الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ اُتُّبِعَ فِي عُدْمِهِ بِأَمْوَالِ النَّاسِ، كَالسَّارِقِ يُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ، قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ.
مَسْأَلَةٌ: وَيُقْبَلُ شَهَادَةُ الَّذِينَ قُطِعَ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقُ وَاللُّصُوصِ، أَنَّهُمْ قَطَعُوا عَلَيْهِمْ الطَّرِيقَ، قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ، قَالُوا: لِأَنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِمَا أَخَذَهُ لَهُ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِابْنِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَنَّ هَذَا قَتَلَ ابْنَهُ، لِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِالْحِرَابَةِ لَا بِالْقِصَاصِ، إذْ لَا عَفْوَ فِيهِ، وَلَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي الْعَفْوِ وَالْقِصَاصِ وَهَذَا إذَا كَانُوا عُدُولًا، فَإِنْ كَانُوا عَبِيدًا أَوْ نَصَارَى أَوْ غَيْرَ عُدُولٍ لَمْ يُقْبَلُوا، وَلَكِنْ إذَا اسْتَفَاضَ ذَلِكَ مِنْ الذِّكْرِ وَكَثْرَةِ الْقَوْلِ أَدَّبَهُمْ الْإِمَامُ وَنَفَاهُمْ.
مَسْأَلَةٌ: وَمَا وُجِدَ بِأَيْدِي اللُّصُوصِ فَادَّعَوْهُ أَنَّهُ مَالٌ لَهُمْ، فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ: هُوَ لَهُمْ وَإِنْ كَثُرَ حَتَّى يُقِيمَ الْمُدَّعِي فِيهِ بِدَعْوَاهُ الْبَيِّنَةَ، وَأَمَّا إذَا أَقَرُّوا أَنَّهُمْ إنَّمَا أَخَذُوهُ بِالْحِرَابَةِ، فَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ أَهْلِ الرُّفْقَةِ بَعْضٌ لِبَعْضٍ وَلَا تَجُوزُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ادَّعَى شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: يُدْفَعُ إلَيْهِ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ وَبَعْدَ أَنْ يُفَتِّشُوا ذَلِكَ، وَلَا يَطُولُ جِدًّا وَبَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى دَعْوَاهُ وَيَضْمَنُوا ذَلِكَ، وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ حَمِيلٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ هَذَا.
[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ]
وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَهْلُ تَأْوِيلٍ وَأَهْلُ عِنَادٍ، وَقَدْ قَاتَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما الْفَرِيقَيْنِ، لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه قَاتَلَ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ مَنَعَهَا شُحًّا بِمَالِهِ وَهُمْ الْبُغَاةُ، وَبَعْضُهُمْ مَنَعَهَا بِالتَّأْوِيلِ وَقَالُوا زَمَانُ وُجُوبِهَا قَدْ انْقَضَى، وَالْمُخَاطَبُ بِأَخْذِهَا قَدْ مَاتَ صلى الله عليه وسلم وَتَأَوَّلُوا أَنَّ قَوْله تَعَالَى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] ، لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى قِيَامِ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ مَقَامَهُ،
وَأَمَّا عَلِيٌّ رضي الله عنه فَقَدْ قَاتَلَ أَهْلَ الشَّامِ وَأَهْلَ الْبَصْرَةِ، لِأَنَّهُمْ أَبَوْا الدُّخُولَ فِي طَاعَتِهِ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم لِعَمَّارٍ: تَقْتُلُك الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ؟ وَكَانَ مَعَ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَقَتَلَهُ أَهْلُ الشَّامِ، وَقَاتَلَ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ وَهُمْ مُتَأَوِّلُونَ، وَلِلْإِمَامِ الْعَدْلِ خَاصَّةٌ فِي قِتَالِ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، مَا لَهُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ مِنْ الْقَتْلِ وَالتَّحْرِيقِ وَالتَّغْرِيقِ وَالرَّمْيِ بِالْمَنْجَنِيقِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَدْعُوهُمْ إلَى الدُّخُولِ فِي جَمَاعَةِ الْإِسْلَامِ، قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ إذَا خَرَجُوا بَغْيًا وَرَغْبَةً عَنْ حُكْمِ الْإِمَامِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَدْعُوهُمْ أَوَّلًا إلَى الرُّجُوعِ إلَى الْحَقِّ، فَإِنْ فَعَلُوا قَبِلَ مِنْهُمْ وَكَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ أَبَوْا قَاتَلَهُمْ وَحَلَّ لَهُ سَفْكُ دِمَائِهِمْ حَتَّى يَقْهَرَهُمْ.
مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ لِأَجْلِ قَهْرِهِمْ وَقَدْ حَصَلَ وَلَكِنْ يُؤَدَّبُ وَيُسْجَنُ حَتَّى يَتُوبَ.
فَرْعٌ: وَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ وَتَحَقَّقَتْ هَزِيمَتُهُمْ وَأُمِنَتْ عَوْدَتُهُمْ، فَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَا يُقْتَلُ مُنْهَزِمُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ رُجُوعُهُمْ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِ مُنْهَزِمِهِ وَتَجْرِيحِهِمْ.
مَسْأَلَةٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقْتَلَ الرَّجُلُ فِي قِتَالِهِ قَرِيبَهُ مُبَارَزَةً وَغَيْرَ مُبَارَزَةٍ، وَكَذَلِكَ جَدُّهُ لِأَبِيهِ وَلِأُمِّهِ، وَأَمَّا الْأَبُ فَلَا أُحِبُّ قَتْلَهُ عَلَى الْعَمْدِ مُبَارَزَةً، أَوْ غَيْرَهَا، وَكَذَلِكَ الْأَبُ الْكَافِرُ مِثْلُ الْخَارِجِيِّ.
وَقَالَ أَصْبَغُ: يُقْتَلُ فِيهِمَا أَخَاهُ وَأَبَاهُ مِنْ ابْنِ رُشْدٍ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهَذَا الْحُكْمُ ظَاهِرٌ فِي أَهْلِ الْعِنَادِ وَالْمَعْصِيَةِ وَشِبْهِهِمْ، وَأَمَّا الْمُبْتَدِعَةُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ بِدْعَتَهُ يُسْتَتَابُ، لِأَنَّ بِدْعَتَهُ الَّتِي خَرَجَ بِسَبَبِهَا لَمْ يَزَلْ مُعْتَقِدًا لَهَا وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ أَنَّهُ يُسْتَتَابُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَلَى الْإِمَامِ فَأَحْرَى إذَا خَرَجَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.