الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه رُدُّوا الْقَضَاءَ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ حَتَّى يَصْطَلِحُوا، فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ وَرِيثُ الضَّغَائِنِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يَفْسَخُ فِي مُلَازَمَةِ الْخَصْمَيْنِ إذَا وَضَحَتْ أَمَارَاتُ التَّجَاحُدِ وَالْكِتَابِ، فَعِنْدَنَا أَنَّهُ يُؤَدِّيهِمَا عَلَى ذَلِكَ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ يَسْمَعُ شَهَادَاتِ الْمَسْتُورِينَ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُهَا أَيْضًا فِي مَوَاطِنَ عَدِيدَةٍ، وَقَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ التَّوَسُّمِ، وَفِي بَابِ الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ غَيْرِ الْعُدُولِ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ يُحَلِّفُ الشُّهُودَ إذَا ارْتَابَ مِنْهُمْ فَقَدْ فَعَلَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ ابْنُ بَشِيرٍ قَاضِي الْجَمَاعَةِ بِقُرْطُبَةَ، حَلَّفَ شُهُودًا فِي تَرِكَةٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّ مَا شَهِدُوا بِهِ لَحَقٌّ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ وَضَّاحٍ أَنَّهُ قَالَ: أَرَى لِفَسَادِ الزَّمَانِ أَنْ يُحَلِّفَ الْحَاكِمُ الشُّهُودَ، وَابْنُ وَضَّاحٍ مِمَّنْ أَخَذَ عَنْ سَحْنُونٍ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يَسْتَدْعِي الشُّهُودَ وَيَسْأَلُهُمْ عَمَّا عِنْدَهُمْ، فَعِنْدَنَا أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي مَوَاطِنَ ذَكَرْتهَا فِي السِّيَاسَةِ فِي الشَّهَادَاتِ، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ لَيْسَ هُوَ مَذْهَبَ مَالِكٍ رحمه الله.
[فَصْلٌ الْفَرْق بَيْنَ نَظَرِ الْقَاضِي وَنَظَرِ وَالِي الْجَرَائِمِ]
فَصْلٌ: وَقَالَ الْقَرَافِيُّ أَيْضًا فِي الذَّخِيرَةِ مِمَّا نَقَلَهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ، فِي الْفَرْقِ بَيْنَ نَظَرِ الْقَاضِي وَنَظَرِ وَالِي الْجَرَائِمِ، قَالَ: وَيَمْتَازُ وَالِي الْجَرَائِمِ عَلَى الْقُضَاةِ بِتِسْعَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: سَمَاعُ قَذْفِ الْمَتْهُومِ مِنْ أَعْوَانِ الْأَمَارَاتِ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقِ الدَّعْوَى الْمُعْتَبَرَةِ، وَيَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِمْ هَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ التُّهْمَةِ أَوْ لَا؟ فَإِنْ نَزَّهُوهُ أَطْلَقَهُ أَوْ قَذَفُوهُ بَالَغَ فِي الْكَشْفِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يُرَاعِي شَوَاهِدَ الْحَالِ وَأَوْصَافَ التَّهَوُّمِ فِي قُوَّةِ التُّهْمَةِ وَضَعْفِهَا، بِأَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ بِالزِّنَا مُتَصَنِّعًا لِلنِّسَاءِ فَتَقْوَى التُّهْمَةُ، أَوْ مُتَّهَمًا بِالسَّرِقَةِ وَفِيهِ آثَارُ ضَرْبٍ مَعَ قُوَّةِ بَدَنٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الدَّعَارَةِ فَتَقْوَى أَوْ لَا يَكُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَيَخِفُّ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْقَضَاءِ.
الثَّالِثُ: تَعْجِيلُ حَبْسِ الْمَتْهُومِ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَالْكَشْفِ وَمُدَّتُهُ شَهْرٌ، أَوْ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ بِخِلَافِ الْقُضَاةِ.
الرَّابِعُ: يَجُوزُ لَهُ مَعَ قُوَّةِ التُّهْمَةِ ضَرْبُ الْمَتْهُومِ ضَرْبَ تَقْرِيرٍ لَا ضَرْبَ حَدٍّ لِيَصْدُقَ، فَإِذَا أَقَرَّ وَهُوَ مَضْرُوبٌ اُعْتُبِرَتْ حَالُهُ، فَإِنْ ضُرِبَ لِيُقِرَّ لَمْ يُعْتَبَرْ إقْرَارُهُ تَحْتَ الضَّرْبِ، أَوْ لِيَصْدُقَ عَنْ حَالِهِ قَطَعَ ضَرْبَهُ وَاسْتَعَادَ إقْرَارَهُ، فَإِنْ أَقَرَّ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ أَخَذَهُ بِالثَّانِي، وَيَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ مَعَ كَرَاهَةٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْقُضَاةِ.
