الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الرِّدَّةِ]
ِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ وَهِيَ الْكُفْرُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَتَكُونُ بِصَرِيحٍ وَبِلَفْظٍ يَقْتَضِيهِ وَبِفِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: فَالصَّرِيحُ وَاضِحٌ كَقَوْلِهِ: أُشْرِكُ بِاَللَّهِ أَوْ أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ، وَاللَّفْظُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مِثْلُ أَنْ يَنْسُبَ التَّأْثِيرَ لِلنُّجُومِ، وَمِثْلُ الْخَطِيبِ يَرَى كَافِرًا يُرِيدُ أَنْ يَنْطِقَ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ، فَيَقُولُ لَهُ: اصْبِرْ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِي، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِكُفْرِ الْخَطِيبِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَرَادَ بَقَاءَ الْكُفْرِ، قَالَ: وَهَذَا سَمِعْته مِنْ شَيْخِنَا شِهَابِ الدِّينِ الْقَرَافِيِّ رحمه الله وَلَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ وَنَزَلَتْ فِي أَيَّامِهِ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِآخَرَ: أَمَاتَ اللَّهُ الْبَعِيدَ كَافِرًا، فَأَفْتَى شَرَفُ الدِّينِ الْكَرْكِيُّ بِكُفْرِهِ، قَالَ: لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكْفُرَ بِاَللَّهِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا شِهَابُ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ فِي إرَادَةِ الْكُفْرِ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً لَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّغْلِيظَ فِي الشَّتْمِ وَإِرَادَةُ الْكُفْرِ شَيْءٌ يَئُولُ إلَيْهِ الْأَمْرُ، وَمَا قَالَهُ هُوَ الصَّوَابُ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَاللَّفْظُ الَّذِي يَقْتَضِي الْكُفْرَ كَجَحْدِهِ لِمَا عُلِمَ مِنْ الشَّرِيعَةِ ضَرُورَةً كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ.
قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ وَأَمَّا الْفِعْلُ الَّذِي يَتَضَمَّنُ الْكُفْرَ فَمِثْلُ التَّرَدُّدِ إلَى الْكَنَائِسِ وَالْتِزَامِ الزُّنَّارِ فِي الْأَعْيَادِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَكَتَلْطِيخِ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ بِالنَّجَاسَاتِ وَالِقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ، وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ دَلَّتْ عَلَى الْكُفْرِ، لَا أَنَّهَا هِيَ كُفْرٌ لِمَا قَامَ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى بُطْلَانِ التَّكْفِيرِ بِالذُّنُوبِ.
فَرْعٌ: وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ الْمُجْمَلَةِ، فَقَوْلُ الشُّهُودِ: كَفَرَ فُلَانٌ أَوْ ارْتَدَّ، بَلْ لَا بُدَّ عَنْ تَفْصِيلِ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ مِنْهُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي التَّكْفِيرِ، فَقَدْ يَعْتَقِدُونَ كُفْرًا مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ.
فَرْعٌ: وَلَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ قُرْبٍ وَقَالَ: أَسْلَمْت عَنْ ضِيقٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ غُرْمٍ وَظَهَرَ عِنْدَهُ، فَفِي قَبُولِ عُذْرِهِ قَوْلَانِ، وَأَمَّا لَوْ أَقَامَ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ فَهَذَا يُقْتَلُ وَلَا يُقْبَلُ عُذْرُهُ.
فَرْعٌ: وَلَوْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ اعْتَذَرَ، فَقَدْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نَصْرَانِيٌّ صَحِبَ قَوْمًا فِي السَّفَرِ فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى، وَرُبَّمَا قَدَّمُوهُ فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ أَخْبَرَهُمْ وَقَالَ: صَنَعْت ذَلِكَ تَحَصُّنًا بِالْإِسْلَامِ لِئَلَّا يُؤْخَذَ مَا مَعِي، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْعُذْرِ فَذَلِكَ لَهُ إنْ أَشْبَهَ مَا قَالَ، وَيُعِيدُونَ مَا صَلَّوْا خَلْفَهُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ.
وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ مِثْلَهُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ فَدَارَى عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ هُوَ فِيهِ آمِنٌ فَلْيُعْرِضْ عليه السلام، فَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْقَوْمِ إعَادَةٌ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ قُتِلَ وَيُعِيدُونَ.
مَسْأَلَةٌ: وَحُكْمُ الْمُرْتَدِّ إنْ لَمْ تَظْهَرْ تَوْبَتُهُ الْقَتْلُ.
مَسْأَلَةٌ: وَالرِّدَّةُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ مِمَّنْ كَانَ مِنْ الزَّوْجَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهَا فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا عَلِمْت أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا ارْتَدَّ أَنَّهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، حَاشَا عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ وَلَا يُسْتَتَابُ.
فَرْعٌ: وَفِي وُجُوبِ إمْهَالِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَوْلَانِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُطْعَمُ مَا يَكْفِيهِ عَنْ مَالِهِ وَلَا يُوَسَّعُ عَلَيْهِ، قَالَ أَصْبَغُ: وَيُخَوَّفُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ بِالْقَتْلِ وَيُذْكَرُ الْإِسْلَامُ وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُخَوَّفُ وَلَا يُجَوَّعُ وَلَا يُعَطَّشُ وَلَا يُعَاقَبُ، وَأَمَّا مَالُهُ فَيُوقَفُ، فَإِنْ تَابَ فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ كَافِرًا لَا عَهْدَ لَهُ، فَيَكُونُ كَفَيْءٍ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ.
فَرْعٌ: وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فِي أَيَّامِ الِاسْتِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا عَلَى عِيَالِهِ، ابْنُ رَاشِدٍ وَأَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ مَشْهُورَةٌ فِي مَحَلِّهَا مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.