الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي بَابِ الْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي مِنْ بَيْعِ الْمَضْغُوطِ وَإِيمَانِ الْإِكْرَاهِ]
وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ بَيْعُ الْمُسْتَكْرَهِ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَيْهِ، وَلَا لَازِمٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا اُسْتُكْرِهَ عَلَيْهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ شَيْءٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي ثَلَاثٌ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ، فَإِذَا أَلْجَأَ الظَّالِمُ رَجُلًا إلَى أَخْذِ مَالِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَاضْطَرَّهُ حَتَّى بَاعَ مَالَهُ فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَوْلَى بِكُلِّ مَا بَاعَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِ ذَلِكَ، وَلِيَتْبَعَ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ ذَلِكَ الظَّالِمُ الَّذِي أَخَذَهُ أَوْ وَصَلَ إلَيْهِ، قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ: وَسَوَاءٌ وَصَلَ ثَمَنُ الْمَتَاعِ إلَى الْمَضْغُوطِ ثُمَّ دَفَعَهُ الْمَضْغُوطُ إلَى الَّذِي أَلْجَأَهُ إلَى الْبَيْعِ بِتَعَدِّيهِ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَ الظَّالِمُ هُوَ الَّذِي تَوَلَّى قَبْضَ الثَّمَنِ مِنْ الْمُبْتَاعِ فَإِذَا بِمَتَاعِهِ بِيَدِ مَنْ ابْتَاعَهُ، أَوْ بِيَدِ مَنْ اشْتَرَاهُ مِنْ الَّذِي ابْتَاعَهُ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ، وَلِيُرَاجِعْ بِهِ الْبَاعَةَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، حَتَّى يَرْجِعَ الْمَتَاعُ الْأَوَّلُ عَلَى الظَّالِمِ الَّذِي وَصَلَ الثَّمَنُ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي فَعَلَ بِهَذَا الْمَظْلُومِ مَا فَعَلَ، إنَّمَا هُوَ بَعْضُ أَعْوَانِ الظَّالِمِ فِي الْمَغْرَمِ الَّذِي أَغْرَمَهُ، حَتَّى بَاعَ مَتَاعَهُ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْمُوَكَّلِ، فَإِنَّ لِلْمُبْتَاعِ إذَا أَخَذَ الْمَتَاعَ مِنْ يَدِهِ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُوَكِّلِ أَوْ الْوَكِيلِ، إذَا أَثْبَتَ أَنَّ الثَّمَنَ وَصَلَ إلَى الْمُوَكِّلِ، أَوْ أَثْبَتَ أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ ذَلِكَ الْمَالِ، وَتِلْكَ التَّسْمِيَةُ مِنْ هَذَا الْمَظْلُومِ.
تَنْبِيهٌ: وَحَدُّ الْإِكْرَاهِ الَّذِي لَا يَلْزَمُ مَعَهُ بَيْعُ مَتَاعِهِ هُوَ الْحَبْسُ أَوْ الْكَبْلُ أَوْ الضَّرْبُ أَوْ التَّهْدِيدُ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ قَدْ تَوَقَّعَ ذَلِكَ، أَوْ تَوَقَّعَ عَلَيْهِ لِمَا يَعْرِفُ مِنْ عَدَاءِ ذَلِكَ الظَّالِمِ وَأَخْذِهِ أَمْوَالَ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَانْتِهَاكِ حُرْمَتِهِمْ بِالضَّرْبِ وَالرَّهَقِ، فَمَا بَاعَ فِي هَذَا عُرِفَ بَيْعُهُ، وَأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ وَصَلَ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْمُبْتَاعِ إلَى الظَّالِمِ أَوْ إلَى الْمُوَكَّلِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الظَّالِمِ، فَهُوَ يَرْجِعُ فِي مَتَاعِهِ إذَا وَجَدَ إلَيْهِ بِالْحَقِّ سَبِيلًا.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْأَمِيرِ الْغَاصِبِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: ائْتِنِي بِأَلْفِ دِينَارٍ وَإِلَّا ضَرَبْت عُنُقَك، وَلَا يَجِدُ الرَّجُلُ مَا يُعْطِيه فَيَبِيعُ دَارِهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ
فَيُعْطِيهَا الْأَمِيرَ، فَإِنَّ الْبَيْعَ مُنْتَقِضٌ وَيَغْرَمُ الْبَائِعُ لِمَنْ اشْتَرَى مِنْهُ الدَّارَ الثَّمَنَ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ، وَيَأْخُذُ دَارِهِ ثُمَّ يَتْبَعُ ذَلِكَ الْأَمِيرَ بِمَا أَعْطَاهُ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: قَالُوا وَلَوْ ادَّعَى الْمُوَكَّلُ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ مَا أُمِرَ بِهِ فِي الْمَظْلُومِ أَنَّهُ تُوَقَّعُ عَلَى نَفْسِهِ الْعُقُوبَةُ مِنْ الظَّالِمِ إذَا لَمْ يُعْطِهِ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ، وَهُوَ مِنْ أَعْوَانِ الظَّالِمِ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَعْوَانِهِ لَا بِعُذْرٍ فِي ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» فَمَنْ أَمَرَهُ الْوَالِي بِقَتْلِ رَجُلٍ ظُلْمًا أَوْ قَطْعِهِ أَوْ جَلْدِهِ أَوْ أَخْذِ مَالَهُ أَوْ بَيْعِ مَتَاعِهِ فَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَصَاهُ وَقَعَ بِهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ ظَهْرِهِ أَوْ مَالِهِ، فَإِنْ أَطَاعَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَالْقَطْعُ وَالْغُرْمُ وَغُرِّمَ ثَمَنَ مَا بَاعَ قَالَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ: اُنْظُرْ هَذَا وَانْظُرْ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي دِيوَانِهِ فِي السُّلْطَانِ يَأْمُرُ رَجُلًا يَقْتُلُ رَجُلًا ظُلْمًا، أَنَّ السُّلْطَانَ يَقْتُلُ الْمَأْمُورَ.
فَرْعٌ: وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ ابْنِهِ أَوْ أَخِيهِ وَالْقَاتِلُ وَارِثُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ الْمِيرَاثِ وَلَا يَرْفَعُ عَنْهُ حُكْمَ الْقَوَدِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ قَالُوا وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَزْنِيَ وَحَمَلَ السَّيْفَ عَلَى رَأْسِهِ، أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ إثْمُهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الِاسْتِكْرَاهِ الْمَوْضُوعِ عَنْ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا الْمَوْضُوعُ عَنْ صَاحِبِهِ إثْمُ مَا رَكِبَ بِالِاسْتِكْرَاهِ فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَالْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ. كَمَا إذَا عَدَا قَوْمٌ عَلَى رَجُلٍ وَاسْتَكْرَهُوهُ عَنْ الصَّلَاةِ وَقَالُوا لَهُ: إنْ صَلَّيْت وَأَنْت مَعَنَا ضَرَبْنَا عُنُقَك، وَأَشْبَاهُ هَذَا مِمَّا هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ قَالُوا: وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ هَلْ وَصَلَ الثَّمَنُ إلَى الظَّالِمِ فِي مَغْرَمِهِ ذَلِكَ، أَوْ صَرَفَهُ الْمَضْغُوطُ فِي مَصَالِحِهِ؟ حُمِلَ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ وَصَلَ إلَى الظَّالِمِ إذَا كَانَ عَدَاؤُهُ عَلَيْهِ مَعْرُوفًا، حَتَّى بَاعَ مَتَاعَهُ مُسْتَكْرَهًا إلَّا أَنْ يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي مَتَاعِهِ فِي غَيْرِ مَغْرَمِهِ، فَلَا يَصِيرُ حِينَئِذٍ إلَى مَتَاعِهِ إلَّا بِدَفْعِ مَا قَبَضَ فِيهِ مِنْ الثَّمَنِ، قَالُوا: وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَضْغُوطُ فِي وَقْتِ بَيْعِهِ مَتَاعَهُ مُظَاهِرًا أَوْ مُغْرِبًا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ أَوْ خَارِجًا مِنْ الْحَبْسِ بِغَيْرِ كَبْلٍ وَلَا حَدِيدٍ، فَوَقَفَ فِي السُّوقِ لِبَيْعِ مَتَاعِهِ وَمَعَهُ الْحَرَسُ، فَإِذَا أَمْسَى رَدُّوهُ إلَى الْحَبْسِ، أَوْ كَانَ قَدْ أَعْطَى حَمِيلًا بِضَمَانِ ذَلِكَ الْمَغْرَمِ حَتَّى يَتَنَفَّسَ
فِيهِ وَيَجْمَعَهُ، أَوْ كَانَ هَارِبًا فَأَخَذَ مَتَاعَهُ فَأَمَرَ أَهْلَهُ بِبَيْعِهِ، كُلُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا سَوَاءٌ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الْمُبْتَاعِ وَلَا إلَى جَهْلِهِ بِذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ فَقَدْ شَارَكَ فِي إثْمِ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْمَظْلُومُ ذَا مَالٍ نَاضٍّ يُغْنِيه عَنْ بَيْعِ مَتَاعِهِ أَوْ رَقِيقِهِ فِي الْمَغْرَمِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَظْهَرُ مَا يَمْلِكُ مَا حَمَلَ إلَّا بِبَيْعِ ذَلِكَ خَوْفًا أَنْ يَزْدَادَ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ الْأَمْرُ فِيهِمَا وَاحِدٌ.
فَرْعٌ: وَفِي مَعِينِ الْحُكَّامِ: وَلَوْ أَمَرَهُ رَجُلٌ عَلَى قَبْضِ مَالَ، وَعَلَى دَفْعِهِ لَآخَرَ فَقَبَضَهُ فَهَلَكَ بِيَدِهِ قَبْلَ دَفْعِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ: الْفَرْقُ بَيْنَ مُشْتَرٍ عَلِمَ بِالْإِكْرَاهِ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، أَنَّ مَنْ لَا يَعْلَمُ لَا يَضْمَنُ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ إذَا ادَّعَى تَلَفَهُ وَالْغَلَّةُ لَهُ، وَمَنْ عَلِمَ يَضْمَنُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَسْتَوِيَانِ فِيمَا أَكَلَاهُ أَوْ لَبِسَاهُ.
مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ تَسَلَّفَ الْمَضْغُوطُ فِي فِكَاكِ الْمَضْغُوطِ نَفْسِهِ لَزِمَهُ مَا تَسَلَّفَ.
مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ هَرَبَ الْمَضْغُوطُ فَأَخَذَ الْحَمِيلَ بِمَا تَحَمَّلَ حَتَّى بَاعَ مَتَاعَهُ فَحُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمَضْغُوطِ لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ مَأْخُوذٌ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَا رُجُوعَ لِلْحَمِيلِ عَلَى الْمَضْغُوطِ مِنْ مَعِينِ الْحُكَّامِ.
مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَا بَاعَتْهُ امْرَأَةُ الْمَضْغُوطِ أَوْ وَلَدُهُ أَوْ وَلَدَاهُ أَوْ قَرِيبُهُ مِنْ مَتَاعِ نَفْسِهِ فِي افْتِكَاكِ الْمَضْغُوطِ مِمَّا هُوَ فِيهِ مِنْ الْعَذَابِ فَبَيْعُهُ مَاضٍ لَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ وَلَهُ أَجْرُ مَا احْتَسَبَ.
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى هِبَةِ نِصْفِ دَارٍ أَوْ عَبْدٍ فَوَهَبَ جَمِيعَ ذَلِكَ أَوْ عَلَى أَنْ يَهَبَ أَلْفًا فَوَهَبَ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ أَمَتَهُ مِنْ فُلَانٍ فَوَهَبَهَا لَهُ، أَوْ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِأَلْفٍ فَوَهَبَ لَهُ أَلْفًا فَذَلِكَ كُلُّهُ بَاطِلٌ.
مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْمَأْخُوذَ ظُلْمًا قِيلَ لَهُ: إنْ أَهَلَّ نَاحِيَتَك قَدْ جَلُّوا عَنْ جِبَايَتِهِمْ، وَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ وَظَائِفِهِمْ أَوْ جِزْيَتِهِمْ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَأَدِّ إلَيْنَا ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الظُّلْمِ؟ فَيَقُولُ: أَنَا أُؤَدِّي فَخَلِّ عَنِّي حَتَّى أَتَحَيَّلَ فِيهِ، فَيُخَلِّيه بِلَا حَمِيلٍ وَلَا كَفِيلٍ وَلَا حَرَسٍ، فَيُقِيمُ بِبَيْعِ رَقِيقِهِ