الْخَامِسُ: أَنَّ لَهُ فِيمَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ الْجَرَائِمُ وَلَمْ يَنْزَجِرْ بِالْحُدُودِ، اسْتِدَامَةَ حَبْسِهِ إذَا أَضَرَّ النَّاسَ بِجَرِيمَةٍ حَتَّى يَمُوتَ، وَيَقُوتُهُ وَيَكْسُوهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْقُضَاةِ.
السَّادِسُ: أَنَّ لَهُ إحْلَافَ الْمَتْهُومِ لِاخْتِبَارِ حَالِهِ، وَيُغْلِظُ عَلَيْهِ الْكَشْفَ وَيُحَلِّفُهُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالصَّدَقَةِ كَأَيْمَانِ بَيْعَةِ السُّلْطَانِ، وَلَا يُحَلِّفُ الْقَاضِي أَحَدًا فِي غَيْرِ حَقٍّ، وَلَا يُحَلِّفُ إلَّا بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
السَّابِعُ: أَنَّ لَهُ أَخْذَ الْمُجْرِمِ بِالتَّوْبَةِ قَهْرًا، وَيُظْهِرَ لَهُ مِنْ الْوَعِيدِ مَا يَقُودُهُ إلَيْهَا طَوْعًا، وَيَتَوَعَّدُهُ بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ إرْهَابٌ لَا تَحْقِيقٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعِدَهُ بِالْأَدَبِ دُونَ الْقَتْلِ بِخِلَافِ الْقُضَاةِ.
الثَّامِنُ: أَنَّ لَهُ سَمَاعَ شَهَادَاتِ أَهْلِ الْمِهَنِ إذَا كَثُرَ عَدَدُهُمْ مِمَّنْ لَا يَسْمَعُهُمْ الْقَاضِي.
التَّاسِعُ: أَنَّ لَهُ النَّظَرَ فِي الْمُوَاثَبَاتِ وَإِنْ لَمْ تُوجِبْ غُرْمًا وَلَا حَدًّا، ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثَرٌ سَمِعَ قَوْلَ السَّابِقِ بِالدَّعْوَى، وَإِنْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا أَثَرٌ فَقِيلَ يَبْدَأُ سَمَاعَ دَعْوَى ذِي الْأَثَرِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ يَبْدَأُ بِسَمَاعِ السَّابِقِ وَالْمُبْتَدِئُ بِالْمُوَاثَبَةِ أَعْظَمُ جُرْمًا وَتَأْدِيبًا، وَيَخْتَلِفُ تَأْدِيبُهُمَا بِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْجُرْمِ وَبِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْهَيْبَةِ وَالتَّصَاوُنِ، وَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي قَمْعِ السَّفَلَةِ، بِإِشْهَارِهِمْ بِجَرَائِمِهِمْ فَعَلَ، فَهَذِهِ الْوُجُوهُ التِّسْعَةُ مُجَرَّدُ الِاتِّهَامِ بِالْجَرَائِمِ، وَيَظْهَرُ بِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ. انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْقُضَاةِ تَعَاطِيَ كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، أَمَّا كَوْنُهُ يَسْمَعُ قَذْفَ الْمَتْهُومِ مِنْ أَعْوَانِ الْأَمَارَةِ، فَقَدْ اسْتَحَبُّوا لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ كَاشِفًا قَدْ ارْتَضَاهُ يَكْشِفُ لَهُ عَنْ أَحْوَالِ الشُّهُودِ فِي السِّرِّ، وَيَقْبَلَ مِنْهُ مَا نَقَلَ إلَيْهِ، وَقَالُوا:
يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَبْطِنَ أَهْلَ الدِّينِ وَالْأَمَانَةِ وَالْعَدَالَةِ لِيَسْتَعِينَ بِهِمْ عَلَى مَا هُوَ بِسَبِيلِهِ، وَيَقْوَى عَلَى التَّوَصُّلِ إلَى مَا يَنُوبُهُ، وَقَدْ أَجَازُوا التَّجْرِيحَ بِوَاحِدٍ عَدْلٍ إذَا كَانُوا بِمَسْأَلَةِ الْقَاضِي، وَأَجَازُوا التَّجْرِيحَ فِي السِّرِّ، وَيَقْبَلُ الْقَاضِي ذَلِكَ مِنْ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ، وَهَذَا نَحْوُ مَا ذَكَرَهُ فِي أَعْوَانِ الْأَمَارَاتِ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ يُرَاعِي شَاهِدَ الْحَالِ، فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي مُرَاعَاةُ شَوَاهِدِ الْأَحْوَالِ، وَقَدْ ذَكَرْته فِي بَابِ الْحُكْمِ بِالْقَرَائِنِ وَالدَّلَائِلِ، وَأَمَّا تَعْجِيلُ حَبْسِ الْمَتْهُومِ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَالْكَشْفِ وَمُدَّتُهُ شَهْرٌ، فَذَلِكَ أَيْضًا لِلْقَاضِي، قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ: مَنْ أَتَى الْقَاضِيَ مُتَعَلِّقًا بِرَجُلٍ يَرْمِيهِ بِدَمِ وَلِيِّهِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ إذَا جَاءَهُ مِثْلُ هَذَا، فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ وَلِيُّ الدَّمِ، فَإِنْ أَثْبَتَ لَهُ تَعَدُّدَهُ مِنْ الْمُدَّعِي دَمَهُ كَشَفَ هَلْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى دَعْوَاهُ؟ فَإِنْ ادَّعَى ثُبُوتَ ذَلِكَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ مِنْ الْغَدِ، أَمَرَ الْقَاضِي بِحَبْسِ الْمُدَّعِي. وَإِنْ أَثْبَتَ التَّعَدُّدَ وَلَمْ تَحْضُرْهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الدَّمِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ، إنْ كَانَ الْمُدَّعِي مُتَّهَمًا أَطَالَ فِي حَبْسِهِ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا إلَى الثَّلَاثِينَ، إنْ كَانَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فَالْيَوْمَيْنِ أَوْ نَحْوَهُمَا، فَإِنْ أَتَى طَالِبُ الدَّمِ فِي دَاخِلِ الْمُدَّةِ بِسَبَبٍ قَوِيٍّ سَقَطَ هَذَا الْحُكْمُ وَوَجَبَتْ الزِّيَادَةُ فِي حَبْسِهِ عَلَى مَا يَرَاهُ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ يَجُوزُ لَهُ مَعَ قُوَّةِ التُّهْمَةِ ضَرْبُ الْمَتْهُومِ ضَرْبَ تَقْرِيرٍ، فَذَلِكَ عِنْدَنَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَعَاطِيهِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ قَرِيبًا فِي الدَّعَاوَى عَلَى أَهْلِ التُّهَمِ وَالْعُدْوَانِ، وَلَكِنْ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ صِفَةِ ضَرْبِ الْحُدُودِ، وَلَا يُعَاقِبُهُمْ بِغَيْرِ الْعُقُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ.
فَفِي الْبَيَانِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ عَذَابِ اللُّصُوصِ بِالدُّهْنِ وَبِهَذِهِ الْخَنَافِسِ الَّتِي تُحْمَلُ عَلَى بُطُونِهِمْ، فَقَالَ: لَا يَحِلُّ هَذَا، إنَّمَا هُوَ السَّوْطُ أَوْ السِّجْنُ قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْت إنْ لَمْ تَجِدْ فِي ظَهْرِهِ مُضْرَبًا أَتَرَى أَنْ يُسَطَّحَ فَيُضْرَبَ فِي بَيْتِهِ؟ فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ مَا أَرَى ذَلِكَ، إنَّمَا عَلَيْك مَا عَلَيْك، وَإِنَّمَا هُوَ الضَّرْبُ فِي الظَّهْرِ بِالسَّوْطِ وَالسِّجْنُ، قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْت إنْ مَاتَ بِالسَّوْطِ؟ قَالَ: إنَّمَا عَلَيْك مَا عَلَيْك.
مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ هَذَا الْفَصْلِ مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ، إذَا شَهِدَ رَجُلٌ عَلَى آخَرَ فَقَالَ: رَأَيْته مَعَ فُلَانَةَ أَوْ بَيْنَ فَخِذَيْهَا وَكَانَ الشَّاهِدُ عَدْلًا لَمْ يُعَاقَبْ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ عُوقِبَ، وَلَكِنْ لَا يُعَاقَبُ عُقُوبَةَ تَقْرِيرٍ، بَلْ مِنْ بَابِ الْأَدَبِ وَالزَّجْرِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ لَهُ فِيمَنْ تَكَرَّرَتْ الْجَرَائِمُ وَلَمْ يَنْزَجِرْ بِالْحُدُودِ اسْتِدَامَةَ حَبْسِهِ، فَذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سَهْلٍ فِي الْأَحْكَامِ مَا نَصُّهُ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَاضِي الْجَمَاعَةِ بِقُرْطُبَةَ: فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ فُلَانًا مِمَّنْ يَعْصِرُ الْخَمْرَ وَيَبِيعُهَا وَيُشْرِبُهَا وَيَدَّخِرُهَا، وَيَجْتَمِعُ إلَيْهِ أَهْلُ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ، وَسَأَلَ الْقَاضِي عَنْ ذَلِكَ أَهْلَ الشُّورَى فَأَجَابُوا. أَمَّا شُرْبُ الْخَمْرِ فَفِيهِ الْحَدُّ ثَمَانُونَ سَوْطًا، وَأَمَّا بَيْعُهَا فَإِنَّ الْأَدَبَ عَلَى قَدْرِ مَا يَرْدَعُهُ عَنْ ذَلِكَ وَيَنْهَاهُ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ فَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْحَبْسُ حَتَّى ظَهَرَ مِنْهُ تَوْبَةٌ بَعْدَ الْإِعْذَارِ إلَيْهِ فِيمَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ.
وَذَكَرَ فِي مَسْأَلَةٍ قَبْلَهَا فِيمَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْأَذَى لِلنَّاسِ وَالشَّرِّ وَالرَّدَى وَالْفَسَادِ وَالتَّعَدِّي عَلَى النَّاسِ، أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْأَدَبُ الْمُوجِعُ، وَالْحَبْسُ الطَّوِيلُ، فَإِنَّ الْإِغْلَاظَ عَلَى أَهْلِ الشَّرِّ وَالْقَمْعَ لَهُمْ وَالْأَخْذَ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِمَّا يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ.
وَيُقَالُ مَنْ لَمْ يَمْنَعْ النَّاسَ مِنْ الْبَاطِلِ لَمْ يَحْمِلْهُمْ عَلَى الْحَقِّ، وَذَكَرَ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى مَا نَصُّهُ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي شُهُودٌ أَنَّهُمْ قَالُوا لِفُلَانٍ: قَدْ سَاءَنَا مَا سَمِعْنَا عَنْ وَلَدَيْك مِنْ مَسِيرِهِمَا لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ وَالشَّرِّ إلَى دَارٍ يَسْكُنُهَا فُلَانٌ، فَكَسَرُوا الْبَابَ وَهَجَمُوا عَلَى الْعِيَالِ، وَضَرَبُوا صَاحِبَ الدَّارِ حَتَّى أَشْفَقَ مِنْ الْمَوْتِ وَنَهَبُوا مَا فِي الدَّارِ، وَشَهَّدُوا شُهُودًا عَلَى الْفَعْلَةِ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ وَالشَّرِّ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْعِيَاثَةِ، وَشَاوَرَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ فَأَجَابَهُ الْفُقَهَاءُ: بِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ تُوجِبُ الْأَدَبَ الْبَلِيغَ وَالْحَبْسَ الطَّوِيلَ عَلَى الْفَعَلَةِ، وَقَدْ ذَكَرْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُطَوَّلَةً فِي فَصْلِ عُقُوبَةِ الْمُحَارِبِينَ وَذَكَرْت لَهَا نَظَائِرَ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ لَهُ إحْلَافُ الْمَتْهُومِ لِاخْتِبَارِ حَالِهِ وَأَنَّ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَإِنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ الْمُتَّهَمَ وَهُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ.
وَأَمَّا كَوْنُ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّمَا ذَكَرُوهَا فِي الْوَالِي، يَأْخُذُ الرَّجُلَ شَارِبًا فَيَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ مُكْرَهًا عَلَى أَنْ لَا يُشْرِبَ الْخَمْرَ، أَوْ لَا يَفْسُقَ أَوْ أَنْ لَا يَغُشَّ فِي عَمَلِهِ أَوْ لَا يَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ.