الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: قُلْت لِسَحْنُونٍ أَنَّ ابْنَ عَجْلَانَ قَالَ لِي: أَنَّهُ يُحَلِّفُ الْيَهُودِيَّ يَوْمَ السَّبْتِ وَالنَّصْرَانِيَّ يَوْمَ الْأَحَدِ: وَقَالَ إنِّي رَأَيْتهمْ يَرْهَبُونَ ذَلِكَ فَقَالَ لِي سَحْنُونٌ وَمِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ ابْنُ عَجْلَانَ؟ قَالَ: قُلْت مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ يَحْلِفُونَ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ، فَسَكَتَ. قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ، وَقُلْت لَهُ أَيْضًا: أَنَّ ابْنَ عَاصِمٍ عِنْدَنَا يُحَلِّفُ النَّاسَ بِالطَّلَاقِ يُغْلِظُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي: وَمِنْ أَيْنَ أَخَذَ ذَلِكَ؟ قُلْت لَهُ: مِنْ الْأَثَرِ الْمَرْوِيِّ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ، فَقَالَ لِي مِثْلُ ابْنِ عَاصِمٍ يَتَأَوَّلُ هَذَا قَالَهُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ فِي وَثَائِقِهِ وَابْنُ عَاصِمٍ هَذَا حُسَيْنُ بْنُ عَاصِمٍ، رَوَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ: وَدَخَلَ الْأَنْدَلُسَ وَكَانَ مُحْتَسِبًا بِهَا فِي السُّوقِ.
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا تَغَيَّبَ الْخَصْمُ عَنْ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ، فَاَلَّذِي يُقَابَلُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ السِّيَاسِيَّةِ مَذْكُورٌ فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ عَنْ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ.
مَسْأَلَةٌ: مَنْ اسْتَخِفَّ بِأَعْوَانِ الْقَاضِي وَتَعَدَّى عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ تَجِبُ عُقُوبَتُهُ بِانْتِهَاكِ حُرْمَتِهِمْ وَاسْتِخْفَافِهِ بِقُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَتُعِدِّيهِ عَلَى الرُّسُلِ وَعَلَى الطَّالِبِ لَهُمْ، وَإِذَا لَمْ يَحْسِمْ مِثْلَ هَذَا مَا يُؤْمَنُ أَغْلَظُ مِنْهُ مِمَّا يَقُودُ إلَى فِتْنَةٍ فَيُبَالِغُ فِي التَّغْلِيظِ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَيُعَاقَبُ فَاعِلُهُ بِأَبْلَغِ الْعُقُوبَةِ، قَالَهُ ابْنُ لُبَابَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ وَلِيَدٍ وَأَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَابْنُ مُعَاذٍ وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ.
[فَصْلٌ وَوَقَعَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ]
مَسْأَلَةٌ: الشَّهَادَةُ عَلَى السَّرِقَةِ لَا تُقْبَلُ مُجْمَلَةً، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَ الْحَاكِمُ الشَّاهِدَيْنِ عَنْ السَّرِقَةِ مَا هِيَ وَكَيْفَ أَخَذَهَا وَمِنْ أَيْنَ وَإِلَى أَيْنَ؟ قَالَ اللَّخْمِيُّ: فَإِنْ غَابَا قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُمَا لَمْ يَقْطَعْ السَّارِقَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ دُونَ النِّصَابِ أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَإِنْ قَالَا: إنَّهَا مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ وَغَابَا قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُمَا لَمْ يَقْطَعْ، إلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَذْهَبُهُمَا مَذْهَبُ الْحَاكِمِ.
فَرْعٌ: وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى الزِّنَا وَاللِّوَاطِ، فَيَسْأَلُهُمَا الْحَاكِمُ وَيَسْتَفْسِرُهُمْ كَمَا يَسْأَلُهُمْ فِي السَّرِقَةِ قَالَهُ ابْنُ رَاشِدٍ.
تَنْبِيهٌ: فِي الْمُقْنِعِ لِابْنِ بَطَّالٍ: وَلَا يَسْأَلُهُمْ الْحَاكِمُ عَمَّا أَكَلُوا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَهَلْ كَانَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَلَا عَنْ لِبَاسِهِ؟ وَلَا يُسْأَلُونَ هَلْ زَنَى بِامْرَأَةٍ؟ إذْ لَا يَجْهَلُ أَحَدٌ أَنَّ الزِّنَا لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمَرْأَةِ، وَأَنْ يُسْأَلُوا هَلْ رَأَيْتُمُوهُ يُدْخِلُ الْفَرْجَ فِي الْفَرْجِ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ؟ وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا يَسْأَلُ عَنْهُ عَدْلٌ وَلَا غَيْرُهُ، وَهَذَا مِنْ الزِّيَادَةِ فِي تَفْنِينِهِمْ.
فَرْعٌ: وَتَعَمُّدُ الشُّهُودِ النَّظَرَ إلَى فَرْجِهَا لَيْسَ بِجُرْحَةٍ تُسْقِطُ الشَّهَادَةَ إذْ لَا تُمْكِنُ الشَّهَادَةُ إلَّا هَكَذَا، قَالَ اللَّخْمِيُّ وَتَعَمُّدُ النَّظَرِ حَسَنٌ فِيمَنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفَسَادِ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ فَفِيهِ نَظَرٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: لَا يَكْشِفُوا عَنْ ذَلِكَ وَلَا يَطْلُبُوا تَحْقِيقَ الشَّهَادَةِ لِمَا نُدِبُوا إلَيْهِ مِنْ السِّتْرِ، فَيَنْبَغِي التَّجَاوُزُ عَنْهُمْ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَنَّهُمْ يُحَقِّقُونَ الشَّهَادَةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَقْذِفَهُ شَخْصٌ، فَيَقُودُونَ بِالشَّهَادَةِ لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْهُمْ، وَالسِّتْرُ أَوْلَى لِأَنَّ مُرَاعَاةَ قَذْفِهِ مِنْ النَّارِ الْوُقُوعُ.
فَرْعٌ: وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ: وَإِذَا سَأَلَ الْحَاكِمُ الشُّهُودَ عَنْ صِفَةِ الزِّنَا فَأَبَوْا وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِالزِّنَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ وَلْيُحَدُّوا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُحَدُّونَ إلَّا بَعْدَ كَشْفِ الشَّهَادَةِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تُحَدُّ الشُّهُودُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ كَشْفِ شَهَادَتِهِمْ حَتَّى يَدُلَّ تَفْسِيرُهُمْ أَنَّهُ الزِّنَا وَيَقُولُونَ مِثْلَ الْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، فَإِنْ اسْتَرَابَ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ سَأَلَهُ عَنْ غَيْرِ هَذَا مِمَّا يَرْجُو فِيهِ بَيَانًا مِنْ اخْتِلَافِ شَهَادَتِهِ.
فَرْعٌ: وَقِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَتَرَى لِلْقَاضِي أَنْ يُمْسِكَ الْكِتَابَ الَّذِي فِيهِ شَهَادَاتُ الشُّهُودِ وَيَقُولُ لَهُمْ: أَخْبِرُونِي بِشَهَادَتِكُمْ قَالَ: لَا وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَعْرِفُ شَهَادَتَهُ حَتَّى يَقْرَأَهَا وَيَذْكُرَهَا فَإِذَا عَرَفَ شَهِدَ وَلَوْ قَرَأَهَا، قِيلَ لَهُ: اسْتَظْهِرْهَا مَا قَدَرَ وَمَا كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
مَسْأَلَةٌ: شَهَادَاتُ الِاسْتِرْعَاءِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ يَسْتَحْضِرُونَهَا إذَا كَانَتْ الْوَثِيقَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الشُّهُودِ لِذَلِكَ، وَذَلِكَ فِي عُقُودِ الِاسْتِرْعَاءِ الَّتِي يَكْتُبُ فِيهَا يَشْهَدُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ رِيبَةً تُوجِبُ التَّثْبِيتَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: مَا تَشْهَدُونَ بِهِ، فَإِنْ ذَكَرُوا شَهَادَتَهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ عَلَى مَا فِي الْوَثِيقَةِ جَازَتْ وَإِلَّا رَدَّهَا، وَلَيْسَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا وَلَا بِكُلِّ الشُّهُودِ، وَإِنَّمَا
يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلهُ مَعَ مَنْ تُخْشَى عَلَيْهِ الْخَدِيعَةُ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ زَرْبٍ وَرُبَّمَا فَعَلْته.
فَرْعٌ: وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَثِيقَةُ مُنْعَقِدَةٌ مِنْ إشْهَادِ الشُّهُودِ كَالصَّدَقَةِ وَالِابْتِيَاعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُؤْخَذَ الشُّهُودُ بِحِفْظِ مَا فِي الْوَثِيقَةِ وَحَسْبُهُمْ أَنْ يَقُولُوا: إنَّ شَهَادَتَهُمْ فِيهَا حَقٌّ وَأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ مَنْ أَشْهَدَهُمْ، وَلَا يَمْسِكُ الْقَاضِي الْكِتَابَ وَيَسْأَلُهُمْ عَنْ شَهَادَتِهِمْ مِنْ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي الطُّرَرَ: إذَا وَقَعَ الْوَثِيقَةَ بَشْرٌ أَوْ ضَرْبٌ أَوْ مَحْوٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْعَدَدِ، مِثْلَ: عَدَدِ الدَّنَانِيرِ أَوْ أَجَلِهَا أَوْ تَارِيخِ الْوَثِيقَةِ لَمْ يَضُرَّ الْوَثِيقَةَ وَلَا يُوهِنُهَا، وَإِنْ لَمْ يُعْتَذَرْ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ سُئِلَتْ الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ حَفِظَتْ الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَوْا الْوَثِيقَةَ مَضَتْ، وَسَأَلُوا عَنْ الْبَشْرِ إذَا كَانَ فِيهَا فَإِنْ حَفِظُوهُ مَضَتْ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يُحَفِّظُوهُ سَقَطَتْ الْوَثِيقَةُ.
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الرَّجُلِ أَنَّهُ كُفْءٌ لِيَتِيمَةٍ أَرَادَ نِكَاحَهَا، لَمْ يَكُنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ مِنْ أَيْنَ عَلِمُوا ذَلِكَ، وَوَجَبَ نِكَاحُهَا مِنْهُ مِنْ ابْنِ سَهْلٍ.
مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُفَرِّقَ الشُّهُودَ إلَّا عَنْ تُهْمَةٍ، وَيَفْعَلُهُ فِي رِفْقٍ كَشْفًا رَفِيقًا عَنْ كُلِّ مَا يُرِيدُ حَتَّى تَصِحَّ لَهُ بَرَاءَتُهُمَا مِنْ التُّهْمَةِ، أَوْ تَحَقُّقِ الرِّيبَةِ عَلَيْهِمَا فَيُبْطِلُ شَهَادَتَهُمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُلُّ الشُّهُودِ لَا يُسْأَلُونَ وَلَا يُفَرَّقُونَ إنْ كَانُوا عُدُولًا، إلَّا الشُّهُودُ عَلَى الزِّنَا فَإِنَّهُمْ يُفَرَّقُونَ وَيُسْأَلُونَ.
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الشُّهُودِ فِي حَدٍّ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُسْتَرَابَ مِنْ شَهَادَتِهِمْ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمْ. وَفِي تَنْبِيهِ الْحُكَّامِ: أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا اسْتَرَابَ مِنْ الشُّهُودِ كَشَفَ عَنْ حَقِيقَةِ مَا اتَّهَمَهُمْ بِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ حَقِيقَةُ مَا تَوَهُّم عَمِلَ عَلَى مَا ظَهَرَ لَهُ بِمَا يَقْتَضِيه مُوجِبُ الشَّرْعِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرَ لَهُ شَيْءٌ وَعَظَهُمْ وَخَوَّفَهُمْ بِاَللَّهِ وَذَكَّرَهُمْ إنْ رَأَى لِذَلِكَ مَحِلًّا.
مَسْأَلَةٌ: إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ فُلَانًا افْتَرَى عَلَى فُلَانٍ أَوْ شَتَمَهُ أَوْ آذَاهُ أَوْ سَفِهَهُ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى يَكْشِفُوا عَنْ حَقِيقَتِهِ، إذْ قَدْ يَظُنُّونَ مَا قَالُوا وَهُوَ عَلَى خِلَافِ مَا ظَنُّوا قَالَ أَصْبَغُ: إلَّا أَنْ تَفُوتَ الْبَيِّنَةُ، وَلَا يُقْدَرُ عَلَى إعَادَتِهِمْ فَلْيُعَاقَبْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عَلَى أَخَفِّ مَا يَلْزَمُ فِي ذَلِكَ.