِي يَدَيْهِ مِنْ عَيْبٍ وَيَحْلِفُ إنْ اتَّهَمَ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِهَا، قَالَ وَكَذَلِكَ الَّذِي يَقْعُدُ عَلَى بَيْعِ الثِّيَابِ لِلنَّاسِ فِي السُّوقِ.
مَسْأَلَةٌ: لَوْ وَضَعَ الْمُنَادِي الثَّوْبَ عِنْدَ التَّاجِرِ لِيُشَاوِرَ صَاحِبَهُ فَضَاعَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ، وَلَوْ أَنْكَرَ التَّاجِرُ ضَمِنَهُ السِّمْسَارُ إذَا لَمْ يَشْهَدْ.
وَفِي الطُّرَرِ: أَنْ أَلْقَى الدَّلَّالُ الثَّوْبَ عِنْدَ رَجُلٍ فَجَحَدَهُ إيَّاهُ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ، لِأَنَّ عُرْفَ النَّاسِ جَرَى بِغَيْرِ الْإِشْهَادِ بِذَلِكَ، فَصَارَ كَالشَّرْطِ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ.
فَرْعٌ: وَكَذَلِكَ يَضْمَنُ إذَا نَسِيَ مَنْ أَقَرَّهُ عِنْدَهُ وَلَوْ ضَاعَ الثَّوْبُ مِنْهُ قَبْلَ النِّدَاءِ لَمْ يَضْمَنْهُ مَا لَمْ يُفَرِّطْ.
فَرْعٌ: وَلَوْ أَخَذَ السِّمْسَارُ الثَّمَنَ مِنْ التَّاجِرِ لِيَدْفَعَهُ لِلْبَائِعِ إنْ رَضِيَ بِالْبَيْعِ فَضَاعَ ضَمِنَهُ إذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْبَيْعِ بَعْدُ، وَكَذَلِكَ إذَا سَأَلَهُ السِّمْسَارُ ذَلِكَ، فَإِنْ دَفَعَهُ لَهُ لِلتَّاجِرِ وَقَالَ لَهُ: خُذْهُ، فَإِنْ بَاعَ فَادْفَعْهُ لَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ أَمِينُهُ قَالَهُ الْأَبْيَانِيُّ مِنْ الْمَذْهَبِ لِابْنِ رَاشِدٍ.
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ السِّمْسَارِ سِلْعَةً فَاسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ ظَهَرَ بِهَا عَيْبٌ فَلَا عُهْدَةَ عَلَى السِّمْسَارِ وَالتَّبَاعَةُ عَلَى رَبِّهَا فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ كَانَتْ مُصِيبَتُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: فَإِذَا سُئِلَ السِّمْسَارُ عَنْ رَبِّ السِّلْعَةِ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ حَلَفَ أَنَّهُ مَا يَعْرِفُهُ،