الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْمَكْرُوهُ: مَا يُؤَدِّي إلَى أَسْلِفْنِي وَأُسَلِّفْك، مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ بِدَنَانِيرَ فَيُنْكِرَهُ صَاحِبُهُ، فَيَصْطَلِحَانِ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِمَا يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ إلَى أَجَلٍ.
وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ: الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي الصُّلْحِ عَلَى الْقَذْفِ وَسَيَأْتِي.
[فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي الْمُصَالِحِ وَالْمُصَالَحِ أَهْلِيَّةُ الْمُعَامَلَةِ]
وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ غَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أَمْ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُصَالِحَ رَجُلٌ رَجُلًا عَنْ دَيْنٍ وَعَلَى رَجُلٍ آخَرُ وَيَلْزَمُ الْمُصَالِحُ مَا صَالَحَ بِهِ
فَرْعٌ: وَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ وَعَلَى الِافْتِدَاءِ مِنْ الْيَمِينِ وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، وَلَا يَحِلُّ لِلظَّالِمِ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا.
فَرْعٌ: فَلَوْ أَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بَعْدَ ذَلِكَ نُقِضَ الصُّلْحُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ غَلَبَةً، فَلَوْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الطَّالِبُ فَلَهُ نَقْضُ الصُّلْحِ، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ فِي الِاسْتِعْلَامِ وَالْبَحْثِ.
فَرْعٌ: وَاخْتُلِفَ فِي الصُّلْحِ عَلَى الْقَذْفِ فَمَنَعَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَجَازَهُ سَحْنُونٌ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: الْحُدُودُ الَّتِي لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيهَا هِيَ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ الْعَفْوُ كَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا، وَمَا جَازَ فِيهِ الْعَفْوُ جَازَ فِيهِ الصُّلْحُ.
فَرْعٌ: وَصُلْحُ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ عَمَّنْ فِي حِجْرِهِمَا جَائِزٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْقِطَ مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ النَّظَرِ، وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ فِي الْأَبِ يُصَالِحُ عَنْ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ بِبَعْضِ حَقِّهَا مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَحَقُّهَا بَيِّنٌ لَا خِصَامَ فِيهِ، أَنَّ صُلْحَهُ غَيْرُ جَائِزٍ إذْ لَا نَظَرَ فِيهِ، وَتَرْجِعُ الِابْنَةُ بِبَقِيَّتِهِ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْأَبِ إلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَ لَهُ بِمَا يُدْرِكُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ دَرَكٍ، وَلَوْ كَانَ عَدِيمًا طَالَبَتْ أَبَاهَا بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِ مَالِكٍ.
فَرْعٌ: وَفِي الطُّرُرِ لِابْنِ عَاتٍ: وَصُلْحُ الْوَصِيِّ عَنْ الْيَتِيمِ فِيمَا طُلِبَ بِهِ أَوْ طُلِبَ مِنْهُ، فِي أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ حَقِّهِ وَيَضَعَ بَعْضَهُ إذَا خَشِيَ أَنْ لَا يَصِحَّ لَهُ مَا ادَّعَاهُ، أَوْ بِأَنْ يُعْطِيَ مِنْ مَالِهِ مَا يُطْلَبُ بِهِ إذَا خَشِيَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ جَائِزٌ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ حَقِّهِ وَيَضَعَ بَعْضَهُ إذَا خَشِيَ ذَلِكَ بِخِلَافِ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ بِبَعْضِ مَا طُلِبَ مِنْهُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَفِعْلُ الْوَصِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى النَّظَرِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ، فَإِنْ قَامَ أَحَدٌ بِنَقْضِهِ نَظَرَ فِيهِ الْقَاضِي، فَإِنْ رَأَى فِيهِ ضَرَرًا بِالْيَتِيمِ نَقَضَهُ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
فَرْعٌ: وَفِي الْكَافِي لِأَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الصَّانِعِ تَضِيعُ عِنْدَهُ السِّلْعَةُ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا، ثُمَّ تُوجَدُ أَنَّهَا لِلصَّانِعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ عَبْدَهُ فَأَنْكَرَهُ فَصَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ وُجِدَ الْعَبْدُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى: هُوَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا يُنْقَضُ الصُّلْحُ مَعِيبًا كَانَ أَوْ صَحِيحًا إلَّا أَنْ يَجِدَهُ عِنْدَهُ قَدْ أَخْفَاهُ فَيَكُونُ لِرَبِّهِ.
وَفِي التَّهْذِيبِ فِي الْمُكْتَرِي يَتَعَدَّى بِالدَّابَّةِ مَوْضِعَ الْكِرَاءِ فَتَضِلُّ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا ثُمَّ تُوجَدُ هِيَ لِلْمُكْتَرِي.
فَرْعٌ: وَفِي الطُّرُرِ عَلَى التَّهْذِيبِ لِأَبِي إبْرَاهِيمَ الْأَعْرَجِ، قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: لَوْ أَنَّ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ وَثِيقَةً بِذِكْرِ حَقٍّ فَضَاعَتْ وَأَنْكَرَهُ الْمَطْلُوبُ، الْمَطْلُوبَ، فَصَالَحَهُ بِبَعْضِ حَقِّهِ ثُمَّ وَجَدَ الْوَثِيقَةَ، حَلَفَ وَيَرْجِعُ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ.
فَرْعٌ: إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَ وَرَثَةٍ وَضَمِنَ حَاضِرُهُمْ فَأَمَرَ غَائِبَهُمْ فَأَنْكَرَ الصُّلْحَ، أَوْ ادَّعَى الْغَائِبُ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ وَفُسِخَ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ أَنْ يَتَقَيَّدَ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ الصُّلْحِ أَنَّهُ أَسْقَطَ الْبَيِّنَاتِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْقِيَامُ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِهَا أَوْ لَا، قَالَ حَمْدِيسٌ إذَا صَالَحَ وَلَهُ بَيِّنَةٌ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَيَّدْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَلَهُ الْقِيَامُ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يُعْلَمْ بِهَا بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا، وَتَكُونُ يَمِينُهُ بَعْدَ الْقِيَامِ وَقَبُولِ الْحَاكِمِ لَهَا.