الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَحْمٍ مَطْبُوخٍ، وَكَانَ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ بَعَثَ بِجَزُورٍ فَقُضِيَ لَهُ بِقِيمَةِ قِدْرِهِ، وَقَاصَّهُ الْآخَرُ بِقِيمَةِ الْجَزُورِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي بَلَدٍ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ فِيهِ لَمْ يُقْضَ فِيهِ بِالثَّوَابِ، اُنْظُرْ الْمُذْهَبَ لِابْنِ رَاشِدٍ رحمه الله
[الْبَابُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ فِي الْقَضَاءِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ]
وَيَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِ أَهْلِ الْبَصَرِ وَمَعْرِفَةِ النَّخَّاسِينَ فِي مَعْرِفَةِ عُيُوبِ الرَّقِيقِ مِنْ الْإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ.
فَرْعٌ: وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ قَالَ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهَ بْنَ عَتَّابٍ هَلْ يُحْكَمُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ فِيمَا يَشْهَدُونَ فِيهِ مِنْ عُيُوبِ الْإِمَاءِ أَنَّهُ قَدِيمٌ قَبْلَ تَارِيخِ التَّبَايُعِ، أَمْ لَا يُسْمَعُ مِنْهُنَّ فِي ذَلِكَ؟ وَيَشْهَدُ فِي ذَلِكَ الْحُكَمَاءُ أَوْ نَخَّاسُ الرَّقِيقِ، فَقَالَ لِي: إنْ كُنَّ طَبِيبَاتٍ سُمِعَ مِنْهُنَّ، وَإِلَّا فَلَا يَشْهَدُ بِهِ إلَّا الْحُكَمَاءُ، قَالَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ
تَنْبِيهٌ: وَطَرِيقُ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ رحمه الله وَاعْتَرَضَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِيمَا يَفْعَلُونَ فِي ذَلِكَ، قَالَ فِي بَابِ الْعُيُوبِ فِي رَجُلٍ ابْتَاعَ خَادِمًا مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ قَامَ الْمُشْتَرِي يُرِيدُ رَدَّ الْجَارِيَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ بِهَا آثَارًا يَجِبُ بِهَا رَدُّهَا لَمْ يَكُنْ بَيَّنَهَا الْبَائِعُ، وَقَالَ الْبَائِعُ: لَا أَعْلَمُ بِهَا عَيْبًا، فَشَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي طَبِيبَانِ أَنَّ الْآثَارَ الَّتِي بِسَاقَيْهَا مِنْ مِرَّةٍ سَوْدَاءَ، دَلَّتْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قُرُوحٍ غَلِيظَةٍ قَدِيمَةٍ كَانَتْ مُنْذُ سَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَأَنَّهُ عَيْبٌ يَجِبُ بِهِ الرَّدُّ فِي عِلْمِهِمَا، وَشَاوَرَ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ ابْنَ لُبَابَةَ فَلَمْ يَعْتَرِضْ شَهَادَةَ الشُّهُودِ، قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَفِي قَوْلِهِ عَنْ الطَّبِيبَيْنِ أَنَّهُمَا شَهِدَا فِي الشِّقَاقِ أَنَّهُ مِنْ مِرَّةٍ سَوْدَاءَ كَانَتْ مُنْذُ سَنَةٍ، وَأَنَّهُ عَيْبٌ يَجِبُ بِهِ الرَّدُّ فِي عِلْمِهِمَا، فَصَارَا هُمَا الْمُفْتِيَانِ بِالرَّدِّ وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ الْعَمَلِ، إنَّمَا عَلَيْهِمَا أَنْ يَشْهَدَا بِأَنَّهُ مِنْ دَاءٍ قَدِيمٍ بِهَا قَبْلَ أَمَدِ التَّبَايُعِ، ثُمَّ يَشْهَدُ أَهْلُ الْبَصَرِ مِنْ تُجَّارِ الرَّقِيقِ وَنَخَّاسِيهِمْ بِأَنَّهُ عَيْبٌ يَحُطُّ مِنْ ثَمَنِهَا كَثِيرًا، ثُمَّ يُفْتِي الْفَقِيهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِوُجُوبِ الرَّدِّ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمَطْلُوبِ حُجَّةٌ وَلَا مَدْفَعٌ، وَالْخَطَأُ الْمَعْدُودُ عَلَى ابْنِ لُبَابَةَ فِي هَذَا
أَقْبَحُ مِنْهُ عَلَى الْقَاضِي، لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْشِدَهُ وَيُنَبِّهَهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَعْرِضُ عَنْهُ، وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَتَّابٍ فِي شَهَادَةِ شُهُودٍ شَهِدُوا فِي عَقْدِ حَائِطٍ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ أَنَّهُ لِفُلَانٍ مِنْهُمَا، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إلَيْهِمَا وَلَا يُسْمَعُ مِنْهُمْ أَنَّهُ لِفُلَانٍ، وَإِنَّمَا يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَى الْحَائِطِ وَرَأَوْا عَقْدَهُ مِنْ نَاحِيَةِ دَارِ فُلَانٍ، أَوْ رَأَوْا عَلَيْهِ خَشَبَ سَقْفِ بَيْتِ فُلَانٍ، ثُمَّ يُفْتِي الْفَقِيهُ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا أَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ هَذَا الْعَبْدَ وَهَذَا الْبَغْلَ مِلْكًا لِفُلَانٍ وَمَالًا مِنْ مَالِهِ وَبِيَدِهِ، لَا يَعْلَمُونَهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَى حِينِ شَهَادَتِهِمْ هَذِهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا فَيَجِبُ أَنْ يَحْلِفَ صَاحِبُهُ فِي مَقْطَعِ الْحَقِّ أَنَّهُ مَا بَاعَهُ وَلَا وَهَبَهُ وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ، وَهَذَا أَبْيَنُ مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ فِيهِ إلَى هَذَا التَّطْوِيلِ، لَكِنِّي رَأَيْت هَذَا الْمَعْنَى قَدْ كَثُرَ عِنْدَ الْحُكَّامِ لَا يُنْكِرُونَهُ، بَلْ قَدْ بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ تَزَلْ الشَّهَادَاتُ تُؤَدَّى فِي هَذَا الْمَعْنَى هَكَذَا، وَالشُّيُوخُ مُتَوَافِرُونَ وَلَا يُنْكِرُونَهُ، وَقَدْ رَأَيْت جَوَابَ جَاهِلِ أَهْلِ الِاعْتِنَاءِ بِالْفُتْيَا وَقَدْ أَفْتَى فِي قَنَاةٍ ظَهَرَتْ فِي دَارٍ مَبِيعَةٍ بِقُرْبِ بِئْرِهَا، فَقَالَ: يُقَالُ لِلشُّهُودِ: وَهَلْ يَجِبُ بِذَلِكَ الرَّدُّ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالُوا يَجِبُ رُدَّتْ فَلَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي اسْتَفْتَى هُوَ فِيهِ إذَا كَانَ الشُّهُودُ يُسْأَلُونَ: هَلْ يَجِبُ الرَّدُّ أَمْ لَا.
وَهَذَا نِهَايَةٌ فِي الْغَبَاوَةِ، وَإِذَا فَشَتْ الْجَهَالَةُ فِي النَّاسِ ظُنَّتْ حَقًّا وَحُسِبَتْ سُنَّةً، وَأَنْكَرَ مَا تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَقَالَ: وَقَعَ فِي أَحْكَامِ ابْنِ زِيَادٍ، فِي رَجُلٍ قَامَ عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى قَوْمٍ مِنْ النَّخَّاسِينَ فِي خَادِمٍ بَاعُوهَا مِنْهُ وَظَهَرَتْ بِهَا عُيُوبٌ، قَالَ الْقَاضِي: فَأَمَرْت مَنْ أَثِقُ بِهَا مِنْ النِّسَاءِ لِتَنْظُرَ إلَى تِلْكَ الْعُيُوبِ، فَاسْتَبَانَ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ أَنَّ الْعَيْبَ قَدِيمٌ بِمِثْلِهِ تُرَدُّ فَرُدَّتْ عَلَى النَّخَّاسِينَ.
قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: فَقَوْلُ الْقَاضِي حِكَايَةً عَنْ الْمَرْأَةِ أَنَّهُ عَيْبٌ قَدِيمٌ بِمِثْلِهِ تُرَدُّ جَهْلٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، صَارَتْ الْمَرْأَةُ عِنْدَهُ الشَّاهِدَةَ وَالطَّبِيبَةَ وَالْمُفْتِيَةَ، وَلَيْسَ إلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، إلَّا إنْ كَانَتْ مَاهِرَةً بِالطِّبِّ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَتَّابٍ رحمه الله فَيُسْمَعُ مِنْهَا فِي قِدَمِهِ أَوْ حُدُوثِهِ، وَأَمَّا أَنْ تَقُولَ هِيَ: يَجِبُ بِهِ الرَّدُّ أَوْ لَا فَلَيْسَ ذَلِكَ إلَيْهَا وَلَا تُسْأَلُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ إذَا ثَبَتَ الْعَيْبُ وَقِدَمُهُ بِشَهَادَةِ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيهِ، أَنْ يَسْأَلَ تُجَّارَ الرَّقِيقِ هَلْ هُوَ عَيْبٌ؟ فَإِذَا شَهِدَ أَهْلُ الْبَصَرِ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ عَيْبٌ يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ كَثِيرًا، أَفْتَى الْفُقَهَاءُ حِينَئِذٍ بِالرَّدِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ.